أشكرك أستاذه ريمه وأقول :

لقد قمت بشرح هذا الموضوع في أكثر من موقع , وتعرضت لأسئلة جمة , وحوارات كثير أعيتني حقاً , فكنت لا أجد في المناقشة مع الغير إلا الجدل الممقوت , وعلى كل حال , سأضع لكم ما قلته عن ( الإيقاع الشعري ) أدناه , ولكم ما تختارونه , شاكراً لكم اهتمامكم .
انظر الرابط وبعد ذلك الشرح:
http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=44152


[TR]

[/TR]
مفهوم الإيقاع الشعري الموسيقي
من قلم غالب احمد الغول
@@@@@@@@@@@
نحن الآن أمام أكثر من تعريف لكلمة إيقاع , ولكن الواضح منها والذي يهمنا , هما تعريفان يرددهما النقاد في كل مناسبة :

الإيقاع الخارجي:
الإيقاع الداخلي :

وعلينا أن نعطي الكلمة أبعادها العلمية الواضحة والراسخة , لكي لا تختلط الموازين , وتختلف الآراء حول مفهوم الإيقاع .

وهنا يمكن القول بأن للإيقاع مفهوم علمي موسيقي واضح , وهذا المفهوم إذا فهمنا أبعاده نكون قد فرقنا به بين الإيقاع الشعري بانتظام حركاته وانتظام أزمانه وهو( الإيقاع الخارجي ) , وبين الموسيقا النثرية , جناسها وطباقها ومحسناتها اللفظية وجرس كلماتها , ( وهو الموسيقى الداخلية وليس الإيقاع الداخلي ).

فكلمة (إيقاع) , يشترط فيه الانتظام في الحركة والزمن , وتناسب الزمن أو تساويه بين وحداته الإيقاعية شرط من شروطه , ومن هذا المنطلق يمكن أن ننشد القصيدة أو أن نغنيها أو يمكن أن نخلق رقصاً إيقاعياً منتظماً في الحركات , ليتخلل هذا الإيقاع كله فواصل بين كل جملة إيقاعية وأخرى ( وهذه هي الوحدات الإيقاعية المحصورة العدد بنبراتها والتي نطلق عليها (التفاعيل ) ولا يتمتع بهذا الإيقاع إلا الشعر بإنشاده , أو غنائه , أو بالرقص الشرقي بانتظام حركاته , ومن هنا يمكن القول ’ لا شعر من غير إيقاع شعري , يتماشى مع دقات الدف أو الطبل في انتظام مسافاته الزمنية ,عند إنشاده , وهذه الميزات لا توجد في النثر , لأن النثر لا يمكن أن نخلق له نبرات متساوية أو متناسبة في أزمانها الموسيقية , وإن فعلنا ذلك فإنه ينقلب إلى شعر .

فالإيقاع بهذا الشرح والتعريف يبعده عن الجملة النثرية , ويقربه من الشعر , وإلا ما فائدة علم العروض بتفاعيله وبحوره ؟؟؟

وإذا أردنا أن نخلط الأوراق لنجعل الإيقاع كلمة تساير النثر والشعر معاً , فيعني هذا أن كل ما نقرأه أو نكتبه هو شعر إيقاعي , وهذا مرفوض بالمنطق العلمي الصريح ,لأننا سنهدم تراثنا بأيدينا , كمن يضرب رأسه بفأسه , لنصل بعدها إلى عدم حاجتنا إلى علم الشعر والعروض , أو لا حاجة لنا في النشيد المدرسي والوطني الذي يعتمد الإيقاع متنفساً له ليعطي النفس إحساساً برصانة الكلمة العربية المؤثرة عند الغناء أو الإنشاد .

إن الإيقاع الخارجي بمفهومنا العملي وبالمفهوم الموسيقي العلمي لا يخرج عن كونه انتظام الحركة والزمن بين وحداته ( التفاعيل ) الإيقاعية والموسيقية معا.ً .

أما كلمة موسيقا , فهي اللحن بشكل عام , قد يكون هذا اللحن إيقاعي , وقد يكون عشوائي الإيقاع , ويمكن القول بأن قصيدة النثر تتمتع بأجواء موسيقية , وبموسيقى داخلية أو خارجية , ومن الخطأ أن نقول بأن لها إيقاع داخلي أو خارجي , لأن عباراتها وكلماتها عشوائية لا انتظام فيها .

ومن هنا يمكن القول بأن مفهوم الإيقاع قد دخلت فيه مفاهيم خاطئة قد يكون القصد منها تداخل وتمازج الفنون الأدبية في مسيرتها دون تمييز بين النثر والشعر لكي يصل هؤلاء إلى بعض ما نادى به الغربيون حول قصيدة النثر بإيقاعاتهم التي تخصهم , وبتعريفهم الذي يخصهم .

وأأكد القول بأن مفهوم الإيقاع قد تطور تطوراً خطيراً , فيه كثير من المفاهيم المعقدة التي خرجت عن المفهوم التقليدي القديم والموسيقي الحديث , والذي يهتم في الانتظام الحركي وفي الانتظام الزمني مع وجود وحدات إيقاعية ثابتة تتحكم في هذا الانتظام , ألا وهي التفاعيل العروضية , ليكون الإيقاع خاصية شعرية بمفهومه المنتظم في الحركة والزمن , مما لا يسمح لأي فقرة نثرية أن تتمتع بميزات إيقاعية موسيقية تتناسب فيها النبرات والنغمات والأدوار الموسيقية , بل تتمتع بموسيقى داخلية فقط , وليس بإيقاع داخلي ,لأنه لا يربطها انتظام في الحركات والسكنات والنبرات .

وظهر في عصرنا هذا مفهوم جديد للإيقاع وهو الإيقاع الداخلي ( الموسيقا الداخلية ) الذي برز مع الدراسات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية لقصيدة النثر , حيث أوجدوا للإيقاع مفاهيم دلالية وبلاغية ومرئية , لكنها بالمفهوم العام للشعراء فهو الإيقاع الذي ينسجم فيه المتلقي مع النغمات اللفظية , والذي يشكل مع الإيقاع الخارجي ( الوزن والقافية ) بنية حسية وذوقية وإيقاعية متكاملة , لا يفصل أحدهما عن الآخر ,

وكثر النقاد حول هذه المفاهيم دون أن يجدوا تعريفاً دقيقاً لأقوالهم لأقوالهم للفصل بين هذه الإيقاعات, ومنهم من جعل الإيقاع متماشياً مع نبر الكلمات سواء أكان شعراً أم نثراً , وهذا النوع من الإيقاع ( كيفي ) لا (كمي) , وفي هذا خلط كبير لعدم إمكانية التفريق بين الشعر والنثر .



ومنهم من اعتبر الإيقاع شيئاً من طبيعة اللغة عامة أي أنه خاصية شعرية ونثرية , وهذا يعتبر نقيض لمبدأ الانتظام الإيقاعي , وفيه خلط بين الشعر والنثر بشكل عام .

ومنهم من اعتبر الإيقاع نغمات تتداخل في حروف الكلمات اللغوية فيها الارتفاع والانخفاض ,وهذه موسيقة غير إيقاعية عامة في كل الأشكال الأدبية نثرية كانت أو شعرية ,وبهذا الحال لا يمكن التفريق بين قصيدة النثر أو بين قصيدة التفعيلة أو حتى أي قراءة نثرية , ويقول الدكتور عبد الحميد حمام في هذا الخصوص ما يناقض قولهم قائلاً : ((( إن لكلمة إيقاع في الموسيقى دلالة تختلف عنها في الأدب , وتقتصر على معالجة المدة الزمنية والنبر , أما ارتفاع الطبقة وانخفاضها والإعادات والتعبير فتتبع لعناصر أخرى مثل اللحن والطبقة والشكل البنائي ))).

ولقد استعمل العرب قديماً كلمة الوزن لتعني الإيقاع , ونسبوه للشعر بشكل خاص , وللأوزان الصرفية بشكل عام , ولكنهم قصدوا به الانتظام في الحركة والزمن أي الانتظام النغمي الموسيقي في الشعر .

ومع انفصال الشعر عن الموسيقى , بدأ النقاد يخلطون لغوياً بين الإيقاع بمفهومه المنتظم وبين الموسيقا بمفهومها اللغوي البعيد عن الانتظام , فمنهم من يقول : إيقاع الزمن وإيقاع الحرف , وإيقاع الجملة والكلمة والرياح والماء والقلب وغيرها , وما هي إلا أصوات موسيقية لا يربطها انتظام في حركة أو زمن .
وبخاصة عندما اتسعت دراستهم وتبنوا مباديء الشعر الجديد عند رامبو وبودلير، ورفضو القديم , وجاؤوا بقصيدة النثر التي قدمها أدونيس والخال وغيرهم , أو عندما تمت ترجمة رسالة دكتوراه الباحثة الفرنسية سوزان برنار حول هذا الموضوع والتي كان عنوانها (قصيدة النثر من بودلير الى اليوم).

ووصلت الثقافة العربية إلى الثقافات اليونانية والفرنسية والأوربية واستعملوا الايقاع أو ( الريتم ) في الشعر اليوناني سواء أكان هذا الإيقاع يتسم بالانتظام أم يخلو منه , ولم يجدوا للإيقاع تعريفاً دقيقاً , ويبقى تعريف الإيقاع بلغة الشعر والموسيقى من أدق التعريفات وأوضحها .

والذي يهمنا في هذه الدراسة هو الإيقاع الشعري الموسيقي ( الكمي ),والذي نعتبره عماد الشعر , فلا شعر من غير إيقاع , والذي يعني التكرار وتوقعه, ويتخلله زمن ثابت , تلازمه الحركات اللفظية والمعنوية بجرس الكلمات وأنماطها ونبراتها, ليرتبط الزمن بالوحدات الإيقاعية التي هي أساس للانتظام الإيقاعي الموسيقي المحض , ويرتبط الإيقاع بالعروض والشعر , ليميز الشعر عما سواه..
ونتناول الآن ما قيل عن الإيقاع الشعري الموسيقي :
لقد ربط السجلماسي بين الإيقاع والوزن فقال:
“الشعر هو الكلام المخيّل المؤلف من أقوال موزونة ومتساوية وعند العرب مقفاة، ومعنى كونها موزونة، أن يكون لها عدد إيقاعي, ومعنى كونها متساوية هو ان يكون كل قول منها مؤلفاً من أقوال إيقاعية، فانّ عدد زمانه مساوٍ لعدد زمان الاخر”.
وهذا النوع من الإيقاع لا يوجد في النثر بشكل عام .

وأما الإيقاع في الاصطلاح الموسيقي فهو :

النقلة على النغمة في أزمنة محدودة المقادير والنسب، أو تقدير لزمان النقرات، في أزمنة تتوالى متساوية وكل واحد منها يسمى دوراً، ويعتبر الإيقاع من أبرز العناصر المميزة للخطاب الشعري وهو مفهوم واسع شامل.
وهذا النوع من الإيقاع لا يوجد في النثر بشكل عام .

أمْا عن وظيفة الإيقاع فيقول الدكتور عبدالرضا علي:

((( والإيقاع عنصر أساس في الفنون كافة وعلى أنحاء مختلفة، لكنه في الشعر يأخذ شكلاً منظماً ومهندساً استناداً إلى معايير علم العروض وقوانينه فيما أصطُلح عليه بـ(الوزن الشعري))))
وهذا النوع من الإيقاع لا يوجد في النثر بشكل عام .
ويقول الخوارزمي :
الإيقاع هو النقلة على النغم في أزمنة محددة المقادير .
وأيضاً هذا الإيقاع لا يوجد في النثر .
ويقول محمود شاكر :
الإيقاع : لفظ موضوع للدلالة على كل كلام شريف المعنى نبيل المبنى محكم اللفظ يضبطه إيقاع متناسب الأجزاء وينظمه نغم ظاهر للسمع مفرط الإحكام والدقة في تنزيل الألفاظ وجرس حروفها في مواضعها منه , لينبعث عن جميعها لحن تتجاوب أصداؤه من ظاهر لفظه ومن باطن معانيه وهذا اللحن المتكامل هو الذي نسميه القصيدة ))
وهذا القول لا ينطبق على النثر بأي حال .
ويقول العياشي :
((إذا بطل النظام بطل الإيقاع ))
وهذا لا يوجد في النثر عامة .

ويضيف الدكتور شوقي ضيف قائلاً :

(((((والموسيقى ــ الإيقاعية ــ هي التي تحرّك المتلقي وتجعله ينفعل وتثير فيه إحساساً وجدانياً غريباً تجعله يشعر بما يسمع من أبيات شعرية متناسقة ذات تناغم يقرب من الغناء، وقد ربط د. شوقي ضيف بين موسيقى الشعر والغناء، كما ربط بين موسيقى الشعر والرقص إذ قال:

“ارتبطت موسيقى شعرنا تاريخياً لا بالغناء وحده، بل أيضاً بالرقص وأمّا الغناء فصلته بالشعر لاتزال ماثلة، ومما لايرقى إليه الشك أنها كانت صلة وثيقة عند قدمائنا، إذْ يقال إنّ الغناء الجاهلي كان على ثلاثة أوجه هي:

النّصب:
والسِّناد:
والهزج:

أمّا النصب : فكان يخرج من أصل الطويل في العروض.
وكان السِّناد: كثير النغمات والنبرات،.
أمّا الهزج: فكان يُرقص عليه ويصحب بالدف والمزمار.

ومعنى هذا أنّ هناك علاقة تاريخية وقديمة بين الشعر والغناء والرقص من خلال ما يحدثه إيقاع الشعر من أنغام،))))
وهذا كله لا يوجد في النثر بشكل عام .

وقد عبَّر حسان بن ثابت عن هذه العلاقة بين الشعر والغناء إذ قال:

(((( تغنَّ بالشعر إمّا كنت قائله
إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارٌ ))))

انتهى البحث / 26/9/2010