ربيع عربي متذبذب بين "حراك" بلا سياسة، وسياسة بلا ثقافة، وثقافة بلا فلسفة..
الفلسفة، ثم الثقافة، ثم السياسة، ثم الحركة..
هي القنوات التي تمر عبرها سيرورة التاريخ، والتي بها تُصْنَع الحضارات، والتي إليها تَسْتَنِد مشاريع النهضة..
الحركة تستدعيها السياسة، والسياسة تستدعيها الثقافة، والثقافة تستدعيها الفلسفة..
هذا هو الترتيب الموضوعي لسلامة البناء والفعل في العقل وعلى الأرض..
بالفلسفة نفسِّر الوجود..
وبالثقافة نفسِّر "المكان والزمان" الممتدين، بالاستناد إلى فلسفة تفسِّر الوجود..
وبالسياسة نفسِّر "المكان والزمان" المحَدَّدين، بالاستناد إلى ثقافة تفسِّر "المكان والزمان" الممتدين..
وبالحركة ندفع السياسة، كي تنزل من أبراج "المثقفين"، وتعانق إرادات "الثائرين"..
فالحركة – أي "الثورة" – التي لا تؤدي إليها "السياسة" – أي "المشروع السياسي" – ليست سوى "فوضى مجتمعية"..
والسياسة – أي "المشروع السياسي" – الذي لا يرتكز إلى ثقافة – أي إلى "رؤية فكرية" – هي مجرد "بلطجة مؤسسية"..
والثقافة – أي "الرؤية الفكرية" – التي لا ترتكز إلى فلسفة – إلى إلى "تفسير للوجود" – لا تعدو أن تكون "هرطقة عقلية"..
لذلك فإن ما حصل فيما أطلق عليه "الربيع العربي"، إذا قرأناه في ضوء تلك البُنية التوافقية بين "الفعل الذهني" و"الفعل الميداني"، وبسبب غياب "المشروع السياسي" أحيانا"، وغياب "الرؤية الفكرية" غالبا، وغياب "التفسير الفلسفي للوجود" دائما، يقع في عمومه داخل مساحةٍ تمتد من "الفوضى المجتمعية" إلى "الهرطقة العقلية"..
وليس فيه أيُّ شيء يدل على أننا أمام "مشروع حضاري نهضوي"، تصنعه الفلسفة وهي تلدُ الثقافة، والثقافة وهي تلدُ السياسة، والسياسة وهي تلدُ الثورة..
ولكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن بنيتَنا المجتمعية بالكامل تتعرض لخلخلة في كلِّ أساساتها المهترئة القائمة، كي تُهْدَم ويُعاد بناء مجتمعاتنا من جديد وعلى أسس جديدة، بعد أن لم يعد يصلح معه أن تخضع لأيِّ ترميم..
وعملية الهدم وإعادة التأسيس لبناءٍ جديد، من الطبيعي أن تُحْدِثَ حالةَ ارتباك أشبه بالزلزال الذي لن نستطيع استعادة أنفاسنا بعده لبناء بيوتنا من جديد على قواعد بناء مختلفة، إلا عندما تنتهي كلُّ تداعياته، التي ستحدِّد لنا هي والزلزال الذي نتجت عنه مكونات أُسُس البناء الجديدة..