الاميرة الاشورية سورما خانم سيرة قومية رائدة - الجزء الخامس

انطوان دنخا الصنا

في عام 1928 اطلقت الحكومة البريطانية لقب (الاميرة الاشورية) على المناضلة القومية الشجاعة المعروفة (سورما خانم) لشخصيتها الكارزماتيكية الديناميكية الجذابة والقوية والمقنعة والملهمة على التأثير في الاحداث وتمتعها بذكاء حاد وثقافة واسعة وامتلاكها صفات قيادية فذة حيث كان لها القدرة على اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة وناضجة ونافذة انية تتبلور من خلال الحوارات والاجتماعات والمؤتمرات والنشاطات التي كانت تحضرها من اجل قضايا شعبها وامتها لهذا كانت تحظى بأحترم الناس وينظر اليها على انها قائدة واميرة تستطيع تحمل المسؤولية بجدارة ...

عاشت الاميرة الاشورية سورما خانم وترعرعت في اجواء عائلة دينية وقومية مثالية حيث لم تكن عائلة سورما خانم عائلة دينية وقومية عريقة فحسب بل كانت بحق عائلة مقدسة وتربت على القيم والمثل العليا في التضحية والحب والخير والايثار ونكران الذات والاخلاص والثبات وتحمل الصعاب والمسؤوليات في سبيل حقوق الامة ومستقبلها هذه العوامل وغيرها ساهمت في صقل شخصيتها المتميزة والفريدة وجسدت فعليا شخصية الملكات والاميرات الاشوريات اللواتي كان لهن دورا تاريخيا مهما في حياة امتنا العريقة امثال الملكة الاشورية (شمورامات) (سميراميس بحسب اللفظ اليوناني) أو (شميرام) كما نسميها نحن اليوم ...

1 - ولادتها ونشأتها
-----
ولدت الاميرة الاشورية سورما خانم في قرية قوجانس في منطقة هكاري شرق تركيا احدى مناطق شعبنا التاريخية بتاريخ 27 كانون الثاني 1883 وهي البنت البكر للمرحوم الشماس (ايشايا وزوجته اسيت) كان لهما ثمانية ابناء منهم ستة من الذكور واثنتان من الاناث وحسب تسلسلهم العمري من الكبير الى الاصغر هم (1 - سورما - 2 - رومي - 3 - بنيامين - 4 - بولس - 5 - داود - 6 - هرمز - 7 - زيا - 8 - ايشعيا) عاصرت سورما خانم حياة البطاركة الثلاثة وهم كل من البطريرك (امير وقمر شهداء شعبنا مار بنيامين شمعون للاطلاع الرابط ادناه ومار بولس شمعون ومار ايشاي شمعون ابن الجنرال داوود ) والاخير كان اخر البطاركة الشمعونيون حيث قتل غدرا وخيانة عام 1975 في مدينة سان هوزية بولاية كاليفورنيا الامريكية وتسلم رئاسة الكرسي البطريركي من بعدة عام 1976 البطريرك الحالي قداسة (مار دنخا الرابع) اطال الله في عمره بطريركا على كنيسة المشرق الاشورية في العراق والعالم ...

وهنا لابد من الاشارة ان سورما خانم كرست ونذرت جل حياتها ومنذ نعومة اظافرها وهي في الربيع الثالث عشر من عمرها لخدمة اخوتها وبشكل خاص البطاركة منهم لكونها بكر والديها حيث واجهت مشاكل صعبة ومعقدة تتعلق بحقوق وهموم شعبنا وقدسية مبادىء كنيستها والزمت نفسها بتقاليد عائلتها الدينية المحافظة وعاشت حياة رهبنة حقيقية بأيمان وانقطعت عن اكل اللحوم واكتفت بتناول الفواكه والخضروات طيلة فترة وجودها في مدينة قوجانس في هكاري لغاية عام 1915 وقطعت عهدا على نفسها ان تعيش حياة العزوبية وعدم الزواج لحين حصول شعبها وامتها على كامل حقوقها المشروعة وتحقيق حلمها القومي في اقامة كيان لامتها في ارضها التاريخية ...

وسورما خانم نهلت ورشفت علومها الثقافية والسياسية والعلمية والادبية وتعلمت التحدث باللغة الانكليزية بطلاقة وتوسعت مداركها بقضايا شعبها وما يجري في العالم والمنطقة من تطورات وتغيرات سياسية وامنية من المبشر البريطاني الدكتور (براون) وهو من اسقفية (كانتربيري) الذي كان ينشر تعاليم المذهب البروتستانتي في اقليم هكاري حيث توفى في مدينة قوجانس عام 1910 ودفن في مقبرتها الصغيرة وحزنت سورما خانم لوفاته كثيرا ...

وهنا جدير بالاشارة ان سورما خانم استطاعت بتأثيرها الشخصي على الدكتور (براون وجورج ريد) من فتح 80 مدرسة في قرى منطقة هكاري وبين جبالها الشاهقة هدفها توزيع الكتب والقرطاسية اللازمة للطلبة للتوعية والتعليم كذلك توزيع بعض الادوية على سكان تلك القرى والذين كانوا بأمس الحاجة لها انه عمل تطوعي كبير رائع لخدمة ابناء شعبنا واحيانا كانت سورما خانم تعيش اوقاتا كثيرة لوحدها متأملة وخاصة عندما تواجهها المشاكل او تتهيأ لأتخاذ قرارات خطيرة وحاسمة تلجأ الى الانفراد والتأمل والتمحيص والتفكير العميق المتأني بهدف استحضار وايجاد الحلول الصحيحة والمتوازنة كما كانت كثيرة العلم والمعرفة بالتاريخ وعلم النجوم ...

2 - تأثير استشهاد اخيها البطريرك مار بنيامين شمعون عليها
------
نقل اثنان من المقاتلين الفرسان العائدين من مرافقة اخيها البطريريك مار بنيامين شمعون خبر استشهاده بتاريخ 3 - 3 - 1918 على يد الغدار سمكو في مدينة كونا شهر في ايران لم تصدقهما الى ان عاد احد الضباط الروس الجرحى المرافقين للشهيد واكد خبر الاستشهاد حيث نزل عليها كالصاعقة والصدمة الذي هز وزلزل كيانها ووجدانها وكيان ابناء شعبنا الاشوري بكت سورما خانم بحرقة والم كثيرا وذرفت الدموع عليه غزيرة لأنها كانت ترى فيه منقذا لشعبنا من محنته وصمام الامان لقيادته الى بر الامان للحصول على كامل حقوقه وصيانة كرامته في تحقيق كيانه القومي لانه كرس حياته كلها فداءا من اجل ذلك الهدف السامي بقت سورما خانم تحت تأثير هول الفاجعة لفترة طويلة ...

حيث كان الشهيد مار بنيامين من اقرب اخوتها لها كان بمثابة صديقها الحميم كانت تشاركه الحضور والرأي في مجالسه واجتماعاته ولقاءاته ورحلاته لوسع ثقافتها وعلومها وقوة شخصيتها والشهيد كان يتمتع بصفات قيادية فريدة ومواقف مبدئية ثابتة وشجاعة فائقة من قضايا وحقوق شعبنا وامتنا مما زاد من سعير الحقد والدسائس والمؤامرات عليه (دوليا واقليميا ومحليا) للتخلص منه لانه كان قائدا من طراز خاص يعرف ماذا يريد ؟ وما هي حقوق شعبنا القومية والتاريخية ؟ المصيبة التي حلت بسورما خانم وعائلتها وشعبنا وامتنا نتيجة فقدان قائدها الديني والقومي كانت جسيمة ولا يمكن تعويضها خاص في تلك الظروف الصعبة وشعبنا يتعرض للتنكيل والقتل والمجازر والتهجير والظلم ...

ففي 29 أيار 1918 م اي بعد مرور اقل من ثلاثة اشهر على استشهاد مار بنيامين اختير أخوه مار بولس شمعون البالغ من العمر 28 عاما بطريركا بدلا من الشهيد مار بنيامين و الذي دامت سلطته ما يقارب السنتان وتوفى بسبب مرض غامض وغير معروف في دير مار متي السرياني في جبل مقلوب بمحافظة نينوى ودفن في كنيسة الارمن في بغداد وهناك شكوك في طريقة وفاته لترك امتنا بدون زعيم بهدف تمرير المخططات المشبوهة ان تولي مار بولس شمعون رئاسة الكرسي البطريركي تم وفق نظام ناطر الكرسي الذي استمر لمدة 650 سنة لغاية 1976 حيث كان وراثيا للاسباب التي اوضحناها في مقالاتنا الاربعة ذات الصلة بالموضوع للاطلاع الرابط ادناه علما ان سورما خانم كانت تتعاون مع شقيقها البطريرك مار بولس شمعون في ادارة وتدبير شؤون الكنيسة والامة ...

3 - اختيار سورما خانم رسميا لتمثيل شعبنا في مؤتمر الصلح في باريس
-----
بتاريخ 2 - 12 - 1919 اختيرت سورما خانم رسميا من قبل اغلب زعماء الكنيسة والعشائر (ماليك) المجتمعون في بغداد برئاسة اخيها البطريرك مار (بولس شمعون) حيث كان وجودهم في بغداد للاحتفال برفع درجة مار (يوسف خنانيشوع) من الاسقفية الى المطرافوليطية وكان الهدف من هذا الاختيار لأرسالها الى مؤتمر الصلح في باريس قصر (فرساي) لطرح قضية شعبنا والمطالبة بحقوقنا القومية والسياسية نتيجة لدورهم المتميز في اندحار الامراطورية العثمانية امام الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا) وبعد نقاش طويل تبودلت فيه الاراء تم اختيار سورما خانم لهذه المهمة الصعبة والمعقدة لتمثيل وفد شعبنا الرئيسي النهريني اما سبب اختيار سورما خانم لهذه المهمة فكان لقوة شخصيتها وتفهمها لحقوق الامة وهموم شعبنا وسعة ثقافتها وذكائها الحاد واتقانها اللغة الانكليزية ...

في اليوم التالي 3 - 12 - 1919 بدأت سورما خانم العمل الجدي والفعلي لتحقيق ما كلفت به من قبل قادة الكنيسة والامة فاجتمعت بالجنرال البريطاني مارشال الذي ابدى سعادته وارتياحه لاختيار ممثل رسمي لشعبنا وامتنا وتعهد بأن حكومته ستكون مساندة لقضية شعبنا في عصبة الامم المتحدة ومؤيدة لحقوقنا المشروعة وقال ايضا لكم كل الحق لانكم اشتركتم الى جانب الحلفاء وانسجاما مع هذا الموقف والتعهد ارسل البطريرك مار (بولس شمعون) رسالة الى المندوب السامي (ارنولد ويلسن) الذي كان يترأس الادارة المدنية في بلاد النهرين عرض فيها رغبة شعبنا الاشوري الشديدة بارسال ممثل عنهم الى مؤتمر السلام في باريس بعد رفض البريطانيين طلبهم اول الامر ...

في شهر ايلول عام 1919 غادرت سورما خانم العراق قاصدة باريس بأمل حضور مؤتمر الصلح في باريس في ظروف لم يكن الاجماع الاشوري كاملا وواضحا في مهمته القومية والسبب لعدم وجود تنسيق بين اعضاء الوفود المدعوة للمؤتمر هذا من جهة ومن جهة اخرى عدم توحيد المطالب القومية حيث تعددت الوفود الاشورية القادمة لحضور المؤتمر من (ايران وسوريا وامريكا وروسيا وتركيا) اضافة الى الوفد النهريني الاساسي برئاسة سورما خانم وبعد مماطلات وحجج وتبريرات عديدة غير مقنعة وصلت سورما خانم الى لندن واحتجزت هناك الى ان انهى مؤتمر باريس اعماله !! علما ان المجتمعين كانوا قد قرروا استقبال مبعوث آشوري حالا وبصورة منفصلة حيث تم استقبال عدد من وفود ابناء شعبنا المشار اليهم في اعلاه لكن دون جدوى فلم يتم تحقيق اي نتائج او توصيات او قرارات لصالح المصلحة القومية العليا لشعبنا وامتنا وذهبت كل الوعود والعهود ادراج الرياح لهذا فشلت مهمة سورما خانم الرئيسية بسبب منعها من حضور جلسات مؤتمر باريس للصلح ...

ورغم كل ذلك حظيت سورما خانم بمقابلات ولقاءات وحوارات مجاملة من اعضاء الوزارة اليريطانية حيث كانت تذكرهم بوعودهم وعهودهم لحقوق شعبنا في تقرير مصيره السياسي واختيار مستقبله وانشاء وطن قومي لهم في ارضه التاريخية من دون ان تفلح في انتزاع وعود وعهود قاطعة حيث بقت هذه الوعود حبيسة الرفوف وحبرا على ورق ومما قاله الانكليز بخصوص مهمتها حان وقت الايفاء بحق شعبنا هو ما جاء على لسان اللورد كيرزون (وزير الخارجية البريطانية انذاك) واضاف حتى هذا (ويقصد الوعود الانكليزية بأيجاد وطن قومي للاشوريين) (لا نستطيع فعله الآن اذ اننا لا نملك القوة الكافية لذلك الاشوريون يرغبون في العودة ويقصد الى اراضيهم التي غادروها اثر دخولهم الحرب مع الحلفاء مع ضمان امنهم وذلك صعب تحقيقه الان وربما يكون ممكنا في الربيع!! ) ...

غريب هذا التهرب والتملص الانكليزي غير المقبول وغير المنطقي من الوعود والعهود والمقرون بأمل ربيعي !! هدفه للتسويف والمماطلة والتخدير علما ان رجوع شعبنا الى اوطانهم في ذلك الوقت كان ممكنا وفقا لمعطيات نتائج الحرب العالمية الاولى فقد كانت تركيا راغبة في الامتثال لاوامر الحلفاء باحترام مؤكد فكيف استطاع الانكليز بقوة ورغبة ودهاء من جلب وتنصيب الامير (الملك) فيصل (1883-1933) من الحجاز السعودية وينصبوه ملكا على اهل العراق بالرغم من ان العديد من العراقيين ومثقفيهم على وجه الخصوص كانوا ضد هذه الفكرة وعارضوها بينما يتنكرون لشعبنا الاشوري في العودة الى اوطانهم وارضهم التاريخية المغتصبة انها خفايا واسرار ومصالح وتناقضات السياسة البريطانية التي لا زال شعبنا يدفع ثمنها لغاية اليوم لكن للتاريخ نقول ان الاميرة الاشورية سورما خانم جاهدت وضحت وبذلت جهودا كبيرة ومضنية في سبيل حشد ودعم وتـأييد دول الحلفاء بريطانيا وفرنسا وروسيا مع قضية شعبنا المشتت في بلاد مابين النهرين ودول الجوار والاغتراب لمساعدته في انشاء وطن قومي له لكن دون جدوى ... انتهى الجزء الخامس - يتبعه الجزء السادس ..

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=565655.0
انطوان دنخا الصنا
مشيكان
antwanprince@yahoo.com

المصدر:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,43682.html