شعرية العتبات الانثوية في الخطابات السردية _ قصص وفاء عبد الرزاق انموذجا
الجزء الاول
المقدمة :
يعد الأدب العربي أدباً ذكورياً بإمتياز من حيث بنيتهِ ,وأسلوبهِ ,ودلالاتهِ وأنساقه الثقافية التي إنبثق منها وتأسس عليها ,والتي شكلت مجمل منظومته الأيدولوجية وبناه الأسلوبية ,فقد سيطرت فكرة الفحولة على الأدب العربي إلى حد كبير لأنه نتاج ثقافية ذكورية قبلية ، لذلك نجد أفضل الألقاب شيوعا هو الفحولة وأكثر لقب يفتخر به الشاعر,بل حتى بعض الأديبات يسعدهنَّ هذا اللقب , فضلاً عن أن اللغة التي أنتجت هذا الأدب بمفهومها القاموسي هي لغة فحولية من حيث الدلالة ,والألفاظ والبنى الدلالية والنحوية والصرفية , فالبنية الذكورية متفشية الى حد كبير في قاموس اللغة العربية حتى نرى أن الكثير من الألفاظ المشتركة بين الجنسين هي الفاظ مذكرة .
ولا يستثنى من ذلك إلا بعض الأديبات اللواتي تميزنَّ بقدرة أدبية إخترقت جدار ذكورة الادب , مثل الخنساء ورابعة العدوية وولادة بنت المستكفي وعائشة بنت الشاطئ ومي زيادة ,وغيرهنَّ ممن حاولن إختراق بنية اللغة الذكورية و الكتابة بواسطتها ادباً نسائياً بعضه لا يختلف عن الأدب الذكوري إلا قليلاَ, و البعض الآخر حاول تقديم أدب يهتم بشؤون المرأة غير أنه لا يعد ادباً انثوياً ،لأنه لم يخرج بعد عن الانساق الثقافية للأدب الذكوري في بنيته البطريركية .
ومع أربعينيات القرن الماضي بدأ الأدب الأنثوي العربي ينحى منحاً آخراً بعيداً عن الخطاب الذكوري لاسيما مع نازك الملائكة , وثورتها على بنية القصيدة العربية القديمة عندما أسهمت باجتراح بنية شعرية جيدة وهي الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة التي على الرغم من أنها أصبحت شائعة حتى في أوساط الرجال غير أنها قصيدة أنثوية من حيث لغتها وبنيتها واسلوبها وموسيقاها, وهناك ايضاً كاتبات كبيرات مثل غادة السمان وجولييت خوري وغيرهن ممن حاولن البحث عن اسلوب أدبي جديد ينطوي على خطاب أنثوي يعبر عن رؤاهن ومشكلاتهن وصراعهن مع الثقافة البطريركية .
وفي الآونة الاخيرة ظهر عدد من الكاتبات العربيات اللواتي حاولنً تكسير النسق الذكوري ,والثورة عليه و إنتاج نسق ثقافي أنثوي يعيد الحياة للعصر الأمومي ويعيد للمراة دورها الحقيقي في المجتمع بجنب الرجل لا خلفة ,و قد كان لهن إسهامات عريضة في عالم الأدب والفكر ,وأسسنًّ لهن حضوراً كبيراً في أنساق الثقافة العربية عندما قدمنً صوتاً انثوياً قوياً ينماز عن الصوت الذكوري ويقابله , حتى لا نكاد نجد حقلًا معرفياً أو ثقافيا أو اجتماعياً وسياسياً إلا ونجد ثمة صوت أنثوي قوي يعبر عنها ويظهر رؤاها ,وأفكارها ووجهة نظرها من الحياة والمجتمع وجملة العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تحكم المجتمع .
ومن بين الأصوات الأدبية الأنثوية العربية تميزت الكاتبة العراقية -وفاء عبدالرزاق- بصوت أنثوي وأضح وبمنجز إبداعي ثرٍ وغزير على نحو غير مسبوق فقد أبدعت بالشعر والقصة والرواية والترجمة والشعر العامي والدراسات النقدية وغيرها مما جعلها في الصفوف الاولى من المبدعات العربيات المعاصرات على الرغم من ضعف الاضواء المسلطة عليها فقد نشرت (21) ديوانا شعريا بين فصيح وعامي و(4) روايات و(5) مجموعات قصصية وعدد من الترجمات والإسهامات الأخرى كما إنها قد حصلت على عدد غير قليل الجوائز والتكريم وقد تحقق ذلك بدأبٍ وجهدٍ منقطع النظير .
ولا تكمن أهمية وفاء عبد الرزاق في غزارة إنتاجها فحسب بل ,و في قدرتها على التنوع والتكثيف والتجديد, فهي مبدعة تحمل هاجس التجديد والتجريب في إبداعها المتواصل حتى لا نرى مجموعة تشبه أخرى ,ولا نصا يشبه آخر فمع كل نص جديد نرى ابداعا جديداً من حيث الأسلوب واللغة والدلالة , والقدرة على التخيل و الجمال والانزياح عن المألوف , كما وقد تميزت بموقف واضح من الحياة والكون فهي تلتزم بمشكلات الفقراء ,والمهمشين والقضايا والاجتماعية والسياسية فضلاً عن موقفها الوطني الذي يتجلى بحبها لوطنها, ومرابع طفولتها والدفاع عنه رغم هجرتها وبُعدها عنه ومهما كانت مغريات بلد الهجرة نراها تحمل وطنها العراق في طيات قلبها وبين جميل حروفها ..
ولم يمنعها إنشغالها الوطني ورؤيتها الاجتماعية ومناصرتها للمهمشين والمسحوقين من أن تكون صوتا أنثوياً مميزاً يحمل مشكلاتها في مقابل الصوت الذكوري وهيمنته من خلال عدد من النصوص التي تشتغل دلاليا على إدانة القمع والقهر الذي تتعرض له المرأة فضلاً عن أسلوب أنثوي خاص في التعامل مع مختلف القضايا ينطوي على فضاء جمالي ولغوي يتميز بصور شعرية جميلة وخارقة للمألوف اللغوي .
ولعلها من الكاتبات العربيات القليلات اللواتي جمعن بين الهم المجتمعي العام والهم الأنثوي ,وإنشغالها في مشكلات بنات جنسها ,فقد ربطت بين تحرر المجتمع وتحرر المرأة على نحو واضح في منجزها الأدبي كله لاسيما المجموعات القصصية موضوع الدراسة .
كما تميزت عن غيرها من الكاتبات بأنها لم تتفق مع الموجة التي فهمت الادب لأنثوني بأنه كتابة بالجسد الأنثوي وتحويل الادب الى مشاهد إيروسية إنما كتبت عن الجسد الانثوي بوصفه قيمة إنسانية وثقافية ,وليس قيمة ايروسية كما فعلت بعض الكاتبات اللواتي فهمن الحرية هي الحرية الجنسية فحسب ,فقد كتبت عن الجسد بلغة أنثوية عربية حيية و مهذبة تلمح أكثر مما تصرح وتنتقد كل من حاول اختصارها في هذا الجسد ,وحاولت تقديم المرأة على أنها انسانة لها رؤاها وافكارها وقدراتها العقلية فهي ذات وليست موضوع كما يحاول النظام البطريركي تصويرها .
لقد تميز المنجز السردي لوفاء عبد الرزاق بأسلوب سردي رشيق له وقع على القارئ بحيث يسحبه الى داخل النص ,ويجعله يتفاعل مع الاحداث السردية بقوة حروفها وجمالها وقدرتها على التصوير ,و استثمار اللغة الأدبية على نحو جميل وجذاب وشاعري ايضا ,و اجتراح دلالاتها الخاصة بعيدا عن الدلالة القاموسية, وايضا الغوص في أعماق النفس البشرية , وإستبطان رؤاها ورغائبها وقدرتها على رسم الصور والمواقف السردية ,على نحو جميل يداعب خيال القارئ ورؤاه حتى أنها تشركه معها في نتاج دلالة النصوص ,لا نها تعبر عن تجربة أدبية ذات خصوصيه إنسانية ,وأنثوية تنطلق من معناتها الحياتية وصولا الى معاناة النساء بل حتى الرجال المهمشين والفقراء والمظلومين انطلاقا من معرفة معمقة بالذات البشرية والواقع اليومي بكل تجلياته , وقد حاولت صياغة هذه المعاناة بلغة أدبية تمتح من المخزون القاموسي وتحول دلالته الى فضاء جديد من الدلالة والجمال ,لذلك نستطيع أن نقول إنها كاتبة قادرة على إستكناه عمق التجربة الانسانية والأنثوية على نحو اخص والتأشير على ما هو كامن في المخبوء ,والمستوطن في الأعماق من خلال فضح المسكوت عنه اجتماعيا وثقافيا .
-1-
الأدب الأنثوي رؤية أولية :
يثير الأدب الأنثوي عدداً من الإشكاليات اللغوية, والأجناسية والأخلاقية والتاريخية والاجتماعية وغيرها, غير أن الأهم هنا أنه يثير إشكاليتين أساسيتين أحداهما لغوية على مستوى المصطلح والأخرى وجودية على مستوى الاعتراف بهذا الأدب ونقده ووجوده وأهميته .
وتنبثق الإشكالية الأولى من السؤال عن التسمية هل هو ( أدب المرأة أم الأدب النسوي أم الأدب الأنثوي ؟) ثم ما هذا الأدب وما خصائصه الدلالية والجمالية؟, وهل كل ما تكتبه المرأة من أدب هو أدب أنثوي؟ .
ونعتقد أن المصطلح الأصح هو (الأدب الأنثوي ) وهو الأدب الذي تكتبه المرأة بوصفها أنثى تحاول إثبات وجودها وإنسانيتها وتفكيك خطاب الرجل من خلال (تقويض الخطاب البطريركي ومفاهيمه وافتراضاته)1... وتحطيم الصورة التي رسمت للمرأة بحيث أُسْتُلِبَت بها إنسانيتها وقيدت حريتها , وتأسست من خلالها بنية ثقافية ولغوية تظهر المرأة بوصفها هدفاً لا ذاتاً إنسانيةً لها رؤاها وافكارها وفلسفتها ووجودها , بعد أن غيب الادب الذكوري إنسانيها وصورها على أنها محبوبة وهدف وجنس وجسد ولذة ورمز وأرض ,وغيرها من الصور المتفشية في السياقات الإجتماعية والأدبية .
وينطوي الأدب الأنثوي بالتأكيد على سمات دلالية ,وجمالية تميزه عن الأدب الذكوري لاسيما اللغة الشعرية ذات الدلالات الزئبقية غير القارة ,والمنفتحة على فضاءات دلالية متعددة مختلفة وتجد مكانها في الغائب ,أو الناقص و المغمور والمقموع والمتمزق ,والمسكوت عنه مما يتناسب مع إيقاعات جسد المرأة وبنيتها النفسية ,و يتوافق مع ما جرى طمره واسكاته ثقافياً واجتماعياً2 وهو بذلك يتبنى فكرة الصراع مع الثقافة الفحولية التي ترى أن المرأة مجرد موضوع للجنس, أو الاستهلاك البيتي اليومي , أو رمزاً للجمال أو الارض وفي أحسن الأحوال هدف يسعى الرجل للوصول اليه .
لقد تبنى الأدب الأنثوي فكرةً إنسانية للمرأة ,وحريتها وقدرتها على بناء مجتمع متكافئ الفرص في الحياة ينهض على ثنائية الرجل /المرأة المتوافقة إنسانيا , لا ثنائية الفحولة والانوثة الجسدية /الجندرية التي تميز بين الرجل ,والمرأة على اساس جنسي وترفع من شان الرجل في مقابل الحط من شان المرأة ولعل ذلك يعود الى الثقافة البطريركية التي كانت مهيمنة تأريخياً على الخطاب الثقافي الانساني ولغته .3 مع غياب تام لثقافة المرأة ذات الخصوصية الانثوية .على الرغم من أن المجتمع الانساني الاول لم يكن رجالياَ في أساسه إنما كان أنثويا تقوده المرأة الأم 4 ,وبعد إنهيار هذا المجتمع وبداية العصر البطريركي عكفت العقول الذكورية على ترويج خرافات وأقاويل تشيع أن المرأة مخلوق ناقص مقارنة بالذكر .لذلك كانت ثقافة المرأة الجديدة التي انبجست بعد حركات تحرر المرأة تحاول الانفلات من هذا النظام الثقافي البطريركي ,والذي ينهض على فكرة الجندر والجسد وتحاول زحزحة هذه الثقافة وتجاوزها الى ثقافة جديدة تنهض على الرؤية الانسانية للمرأة وليس الرؤية الجندرية.
من خلال إجتراح لغةٍ وأدبٍ جديٍد يتناسب و تحول الأُنوثة الى نزوع عميق نحو جعل العالم أكثر إنسانية وجعل الذات الأُنثوية ذاتاً فاعلةً كي تكشف عن جوهرها العميق الذي ينطوي على كينونة الخلق الانسانية ,وتأسيس خطاب أُنثوي يجاور الخطاب البطريركي ويصارعه على قاعدة المغايرة والاختلاف الدافعة نحو (اجتراح خطابات إنسانية لا تجعل مرتكزها النوع والدور الاجتماعي المستند الى ترسيمات الذكورة والأنوثة التي تكبل الانسان سواء أكان رجلا ام امرأة)5 فهو محاولة للإنتاج ثورة رؤيويه وخطاب إنساني يغير الصورة النمطية للمرأة التي شاعت في الخطاب الذكوري وتسلطه البطريركي .
إذاً فليس كل ما تكتبه المرأة هو أدب أنثوي إنما هو الأدب الذي تتخذه وسيلة تعبيرية , وجمالية تعبر من خلالها عن خصوصيتها ومشكلاتها وصدامها مع المجتمع البطريكي في صراعها المرير من أجل تحقيق إنسانيتها وأنوثتها بل ومحاولة العودة للمجتمع الامومي .
وقد تكتب المرأة أدبا يحمل موضوعات أخرى سياسية- اجتماعية -وجودية -تاريخية ... ألخ , غير أن هذا الأدب لا يعد أدباً أنثوياً لأنه لا يعنى بالصدام بين خطاب المرأة وخطاب الرجل ( الفحولة والأنوثة)...وهكذا أمكن القول إن المصطلح الأصح هو الأدب الأنثوي ..
أما الإشكالية الثانية فهي إشكالية تتعلق بوجود هذا الأدب , من حيث قبوله أو رفضه فقد تعددت الآراء فيه ,فمنهم من أكد وجوده وأهميته ,لأنه قد أصبح كالنهر الجاري الذي لا يستطيع احد وقفه فطالما كان للمرأة وجودٌ مستقلٌ خاصٌ, و مميز بخصائصها وطبعها وتكوينها المختلف عن الرجل فلابد من أن يكون لها وجود مستقل في الأدب تنعكس فيه هذه الخصائص وتقدم رؤية أخرى جديدة للواقع غير تلك الرؤية التقليدية التي يقدمها الآخر ومتميزة عنه لغة ودلالة وأهمية , و وتعكس حساسية أنثوية ننطوي على تفرد في الرؤية والتجربة ووجهة النظر لكل ما يشجع أو يسهل اللعب الحر بالمعاني واجتراح لغة مجازية جديدة , و يعمل على منع الإنغلاق على عالم الأنثى,
ولعل الرأي الآخر يحاول إثبات وجهة نظره من خلال رؤية يراها إنسانية عامة انطلاقا من أن الأدب هو منجز لغوي إنساني يقدم رؤى وأفكار عامة فلا وجود لأدب المرأة وأخر للرجل إنما هو أدب فحسب يحمل رؤى وأفكاراً إنسانية عامة وبأدوات أدبية ولغوية مشتركة بين بني البشر .
إن ما يفصل بين الرأيين هو المنجز ذاته لأن المنجز الأدبي المتحقق هو الذي يفرض مشروعيته أو يخفق في الحصول على المشروعية. ولعل قراءة أولية للمنجز الأنثوي العالمي والعربي يُبين أن الأدب الأنثوي حقيقة واقعة لا تقبل الشك فقد أصبح اليوم ظاهرة عالمية لها خطاب واضح المعالم وله رواده ونقاده ,بل أصبح في قلب الحياة الانسانية وليس على المساحات الورقية البيضاء فحسب 7 , وإنْ إستعراضا للمنجز الإبداعي لأديباتنا العربيات كنازك الملائكة وغادة السمان وأحلام مستغانمى وجويلت خوري وفدوى طوقان ووفاء عبد الرزاق وغيرهن نرى مدى أهمية وجهة النظر الأنثوية وأدبهن بل نرى اختلافا في اللغة الأدبية الأنثوية عن غيرها و محاولتهن تقديم خطاب أنثوي مفارق لخطاب الآخر الرجل ,حتى أن أحلام مستغانمي مثلا قدمت لمنجزها الأخير ( نسيان ) ملاحظة تمنع تداوله بين للرجال في دالة رمزية على أنثويته .
وقد كانت الارهاصات الأولى لأدب الأنثى قد بدأت عندما كتبت سيمون دي بفوار الكاتبة والباحثة الفرنسية كتابها (الجنس الاخر) 6وكتباتها الاخرى التي كرستها للدفاع عن حرية الفكر لاسيما الدعوة لتحرر المرأة وضرورة تغيير الصورة الخاطئة عن المرأة التي كانت ولما تزل شائعة في الخطاب الثقافي العالمي .
وقد كانت هذه اللبنة الأولى للأدب الأنثوي الذي شاع بوصفه مصطلحا أدبيا ونقديا في فرنسا بعد ثورة الطلاب في عام - 1968-0- واخذ مداه بعد شيوع فلسفة التفكيك والاهتمام ببنية الخطاب والاعتراف بتعدد الخطابات ومنها الخطاب الانثوي فقد ظهرت جملة من المصطلحات الأدبية والنقدية منها الأدب النسائي والنقد النسائي وغيرها.. وذلك نتيجة للحاجة لإجابات على منظومة من الأسئلة التي تتصل بواقع المرأة في العالم وصورتها في الأدب الذي ينتجه الرجال , وعلاقة ذلك بالقهر الاجتماعي للمرأة وجنسها.
ولعله كان سلاحا للمرأة الواعية كي تحاول إثبات وجودها وإنسانيتها وكينونتها لذلك سعت إلى تطوير أشكال تعبيرية جديدة في الأدب تتطابق مع تجربة المرأة وخبراتها ومعاناتها وشعورها وعالمها الأنثوي الخاص المتميز والمختلف عن عالم الرجال.
وهكذا ظهر أدب أنثوي خاص ب المرأة بوصفها أنثى يتحدث عن أنوثتها ورغبتها في مصارعة المجتمع القامع لها وأنتج لغة جديدة تنفلت من اللغة المتمركزة حول الرجل فكانت لغة الأنوثة في مقابل لغة الذكورة.
وقد دعت في بداية خطابها الأنثوي إلى كشف الستار عن عالم المرأة وكيانها الإنساني وإنتاج خطاب نسائي تدميري يدمر مركزية الرجل وتبعية المرأة له كما تقول –هيلين سيكسوس- مخاطبة المرأة / الكاتبة (اكتبي ذاتك ينبغي أن يسمع جسدك).
فقد أصبحت الكتابة تعبر عن ذات المرأة وسلاحا في التحرر والانعتاق من الإرث الأدبي والاجتماعي المتمركز حول الذكورة بعد هيمنة شروط الوعي الذكوري وجمالياته على تاريخ الكتابة العربية والعالمية وقد أصبحت كل البنى والأنساق الرمزية واللغوية الحاكمة لعمليات 8التغيير والتطور والتي يستند اليها رؤى المجتمع لحياة تنهض على رؤية الرجل صاحب السلطة البطريركية والذي يجعل المرأة تابعا له لا غير لذلك تطلعت هذه النظرية إلى تفكيك التقابل رجل / امرأة والمقابلات المرتبط به في الثقافة والمجتمع ومناصرة هوية النساء والمطالبة بحقوقهن الإنسانية وتقويض بنى الخطاب ألذكوري الذي يستلب إنسانية المرأة.
لقد سعى خطاب الأنثى الأدبي إلى الإجابة عن الأسئلة التي تؤرق ذات المرأة المبدعة فكراً ووجداناً بحيث تمثل حوافزها على تجسيد فعل الإبداع الأدبي وأنتج خطابها الخاص بها وهي الأسئلة التي تتراوح بين المسالة الشعورية وبين ما تطرحه من قضايا مجتمعية ذات صلة بعالم المرأة ,بحيث تعكس الإجابة حساسية أنثوية تنطوي على تفرد في الرؤية والتجربة والنظر لكل ما يشجع أو يسهل اللعب الحر بالمعاني الحسية سيما لغة الجسد .
وتنبثق إشكالية خصوصية الكتابة والخطاب من ماهيته وخصوصيته التي تنهض على خلخلة وتفكيك خطاب الرجل والنظرية الآلية التي صورها عن المرأة والرجل والتي كرسها ضد المرأة في التراث والحاضر .
وقد حاول خطاب المرأة تأسيس وعي جيد للمرأة / الكاتبة يتجاوز الوعي الكائن والتقليدي إلى الوعي الممكن يتحدد من منظورهن وهذا يعني تحررهن من صورة المرأة التقليدية المرسومة للمرأة سلفا إلى صورة جديدة تعيد الاعتبار لإنسانية المرأة والسعي لإنتاج الذات الإنسانية المكونة من عناصر ذكورية وأُنثوية 9مشتركة وانصاف العناصر الأنثوية في رؤيتها للعالم.
من خلال تشكيل نسق جمالي أنثوي جديد عن طريق اللغة والأدب إستناداً إلى عدد من الخلفيات الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية وتقديم مخيال أدبي أنثوي قادر على الانفلات من سطوة المخيال ألذكوري لأنهنَّ الوحيدات القادرات على التعبير عن المرأة وعن حياتها الوجدانية والاجتماعية فالنساء لايرين الحياة بالطريقة ذاتها التي يراها بها الذكور .
- 2-