أي إسلام يقتل العلامة البوطي؟

[جريح فلسطين]

مرة أخرى:
سلطان غشوم ولا فتنة تدوم

لقد مثل البوطي نمطا تاريخيا من الإسلام الشامي المحافظ اجتماعيا، والمعتدل سياسا . هذا النمط من إسلام العلماء موجود عبر قرون في ظل كل سلطان (استرشادا بمقولة سلطان غشوم ولا فتنة تدوم) مع استثناءات لفقهاء خرجوا على السلطان. كان البوطي نقديا جدا للنظام من ناحية اجتماعية وشكل حالة من الضغط عليه ضد العديد من مظاهر التحديث. ومن هنا كان خصما اجتماعيا للعلمانيين المؤيدين للنظام، وكذلك للمعارضين (الذين لاحقهم النظام وزج بهم في السجون طوال السبعينات والثمانينات وحتى الثورة كما فعل مع الإسلاميين). ومن هذه الناحية لم يكن البوطي مجرد ختم مطاطي، ولا كان مجرد موظفا، ولكنه (مثل كفتارو) استند الى تاريخ طويل للمؤسسة الدينية المحافظة اجتماعيا، والتي تنتقد النظام في هذه القضايا، ولكن المساومة سياسيا مع أي نظام يتيح لها العمل في المجتمع. وهو ما نصطلح على تسميته بالرجعية. وقد نشأ تيار إسلامي جهادي يذهب حتى الى تكفير البوطي وأمثاله بفتوى من أمير جماعة لا يفقه في الدين شيئا.
يصعب على اي مثقف متنور أن لا يخاصم نمط البوطي في حينه لا سيما أن البوطي لا يترك له مجالا آخر. (فقد كان خصما للعلمانيين والديمقراطيين أكثر مما كان خصما للإسلاميين الذين يحقدون عليه بهذه الحدة). ولكن يصعب على اي مواطن حر أن لا يرى الخطر في تبرير قتله، أو الادعاء انه كان مسؤولا عن قتل الثوار، وأن يديه ملطخة بدماء الثورا. فهذه شعبوية خطيرة ومرفوضة. و المهم هو خطر هذا النمط من التفكير على مستقبل سورية. (أقول هذا من دون أن أتطرق الى سؤال من قتله فعلا. فالاجتهادات تكثر في هذا السياق. واكتفي بمناقشة ما نعرف بالتأكيد أنه قيل عنه بعد موته حتى من قبل من أدانوا قتله وكادوا يبرروه حين تكلموا).
نحن نقول هذا الكلام ليس لان البوطي مهم وغير مهم، ولا لأننا لا نعرف ان الآلاف الذين قتلوا ليسوا اقل أهمية منه... فهذه سخافات تصل حتى البذاءة وتؤكد راينا... نحن نقول هذا الكلام، لان اللغة السياسية تشير إلى مستقبل سورية، ومن هنا أهميتها.

عزمي بشارة