وصلنا رد هام من الأستاذ مصطفى إنشاصي ولأهميته نورده مع الشكر الجزيل:
*************
الإخوة الكرام
الأخت أم فراس
حياكم الله
أعذروني على نشري ردي هذا على الرغم أنه قد يكون أغلق باب الردود في انتظار رد كاتب الموضوع ولكني شعرت أنه لا بد من كلمة أخيرة رداً على إصرار الكاتب على أنه يتعفف ولا يريد التورط في المنهج غير العلمي في الحوار الذي يتبعه الأخ محمد جاد الزغبي في الوقت الذي لم يلتزم هو لا في بحثه ولا ردوده بأي منهج علمي ولا تاريخي، وكل ما يفعله أنه يطلق اتهاماته جزافاً معتمداً على مقدمات غير صحيحة وأكاذيب وتلفيقات استشراقية ليست جديدة، وسأبين ذلك من خلال فقط الرد على نقطة واحدة سبق أن ذكرتها له سريعاً حيث يقول:
هؤلاء الصحابة – أيضا – وهم الذين زهدوا في الدنيا ومتاعها، وفي تحري الحق والعدل والإنصاف، كما يُرْوَى عنهم، عندما لا يتعلق الأمر بتسجيل وتوثيق الفتنة!! تكالبوا على الدنيا ومتاعها خلال أقل من عقدين من الزمان بعد موت معلمهم وقائدهم، فتنافسوا على أرض السواد في العراق، وتحول الكثيرون منهم إلى إقطاعيين لا يقلون بشاعة عن إقطاعيي أوربا في القرون الوسطى، وتعاملوا مع "مصر" باعتبارها بقرة حلوبا لنزواتهم ورغباتهم ولثرائهم، مستغلين حب الناس لهم بموجب صحبتهم للنبي الكريم، واقتتلوا من أجل المال ومن أجل السلطة، واتهم بعضهم البعض الآخر بالنهب والسلب، وتمرد بعضهم بلا حق على السلطة الشرعية، وتساهل آخرون في تطبيق العدالة وإقامة حدود الله.. إلخ.
يبدو أن الكاتب يعتمد الخطاب الاستشراقي الأمريكي فنحن نعيش في نهايات العصر الأمريكي لأن المستشرقون الأوروبيون الحاقدون على الإسلام والصحابة رضوان الله عليهم سبق أن ادعوا وتبعهم أذنابهم من أبناء ملتنا من المهزومين الذين تتلمذوا على أيديهم أن:
عمر بن الخطاب عطل نصوص الشريعة حين رفض
تقسيم الأرض أرض السواد في العراق على الجيش الذي فتحها، ويبدو أن الخطاب الاستشراقي الجديد بعد فشله الذريع في ذلك الادعاء طوال عقود طويلة عدل الاتهام إلى عكسه
يُصر الكاتب على إدعاء العلمية في بحثه في الوقت الذي مرور سريع في كتب التفسير والفتوح والتاريخ والخراج وغيرها نكتشف كذب مزاعمه وأن عمر بن الخطاب والصحابة الكرام رضي الله عنهم تعففوا وزهدوا في الدنيا وقبلوا بقرار مجلس الشورى الذي عقده عمر بن الخطاب لمناقشة تلك القضية والذي رفض توزيعها على الجيش كغنائم حتى لا يصبحوا هم وأحفادهم إقطاعيين!! وإليكم الرد على أكاذيبه
عندما فتح سعد بن أبي وقاص فارس والعراق وكانت أرضه تسمى السواد من كثافتها وخضرتها بحيث يراها الرائي من بعيد كأنها كتلة سوداء، طلب قادة الجند أن يقسمها على الجيش الفاتح لها. فأبى وكتب إلى عمر كتاباً بذلك فقد سبق وطالب قادة الجيش بتقسيم الشام عندما فُتحت، وطالبوا عمرو بن العاص عندما فتح مصر أن يقسمها عليهم أيضاً.
وعندما وصل عمر كتاب سعد قال للصحابة: «اجتمعوا حتى ننظر لمن هذا المال –الفيء- فلما اجتمعوا أمر عمر أن يحصوا أرض السواد لينظر في تقسيمها، فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين. يعني ليس كما يزعم الكاتب إقطاعيات كبيرة على غرار الإقطاعيات في أوروبا!
ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد، فشاور في ذلك فقال له علي: دعه يكون مادة للمسلمين فتركه.
وذكر أيضاً أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسداً ولا يجدون شيئاً فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم.
وخلال مناقشة المسألة قال عمر: قد وجدت حجة في تركه، وألا أقسمه، ثم قرأ قوله عز وجل:
)ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)( (الحشر).
ثم قال: ما أحد من المسلمين إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم». وقال: فاستوعبت هذه الآية الناس. وإلى هذه الآية ذهب علي، ومعاذ، حين أشارا عليه بما أشارا. وهكذا اتفق رأي عمر وعلي ومعاذ ومعهم عثمان وطلحة على عدم التقسيم، لما يترتب عليه من مفاسد، والنظر في أمر يسع أول الناس وآخرهم.
ثم كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص:"أما بعد، فقد بلغني كتابك: أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم، وما أفاء الله عليهم. فانظر ما أجلبوا عليك في العسكر، من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمالها؛ ليكون ذلك في أعطيات المسلمين. فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء".
وهذا ما أكدته شتى الروايات عن عمر، وفي الهداية: أنه حين فتح السواد وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة، ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص، وكذا اجتمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام.
ذلك ما كان من عمر وصحابة رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم في الأراضي التي ذكر أنهم حولوها لإقطاعيات لهم وأنهم تكالبوا على الدنيا والأموال
فأين هو المنهج العلمي الذي تزعم أنك ملتزم به وتتعفف عن الرد على مَنْ لا يلتزمون به في ردودهم عليك؟! أنت لم تلتزم المنهج العلمي ولكنك التزمت المنهج والخطاب الاستشراقي الذي اتهم سابقاً عمر أنه عطل نصوص الشريعة الإسلامية بعدم تقسيم أرض السواد.
ويبدو أن الخطاب الاستشراقي الأمريكي الذي تتلمذت على يدي أساتذته اختلف وأصبح يعتمد أكاذيب على طريقة السياسة الأمريكية الهمجية التي تعتمد في تمرير أكاذيبها واحتلال أراضي الغير واستعبادهم ونهب ثرواتهم على الإرهاب القوة والبطش والغوغائية، وأنت على نهجهم ويصدق عليك المثل القائل: خذوهم بالصوت ليغلبوكم!

كلامك مردود عليك وقد طرح عليك الأخ الكريم محمد جاد الزغبي وكرر عليك أسئلته عدة مرات وأنت فقط صوت وضجيج فارغ لم ترد على سؤال واحد منها، وسبق أن صححت لك موضوع أرض السواد أيضاً علك تراجع نفسك وتكف عن التبجح بأنك تلتزم المنهج العلمي واتهامنا بالسذاجة العلمية وتخاطبنا باستعلاء تلميذ أخرق مهزوم أمام الفكر الغربي لا يعي ما ينسخ ويلصق وإلا لتواضع تواضع العلماء واعترف بخطئه
أشكر جميع الإخوة المشاركين والقراء على سعة صدورهم وصبرهم على ترهات هذا الكاتب