روح معذّبة
معظم الفنّانين ينوءون تحت عبء الفكرة الشائعة عنهم بأنهم مجانين أو غريبو أطوار. وبعضهم يستمتع بهذه التهمة، وإن سرّاً. والبعض الآخر يرون فيها ترخيصا بسلوك الطريق الأقلّ ارتيادا دون النظر في المرآة الخلفية لمعرفة من الذي يتعقّبهم ولا الاهتمام بمن يحدّق فيهم بفزع.
وهناك من هؤلاء الفنّانين من يتطلّع إلى العظمة بالذهاب إلى ابعد ممّا هو غريب أو شاذّ. وما يجعل الأمور أسوأ هو انه ليس هناك سوى خيط رفيع جدّا بين كل هذه الفروق، كما أن هناك ميلا من جانب بعض الفنّانين لاجتياز هذه الخطوط دون أن يدركوا ذلك. والمؤلم أن بعضهم في نهاية المطاف يسلك مسارا ينتهي بتدمير الذات الذي لم يستطع فينسنت فان غوخ تجنّبه.
طوال حياته، كان فينسنت روحا مضطربة. فقد اُسيء فهمه، ولم يكن محبوبا إلا من شقيقه ثيو. كما فشل فشلا ذريعا في جميع جهوده المختلفة لتحقيق النجاح في أيّ شيء. وحتى عندما وجد ضالّته وراحته النفسية في الرسم وخلق الجمال، فإنه لم يجد سوى القليل من التقدير ولم يحقّق أيّ نجاح ماليّ على الإطلاق.
وقد بحث فان غوخ عن علاقة مهنية وشخصية مع بول غوغان. وانتهت تلك العلاقة عندما هاجم صديقه الوحيد بشفرة حلاقة . بعد ذلك رحل غوغان على عجل من آرل بعد حادثة أذن فينسنت التي رُوّج لها كثيرا في ما بعد.
وبفضل دعم شقيقه الماليّ، تمكّن فان غوخ من الذهاب طواعية إلى ملجأ سان بول دو موزول بالقرب من سان ريمي. وكانت تلك المصحّة النفسية خيارا جيّدا. كان الملجأ واحدا من أكثر الخلوات إنسانية التي يمكن اختيارها.
وقد قام على علاجه هناك الدكتور راي الذي كان يتمتّع بشعور إنساني وأشار عليه بالكفّ عن الشراب. وكان هناك أيضا الدكتور تيوفيل بيرون مدير المستشفى، الذي كان متفهّما لحالة فينسنت وشخّص مشكلته على أنها نوبات صرع. وكان تشخيصه دقيقا إلى حدّ كبير.
فان غوخ سجّل ملاحظة عن سان ريمي قال فيها: لا بدّ وأن تكون معالجة المرضى هنا سهلة، إذ لا شيء يُفعل من أجلهم على الإطلاق". وما فعله الأطبّاء لـ فينسنت كان محاولة إنقاذه من نفسه بالسماح له برسم الأمكنة والناس الذين كان يعرفهم هناك في سلام نسبي، مع وضعه بشكل دائم تحت المراقبة الطبّية.
وقد تحسّنت حالته لفترة إلى أن عاجلته النوبة للمرّة الثانية. وبعدها بوقت قصير، أي في مايو من عام 1890، غادر المستشفى إلى أوفير حيث وُضع تحت رعاية طبيبه المحبوب الدكتور غاشيه.
الطريق الذي سلكه فان غوخ من هناك كان قصيرا وشديد الانحدار. إذ توفّي في التاسع والعشرين من يوليو عام 1890، بعد ساعات من إطلاقه النار على رأسه. وحسب شقيقه ثيو، كانت آخر كلماته: ليس لهذا الحزن من آخر". "مترجم".
روائع الفن التشكيلي
"مــحــمــد زيــــدان"
"مــحــمــد زيــــدان"
See Translation