في أيام الجامعة افترى علينا أحد أصدقائنا حيثقال لنا: يمكنكم الأكل والشرب في وقت السحور حتى آخر كلمة في أذان الفجر، وأخذنابكلامه لأيام ولا أدري إن كان صيامنا صحيحا في تلك الأيام أم لا.
سألت نفسي بالمنطق: كيف يجوز لنا أن نأكلونشرب حتى نهاية أذان الفجر ولكننا نفطر بمجرد بداية أذان المغرب ؟! ... وبمزيد منالبحث في تفاصيل الأمر من الناحية الشرعية وجدت ما يلي:
شرعا: ذهب الجمهور إلى امتناع السُّحُور بطلوع الفجر , وهو قولالأئمَّة الأربعة , وعامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار إلى أنه يلزم الصائمالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق ، قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُالأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )، فالعبرة بطلوع الفجر ، لا بالأذان.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُبِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ) رواه البخاري ومسلم
أما الحديث الآخر فهوحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلايَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) وهو صحيح على شرط مسلم
قال النووي رحمه الله في المجموع (6/333) : " وهذا -أي الحديثأبي هريرة أعلاه- إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علمأنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر . قال : وقوله : ( إذابزغ ) يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة ، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني ,ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَوَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ ) خبراً عن النداء الأول ، ليكون موافقا لحديث عائشة رضيالله عنها –الحديث الأول في هذا المقال- . قال : وعلى هذا تتفق الأخبار . وباللهالتوفيق " انتهى النقل
إذا اللبس القائم هنا والذي يجب أن نتحقق منه هوما يقوله ابن عثيمين: فإذاكنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه، أما إذا كانالمؤذن يؤذن بناء على ما يعرف من التوقيت -أي حسب التقاويم- ، أو بناء على ساعته فإنالأمر في هذا أهون .... انتهى النقل من ابن عثيمين.
وهذا الأمر لا يختلف بين دولة ودولة فقط، بل بين مؤذن ومؤذن من مسجد لآخر، فلعلالمؤذن في المكان الذي أسكن فيه لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر (فيجب علي أن أقطعالأكل والشرب بمجرد سماع أذانه) ولكن المؤذن في الحي الذي يعيش فيه صديقي فلانيؤذن حسب التقويم (أي أبكر بخمس دقائق تقريبا من طلوع الفجر) فجاز لصديقي الأكلوالشرب حتى انتهاء الأذان.
بالمحصلة وهذا رأيي الشخصي: أمامكم أحد أمرين إما التأكد من منهج مؤذن حيكم أوالاحتياط في الصيام والصلاة:
أي أن تحتاطوا فتمسكوا عن الطعام والشراب فور سماعالأذان ولا تصلوا إلا مع الإقامة لضمان صحة صيامكم و صلاتكم لأن الصلاة أيضا لاتصح إلا بدخول وقت الصلاة,
والأمر المزعج حقا هو : أما آن لأمتنا أن تتفق على أمر دينها فتوحد المنهجية بينكل المؤذنين أي أن يؤذن جميعهم عند طلوع الفجر لا بالتقاويم الغير دقيقة أو أنيكلف جميعهم بعدم النظر إلى التقاويم بل بتحري الوقت كما كانوا يتحرونه سابقًا.
وعلى ذكر هذه المسألة نذكر قصة طريفة حدثت مع إحدى الصحابة في تحري طلوع الفجرالذي عندما سمع قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَلَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) قام في الليل فأخذ خيطين أحدهما أسود والثاني أبيض وقيل (عقالاأبيض وعقالا أسود) وأخذ ينظر لهما وقتا طويلا يحاول انتظار حدوث شيء، وفياليوم التالي شرح ما حدث له للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحديث: عن عدي بنحاتم الطائي قال: يا رسولَ اللهِ، ما الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ، أهما خيطان ؟ قال : "( إنك لعَريضُ القَفا إنأبصَرتَ الخَيطَينِ ) . ثم قال : ( لا، بل هو سوادُ الليل وبياضُ النهارِ)"رواه البخاري
نذكركم أخيرا بزكاةالفطر، لا تنسوا إخراجها عاجلا غير آجل.
هذا والله أعلم وصلىالله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، لا تنسوا إخوانكم في سوريا من صالح الدعاء
وكل عام وأنتم بخير