العنصرية والإبادة الجماعية
في الفكر والممارسة الصهيونية





البريد الالكتروني: unecriv@net.sy E-mail :
aru@net.sy
موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت
http://www.awu-dam.org

تصميم الغلاف : برهان كركوتلي




د. غازي حسين






العنصرية والإبادة الجماعية
في الفكر والممارسة الصهيونية

- دراســة -




من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2002








الإهـــداء



إلى أرواح شهداء فلسطين والأمة العربيّة الذين رووا بدمائهم الزكية أرض فلسطين العربية في مواجهة حروب إسرائيل العدوانية والاستعمار الاستيطاني اليهودي وإرهاب وعنصرية الدولة الإسرائيلية.
إلى أرواح شهداء الهولوكاوست الفلسطيني.
وإلى أرواح الشهداء الذين سقطوا في النضال ضد النازية والفاشية والأبارتايد، والحركات العنصرية الأخرى.
أهدي كتابي هذا .


¾¾






المقدمــــة



نشأت في عائلة عربية مسلمة متدينة تحترم اليهودية. ولكن بعد أن شردتها إسرائيل عام 1948 من بلدتنا سلمة، واغتصبت أراضينا وأملاكنا، وأحلتْ محلنا مهاجرين يهوداً من مختلف أصقاع الدنيا لاستعمار فلسطين العربية.
وعملت الشيء نفسه مع معظم أبناء شعبي الفلسطيني.
وبعد أن ارتكبت العديد من الحروب العدوانية ومئات المجازر الجماعية وقتلت مئات الآلاف من أبناء شعبي وأمتي. وبعد أن دمرت الكثير الكثير من المنجزات العربية.
وبعد أن درست التعاليم التوراتية والتلمودية وبروتوكولات حكماء صهيون وبرامج ونشاطات وممارسات الأحزاب الإسرائيلية والمنظمات اليهودية والصهيونية وإسرائيل.
وبعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي والدكتوراه في العلوم الحقوقية من ألمانيا، وعملت كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية ولدى منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا.
وبعد أن اطلعت على استغلال اليهودية العالمية وإسرائيل الفاحش للهولوكاوست النازي، لا للتعويض عن ضحايا النازية وإنما لتخليد عقدة الذنب عند الشعب الألماني، وللضغط والابتزاز والتضليل، لتقوية إسرائيل عسكرياً واقتصادياً وخدمة سياساتها وممارساتها الإرهابية والعنصرية والاستعمارية.
أصبحت معاداتي للصهيونية وإسرائيل مبدأ راسخاً.
إنني أشجب وأدين جرائم النازية ضد المعادين لها وأعدها أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية، إلى أن جاءت إسرائيل وأشعلت الحروب العدوانية وارتكبت المجازر الجماعية وتمارس الإبادة الجماعية والإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية، بدأت أعتبر أن إسرائيل أكثر عنصرية وفاشية من ألمانيا النازية، وأن الصهيونية أبشع من النازية، وأن المجتمع الإسرائيلي أكثر عنصرية من المجتمع النازي.
إنَّ العرب عند إسرائيل والشعب الإسرائيلي ويهود العالم "حيوانات على هيئة بشر"، تسير على قدمين كما قال رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن وكما يقول حاخامات اليهود.
فاليهود ينظرون إلى العرب نظرة استعلاء وتمييز وكراهية وبغضاء واحتقار ويطمعون في الاستيلاء على الأرض والثروات العربية.
إنَّ تاريخ فلسطين منذ مئة عام ليس سوى سلسلة متصلة من الحلقات العدوانية، بدأت بهجرة اليهود إليها وترسيخ الاستعمار الاستيطاني اليهودي فيها وترحيل العرب منها. وأضحى الفلسطينيون داخل وطنهم مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من أرضهم وحقوقهم الوطنية بما فيها حق العودة وتقرير المصير.
وتعمل اليهودية العالمية على إثارة الحقد والكراهية والبغضاء للعرب في العالم وتشويه سمعتهم. وتصبح عدوانية إسرائيل "بالدفاع عن النفس ومواجهة الإرهاب العربي" أي قمع المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني.
وتمارس إسرائيل الإبادة الجماعية وتذبح الأطفال في أحضان آبائهم وأمهاتهم وأمام أعينهم وخلال توجههم إلى مدارسهم.
وثبت لي بالدليل القاطع أن اليهودية العالمية وإسرائيل وراء تأجيج الحملات المعادية للعروبة والإسلام في الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الأوروبية.
إنَّ حاخامين اليهود وقادة المنظمات اليهودية والصهيونية وإسرائيل هم السبب الرئيسي في جلب العداء لليهود بسبب استعلائهم وجشعهم وأطماعهم وأكاذيبهم واحتيالهم، وبسبب مقالاتهم ومبالغتهم واستغلالهم المستمر للهولوكاوست وتصويرهم أن اليهود وحدهم ضحايا النازية وبسبب تبريرهم للهولوكاوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
إنني أعرف بأنني سأتعرض للهجوم والانتقاد والمضايقات وربما أكثر من ذلك، بعد ظهور كتابي هذا، تماماً كما تفعل إسرائيل ويفعل اليهود تجاه أبناء شعبي وأمتي.
ولكنني لا أخشى قوة اليهودية العالمية ووحشيتها والتي لا تستطيع أبداً أن تمنعني من الدفاع عن شعبي وأمتي وعقيدتي، وعن المبادئ الإنسانية والمفاهيم الحضارية التي ترسخت بعد القضاء على النازية.
إنَّ وحشية إسرائيل وهمجيتها لن تمنعني أبداً عن الاستمرار في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لوطني فلسطين وقول كلمة الحق والعدل والإنصاف، والتصدي للإرهاب والعنصرية والفصل والتمييز العنصري في فلسطين وفي كل مكان في العالم.
الخزي والعار للنازية والفاشية والصهيونية والعنصرية.
المجد والخلود للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي لتحريم الإبادة الجماعية والمعاهدة الدولية لتحريم كافة أنواع العنصرية والتمييز العنصري.

المؤلف

¾¾






الفصل الأول




- الجذور التاريخية للإرهاب الإسرائيلي

تتسم الصهيونية كفكرة وحركة ومنظمات وكيان بالإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري والإبادة الجماعية لغير اليهود. وتعتمد على التراث التوراتي والتلمودي الذي يعتبر أن اليهود شعب الله المختار، اختاره يهوه على شعوب الأرض قاطبة.
يقول يهوه لشعبه المختار: "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات... فإنّي أسلم إلى أيديك سكان الأرض، فتطردهم من أمام وجهك، لا تقطع لهم عهداً، ولا تأخذك بهم رحمةٌ".
وتحرّض التوراة على الإرهاب والوحشية في معاملة غير اليهود، وتدعو أتباعها إلى إلقاء الخوف والرعب في نفوس الناس كي تترك أرضها وممتلكاتها تحت وطأة الإرهاب والإبادة وسفك الدماء، وترحل أمام اليهود لكي تخلي المناطق التي يريدها اليهود بعد أن ينفِّذ اليهود فيها حملات الإبادة والتدمير وحرق القرى والمدن حتى تكون خالية من أصحابها، وتقول: "بنو الغرباء يبنون أسوارك، وملوكهم يخدمونك.. يقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغربة حراثيكم وكراميكم، أما أنتم فتدعون كهنة الرب. تأكلون غنى الأمم وبمجدهم تفتخرون"..
وتنطلق عنصرية الشعب الإسرائيلي من التعاليم اليهودية المشبّعة بالعنف والانتقام والتمييز والاستعلاء والإبادة الجماعية التي تنص على أن اليهودي وحده هو الإنسان وأن كل شيء مسخر لخدمته، وأن اليهود جزءٌ من العزة الإلهية، وإن الدنيا وما فيها ملك لهم، لهم عليها حق التسلط".
وتنص التوراة على أن اليهود هم شعب الله المختار، حيث جاء في سفر التثنية: "اختارك الرب لكي تكون لـه شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض".
وتتناول التوراة احتلال يشوع لمدينة أريحا وتقول:
"وحرموا (وذبحوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب".
وتتباهى التوراة وتفتخر بما حدث لأهل مدين على أيدي اليهود، وتقول:
"وقتلوا كل ذكر، وملوك مدين قتلوهم فوق قتلاهم، وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم، وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم ومساكنهم، وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم".
وتتحدث التوراة عن إبادة مدينة عي الفلسطينية وتقول إن جميع من سقطوا فيها من رجال ونساء اثنا عشر ألفاً، جميع أهل عي تماماً كما حدث لقرية دير ياسين.
وتربي التوراة أتباعها على أنه لا خلاص لليهود إلاّ بإبادة جميع الشعوب غير اليهودية التي تزاحمهم على مصادر العيش والماء والنفوذ السياسي والعسكري.
تؤكد دائرة المعارف اليهودية أن طبعات تلمود أورشليم تخلو من كثير من العبارات والفصول، ويعود ذلك لسببين: الأول نتيجة إهمال النسّاخ، والسبب الثاني تزييف متعمد.
إن رجال الدين اليهودي هم الذين قاموا بالتزييف والتزوير، بعد أن ثارت أوروبا المسيحية ضدهم في القرون الوسطى على ما في كتبهم من كراهية وبغضاء وأحقاد ودسائس تجاه المسيحيين، لا سيما وأن اليهود الأرثوذكس ينظرون إلى سلطة التلمود على أنها إلهية، لذلك يعتبرون تعاليم التلمود إلزامية وثابتة وغير متغيرة. أما اليهود المحافظون والاصلاحيون فلا يقبلون بالسلطة الإلزامية الكلية للتلمود، رغم اعترافهم بالدور العظيم الذي لعبه التلمود في تحديد وحسم عقائد اليهودية "إن الذي جعل اليهود يتشبثون بتعاليم التلمود هو الانهيار المفاجئ لشوكتهم، وإغلاق مدارسهم دفعة واحدة، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن تعاليم جديدة للمرحلة القادمة، ووجدوها في التلمود الذي يعلمهم على مواصلة الحياة بالانغلاق والسيطرة على المجتمع تمهيداً لإقامة إمبراطورية عالمية"(1).
يقول د. أفابيان عن التلمود وأثره في الحياة اليهودية:
"الحياة اليهودية حتى هذا اليوم، مؤسسة إلى حد كبير، على التعاليم والأسس التلمودية، فطقوسنا وكتاب صلواتنا واحتفالاتنا وقوانين زواجنا، بالإضافة إلى قوانين وأسس أخرى كثيرة مستخرجة مباشرة من التلمود. والتلمود هو الذي تعزى إليه الصفات التي يتميز بها اليهودي"(2).
حمل الملوك والبابوات في أوروبا حملات شديدة ضد التلمود باعتباره المصدر الذي أدى إلى مقاومة اليهود للسلطة والدين المسيحي، فصدرت الأوامر في فرنسا في عهد لويس (1226-1270) بإتلاف نسخ التلمود. وأمر ملك بريطانيا بطرد اليهود من البلاد عام 1290 بعد أن اكتشف كراهيتهم للشعب الإنكليزي المسيحي.
استنتج الدارسون للتلمود "أن اليهود يعتقدون أن لكل الحاخامات سلطة إلهية، وكل ما قالوه يعتبر أنه صادر عن الله"(3).
ويقول الرابي مناحيم: "إن الله تعالى يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة (معضلة) لا يمكن حلها في السماء".
وورد في التلمود "إن نطفة غير اليهودي هي كنطفة باقي الحيوانات"(4).
لذلك تميّز تعاليم التلمود أرواح اليهود عن باقي الأرواح لأنها جزء من الله، ولأن الأرواح غير اليهودية أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات.
ويعتبر التلمود "إن الإسرائيلي عند الله أكثر من الملائكة. فإذا ضرب أمي إسرائيلياً فكأنه ضرب العزة الإلهية"(5).
لذلك ينص التلمود على أنه "إذا ضرب أمي إسرائيلياً فالأمي يستحق الموت".
واعتبر الحاخام أيار بانيل أن "الشعب المختار فقط يستحق الحياة الأبدية وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير... وخلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم"(6).
ويعتبر التلمود أن قتل اليهودي لا يعد جريمة عند اليهود، بل فعل يرضى عنه الله.
وجاء في التلمود أن "الشفقة ممنوعة بالنسبة للوثني. فإذا رأيته واقعاً في نهر، أو مهدداً بخطر فيحرم عليك أن تنقذه منه، لأن السبعة شعوب الذين كانوا في أرض كنعان المراد قتلهم من اليهود لم يقتلوا عن آخرهم، بل هرب بعضهم واختلط بباقي أمم الأرض". لذلك قال ميماوند "أنه يلزم قتل الأجنبي، لأنه من المحتمل أن يكون من نسل السبعة شعوب. وعلى اليهودي أن يقتل من تمكن من قتله، فإذا لم يفعل ذلك يخالف الشرع"(7).
وجاء فيه: "أمر الله اليهود بنهب أموال المسيحيين وأخذها بأي طريقة كانت سواء استعملوا الحيلة أو السرقة أو الربا. وعلى اليهود أن يعتبروا المسيحيين حيوانات غير عاقلة ويعاملوهم معاملة الحيوانات الدنيئة. (و) كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهود تخريبها. (و) أناجيل النصارى عين الضلال، ويلزم تسميتها بكتب الظلم والخطايا. ويجب على اليهود إحراقها ولو كان اسم الله فيها".
لقد كتب أحبار اليهود أسفار العهد القديم من ذاكرتهم في بابل باللغة الكلدانية. واجتمع في الاسكندرية اثنان وسبعون حبراً لإقرار الصيغة النهائية لها. ووضعوا أمامهم أسفار العهد القديم باللغات الكلدانية والآرامية والعبرية وترجموها إلى اليونانية. وزعموا أنها كلام الله. ولكن وضع الأحبار للنصوص ووجود عدة نصوص للتوراة يدل على أن التوراة كلام البشر وليس كلام الله وأنه جرى تحريفها من قبل أحبار اليهود.
ويؤكد القرآن الكريم على تحريف اليهود للتوراة المكوّنة من ستة أسفار هي:
التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية وسفر يشوع.
ويؤرخ سفر يشوع لحياة يشوع بن نون، الذي هاجم أريحا وحاصرها واحتلها وحرقها بمن فيها من الأحياء حتى الحمير. وسجّلَ السفر الحروب التي خاضها بنو إسرائيل ضد خصومهم والمذابح التي ارتكبوها بحقهم. ويزعم يشوع أنَّ الرب هو الذي أمره القيام بتلك المذابح الجماعية وباركها وقدسها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من الدين اليهودي القائم على الإرهاب والذبح والإبادة الجماعية وسفك الدماء.
كان يشوع محارباً ظالماً، إرهابياً، مستبداً سفاكاً للدماء، آمراً بالقتل والذبح والإبادة الجماعية، خالياً عقله وقلبه من الرحمة، ومجرداً حتى من الشعور الإنساني تماماً كالإرهابي أرييل شارون. وكان يتلذذ بمنظر أعدائه وهم يذبحون، وتبقر بطون نسائهم، وتذبح أطفالهم، وتدمر مساكنهم وتحرق محاصيلهم. وكانت السعادة تغمره لمنظر الدماء وهي تجري بغزارة والجثث ملقاة على الأرض، والبهائم تقتل، والمنازل تهدم، والمحاصيل تحرق، كقادة إسرائيل والجيش الإسرائيلي في بداية هذا القرن.
وهكذا كوّن سفر يشوع العقلية اليهودية المعاصرة، حيث ينشأ عليه الأطفال، ويدرسه طلبة المدارس اليهود أينما وجدوا. ويتعلمون الاعتزاز والافتخار والإعجاب بفتوحات يوشع ومواقفه تجاه خصومه. ويطالب الحاخامون والأساتذة وقادة الأحزاب والمنظمات اليهودية "اليهود" بالاقتداء بيشوع في تعاملهم مع العرب والمسلمين.
يعد سفر يشوع مصدر الإرهاب اليهودي الأساسي ومدرسة الإرهاب اليهودي، والدافع والباعث لإسرائيل لارتكاب المذابح والإبادة الجماعية للفلسطينيين والعرب، والسبب الرئيسي لارتكابها، ويقتدي قادة إسرائيل ومنهم شارون وبيرس بالإرهابي الأول في التاريخ البشري الذي حرق مدينة أريحا ودمرها وقتل مَنْ فيها حتى الحيوانات.
وقادت التعاليم الوحشية والإرهابية الواردة في سفر يشوع إلى ارتكاب مذابح ومجارز دير ياسين وكفر قاسم وبحر البقر وأبو زعبل وداعل وصبرا وشاتيلا، ومجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل ومجزرة المسجد الأقصى في القدس ومجزرة قانا وتدمير مدينة القنطرة المصرية والقنيطرة السورية و 450 قرية ومدينة فلسطينية.
ويشكل سفر يشوع الشخصية اليهودية المعاصرة، القائمة على العنف والإرهاب والعنصرية والحقد والكراهية والاستعلاء. ويعتبر اليهود أن الإيمان به هو الذي يقربهم إلى الله. وبالتالي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الدين اليهودي.
ويدعو التلمود إلى فرض إرادة اليهود بالقوة على الشعوب الأخرى ويقول:
"يجب ضرب الغرباء ضربة قاصمة، لأن واحدهم قد يكون منحدراً من شعوب الكنعانيين السبعة". وبالتالي يمتد التحريض على العنف والإبادة من التوراة إلى التلمود، حيث دوّن التلمود عصر ما بعد التوراة، وحافظ عليها وقام بشرحها وتفسيرها، ويمتلئ بالعنصرية والوحشية والهمجية وبالحقد والكراهية على جميع البشر غير اليهود.
وغذت تعاليم التوراة والتلمود الإرهاب والعنصرية والنهب والسلب والقتل والحرق في عقول المفكرين والسياسيين اليهود من أمثال هرتسل وجابوتنسكي وبيغن وشامير وشارون ورابين وبيرس ونتن ياهو.
فالإبادة الجماعية المستمرة ومصادرة الأراضي والمياه والثروات العربية وبناء المستعمرات اليهودية، ما هي إلا نتيجة من نتائج تربية التوراة والتلمود لليهود في إسرائيل وخارجها.
إن إرهاب وعنصرية الصهيونية يعتمد بالدرجة الأولى على اليهودية، التي هي من حيث القدم والسبق الزمني أقدم بكثير من الحركات الإرهابية والعنصرية التي ظهرت في تاريخ البشرية، وهي أقدّم بكثير من العنصرية الأوروبية التي ظهرت في القرن التاسع عشر.
لقد ارتبطت الحركة الصهيونية منذ نشأتها بالعنصرية والإرهاب، وبلغ الإرهاب اليهودي ذروته عشية اغتصاب العصابات الإرهابية اليهودية لجزء من فلسطين العربية وتأسيس الكيان الصهيوني. ويعتبر الإرهاب الصهيوني من أهم المرتكزات الأساسية لتنفيذ المشروع الصهيوني، فهو ليس مجرد وسيلة قبلية للعقلية اليهودية الرجعية المغّرقة بسفك الدماء والانتقام ولا هو رد فعل عشوائي على أضرار لحقت بالمشروع الصهيوني، وإنما هو عقيدة ومخطط ورسالة أبدية ودائمة ومستمرة يوجهها المفكر والمسؤول الإسرائيلي السياسي والعسكري للعرب والمسلمين وجميع الشعوب غير اليهودية.
اختارت العصابات الإرهابية اليهودية العديد من القرى والبلدات العربية لتكون النموذج العملي والدرس التطبيقي لما ورد في التوراة والتلمود من وحشية وهمجية لحمل العرب على الخروج من منازلهم وترحيلهم.
وكانت مذبحة دير ياسين نقطة تحوّل في ترحيل العرب من ديارهم وإحلال مهاجرين يهود محلهم.
وورث الجيش الإسرائيلي أساليب وتجارب المنظمات الإرهابية اليهودية. وأصبح قادة المنظمات الإرهابية رؤساء وزارات ووزراء وقادة في الجيش والمجتمع الإسرائيلي.
وتابعت إسرائيل ارتكاب الإرهاب الرسمي المنظم تجاه العرب وبدعم وتأييد كاملين من يهود العالم والدول الاستعمارية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، التي تبرر الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بالدفاع عن النفس.
وامتد الإرهاب الإسرائيلي الرسمي وتجاوز المذابح والإبادة الجماعية وتجسّد في حروب عدوانية توسعية واستيطانية في أعوام 1948، 1956، 1967، 1978، 1982، 1993، و 1996. وتجاوز الإرهاب الإسرائيلي الجانب العسكري، وامتد إلى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، وبالتالي تعرّض أبناء الشعب العربي في فلسطين ولبنان وسورية والأردن ومصر إلى أبشع صور الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية التي لا مثيل لها في التاريخ الحديث.
واجه الإرهاب الإسرائيلي مقاومة بطولية أشعلها أبناء الشعب العربي في فلسطين وسورية ولبنان والأردن ومصر. وتصدى الشعب العربي الفلسطيني إلى حملات الترحيل والتهويد ومصادرة الأرض والمياه والثروات والحقوق والهولوكوست الإسرائيلي.
وتهدف إسرائيل من استخدام الإرهاب والتهديد به استنزاف الموارد الاقتصادية للبلدان العربية، وفرض الهيمنة والتبعية عليها.
لقد استخدمت الدول الاستعمارية "إسرائيل" كأداة إرهابية عسكرية لتنفيذ مخططاتها والمخططات الصهيونية، ولخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي داخل المنطقة لاستنزاف مواردها وثرواتها وطاقاتها لفرض الهيمنة العسكرية المباشرة عليها، بزرع القواعد العسكرية فيها والتواجد المستمر لحاملات الطائرات والقطع البحرية لإرهاب الحكام والمواطنين العرب، وقمع النضال العربي بالعنف وتنظيف خزائن المال في دول النفط العربية.
وتمارس اليهودية العالمية الإرهاب الفكري والسياسي والضغط والابتزاز من خلال سيطرتها على الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون لتسويق إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.
وتسخّر إسرائيل السيارات المفخخة والطرود المتفجرة والاغتيالات السياسية والمال والجنس والكذب والافتراء والتضليل لإثارة الحروب الأهلية وتغذية الأقليات العرقية والطائفية لخلق التناقضات والمشاكل الداخلية، وتقوم بتمويل بعض الطوائف وتدريبها وتسليحها للقيام بأعمال إرهابية ضد الوطن والمواطنين العرب.
إن الإرهاب هو شكل من أشكال العنف، وليس كل عنف إرهاباً ولكن كل أشكال الإرهاب عنف.
والإرهاب استخدام القوة القهرية بهدف التخويف وإملاء الشروط، ويكون بالسلاح أو التهديد به، وينشأ الإرهاب من بنية الدول التي تعتمد على العنف والاغتصاب والاستعمار والاحتلال والهيمنة والتي تنكر حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية.
ويهدف الإرهاب الإسرائيلي إلى تحقيق سياسة الإكراه ويهدد بما يتضمنه من عنف ووحشية التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتنمية في البلدان العربية ومستوى حياة المواطن فيها ورفاهيته. والإرهاب اليهودي هو الوسيلة التي قامت عليها إسرائيل، والوسيلة الأساسية لإقامة إسرائيل العظمى، والذي يحقق التوسع والضم والترحيل والاستعمار الاستيطاني. وتستخدمه إسرائيل لتحقيق مكاسب سياسية أيضاً فهو بالمحصلة موجه إلى الدول العربية لإجبارها على إلغاء أو تعديل قراراتها السياسية بما يتفق مع المخططات والمصالح الإسرائيلية، ويكون ضحاياه بالدرجة الأولى من المواطنين، وأفراد القوات المسلحة والمنشآت الاقتصادية العربية. ويقود الإرهاب الإسرائيلي إلى تخريب الموارد القومية والتأثير على خطط التنمية وموارد السياحة والاستثمار، وبالتالي فالإرهاب الإسرائيلي أحد المخاطر الهامة التي تهدد الأمن القومي العربي وتضعف القوة القومية العربية، وله أهداف مرحلية واستراتيجية تتجسد بالحروب العدوانية والمذابح والإبادة الجماعية ومصادرة الأراضي العربية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها.
لقد نجحت اليهودية العالمية في ربط اسم العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً بالإرهاب، فكلما ذُكِرَ الإرهاب أو وقعت حادثة إرهابية يتذكر الناس في أوروبا والولايات المتحدة العرب والمسلمين، بينما تظهر إسرائيل بمظهر الدولة الحضارية الغنية بتجارب مكافحة الإرهاب العربي.
إن معظم دول العالم تعرف بأن إسرائيل تمارس باستمرار ارتكاب المجازر الجماعية والحروب العدوانية والاعتداءات اليومية والإرهاب والعنصرية كسياسة رسمية، ولكن الإرهاب يلصق دائماً بالمقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي، ونجح يهود العالم من جراء سيطرتهم على المؤسسات الإعلامية والسياسية والمالية في الولايات المتحدة وأوروبا بلصق كلمة "إرهابي" بالإنسان العربي.
وعلى سبيل المثال: عندما وقعت جريمة أوكلاهوما بدأ على الفور ضباط المخابرات الإسرائيلية بإجراء المقابلات الإذاعية والتلفزيونية والصحفية في أميركا واتهموا العرب والمسلمين بارتكابها دون أن يقدموا دليلاً واحداً على اتهامهم، وألصقوا الجريمة بالعرب والمسلمين، على الرغم من أن الشرطة الأميركية اعتقلت في اليوم نفسه المجرم الأميركي الذي فجرّ بناية الحكومة الاتحادية.
وأدّت سيطرة اليهود على أجهزة الإعلام الأميركية بإلصاق جريمة أوكلاهوما بالعرب. وبعد أن حقّق اليهود وإسرائيل هدفهم تبين أن العرب براء من الجريمة.
إن إسرائيل ويهود العالم يصفون النضال العربي ضد الاغتصاب والاحتلال والاستيطان الإسرائيلي بالإرهاب، وتؤيد الولايات المتحدة، زعيمة الإرهاب الدولي في العالم، الكذب اليهودي وتصف أعداء إسرائيل من العرب والمسلمين بالإرهاب، وتصف المنظمات العربية والإسلامية التي تناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي لاستعادة "القدس العربية" أولى القبلتين وثالث الحرمين ومدينة الإسراء والمعراج، بالإرهاب لقد قتلت إسرائيل في عامي 1948 و 1949 حوالي (1500) أسير من الأسرى العرب كانوا في معسكر للأسرى قرب مدينة يافا.
وكشفت اعترافات الجنرال الإسرائيلي بيرو قتل الجيش الإسرائيلي للأسرى المصريين خلال حرب السويس العدوانية، وبلغ عدد الأسرى المصريين الذين قتلتهم إسرائيل في حربي 1956 و 1967 حوالي (1300) أسير بحسب اعترافات ضباط الجيش الإسرائيلي. مما يظهر بجلاء الوحشية والهمجية الإسرائيلية في التعامل مع الأسرى العرب ويثبت انتهاك إسرائيل لاتفاقات لاهاي وجنيف حول أسرى الحرب واستهتارها بأبسط تقاليد الحرب والمبادئ الإنسانية.
ونجحت إسرائيل في حمل ياسر عرفات على اعتبار الكفاح الفلسطيني المسلح، العادل، والمشروع إرهاباً وتعهد بوثائق رسمية بإدانته والتخلي عنه وتصفية المناضلين والمجاهدين واجتّثاث البنية التحتية لكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس.
فالكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية يعتبران الكفاح المسلح ضد اغتصاب فلسطين وضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بمثابة "إرهاب" والمقاومة العربية حركة إرهابية.
وتمتد الغطرسة والوقاحة الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من نعت الكفاح المسلح بالإرهاب ومحاربته وتشمل استخدام أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية في الولايات المتحدة الأميركية من أسلحة القتل والتخريب والدمار، واستخدام إرهاب الدولة الإسرائيلية ضد كل صوت يرتفع لدعم المقاومة المسلحة.
ويعمل البلدان على قطع كل يد عربية أو إسلامية تمتد لتقديم المساعدات المالية والعسكرية لحركات المقاومة المسلحة. ووصلت "الإرهابية" والوحشية حداً قامت فيه الولايات المتحدة الأميركية بضرب العاصمة الليبية بالطائرات، كما قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة التونسية وتدمير المفاعل النووي في العاصمة العراقية بغداد، وارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا في العاصمة اللبنانية بيروت، فالإرهاب اليهودي يمتد ليصل إلى كل مَنْ يتصدى للإرهاب الإسرائيلي والأمريكي.
إن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل يعتبر من أخطر الظواهر الإرهابية التي عرفها المجتمع الدولي، وذلك للعدد الهائل من الضحايا البشرية التي تقتل والخسائر المادية الفادحة التي تصيب البنى التحتية للاقتصاديات العربية وانتهاك كافة المبادئ والعهود والمواثيق الدولية.
ويقود إلى التوتر وعدم الاستقرار وعرقلة التطور والتقدم في المنطقة، وذلك للحيلولة دون وحدة العرب وتقدمهم وتحررهم، ولإخضاعهم وإذلالهم وتهويد أراضيهم ونهب ثرواتهم وقمع نضالهم الوطني ومنعهم من ممارسة حقوقهم الوطنية والقومية والدينية في مدينة القدس العربية.
إن الصمت الدولي على الإرهاب الإسرائيلي ودفاع الولايات المتحدة الأميركية عنه، يظهر بجلاء سياسة الكيل بمكيالين ويشجع إسرائيل على الاستمرار في ممارسة الإرهاب والإبادة الجماعية والعنصرية كسياسة رسمية. تذرع النازيون بعدم وجود اتفاقيات دولية تحرم ارتكاب المجازر التي اقترفوها وتعاقب عليها.
ولكن إسرائيل اليوم ترتكب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام على الرغم من وجود العديد من العهود والمواثيق الدولية التي تحرم ارتكابها وتنص على المعاقبة عليها.
وهنا أتساءل لماذا تسكت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على الإرهاب الإسرائيلي؟ وتدين الكفاح العادل والمشروع للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي؟

¡ المصادر

(1) ظفر الإسلام خان، التلمود: تاريخه وتعاليمه، دار النفائس- بيروت 1972، ص 33.
(2) المصدر السابق ص 34-35.
(3) د. أعسطس دوهلنج، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة يوسف حنا نصر الله، بيروت 1968، الطبعة الثانية، ص 46.
(4) المصدر السابق، ص 60.
(5) المصدر السابق، ص 66.
(6) المصدر السابق، ص 68-69.
(7) المصدر السابق، ص 85.
(8) المصدر السابق، ص 107-108.


¾



- عنصرية اليهودية

نجح كتبة التوراة والتلمود في غرس أعمدة العنصرية الأربعة في عنصرية اليهودية وهي:
الأول: التفوق العنصري. والثاني التمييز العنصري. والثالث: الفصل العنصري. والرابع: التعصب العنصري.
فاليهودية في نظر المفكرين والرواد والمؤسسين الصهاينة هي الأساس الذي تقوم عليه الأيديولوجية الصهيونية بينما تعود عنصرية الصهيونية إلى مصدرين أساسيين:
المصدر الأول : التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون.
والمصدر الثاني : الأفكار العنصرية التي ظهرت في أوروبا وبشكل خاص في ألمانيا في القرن التاسع عشر وتأثر الرواد الصهاينة بها وبشكل خاص تيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية العالمية.
إن التوراة والتلمود هما الكتابان المقدسان لدى اليهود تُربى أطفالهم على تعاليمهما. ويطبع التلمود حياتهم بطابعه الخاص، وإن الولاء للدين هو الذي جمع بين اليهود في الماضي، بينما الولاء لليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني هو الذي يجمع بينهم في الوقت الحاضر.
تقوم الصهيونية على أساس أن اليهودية ليست مجرد دين وإنما هي قومية. فالصهيونية في نظر أتباعها ومؤيديها هي حركة تحرر قومي لليهود، وإن القومية اليهودية في نظرهم غير منفصلة عن الديانة اليهودية، واليهودية هي الوجه الديني للصهيونية، وإسرائيل هي التجسيد العملي للصهيونية وللوجهين الديني والسياسي لليهودية، وهي دولة جميع اليهود في العالم التي نادى بها رجال الاستعمار الأوروبي ورجال الاستعمار الاستيطاني اليهودي، ووضع موزيس هيس وتيودور هرتسل دعائمها الفكرية والتنظيمية.
رسخت اليهودية الإيمان في أذهان اليهود أنهم "شعب الله المختار"، وأنقى الأعراق وأذكاها والنخبة بين بني البشر، وتعد مقولة شعب الله المختار المرتكز الأساسي للعنصرية اليهودية.
وتمتلئ التوراة والتلمود بعبارات الاختيار والتفوق والنقاء وبقصص الإبادة الجماعية والثأر والانتقام والعدوان والغدر والخيانة والاستعلاء. وتُرجع روح الاستعلاء والقتل والتدمير والإرهاب إلى الإله "يهوه" رب الجنود، وبالتالي سارت اليهودية منذ بدايتها في الاتجاه العنصري والعدواني والإرهابي البغيض. لذلك عندما يريد المرء معرفة عنصرية اليهودية على حقيقتها عليه العودة إلى التراث الديني الذي خلفته، وفي مقدمة هذا التراث التوراة ثم التلمود.
يقول يهوه لأبرام: "أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك، في أجيالهم، عهداً أبدياً، لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً وأكون إلههم". (سفر
التكوين 17).
إن التوراة لم تذكر لماذا اختار الإله "يهوه" أبرام وقطع العهد معه وفضله على غيره من بني البشر. وبَنَتْ اليهودية عنصريتها على أساس أن اليهود جماعة فريدة مختارة تتمتع بحقوق إلهية لا يتمتع بها غيرها من الجماعات البشرية، وإن اختيار أبرام ليس لـه فقط وإنما لأبنائه وسلالاتهم وأنه ملزم إلى الأبد. وأقامت اليهودية تفكيرها العنصري على أساس هذا العهد الإلهي المزعوم لتبرير غزو القبائل اليهودية لأرض كنعان.
وانتشرت الأفكار والمقولات العنصرية في شريعة موسى عندما خلَّص جماعته من الذل والعبودية في مصر.
فأخذ كردة فعل على العبودية والشعور بالدونية يغذي في جماعته التفوق والتميز والاختيار. وغرس في أوساطهم مقولات التفوق والاستعلاء كقول يهوه (كما زعم كتبة التوراة) "أنا يهوه الذي ميزكم عن الشعوب"، سفر اللاويين 20، وقول يهوه "... وقد اختارك الرب لكي تكون لـه شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب"؛ سفر التثنية 14.
وتتناول التوراة الأرض التي أعطاها "يهوه" لأبرام ونسله من بعده وتحددها بأنها "كل موضع تدوسه بطون أقدامهم من البرية ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات".
نظر موسى إلى الدين اليهودي (حسب قول التوراة) "على أنه إله، قوة قاهرة، تُخضع السواد الأعظم من العامة لمشيئته، فيكون قادراً على تسخيرهم واستخدامهم كما يشاء. لذلك كان من الطبيعي أن تنطلق تشريعاته من مفهوم القبيلة، وتنحصر في ربط اليهود بعضهم ببعض في فئة قتالية محاربة غير قابلة للاندماج مع الآخرين. فجاءت تشريعاته ضيقة منغلقة وعنصرية تدور في دائرة القبيلة الإسرائيلية وتأمر بقتل غير اليهود والحقد عليهم والغدر بهم والانتقام منهم.
وتروي التوراة كيف أن موسى كلّم الرب وطلب منه أنْ ينتقم لبني إسرائيل من المديانيين، وقتل بنو إسرائيل جميع الذكور في مديان وسبوا نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع ممتلكاتهم والبهائم والمواشي، وأحرقوا جميع مدنهم. وعندما خرج موسى لاستقبال جماعته أمرهم بقتل كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عاشرت رجلاً. وبالتالي وضعت التوراة للأجيال اليهودية اللاحقة الأسس الدينية لارتكاب المجازر الجماعية، وسارت الأجيال اليهودية على هذا المنوال. ولا تزال الإبادة الجماعية تجاه العرب سياسة رسمية تمارسها دولة اليهود تجاه العرب في المنطقة العربية.
وتزعم التوراة "في سفر التثنية الاصحاح التاسع" أن الإله يهوه يحارب مع اليهود وينتصر لهم ويريد إبادة الشعوب والأمم غير اليهودية كي يسود شعبه المختار على الشعوب جميعها.
وتتضمن في الاصحاح 20 أن الإله يهوه لا يقبل بأن تتساوى الشعوب مع شعبه المختار وأن الأمم كافة ستصبح بمنزلة الخدم والعبيد لبني إسرائيل إنْ هادنت ورضيت بالصلح اليهودي وإلا ستباد من الوجود إن رفضت المهادنة.
ويعني هذا النص المغرق في التعالي والعنصرية والحقد والتمييز العنصري أنّ على جميع الشعوب أن تقبل بأن تكون مستعبدة لخدمة اليهود وإلا ستمارس بحقها الإبادة الجماعية وتباد من الوجود.
وتحض اليهودية من خلال الإيمان بأن اليهود هم شعب الله المختار، أي أن يهوه خصّهم بالتفوق والتمييز العنصري على عدم الاختلاط بالشعوب والأمم الأخرى وعدم التزاوج معهم والانعزال عنهم.
وترفض الزواج المختلط وتورد التوراة كيف أن الكاهن فينحاس بن العازر قد قتل الرجل اليهودي الذي تزوج بامرأة مديانية وقتلها أيضاً، وتذكر كيف أن موسى لم يرض بزواج اليهودي من غير اليهودية فأمر بحرق مديان وأمر بقتل الرجال والأطفال، مما يظهر بجلاء سياسة الانغلاق والإبادة الجماعية والعنصرية التي تسير عليها اليهودية.
وتروي التوراة أن إبرام رفض أن يتزوج ابنه اسحق فتاة كنعانية. وسار اسحق على منوال أبيه ورفض أن يتزوج ابنه يعقوب فتاة كنعانية أيضاً. وارتكب أبناء يعقوب مجزرة جماعية وحشية بحق سكان منطقة نابلس، لأن ابن ملك المنطقة الكنعاني جيرار أراد أن يتزوج ابنة يعقوب التي أحبها وأحبته وطلب الزواج منها فطلبوا من ملك جيرار ختان جميع الذكور في مملكته كشرط للموافقة على الزواج. ولبّى الملك هذا الطلب، فقام اليهود بذبح جميع الرجال بعد الختان مباشرة. وبالتالي كان شرط الختان خدعة يهودية لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية للمحافظة على النقاء اليهودي ورفض الزواج المختلط (من غير اليهوديات) والتعايش مع الشعوب المجاورة.
وجاءت وصايا التوراة (لليهود فقط) مشبّعة بالانعزال والانغلاق والتفوق والتميز والاختيار والحقد على غير اليهود وكراهية الشعوب الأخرى واحتقارها والحض على إبادتها. فيحق لليهودي أن يسرق غير اليهودي وأن يرتكب الزنى مع غير اليهوديات وأن يقرض غير اليهود بالربا، لأن غير اليهودي في نظرها عدو اليهودي. ويربى رجال الدين اليهودي والآباء والأمهات والأطفال والشباب والشيوخ على هذه النظرة الانعزالية الضيقة والتي تمثل جوهر الفكر الديني اليهودي الذي دوّنه كتبة التوراة والتلمود.
وتعج التوراة والتلمود بالأفكار والمقولات والمنطلقات العنصرية وكراهية اليهود لجميع البشر غير اليهود، إذ لا خلاص لليهود بحسب التعاليم الواردة فيهما، إلاّ باستئصال جميع الشعوب غير اليهودية من المنطقة التي تزاحمهم وتنافسهم على مصادر الماء والكلأ والنفوذ السياسي والعسكري.
وتغرسان في اليهود حب سفك الدماء وارتكاب المجازر الجماعية والإبادة الكلية للشعوب الكنعانية، إذ ورد في سفر يوشع الاصحاح 6 ما يلي: "وأخذوا المدينة. وحرموا (قتلوا) كل من في المدينة من رجل وامرأة، ومن طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب".
وتكشف التوراة والتلمود طبيعة اليهود العنصرية وحقيقتهم الوحشية، فربّهم "يهوه" يأمرهم بارتكاب المجازر الجماعية وقتل الأطفال والنساء والعجزة والشيوخ والبهائم وتخريب الزرع وقطع الأشجار وحرق القرى والمدن بما فيها من مدنيين أبرياء تماماً كما تفعل إسرائيل في فلسطين والبلدان المجاورة.
وتظهر الروح العنصرية الوحشية المتأصلة في النفسية اليهودية الحاقدة على جميع الشعوب في قول الرب بلسان أشعيا عن دمشق: "هو ذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم". (سفر اشعيا 17).
ويقول الرب بلسان أرميا عن موآب: "وتصير مدنها قرية بلا ساكن فيها". (سفر أرميا 48).
ويقول الرب عن بني عمون في الأردن: "تصير تلاً خرباً. وتحرق نباتها بالثأر" ويقول عن بصرة: "بذاتي حلفت أن بصرة تكون دهشاً وعاراً وخراباً ولعنة، وكل مدنها خرباً أبدية لا يسكن هناك إنسان ولا يتغرب فيها ابن آدم" (سفر أرميا 48).
ويقول الرب عن مصر: "وتصير خراباً خربة مقفلة، لا تمر فيها رِجْل إنسان، ولا تمر فيها رجل بهيمة وأُشتت المصريين بين الأمم وأبددهم في الأراضي". (سفر حزقيال 29).
وعندما غزا اليهود "نصارى نجران" في مطلع القرن السادس الميلادي وهزموهم" جمع اليهود ما تبقى من المسيحيين الأحياء بعد أن حفروا خندقاً وأوقدوا فيه النار ثم ألقوا إليها بالنصارى ليحترقوا وهم على قيد
الحياة"(1).
ويزعم حاخامات اليهود أنَّ إسرائيل سأل "يهوه" لماذا خلقت غير شعبنا المختار؟ فأجاب قائلاً: "لتركبوا ظهورهم وتمتصوا دماءهم وتحرقوا أخضرهم وتلوثوا طاهرهم وتهدموا عامرهم"(2).
لقد حذرت التوراة أتباعها على لسان "يهوه" بعدم الاختلاط بالشعوب والأمم الأخرى، لأنَّ اليهود هم أبناء شعب الله المختار، ولأنهم أنقى من الشعوب الأخرى، ولأن أبناء الشعوب الأخرى غير مساوية لليهود. وتعتبر التوراة أن اليهودي هو من كانت أمه يهودية وتنص على أنه "كي يكون الإنسان إنساناً لا "أممياً" يجب أن يكون مولوداً من رحم يهودي مبارك".
وحافظ الإله يهوه بحسب التوراة على النقاء اليهودي وأنزل غضبه وسخطه على اليهودية التي تضاجع أحد الأغيار.
وأدت عملية النقاء العرقي اليهودي إلى تثبيت عنصرية اليهودية القائمة على فكرة الاختيار والنقاء اليهودي على جميع الأعراق والمخلوقات غير اليهودية.
ويرجع كتبة التوراة أصل جدهم أبراهام إلى آدم، لتعزيز عنصرية اليهود وجعلهم يمثلون صفة الجنس البشري. ويتضمن اعتبار كتبة التوراة أن اليهود هم شعب الله المختار مكاسب منحها الإله يهوه لشعبه المختار دون غيرهم، ولذلك أجاز لهم إبادة الأمم والشعوب الأخرى ليبقى الشعب اليهودي فوق جميع الشعوب.
ووعدهم يهوه بتأمين الانتصار لهم على أعدائهم وإعطائهم الأرض من النيل إلى الفرات.
وتتجلى عنصرية التوراة بتسخيرها لجميع البشر في خدمة اليهود، أي باستعباد اليهودية للبشرية جمعاء.
وقضت التوراة بالعبودية على غير اليهودي. وبالتالي تفوق عنصرية التوراة جميع النظريات والمقولات العنصرية التي ظهرت حتى الآن.
وتصوِّر التوراة إله اليهود إلهاً عنصرياً منحازاً لليهود ضد بقية أبناء البشر. وامتدت عنصريته حتى للتمييز بين حيوانات اليهود وغير اليهود. فجاء في سفر الخروج- الاصحاح 9، 11: "إن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل وبين مواشي إسرائيل ومواشي المصريين".
وبلغت عنصرية إله اليهود حدّاً حثهم فيه على سرقة أملاك غير اليهود وطلب منهم سرقة جيرانهم المصريين عند مغادرة مصر وقال: "فيكون حين تمضون من أرض مصر، أنكم لا تمضون فارغين، بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً، وتضعونها على بنيكم وبناتكم، فتسلون المصريين"(3).
ويحمد اليهودي في صلواته إلهه يهوه لأنه ميّزه بالاختيار والنقاء دون الشعوب الأخرى ولمنحه التوراة "كتاب الكتب" دلالة على هذا التمييز والاختيار.
وجاءت التعاليم التلمودية أكثر إغراقاً في العنصرية والتمييز العنصري من التوراة حيث ورد في التلمود أن "اليهود كلهم مقدسون، كل اليهود أمراء، لم تخلق الدنيا إلا لجماعة إسرائيل، لا يدعى أحد أبناء الإله إلاّ جماعة إسرائيل، لا يحب الإله أحداً إلا جماعة إسرائيل(4)".
واعتبر القادة الصهاينة أن التميز والاختيار والنقاء اليهودي قد جاء بأمر إلهي، وبالتالي أعطوا عنصرية اليهودية صفة القداسة الإلهية التي ينفرد فيها اليهود عن بقية بني البشر. وجاءت عنصرية كتبة التوراة والتلمود أخطر وأبشع من جميع النظريات العنصرية التي ظهرت في تاريخ البشرية، لأنها تعطي عنصرية اليهودية الخصوصية الإلهية.
ويصف التلمود غير اليهود بأنهم "حيوانات في صورة إنسان، وهم حمير وكلاب، بل الكلاب أفضل منهم، لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب، وليس مصرحاً لـه أن يطعم الأجنبي"(5).
وتميز اليهودية أرواح اليهود عن سائر الأرواح بأنها جزء من العزة الإلهية عزيزة عند يهوه، بينما الأرواح غير اليهودية تشبه أرواح الحيوانات، وأنّ اليهودي عند يهوه أهم من الملائكة، وينص التلمود على "أن الله خلق الأجنبي على هيئة إنسان فقط ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا ومن فيها من أجلهم".
وهكذا غرست وتغرس تعاليم التوراة والتلمود في عقلية اليهودي ونفسيته وممارساته وأفعاله ومواقفه التفوق العنصري والتمييز العنصري والفصل العنصري والتعصب العنصري، مما يجعل اليهود ينظرون إلى العرب والشعوب الأخرى نظرة مليئة بالحقد والكراهية العنصريين والتمييز العرقي والازدراء وحب الانتقام واستغلال جميع الشعوب وثرواتها لأنها خلقت لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم.
إنَّ حقد اليهود على جميع البشر وحب الثأر والانتقام منهم والاستعلاء عليهم واحتقارهم وإذلالهم واعتبارهم حيوانات، وبيوتهم زرائب، وتحريم إنقاذ غير اليهودي، ومكافأة الذي يقتل أجنبياً بالخلود في الجنة، وإجازة الربا والسرقة من غير اليهودي وشهادة الزور، يظهر بجلاء عنصرية اليهودية وإيمانها بالتمييز والانغلاق العنصري وبالتالي خطورتها على البشرية جمعاء.
ويظهر خطورة اليهودية ليس فقط على شعوب المنطقة وشعوب العالم وإنما أيضاً على الديانتين المسيحية والإسلام، حيث حرص اليهود منذ ظهور الإسلام على الكيد لـه وبالمسلمين ومحاولة وقف تيار الدعوة الإسلامية منذ ظهورها وحتى اليوم. ورسموا الخطط والمكائد لتنفيذ ذلك حتى أن بعضهم تظاهر بدخول الإسلام وحافظوا سراً على يهوديتهم. وحاربوا النبي محمد صلعم وتصدوا لدعوته حتى أنهم ذهبوا إلى مكة المكرمة لتحريض المشركين فيها على محاربته.
لذلك لا يفاجأ المرء عندما يشن حاخامون وقادة إسرائيل أبشع الحملات ضد القرآن الكريم والنبي العربي والدين الإسلامي وخاصة التصريحات العنصرية الحاقدة التي صدرت عن الحاخام عوفيديا يوسف، زعيم حركة شاس ضد العرب. وتظهر التصريحات والمواقف والممارسات العنصرية ضد العرب والمسلمين أنها تشكل القاسم المشترك لجميع المستوطنين والحاخامين والمسؤولين في إسرائيل وتتسع باستمرار لتشمل أوسع قطاعات الشعب الإسرائيلي.
يقول أبراهام شابيرا، الحاخام الأكبر لإسرائيل في رسالة بعث بها إلى مؤتمر الشباب اليهودي في بروكلين بالولايات المتحدة الأميركية ما يلي: "نريد شباباً يهودياً قوياً وشديداً، نريد شباباً يهودياً يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجثتاثهم من الأرض، يجب أن نتخلص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم".
واعتبر مردخاي الياهو، الحاخام الشرقي الأكبر الأسبق لإسرائيل أن القرآن أكبر عدو يواجه إسرائيل وقال في خطاب أمام مجموعة من منتسبي المدارس الدينية أن "لنا أعداء كثيرين، وهناك من يتربص بنا وينتظر الفرصة للانقضاض علينا، وهؤلاء بإمكاننا عبر الإجراءات العسكرية أن نواجههم، لكن ما لا نستطيع مواجهته هو ذلك الكتاب الذي يسمونه القرآن، هذا عدونا الأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية المباشرة مواجهته".
ولا تتخذ اليهودية موقفاً إنسانياً من غير اليهود ولا تحضهم على تقديم المساعدة لغير اليهودي عندما يكون في أمس الحاجة إليها ،ويتجلى موقف اليهودية من غير اليهود في فتوى الرابي موشيه بن ميمون في قضية الغوييم حيث يقول: "محظور على اليهودي إنْ رأى أجنبياً يغرق أن ينقذه، كما أنه محظور عليه كذلك دفعه إلى الماء ليغرق"(6).
ويقول المفسرون إن هذه الفتوى تبقى سارية المفعول في ظروف سيطرة الغوييم، ولكن عندما يكون اليهود أقوياء يجب دفع الأجنبي إلى الماء ليغرق.
وتنص فتاوى يهودية أخرى على أن الغوييم "إن أراد البقاء في أرض إسرائيل أن يلتزم بالتنازل عن حقه في أية ملكية فيها مهما كانت وأن يتنازل عن حقه في امتلاك أرض في إسرائيل. وعليه أن يبدي الاستعداد ليكون حطاباً أو سقاء وأن يقبل دفع الضرائب الباهظة. وفي مثل هذه الظروف فقط يجوز إبقاء الغوييم في أرض إسرائيل كمقيم وليس كصاحب حق"(7).
ويورد سفي ديخلافسكي مؤلف كتاب "حمار المسيح" ثلاث وصايا يهودية تخص الغوييم وهي:
1-لا تظهر الإعجاب بالغوييم كيلا يظهروا جيدين في أعين إسرائيل.
2-لا تعطف على الغوييم، لا ترحم أو تحسن إلى الغوييم.
3-لا تعطي الغوييم مكاناً على الأرض(8).
وأصدر الرابي العنصري موشيه بن ميمون ثلاث فتاوى تخص أرض إسرائيل ينبغي على اليهود القيام بها عندما يدخلون الأرض المقدسة وهي: "تعيين ملك، وإبادة العماليق، وبناء القدس".
وتربي الأحزاب الدينية الأطفال اليهود على كراهية غير اليهود وبشكل خاص العرب وتحتوي جرائدها ومجلاتها ونشراتها على العبارة التالية:
"أنتم الإنسان، اليهودي فقط هو إنسان، والغوييم ليس إنساناً"(9).
ويتساءل الحاخام مردخاي الياهو ويقول: "كيف يمكن أن يكون سلامٌ في الوقت الذي يقدس فيه المسلمون والعرب كتاباً يتحدث عنا بكل هذه السلبية، على قادة الدولة عندنا أن يبلغوا قادة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية أن يختاروا بين السلام معنا والقرآن".
وعبر الحاخام شاؤول الهاريش، أحد أبرز مراجع الافتاء لدى اليهود الاشكناز عن عدائه السافر لتمسك المسلمين بالقرآن الكريم وقال: "... لا سلام إلاّ في حال تخلي العرب عن مصادر التطرف لديهم التي يمثلها القرآن إلى جانب ذلك الكم الهائل من التراث المعادي للصهيونية الذي يؤسس لـه الدين الإسلامي". ويظهر عداء الحاخامين اليهود للدين الإسلامي في موعظة دينية ألقاها الحاخام إسحاق بيرتس الحاخام الأكبر لمستعمرة بتاح تكفا وجاء فيها أنه إذا استمر ارتفاع الآذان الذي يدعو المسلمين للصلاة كل يوم خمس مرات في القاهرة وعمان والرباط فلا تتحدثوا عن السلام مع العرب.
ووجّهتْ رابطة كاهانا حي العنصرية في الولايات المتحدة تهديداً للجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا وذلك في ملصق قامت بإلصاقه على جدران المساجد الأميركية جاء فيه:
"نحن الحكومة هنا (في الولايات المتحدة)، ولكي تتأكدوا انظروا إلى أولئك الموجودين في الحكومة الأميركية أو في مجلس الشيوخ والنواب الأميركي، أو انظروا إلى الذين يؤيدوننا في الحكومة البريطانية.
وانظروا إلى الذين تسمونهم زعاماتكم كيف يهرولون بيأس بالغ ليصنعوا السلام معنا، سلامنا يصنعونه مع قيادتنا في إسرائيل، لدينا الآن سلامنا وسيطرتنا على الحكومات من حدود روسيا وحتى نهر النيل مروراً بجبال لبنان والصحراء العربية كما وُعد بها الشعب اليهود: إسرائيل الكبرى"... نحن نتحكم بالاقتصاد والسياسة في هذه الدول. لا أحد يجرؤ على مهاجمتنا بعد الآن. لم يعد المزيد من اليهود الضعفاء للذبح، نحن الآن نذبح أعداءنا كما وُعدنا.
ذراعنا طويلة وإذا ما هوجم اليهود خارج إسرائيل سوف نرد ضد المجتمع المسلم في العالم، ففرقنا جاهزة ومدربة في كل مكان. احذروا أيها المسلمون حياتكم ملك لنا تماماً مثل الخراف للجزار(10).
ويلعب الحاخامون دوراً أساسياً في بلورة الشخصية اليهودية وتحليها بالصفات الواردة في التوراة والتلمود المعادية لغير اليهود وبشكل خاص العرب والديانتين المسيحية والإسلامية، وفي عزل اليهودي عن محيطه، وتلقينه الأفكار العنصرية، والاحتفال بالأعياد اليهودية لتذكيره بالانفصال عن محيطه وعن المجتمع الذي يعيش فيه، وبثوا فيه الإيمان بأن "يهوه" خوّله حق التسلط على الشعوب وثرواتها.
وتمسك رجال الدين اليهودي بالعزل الاجتماعي والاقتصادي لليهود، لأنه في نظرهم يعني المحافظة على الدين اليهودي من جهة وعلى ممتلكات اليهود من جهة أخرى ومقدمة لتهجيرهم إلى فلسطين وترحيل العرب منها.
ويؤكد العديد من المؤرخين "أن قيام الغيتو الأول في كل من إسبانيا وصقلية في الفترة المبكرة من القرون الوسطى كان بناء على طلب اليهود أنفسهم"(11).
وأكد الحاخام اليهودي الأميركي ألمر بيرمر "أن ممثلي التجمعات اليهودية في أغلب الدول كانوا يلتمسون من السلطات الحاكمة إنشاء غيتو لهم"(12).
وظهرت في العديد من الدول الأوروبية غيتوات نتيجة للتربية اليهودية وانعزال اليهود ومقاومتهم للاندماج وتحقيقاً لرغبات حاخامين اليهود لتعزيز سيطرتهم على الجاليات اليهودية.
وطرحت الصهيونية انطلاقاً من التعاليم اليهودية ولتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي إقامة غيتو واحد في فلسطين لجميع اليهود في العالم. وركزت على التفوق والاختيار الإلهي والانغلاق والانعزال والهجرة اليهودية وترحيل العرب وبناء المستعمرات اليهودية على أنقاض القرى والأراضي العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني وإقامة إسرائيل العظمى لخدمة المصالح الإمبريالية وفرض سيطرة اليهودية العالمية على المنطقة العربية، كمقدمة لفرض سيطرتها على العالم.
تقود مقولة "شعب الله المختار" اليهود إلى الاعتقاد بتفوقهم وتميزهم عن بقية الشعوب وتؤدي إلى فكرة التمييز والتعصب العنصري والتي تقود بدورها اليهود إلى عرقلة اندماجهم وتحقيق الانعزال، مما يدفع اليهود لتبني الأفكار والممارسات العنصرية والترويج لها والإيمان بها. لذلك طالب العديد من المفكرين في أوروبا ومنهم بروتو بوير. وكارل ماركس بتخلي اليهودي عن يهوديته كي يتحرر اليهودي من عنصرية اليهودية. ويؤكد كارل ماركس في كتابه "المسألة اليهودية" أن تحرير اليهودي في معناه الأخير يقوم على تحرير الإنسانية من اليهودية، وأن التحرر الاجتماعي اليهودي إنما هو تحرير المجتمع من اليهودية، وإن المال هو إله إسرائيل المطاع، وإن قومية اليهودي الوهمية، هي قومية التاجر، قومية رجل المال.
ويعكس الأدب الصهيوني (الأدب اليهودي) عنصرية اليهودية والصهيونية بأجلى مظاهرها ونفسية اليهودي المليئة بالحقد والكراهية تجاه "الغوييم". ويدعو إلى ازدراء غير اليهود ومعاداتهم. ويصب الحقد الأعمى والكراهية العنصرية على العرب وحتى الأطفال منهم.
تقول الشاعرة اليهودية آنا نجرينو في إحدى قصائدها إن أمها أوصتها بالتعصب "وقالت لي أمي بأني ابنة شعب غني بالأسفار... والأغيار جهلة، حدثتني أن أكون في المقدمة لأني يهودية، وواجبي مواصلة الطريق لمواجهة الأغيار الأعداء، ولو كانوا العالم كله"(13).
وتتجلى الكراهية اليهودية للأطفال العرب في القصيدة التي نظمها الشاعر اليهودي أفرايم سيدوم مخاطباً الأطفال والنساء والشيوخ العرب قائلاً: "يا أطفال صور وصيدا، إني أتهمكم، ألعنكم لأنكم مخربون، ستنامون محطمي العظام في الحقول والطرقات، لا تسألوا لماذا، فإنه العقاب، والآن حان عقابكم، كل النساء في صيدا وصور، كل الأمهات، كل الحوامل، كل المسنين، وكل الأرامل، ها نحن قادمون لنعاقبكم لنقتص منكم(14)".
وضع يهودي إسرائيلي رسالة على الأنترنت تقول: "لقد قتلنا الكثير من أطفال العرب، وسوف نقتل المزيد، وقد نقتلهم جميعاً، لأننا لا نستطيع أن نهزم أمام الأطفال"(15).
ويقول الشاعر اليهودي يوناتان غيفن في قصيدة بعنوان : "دماء صبرا وشاتيلا" ما يلي: "رأينا الأسرى الفلسطينيين في طريقهم إلى المعتقل، صرخ الجمهور (اليهودي)، صرخت أنا، اقتلوهم، احصدوهم، اذبحوهم، اقتلوهم، نريد أن نرى دماء في صبرا وشاتيلا"(16).
وتكرِّس المدرسة اليهودية أينما كانت اهتمامها الأساسي في غرس تعاليم التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والصهيونية في نفوس التلامذة والذين يرضعون حليب الحقد والكراهية والبغضاء والتعالي والنقاء والتفوق تجاه العرب في البيت والمدرسة والمجتمع. لذلك ينظر اليهود أينما كانوا إلى تصرفات الجيش الإسرائيلي وسياسة الإبادة الجماعية التي يمارسها تجاه العرب وإلى انتهاكات الحكومة الإسرائيلية لأهداف ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وكأنها تصرفات شرعية عادية وعادلة ويجب تأييدها والدفاع عنها واتهام الضحايا العرب بالإرهاب. ويؤكدون عنصريتهم ويقولون: "هكذا يجب أن نعامل العرب، فالعرب لا يفهمون إلاّ لغة القوة". وبالتالي تبعدهم تربيتهم اليهودية عن المفاهيم الإنسانية والحضارية ويفقدون إحساسهم بالحق والعدالة تجاه العرب وبقية شعوب العالم. فاليهودي في إسرائيل وخارجها يشاهد يومياً ممارسات إسرائيل الإرهابية والعنصرية والاستعمارية ولا يفعل شيئاً ضدها، بل يؤيدها سياسياً ويدعمها مالياً وإعلامياً ويقدم لها الخدمات التجسسية ويركز على اجترار جرائم النازية والأكاذيب حول الهولوكاوست لممارسة المزيد من الضغط والابتزاز على ألمانيا والشعوب الأوروبية ولكسب العطف والتأييد العالمي لسياسة إسرائيل الإرهابية والعنصرية والاستعمارية.
لقد أصبح الدين اليهودي بمنزلة الرشاش والمدفع والصاروخ في يد إسرائيل والاستعمار الاستيطاني اليهودي والمستعمرين اليهود، لذلك فإن مواجهة الكيان الصهيوني ومناهضة الصهيونية واجب وطني وقومي وديني لا يقبل أبداً عن الواجبات الدينية اليومية، لأن إسرائيل اعتدت وتعتدي على العرب والمسلمين واغتصبت أرضهم وأخرجتهم من ديارهم ودنست مقدساتهم وتعمل على تدميرها وتهويدها وتهويد وطنهم.
أطلَّ في إحدى الأمسيات أحد حاخامي إسرائيل وهو الحاخام زلمنوفتش من على شاشة التلفزيون وشرح لماذا تأمر الشريعة اليهودية بالتمييز بين اليهود وغير اليهود وبتطبيق نظام الفصل العنصري بين اليهود والعرب في إسرائيل.
وأكد أن المبرر لنظام الفصل العنصري "هو حتى لا نختلط بغير اليهود (العرب) ونتعلم منهم، أو نتزاوج معهم"(17). وطالب باسم المؤسسة اليهودية التي يقف على رأسها وزارة الإسكان بإصدار الأوامر المناسبة حتى لا يعيش اليهود وغير اليهود في حي سكني واحد.
وبعث برسالة إلى وزير الإسكان، دافيد ليفي (آنذاك) اقترح فيها ضرورة فصل اليهود عن العرب، وعدم السماح لغير اليهود بالعيش والسكن في حي سكني واحد، أو حتى في بناية سكنية واحدة.
تجسد هذه التصريحات عنصرية الديانة اليهودية وتغلغل العنصرية في أوساط الحاخامين والأوساط المتدنية وحتى تغلغلها في أوساط الشعب الإسرائيلي.
وتنسجم مع سلسلة طويلة من التشريعات والقوانين التي تدعو وتطبق وتقود إلى نظام عنصري في إسرائيل مغرق في العنصرية والتمييز العنصري وممارسة الإبادة الجماعية تجاه العرب.
وأيد الحاخام اليعزر فولد نبرغ، الحائز على جائزة إسرائيل الفصل بين اليهود والعرب، بل طالب بطرد جميع غير اليهود من مدينة القدس العربية، بما في ذلك طردهم من الأماكن العربية المقدسة للمسلمين والمسيحيين "لتطهير" المدينة على حد قوله كلياً منهم.
وطالب أحد المستعمرين اليهود في جريدة "لكوداه" الناطقة بلسان حركة غوش إيمونيم الاستيطانية تطهير إسرائيل كلها والمناطق المحتلة من "العرب" أي ترحيلهم إلى البلدان العربية المجاورة لفلسطين.
ونشر أحد الحاخامين مقالاً في صحيفة طلاب جامعة بارايلان تحت عنوان "فريضة القتل في التوراة" شرح فيه لماذا تأمر التوراة اليهود بتنفيذ مذبحة ضد عمالقة العصر، أي الشعب العربي الفلسطيني.
ووصلت العنصرية بالجنرال رفائيل إيتان، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حداً ألغى فيه العقوبة التي فرضت على قتلة العرب.
وهكذا يؤمن الشعب الإسرائيلي بوجوب الفصل العنصري بين اليهود والعرب وترحيل العرب من وطنهم وتبرير قتلهم وارتكاب المجازر الجماعية تجاههم، وذلك انطلاقاً من تعاليم التوراة.
ما هي يهودية هذا الشعب الذي تأمره تعاليمه الدينية بذبح شعب آخر ويمارس القول والعمل من خلال قادة إسرائيل؟
أين إنسانية هذا الشعب الذي دمر حتى الآن ما يقرب من مئتي مسجد داخل إسرائيل؟
وأين إنسانيته عندما يزرع القنابل في المساجد والكنائس والمدارس ويقتل المصلين الأبرياء كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل وفي المسجد الأقصى بالقدس.
يدعون إلى الفصل بين اليهود وغير اليهود في فلسطين فهل يعملون على تطبيقه في الخارج؟
¡
¡ المصادر

(1) محمد جواد مغنية، إسرائيليات القرآن، دار الجواد، بيروت 1981، ص 14.
(2) مجلة فلسطين المسلمة، كانون الثاني 1998، ص 58.
(3) منير العكش، مقدمة لمنطق العنصرية، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 90/ 1990، ص 7.
(4) مجلة قضايا استراتيجية، العدد 5، دمشق 2000، ص12.
(5) مجلة فلسطين المسلمة، كانون الثاني 1998، ص 51.
(6) جريدة الحياة اللندنية في 18/8/2000.
(7) المصدر السابق نفسه نقلاً عن كتاب: "حمار المسيح" لمؤلفه ديخلافسكي، تل أبيب 1988.
(8) جريدة الحياة في 18/8/2000.
(9) المصدر السابق نقلاً عن كتاب "حمار المسيح".
(10) مجلة فلسطين المسلمة، حزيران 1996، ص 22.
(11) جورجي كنعان، العنصرية اليهودية، دار النهار للنشر، بيروت 1983، ص 60.
(12) ألمر بيرجر، فدائي في تاريخ الصهيونية، نيويورك 1951.
(13) جريدة الأسبوع الأدبي، العدد 619 في 18/7/1998، ص 6.
(14) المصدر السابق نفسه.
(15) جريدة تشرين في 31/10/2000.
(16) يوناتان غيفن، دماء صبرا وشاتيلا، ملحق يديعوت احرونوت في 22/10/1982.
(17) جريدة الدستور الأردنية في 11/3/1984.

¡



- محاربة اليهود للدعوة الإسلامية


يُعد اليهود أكثر الناس عداوة للنبي العربي والإسلام، فحاربوه وحرضوا المشركين على محاربته وحاولوا قتله لوأد رسالته المبينة.
ولقد أعلمنا الله في كتابه العزيز عن هذه الحقيقة بقوله تعالى: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا".
ويقدم اليهود يومياً وعبر تاريخهم الطويل منذ أكثر من خمسة عشر قرناً، أي منذ مجيئ النبي محمد (صلعم) وحتى تدمير العراق وإيران ومحاصرة ليبيا وإيران والسودان أمثلة حية على عدائهم الشديد للإسلام. ويدفعون الآخرين إلى معاداته ومحاربته.
بدأ العداء اليهودي للرسول ورسالته منذ هجرته إلى المدينة. وكان زعيم اليهود فيها كعب بن الأشرف قد أخذ يتآمر على النبي وعلى المسلمين. وارتكب العديد من حوادث الغدر والكيد والحقد والعداء، مما حمل الرسول صلعم على إهدار دمه. ونفذت مجموعة من الأنصار حكم الله في زعيم اليهود.
تولى زعامة اليهود بعد حيي بن أخطب، زعيم قبيلة بني النضير، وتابع ابن الأخطب العمل على محاربة الرسول ورسالته بخبث ولؤم كبيرين. وانطلق من خيبر إلى مكة ليحشد قبائل العرب المشركة على محاربة الرسول في المدينة. ونجح في تحريض قريش وقبائل عربية أخرى عليه. وتوجهوا إلى المدينة للقضاء على رسول الله وعلى المسلمين. وسأله زعماء قريش عن صحة الأخبار التي تقول إن أنبياء اليهود قد بشروا بمجيئ محمد فأجابهم قائلاً:
"هو ليس نبياً ولا رسولاً، وإنما هو كاذب مفتر، والله لا يحبه، وهو على باطل أما أنتم فإنكم على حق، وأنتم أقرب إلى الله من محمد، ودينكم أحب إلى الله من دين محمد(1).
كذب وقال لهم هذا الكلام وهو يعلم أن محمداً هو رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين.
ظن زعيم اليهود أن غزوة الأحزاب الفرصة المتبقية للقضاء على الإسلام والمسلمين. وانضم إليه بنو قريظة الذين عقدوا معاهدة مع النبي تضمنت: "أن لا يحاربوه وأن لا يشتركوا مع آخرين ضده، وأن لا ينقضوا عهدهم معه، وأن يوفوا بذلك العهد والميثاق"(2).
وحنث اليهود بالعهد ونقضوا المعاهدة وانضموا إلى التحالف المعادي للرسول والمسلمين، ولكن الرسول انتصر عليهم.
حرص اليهود على إشعال الفتن والحروب، لذلك جاء في القرآن الكريم (سورة المائدة) قوله تعالى: ]كلما أوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين[.
ويخبرنا القرآن أن الإفساد ملازم لليهود ومتجذر في شخصية اليهودي. ويسعون إلى الفساد والإفساد وإنكار الحق والعدل والإنصاف. وينص القرآن على تحريف اليهود للتوراة.
وجاء في سورة البقرة "]فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم[.
غرست التربية اليهودية في الإنسان اليهودي روح الغدر والحقد والمكر والخداع والكذب والافتراء والتحريف، مما جعله يفقد المعايير الإنسانية ومفاهيم الحق والعدالة. وانتشر الشر والفساد والرذيلة في التجمعات اليهودية.
وانتقلت هذه الصفات من جيل إلى جيل من جراء التعاليم اليهودية وصبغ حياة اليهودي فيها.
وأصبحت لا تقتصر على مجموعة يهودية تعيش في مكان معين، بل يلاحظ المرء أن هذه الأخلاق والسمات والممارسات العنصرية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من سمات اليهودي وتصرفاته في كل زمان ومكان.
حرص اليهودي منذ ظهور الإسلام على الكيد به وبالمسلمين والسعي لوقف تيار الدعوة الإسلامية.
بعد هجرة النبي من مكة إلى المدينة عامل اليهود فيها وبجوارها معاملة طيبة وعقد بينهم معاهدة ضمنت لهم حقوقهم، ولكنهم نقضوها. وأخذوا يكيدون بالإسلام والمسلمين فعاقبهم النبي (صلعم) بالعقوبة التي تناسب كل قبيلة منهم. فأجلى بني قينقاع وبني النضير عن المدينة.
وحارب بني قريظة ويهود خيبر، وهدر دم كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق.
وقال قبل وفاته في آخر الكلمات التي نطق بها موصياً أصحابه: "اخرجوا اليهود من جزيرة العرب. لا يبقى في جزيرة العرب دينان"(3).
وتم إخراج جميع اليهود من جزيرة العرب في عهد عمر بن الخطاب تحقيقاً لوصية الرسول.
ودرج بعض اليهود على اعتناق الديانتين الإسلام والمسيحية لخدمة أغراض اليهود ولكي يتجسسوا عليهم منذ أيام الرسول محمد (صلعم) وحتى اليوم.
وبرع اليهود بالتجسس بسبب توزعهم في جميع بلدان العالم، لخدمة إسرائيل واليهودية العالمية ونشر الفساد في الأرض. وتؤكد الوقائع والأحداث التاريخية أنهم دخلوا المسيحية والإسلام والبوذية لخدمة مصالحهم الشخصية والديانة اليهودية والحركة الصهيونية.
فلقد قال كبير حاخامي فرنسا عام 1489 إلى يهود فرنسا "بمقتضى قولكم إن ملك فرنسا يجبركم على اعتناق المسيحية فاعتنقوها، غير أنه يجب عليكم أن تبقوا شريعة موسى راسخة في قلوبكم"(4).
وتظاهر بعضهم بالدخول في الإسلام لإثارة الفتن والخلافات بين المسلمين منذ أيام النبي (صلعم) ومنهم عبد الله بن سبأ، الذي شكل الجمعيات السرية لزعزعة العقيدة الإسلامية في النفوس وتوفي سنة 40هـ، وفسّر الآيات القرآنية تفسيراً يخدم الفتن التي قام بها، وتعتبر جماعة الدونما، وهم يهود تركيا الذين تستروا بالإسلام واعتنقوه ظاهراً وبقوا على يهوديتهم في الباطن. ولعبوا دوراً في الإسراع في هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى؛ كما لعبوا دوراً في تأليب أتاتورك على الإسلام ومحاربة اللغة العربية والتركيز على الطورانية للتخلص من الإسلام.
امتهن اليهود في كل زمان ومكان وعبر تاريخهم الطويل إثارة الفتن والحروب والتحريض ضد الشعوب غير اليهودية لنشر الخراب والدمار والفساد.
حاربوا السيد المسيح وقتلوه وحاربوا دعوة النبي محمد (صلعم) وأثاروا الفتن بين المسلمين، لزعزعة العقيدة الإسلامية في النفوس. ولعبوا دوراً في إشعال الحربين العالميتين وحروب إسرائيل في البلدان العربية، فهم الذين أشعلوا حرب السويس عام 956 بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا لتدمير الجيش المصري وانتقاماً من مصر لتأميم قناة السويس ولإضعافها للسيطرة على البلدان العربية، وكانوا كلما سمعوا آيات القرآن الكريم طغوا وبغوا وأمعنوا في الكذب والكفر والطغيان.
ورد في العديد من آيات القرآن الكريم أن اليهود قتلة الأنبياء ومنهم زكريا ويحيى، وحاولوا قتل النبي محمد (صلعم) ولكنهم لم يفلحوا بذلك، لأن الله سبحانه وتعالى نجاه من شرهم ومكرهم.
وقتلوا المسيح عليه السلام، فالقتل والاغتيال والإبادة الجماعية من الطبيعة المتأصلة في نفسية اليهود وتعاليمهم التوراتية والتلمودية على مر العصور.
ويظهر بجلاء موقف اليهود من العهود والمعاهدات التي وقعوها بأنهم يراعون العهود الموقعة ما دامت تحقق أطماعهم ومصالحهم ومخططاتهم. وإذا وقفت في طريق ذلك فإنهم يتنصلون منها ويبدعون في إيجاد الحجج والمبررات للتخلص من أحكامها. ولا يمكن لليهود على الإطلاق التخلص من نقضهم للمواثيق الدولية والعهود الموقعة.
قال تعالى: ]أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، بل أكثرهم
لا يؤمنون[.[سورة : الآية]
وتعني هذه الآية الكريمة أن نقض العهد عملية مستمرة عند اليهود، فكل عهد يعقدونه يقومون بنقضه "وما من عهد يقطعه فريق منهم على أنفسهم إلا نقض فريق آخر ما أبرمه الفريق الأول". وتظهر هذه الآية خبث ومكر اليهود في نقض العهود، إذ لا يقوم الجميع بنقض العهد في بعض الأحيان بل تنقضه فئة منهم، بينما يتبرأ الآخرون عن هذه الفئة، مع أنهم هم الذين اتفقوا معهم على توزيع الأدوار.
لم ينفذ اليهود العهود والمواثيق التي وافقوا عليها مع أنبيائهم كما ورد في القرآن الكريم والتزموا بالمواثيق مع أنبيائهم قول الحق لكنهم كذبوا وحرفوا وافتروا على الله بالكذب. وأصبح امتهان الكذب طبيعة أصيلة من طبائعهم متأصلة في نفوسهم. وأصبحوا أساتذة كباراً في ممارسة الكذب ونقض العهود والمواثيق، واتبعوا مصالحهم فقتلوا الأنبياء، وصلبوا عيسى عليه السلام وحرفوا التوراة. وحاولوا اغتيال النبي محمد (صلعم) وأنكروا نبوته وهم يعرفونها. وعندما جاء إلى المدينة كتب لهم عهداً أمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم الدينية، بشرط ألاّ يغدروا ولا يخونوا. ولكنهم خالفوا العهد ونقضوه وحرضوا القبائل العربية على الرسول محمد (صلعم).


ويعلِّمهم التلمود أن لا عهد ولا عقد ولا وفاء مع الشعوب غير اليهودية. وأصبحت هذه الصفات ملازمة لشخصياتهم وسمة خاصة بهم متأصلة في نفوسهم أفقدتهم المفاهيم والمواقف الإنسانية.
وكان اليهود عندما يسمعون القرآن يزدادون كفراً وطغياناً، لأنها تحلل نفسياتهم تحليلاً صادقاً وتظهرهم على حقيقتهم وما بها من كذب ومكر وخداع ولؤم واستعلاء.
كانت القبائل اليهودية قبائل همجية في نظر الشعوب المحيطة بها والمجاورة لها. لذلك عمد كتبة التوراة إلى تشويه الديانة اليهودية وابتكروا الخرافات والأساطير عن أبطال يدعون الحكمة والنبوة ويتبعون إلهاً يقودهم إلى البطش والإرهاب. ولم يسخّر أحد الشعوب والقبائل القديمة آلهتهم كما سخرتها القبائل اليهودية.
وسلطوا اليهود على رقاب البشرية جمعاء. فأصبح الغدر والكذب والطمع والفساد والاستعلاء لسان حالهم.
ينص التلمود على أن تعاليم الحاخامين لا يمكن نقضها أما تعاليم الله فيمكن نقضها، فالحاخامون يملكون إلغاء أوامر الله، لكن الله لا يمكن أن يلغي أوامر الحاخامين.
ويعمل الحاخامات على تربية اليهودي على الكذب، حيث قال الحاخام "دشي" أنه مصرح لليهودي بأن يغش مفتش الجمارك الخارج عن الديانة اليهودية ويحلف لـه يميناً كاذباً على شرط أن ينجح فيما لفقه من الأكاذيب.
وأصبح اليهود يتوارثون الكذب جيلاً بعد جيل.
اشتهر اليهود بالكذب والبغاء والاحتكار داخل مجتمع شبه الجزيرة العربية. لذلك خاطبهم الرسول طالباً منهم استبدال هذه الخصال الفاسدة بنظم جديدة (إسلامية) تضمن لهم ولغيرهم حياة إنسانية جديدة.
قال تعالى في [سورة الحشر]: ]هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر[ وتتحدث السورة عن حصار وإخراج بني النضير من المدينة. وبالتالي موضوع السورة هو الحديث عن يهود بني النضير وإخراجهم من المدينة والعلاقة بين اليهود والمنافقين.
بنو النضير قبيلة يهودية أقامت في المدينة بالإضافة إلى يهود بني قينقاع ويهود بني قريظة. وتولّت زعامة اليهود في المدينة. وكان زعيمهم حُيَي بن أخطب.
وعقد النبي (صلعم) معاهدة معهم. إلاّ أنهم نقضوها فانتصر عليهم في معركة بدر. وانتصر على بني قينقاع بعد غزوة أحد. وأجلى يهود بني النضير بعد غزوة الأحزاب بسبب نقضهم العهد، وحارب يهود خيبر بعد صلح الحديبية وهزمهم وقضى على آخر وجود يهودي في بلاد الحجاز.
تظهر التوراة عند تصفحها وكأنها من الكتب الإباحية، فداود يزني بزوجة أحد قادة جيشه ويعاقبه الرب ويجعل الرجال يزنزن بزوجات داوود أمام عينيه واللواتي زاد عددهن على (240) زوجة. وتروي قصة ابن داود "أمتون" الذي اغتصب أخته تامارا وزنى بها.
وتتحدث عن النبي اليهودي لوط وكيف ضاجع ابنته، وعن إبراهيم الذي قدم زوجته الجميلة سارة إلى فرعون مصر على أنها أخته فتزوجها فرعون مصر وأغدق الهدايا على إبراهيم.
وفي مطلع القرن السادس الميلادي، قبل ظهور الإٍسلام بقليل من الزمن اعتنق ملك اليمن ذو نواس الحميري اليهودية، وغزا نصارى نجران وانهزم النصارى وجمع اليهود ما تبقى من المسيحيين الأحياء بعد أن حفروا خندقاً كبيراً وأوقدوا فيه النار، ثم ألقوا إليها بالنصارى ليحترقوا وهم على قيد الحياة. "وهلك منهم أكثر من عشرين ألفاً"(5).
إن اليهود سبقوا النازيين في حرق الناس في الإبادة الجماعية لغير اليهود، لأن إلههم يأمرهم بالقيام بها.
يتحمل اليهود كامل المسؤولية عن كل الاضطهادات التي حلت بهم من قبل الأمم والحكومات المسيحية، لأطماعهم التي لا حدود لها في أموال وأملاك وثروات الشعوب والأمم غير اليهودية، واعتبارهم أن العالم ملك لهم بكل ما فيه من بشر وثروات. ويعملون على جمع اكبر ما يمكنهم من ثروات العالم وخيراته بجميع الطرق المشروعة وغير المشروعة، فالمال والثروات هي الإله الحقيقي الذي يعبدونه إليه منذ القدم.
اكتشف بعض القادة في العالم خطر التغلغل اليهودي في مجتمعاتهم وخاصة الرئيس الأميركي بنيامين فرانكلين الذي ألقى خطاباً العام 1789 قال فيه:
"هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأميركية، وذلك الخطر هو اليهود. حيثما استقر اليهود نجدهم يوهنون من عزيمة الشعب، ويزعزعون الخلق التجاري الشريف، إنهم لا يندمجون بالشعب. لقد كونوا حكومة داخل حكومة. وحينما يجدون معارضة من أحد فإنهم يعملون على خنق الأمة مالياً كما حدث للبرتغال وإسبانيا. إذا لم يُمنع اليهود من الهجرة بموجب الدستور، ففي أقل من مائة سوف يتدفقون على هذه البلاد، بأعداد ضخمة تجعلهم يحكموننا ويدمروننا، ويغيرون شكل الحكومة التي ضحينا وبذلنا لإقامتها دماءنا وحياتنا وأموالنا وحريتنا"(6).
يقسِّم اليهود العالم إلى قسمين: اليهود وغير اليهود. واليهود هم شعب الله المختار وهم أصحاب الحظوة عند يهوه، وغير اليهود كفرة وأنجاس وبهائم. وأدى هذا الاستعلاء باليهود إلى إهدار دم وحياة وأملاك وثروات غير اليهود، فمن حق اليهودي أن يسرق من ليس يهودياً ويكذب عليه ويغشه ويخدعه بل ويقتله أيضاً، لأن قتله يقرِّب اليهودي إلى الله.
وينظر اليهودي إلى غير اليهودي نظرة الاحتقار والدونية والعداء والكراهية والريبة والحذر.
ولا يخلص اليهودي للوطن الذي يعيش فيه ويتمتع بمنجزاته ويأكل من خيراته لأنه يخلص فقط لليهود ودولة اليهود وقادة اليهود.
إن إسرائيل تذل الإسلام والمسلمين وتدنس المقدسات وتهودها وتهود أراضي الوقف الإسلامي، ونسفت حوالي مائتي مسجد في فلسطين المحتلة عام 1948 وحوالي (520) قرية ومدينة فلسطينية.
لذلك فإن محاربة إسرائيل واجب ديني ووطني وقومي وإنساني لا يقل أبداً عن الصلاة والصوم، لأن إسرائيل استولت على أرض المسلمين وأخرجتهم من ديارهم وتدمر مقدساتهم.
وتعادي الإسلام والمسلمين وتقتلهم وتذلهم، لذلك يجب مواجهتها بالشهادة والتضحية والجهاد.
¡
¡ المصادر

(1) مجلة فلسطين المسلمة، العدد 11/1999، ص 61.
(2) المصدر السابق ص 60.
(3) د. محمد سيد طنطاوي، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، الجزء الثاني دار مكتبة الأندلس-طرابلس بيروت 1973، ص 324.
(4) المصدر السابق ص 301.
(5) محمد مغنية، إسرائيليات في القرآن، دار الجواد، بيروت 1981، ص 14.
(6) د. محمد سيد طنطاوي، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، مصدر سابق ص 340-341.

¡



- بروتوكولات حكماء صهيون


تعتبر بروتوكولات حكماء صهيون مقررات أصحاب النفوذ اليهود في مجالات السياسة والاقتصاد والصناعة والدين والمنظمات السرية.
وتشير بعض المصادر إلى أن اليهودي أشر غيزنبيرغ والملقب بآحادها عام هو الذي وضعها. ووافق المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 سراً عليها.
ترافق ظهور بروتوكولات أو مقررات حكماء صهيون بتجسيد الأهداف والمصالح الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا في الوطن العربي بالمحطات الهامة التالية:
* توقيع بريطانيا وفرنسا معاهدة سايكس-بيكو لفصل فلسطين عن سورية الأم ولاقتسام الأقطار العربية.
* الإعلان عن وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 الذي ينص على رغبة بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
* احتلال بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين لمعظم البلدان العربية.
* ظهور مقررات أو بروتوكولات حكماء صهيون بعد مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919.
وأجمع العديد من البحاثة في أوروبا أن أحادعام وضعها قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول لتقرأ وتقر في المؤتمر ولا تنشر. وأحادعام من مواليد أوديسا (أوكرانيا) عام 1856 ومات في تل أبيب عام 1927. وهو الذي وضع طريقة "خلق روح الانتقام" للوصول إلى فلسطين بالدم والسيف والتدمير والمنظمات السرية، والهجرة الواسعة وامتلاك الأرض. وتشبع بروح التلمود وهو تلمودي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. والغرض منها فرض السيطرة اليهودية على العالم.
ينص البروتوكول الأول على أن "خير النتائج التي يراد تحقيقها من التسلط على الغوييم بطريق الحكومة، إنما يكون بالعنف والإرهاب، لا بالمجادلات النظرية المجردة... وإنه بموجب ناموس الطبيعة، الحق للقوة"(1).
ويجيز للدولة (اليهودية بالطبع) استخدام كل وسيلة وطريقة وحيلة في مكافحة العدو الخارجي والداخلي، واستعمال هذه الوسائل للقضاء عليه. ويؤكد أن الحق اليهودي منبعه القوة.
"وتتميز قوتنا، عن كل قوة أخرى بميزات أمنع وأثبت وأقوى، لأنها تبقى وراء الستار"(2).
".. بالعنف وحده يتم لنا الغلب في الأمور السياسية. فالعنف يجب أن يتخذ قاعدة وكذلك المكر والخداع... ولذلك ينبغي لنا ألاّ نتردد في استعمال الرشوة والخديعة والخيانة، متى لاح لنا أن بهذا تحقق الغاية"(3).
وتهدف البروتوكولات إلى خلق الوسائل للسيطرة على زمام السياسة العالمية من خلال السيطرة على المال والصحافة وإشاعة الفوضى والفساد وتقويض دعائم المسيحية والإسلام.
والقوميات والوطنية والقيم الأخلاقية وقيم الحق والعدالة وتقديس القوة ووضعها فوق الحق ومبادئ القانون الدولي.
ينطلق اليهود في نشر الفساد والخراب والدمار والاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية من التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والتي تغذي فيهم العنصرية والإرهاب وسلب أراضي وممتلكات وثروات الشعوب غير اليهودية. وتثبت فيهم الاعتقاد بأن اليهود وحدهم هم البشر، هم شعب الله المختار وغير اليهود حيوانات خلقت على هيئة البشر لخدمة اليهود. ووضعوا البروتوكولات لإفساد العالم وإضعافه كي يخضع في نهاية الأمر لسيطرة اليهود ومصلحتهم.
يتضمن البروتوكول الأول: إن السياسة لا تتفق مع الأخلاق في شيء، والحاكم المقيد بالأخلاق ليس بسياسي بارع، وهو لذلك غير راسخ على عرشه. إن حقنا يكمن في القوة، وإن الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا ونحن نضع خططنا ألا نلتفت إلى ما هو خير وأخلاقي بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد. يجب أن يكون شعارنا "كل وسائل العنف والخديعة"(4).
وجاء في البروتوكول الثاني: "إن الصحافة هي القوة العظيمة التي نستطيع بها توجيه الناس، وبفضل الصحافة كدسنا الذهب دون أن نظهر للعيان"(5).
وينص البروتوكول الخامس على رفع الأطماع اليهودية إلى مرتبة الديانة وجاء فيه:
"إننا نحن اختارنا الله لنحكم الأرض كلها. والله منحنا العبقرية لنضطلع بهذا العبء... وكل دواليب الأجهزة للحكومات تحتاج إلى محرك، وهذا المحرك بأيدينا وهو الذهب... ثم نخطو بعد ذلك إلى الأمام فننشئ الحكومة العالمية العليا"(6).
وورد في البروتوكول الحادي عشر ما يلي:
"والله قد أنعم علينا، نحن الشعب المختار، بنعمة السبي والجلاء والتفرق والشتات في الأرض، وهذا الأمر الذي كان فيما مضى مجلى ضعفنا، انقلب فيما بعد، سبب قوتنا التي أفضت بنا الآن إلى أن نلج الباب الذي منه نبسط سيادتنا على العالم كله"(7).
البروتوكول السابع عشر: "سنحط من كرامة رجال الدين لننجح في الإضرار برسالتهم، ولن يطول الوقت إلا سنوات قليلة حتى تنهار المسيحية انهياراً تاماً وستتبعها في الانهيار باقي الأديان ويصير ملك إسرائيل "بابا" على العالم".
تظهر البروتوكولات بجلاء ما خططه حكماء وقادة اليهود للعالم من أحقاد وشرور واستعباد الشعوب والأفراد عن طريق استغلال جوانب الضعف في النفوس لتحقيق مخططاتهم ومطامعهم.
ويسعى اليهود إلى تدمير الأخلاق والقيم الروحية وهدم الأديان لأنّ تحقيق ذلك يمكنهم من الوصول إلى مخططاتهم وأهدافهم ويجلب لهم الثراء والغنى. ويستخدمون الصحافة والسينما والمسرح ودور النشر والتي تخضع في الولايات المتحدة وأوروبا لسيطرتهم للوصول إلى أهدافهم وللقضاء على كل من يقف في وجههم من سياسيين ودول وأمم وشعوب شتى.
اتصف التاريخ اليهودي الذي دونه كتبة التوراة بالعنف والإرهاب والإبادة الجماعية وقتل الأطفال والنساء والاستيلاء على أملاك وأراضي الشعوب الأخرى. فماضي اليهود وحاضرهم وبشكل خاص إسرائيل قام على الحروب العدوانية والإبادة الجماعية للشعوب الأخرى تماماً كما يفعلون اليوم مع العرب في فلسطين وبقية البلدان العربية المجاورة لها.
خطط حاخامو اليهود في بروتوكولات حكماء صهيون إقامة حكومة يهودية تسيطر على العالم وتتحكم به وبمقدراته لمصلحة اليهود فقط ولزيادة أرباحهم ونفوذهم وسيطرتهم.. ووضعوا الطريق الذي يجب أن يسلها اليهود في الوصول إلى السيطرة العالمية.
وبالتالي فإن البروتوكولات مخطط يهودي جهنمي للسيطرة على العالم من خلال سيطرتهم على الولايات المتحدة الأميركية وبقية البلدان الغربية. وتظهر البروتوكولات بجلاء النوايا الشريرة لليهودية العالمية تجاه جميع الشعوب في العالم وتجاه البشرية جمعاء.
استغل اليهود وجودهم في معظم أنحاء العالم وما حدث لهم في البلدان الأوروبية لحقن الأجيال اليهودية بالحقد والكراهية والبغضاء على جميع الشعوب وتوحيد جهودهم لإقامة إسرائيل للهيمنة على العالم.
وتطرح إسرائيل النظام الشرق أوسطي كي تهيمن على منطقة الشرق الأوسط وثرواتها. وتلتقي هيمنتها هذه مع هيمنتها على الحكومات الأميركية وبالتالي تخطط للهيمنة على العالم في أقرب وقت ممكن.
يمارس اليهود الكذب ورفعوه إلى مرتبة الدين والعبادة، يتقربون به إلى إلههم ويسبغون عليه الصفة الدينية لتحطيم ما تبقى في النفس اليهودية من إحساس إنساني ومشاعر إنسانية. فالتوراة تدعو اليهودي ليكون طاهراً مع اليهود ودنساً مع غير اليهود: "إن النفاق جائز، وإن اليهودي يكون مؤدباً مع الكافر ويدعي محبته كاذباً، إذا خاف وصول الأذى منه إليه"(8).
ويجيز التلمود لليهودي أن يغش الكافر. وتحضهم بروتوكولات حكماء صهيون من أجل السيطرة على شعوب العالم أن يلجأوا إلى الرياء والمكر. ويسخرون الكذب والحيل والخداع للوصول إلى أهدافهم بوسائل الكذب والقتل واستخدام المحرمات التي نهت عنها جميع الشرائع السماوية ووظفوا الكذب والخداع في تعاملهم اليومي مع غير اليهود، حتى أصبح الكذب يشمل جميع نواحي الحياة اليهودية. وتجوز سرقة غير اليهودي في التلمود، لأنه أمواله مباحة ولليهودي الحق في الاستيلاء عليها.
قرر حكماء اليهود إثارة الحروب العالمية والإقليمية والمحلية كي يخسر فيها الغالب والمغلوب، وبالتالي يزداد اليهود بالغنى والثراء والنفوذ. هكذا كان حالهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي حروب إسرائيل ضد البلدان العربية، والحروب الأهلية التي أشعلتها إسرائيل بالخفاء في أيلول الأسود عام 1970 وفي لبنان منذ عام 1975، وحروب إسرائيل المتكررة على لبنان والشعب الفلسطيني.
ويلعبون الدور الأساسي في ضرب أميركا لليبيا والسودان وتدمير العراق وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية على الدول العربية بسبب تأييدها لقضية فلسطين.
ونجحوا في تحريض أميركا وأوروبا على العروبة والإسلام لتدمير المنجزات والثروات العربية والإسلامية، لأنهم يخشون من أن يتحول الصراع العربي الصهيوني إلى صراع ديني. وبالتالي لا يستطيعون مواجهته لذلك يجب تدمير مقاومة حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. وبالتالي ثبت بالوقائع صحة ما جاء في البروتوكولات وكذب ما يدعيه اليهود أنها ضرورة.
إنني أستطيع أن أطبق كل ما في البروتوكولات على مواقف وتصرفات وممارسات المنظمات اليهودية والصهيونية في العالم وعلى دولة إسرائيل وشعبها وكأنها دستورهم وتوراتهم المعاصرة.
تتضمن البروتوكولات استخدام التهديد والإرهاب والاغتيال للتخلص من كل عدو خطر تماماً كما فعلت العصابات اليهودية في فلسطين باغتيال اللورد موين وزير المستعمرات البريطاني عام 1944 بطرد متفجر، واغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس في أيلول 1948، وكما تفعل إسرائيل بالقيادات والكوادر الفلسطينية.
ويتخذون من الأمثلة الواردة في التوراة والتلمود قدوة يقتدون بها.
وتذكر التوراة أن موسى عندما رأى أحد المصريين يتقابل مع أحد العبرانيين التفت هنا وهناك "فلما لم يجد أحداً قتل المصري وطمره في الرمل".
وأصبح قادة إسرائيل يتخذون من هذا المثل في كتابهم المقدس أمثولة يتخلصون بها من كل أعدائهم. وبهذا الأسلوب تم وتتم تصفية أعدائهم الذين لم تنجح معهم أساليب الترغيب والترهيب، كالأموال والمناصب والنساء والتهديدات والضغط والابتزاز.
يعتقد اليهود في كتبهم الدينية أن خيرات العالم منحها لهم إلههم وحدهم، وأن الأغيار وكل ما في أيديهم ملك لليهود، ومن حق اليهود، بل من واجبهم المقدس معاملة الأغيار كالبهائم، ومن حق اليهود أن يسرقوهم ويخدعوهم ويغشوهم ويكذبوا عليهم، ويغتصبوا أرضهم وأموالهم ويقتلوهم تماماً كما فعلوا ويفعلون في فلسطين مع الشعب العربي الفلسطيني. وتضمن لهم التوراة والتلمود بأن إله اليهود لن يعاقبهم على جرائمهم هذه، لذلك تمارس إسرائيل الهولوكوست تجاه الشعب الفلسطيني.
وتبيح التعاليم اليهودية لليهودي قتل الأغيار، لأنهم بهائم على هيئة إنسان ولأنهم أعداء الله واليهود. فالتلمود ينص على أن اليهود أحب إلى الله من الملائكة، "ومن يصفع اليهودي؛ كمن يصفع الله، والموت جزاء الأممي إذا ضرب اليهودي، ولولا اليهود لارتفعت البركة من السماء واحتجبت السماء وانقطع المطر، والأمميون جميعاً كلاب وخنازير، وبيوتهم كحظائر البهائم نجاسة، وكل خير يصنعه يهودي مع أممي فهو خطيئة عظمى"(9).
وتجيز لـه أخذ الربا الفاحش من غير اليهود، وأن كل ما على الأرض ملك لليهود، وأن ما يملكه الأغيار مغتصب من اليهود وعليهم استرداده منهم بكل الوسائل.
وتتفق تعاليم التلمود تماماً مع ما تحتويه بروتوكولات حكماء صهيون، وتطلب منهم عند الانتصار على أعدائهم وجوب استئصال أعدائهم عن بكرة أبيهم، ومن يخالف ذلك فقد عصى الله وخالف الشريعة.
ويطبقون هذا المبدأ يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص في الضفة والقطاع.
وتصف التوراة الإله يهوه برب الجنود وهو شيطان متوحش يحب سفك الدماء ونشر الخراب والدمار، يسرف في محبة شعبه المختار، ومفرط في الحقد والكراهية لأعدائهم، ينتقم منهم لأتفه الأسباب بأبشع أنواع الانتقام.
"إن اليهود فوجئوا بالدين وهم بدو لم يتحدثوا، وضميرهم ضمير بدوي لم يتطور خلال العصور، وحياتهم رغم اتصالهم بمختلف الحضارات حياة القبيلة البدوية الجوالة، فهم يعتزلون العالم رغم اتصالهم به، ولا ينظرون إليه إلا نظرتهم إلى عدو يخضعون لـه إذا كان أقوى منهم، ويستعدونه إذا كانوا أقوى منه، وحياتهم تعتمد على شن الغارات والسلب والتطفل على ما في يدي غيرهم كعادة القبائل البدوية، وهم دائماً معبئون أنفسهم تحت السلاح لشن غارة أو دفع غارة"(10).
ويتخذ اليهود من زعمائهم وأبطالهم كما تصورهم التوراة والتلمود المثل الأعلى لهم.
وتعفي اليهودية أتباعها من كل القيم والقوانين والأخلاق الإنسانية مع غير اليهود، وتبيح لهم كل مفسدة ورذيلة؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، مما سيلحق أفدح الأضرار بشعوب الشرق الأوسط وشعوب العالم، لذلك لا خلاص للبشرية جمعاء إلاّ بالخلاص من المعتقدات التوراتية والتلمودية العفنة.
ويتصف اليهودي عبر التاريخ بالغدر والخيانة والخسة والعنف والعناد ويتصرفون تجاه الأمم القوية تصرف العبيد، ولكنهم يستعبدون ويبيدون ويدمرون الأمم الأخرى الأضعف منهم إذا كانوا أقوى منها وانتصروا عليها كما فعلوا في اتفاقات الإذعان مع الدول العربية والقيادة الفلسطينية.
وورد وصفهم في العهدين القديم والجديد على لسان بعض أنبيائهم إنهم أبناء الأفاعي وقتلة الأنبياء.
يتبين للباحث الذي يفسّر ويحلل البروتوكولات أنها تلتقي تماماً مع أهم التعاليم الواردة في التلمود بالنسبة للأغيار. ويعتقد المحلل السياسي بأن سيطرة اليهود الخفية على العالم والتي جاءت البروتوكولات من أجل تحقيقها هي في الواقع حقيقة قائمة.
فالولايات المتحدة الأميركية تدير العالم بإرادة يهودية.
إن اليهودية تسوّغ لليهود أن يملكوا العالم ويسيطروا عليه بكل ما فيه وبما فيه وسحق أعدائهم بالقوة. وتبيح لهم ليس فقط بتسويغ الجرائم تجاه غير اليهود بل تشجعهم على التفنن فيها والتمويه عليها والكذب على البشر وخداعهم كي يحققوا سيطرتهم على كل العباد والبلاد، بل العالم بأسره. فالتعاليم التلمودية هي التي تملي عليهم ارتكاب الجرائم البشعة بحق غير اليهود.
لقد أقر المؤتمر الصهيوني بروتوكولات حكماء صهيون لتمكين اليهود من السيطرة على العالم، لذلك أحكموا سيطرتهم على الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والبنتاغون والخارجية والإعلام الأميركي، وبالتالي أحكموا سيطرتهم على العالم الغربي ومن خلال سيطرتهم على الولايات المتحدة وسيطرة الولايات المتحدة على العالم.
وأمركة العالم من خلال العولمة يحققون هيمنتهم على شعوب العالم وحكوماته.
إنَّ النفس اليهودية مليئة بالاستعلاء والتفوق وكراهية الشعوب والخسة واللؤم والقسوة والنقمة على العالم أجمع، مما يهدد البشرية بأفدح الأخطار.
إن خطة اليهودية العالمية الاستيلاء على جميع الثروات الأساسية في العالم لمصلحة اليهود ودولة اليهود. لذلك أعلنوا الحرب على العروبة والإسلام، مسخرين سيطرتهم على الرؤساء في أميركا عن طريق المال والصحافة والمرأة (مونيكا على سبيل المثال) والخداع والكذب والهولوكوست النازي للوصول إلى هدفهم.
وتطالب البروتوكولات بأنه يجب أن يساس الناس كما تساس قطعان البهائم الحقيرة، وأن كل الأمميين حتى الزعماء منهم إنما هم قطع شطرنج في أيدي اليهود تسهل استمالتهم واستعبادهم بالتهديد أو بالمال أو بالفساد أو بالمناصب.
وتنص على أنه يجب أن توضع تحت أيدي اليهود كل وسائل الطبع والنشر والصحافة والمدارس والجامعات والمسارح وشركات السينما. وأن الذي يحتكره اليهود هو أقوى الأسلحة لإثارة الرأي العام والقضاء على الضمائر والقوميات والأديان ونظام الأسرة وإشاعة الفساد والرذيلة والانحلال لاستنزاف الشعوب غير اليهودية.
"ووضعوا أسس الاقتصاد العالمي على أساس الذهب الذي يحتكره اليهود، مع إحداث الأزمات الاقتصادية (والسياسية) العالمية على الدوام كي لا يستريح العالم أبداً فيضطر إلى الاستعانة باليهود، ويرضى صاغراً مغتبطاً بالسلطة اليهودية العالمية"(11).
تعبئ الصهيونية "اليهود" في جميع أنحاء العالم بكراهية غير اليهود. ولكي تنجح في هدفها تزعم بعداء شعوب العالم لليهود. لذلك تحثهم على تدمير وتخريب العالم وإعادة تشكيله وصياغته بشكل يخدم فرض الهيمنة اليهودية عليه. وتسلك في سبيل ذلك جميع الأساليب بدءاً من الضغط والابتزاز واستغلال الهولوكوست النازي واستخدام المال والجنس حتى استخدام القوة والتصفيات الجسدية.
وتظهر يومياً وحشية وهمجية اليهود في فلسطين والدور التجسسي والتخريبي الذي تقوم به الحركات الصهيونية في تخريب المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في روسيا وبعض بلدان الاتحاد السوفيتي سابقاً.
وضعت الصهيونية في عام 1958 وثيقة هامة بعنوان: "دليل اليهودي في الاتحاد السوفيتي"، ووزعته سراً على اليهود هناك وتضمنت الوثيقة الدور الذي رسمته الصهيونية لليهود السوفييت(12).
تؤكد الوثيقة على وحدة اليهود العالمية وضرورة التنسيق فيما بينهم ضد الشعوب الأخرى، لأن سعادة ورخاء اليهودي لن تتحقق إلاّ على حساب غير اليهود.
وتعلن اليهودية احتقار الشعوب الأخرى والحط من قدراتها والتشكيك في ثوابتها ومقدساتها وإضعاف روحها الوطنية وهويتها.
وتصف الشعب الروسي وتقول إنَّ الروس عنيدون وكسالى ولا يحسنون القيادة ولا تنفيذ الأوامر، ولا يعرفون كيف يضعون مهمات أمامهم، وعلينا نحن أن نضع مهمات أمامهم، وأنهم وقحون وأغبياء، يصفون وقاحتهم بالشرف والنزاهة والمبادئ، ويسمون عجزهم عن التأقلم مع الظروف بالاستقلالية والمبدئية، رغم أنهم بطبيعتهم كذابون ودون ضمير(13).
وتدعو الوثيقة اليهودية إلى سحق إرادة المعارضين لليهود وتشويه سمعتهم، وتخويفهم وإثارة ريبة الآخرين فيهم.
إن هدف اليهودية العالمية هو السيطرة على العالم، ولذلك يعملون من خلال نفوذهم على الإدارات الأميركية لفرض العولمة على العالم وأمركته، ويعملون من خلال فرض إرادتهم على الحكومات الأميركية إدارة العالم. فأمركة العالم تعني فرض السيادة اليهودية عليه، وجعل اليهود هم سادة العالم وغيرهم العبيد، مسخرين المال والإعلام والجنس والكذب والخداع والتضليل وحيازة كل أنواع القوة لإبقاء خصومهم ضعفاء وفي حالة فقر وتأخر وتناحر.
ويثبت تاريخ اليهود في العالم والتوراة والتلمود وتوجيهات الحاخامين والحكماء والمخططات الصهيونية أنهم معبأون بالحقد على كل ما هو غير يهودي وخاصة الشعوب العربية التي تملك المنطقة العربية من النيل إلى الفرات (أرض الميعاد المزعومة). فاليهود يحقدون على الخالق ورسله ومخلوقاته لذلك امتدت دسائسهم وأصابعهم المخربة في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب اليهود في المنطقة العربية كحرب العام 1948 وحرب السويس وحزيران ولبنان العدوانية. ويتحملون مسؤولية الحروب العدوانية التي اشتركوا فيها مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضد البلدان العربية.
ويعمل اليهود على تنفيذ بروتوكولات حكماء صهيون للسيطرة على العالم وإقامة المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتوجيه كل إمكانياتهم، وخططهم ومكائدهم وأكاذيبهم لتحقيق ذلك.
ويؤدي إيمانهم بتحقيق المشروع الصهيوني على حساب الأرض والحقوق والثروات العربية إلى توحيد صفوفهم وتأجيل خلافاتهم لتحقيق أطماعهم وأكاذيبهم وسيطرتهم العالمية والتعاون فيما بينهم.
ويعمل اليهود على تأجيج الحروب والصراعات بين الشعوب للوصول إلى أهدافهم. فكانوا وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية ووراء حروب إسرائيل ضد البلدان العربية. ويحرصون على إشعال الحروب في مختلف المناطق لإبادة الشعوب غير اليهودية وتدمير ثرواتها. إنهم جبناء لا يحاربون ولكنهم يوقدون نيران الحروب ويشعلون المعارك والمجازر وسياسة الأرض المحروقة. يوقدون الحروب والحصار والعقوبات على العراق وإيران وليبيا والسودان وكوبا ليحرقوا الشعوب غير اليهودية وليحترق غيرهم بها. وكلما خبت نار عداء الولايات المتحدة والدول الأوروبية للعروبة والإسلام يضعون فيها حطباً جديداً.
يخططون لإشعال الحروب العدوانية وهم مستمرون في هذا التخطيط لتدمير الشعوب العربية والشعوب الأخرى لتحقيق هيمنتهم على العالم. يشعلون الحروب ليحرقوا البلدان العربية ويزيدوا من انتصاراتهم ومكاسبهم ويجلبوا الأرباح الهائلة للدول الصناعية على أجساد وآلام وجراح الشعوب العربية ومستوى حياة مواطنيها. يخططون للحروب ويستنزفون طاقات البلدان العربية ثم يحصدون ويجنون ويكدسون الأرباح على حساب الشعوب العربية وشعوب العالم وحروب إسرائيل العدوانية وحرب الخليج والعقوبات الاقتصادية أدلة واضحة على ذلك.

¡

¡ المصادر:

(1) عجاج نويهض، بروتوكولات حكماء صهيون، دار طلاس، دمشق 1984، الجزء الأول، ص 179-180.
(2) المصدر السابق، ص 183.
(3) المصدر السابق، ص 186.
(4) د. محمد سيد طنطاوي، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، الجزء الثاني، دار مكتبة الأندلس، بيروت 1973، ص 310.
(5) المصدر السابق، ص 311.
(6) عجاج نويهض، بروتوكولات حكماء صهيون، مصدر سابق، ص 205-208.
(7) المصدر السابق، ص 230
(8) مجلة فلسطين المسلمة، أيلول 1997، ص 49.

(9) محمد خليفة التونسي، الخطر اليهودي، دار الكتاب العربي- بيروت 1961، الطبعة الرابعة، ص 57.
(10) المصدر السابق، ص 60-61.
(11) المصدر السابق، ص 33.
(12) انظر: مجلة صوت فلسطين، العدد 312 كانون الثاني 1994، ص 22.
(13) المصدر السابق نفسه.


rrr





الفصل الثاني



- الخرافات اليهودية

يقول اليهود إنَّ الصهيونية نشأت كرد فعل على العداء للسامية، وإن اللاسامية أبدية طالما استمر اليهود في العيش خارج "أرض الميعاد" المزعومة.
ويؤمنون أن العداء العنصري والكراهية بين اليهود وغير اليهود سمة ملازمة للمجتمع الإنساني.
ويدعي الصهاينة أن المسألة اليهودية ظهرت نتيجة للصراع بين الأعراق والشعوب والأمم.
ويعتبر اليهود أنفسهم أذكى وأنقى الأعراق في العالم، وأن غير اليهود حيوانات خلقت على هيئة إنسان لخدمة اليهود، وبالتالي فإنهم عبيد في خدمة اليهود، أبناء شعب الله المختار.
وينادي الصهاينة بمقاومة اندماج اليهود في الشعوب الأخرى ورفض الزواج المختلط، تماماً كالحركات المعادية لليهود التي تدعو إلى عزل اليهود ومقاومة اندماجهم وعدم الزواج منهم وتهجيرهم خارج البلاد.
ويرى الصهاينة في الحركات المعادية لليهود أي ما يسمونه "باللا سامية" المحرك الأساسي إلى دفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين.
ويزعم اليهود أنهم أنقى الأعراق التي خلقها الله، وأن يهوه قد وهبهم الدنيا وما فيها من خيرات. ولكن التاريخ وعلم الشعوب يؤكد على أن اليهود قبائل بدوية كغيرهم من القبائل البدوية ولكنهم انفصلوا عن الشعوب التي عاشوا بينها.
ويرفض العلم الخصائص العنصرية كالنقاء والتفوق، كما يرفض وجود شعب يهودي عالمي.
فاليهود لا يرجعون إلى جنس واحد نقي شأنهم بذلك كشأن المسيحيين والمسلمين.
وينطلقون من مقولة عنصرية روجها "النازيون" تقوم على أساس وحدة الدم والأخوة في الدم وأنهم جنس خاص متميز على الأعراق والأجناس البشرية كافة.
ولكن العلم يثبت عدم وجود فوارق في دماء الشعوب والأعراق المختلفة، فالدم يتركب من فصائل لا علاقة لها على الإطلاق باختلاف السمات العنصرية أو السلالية.
لذلك رحبت الصهيونية باستلام هتلر للحكم في ألمانيا لانطلاقه من نظرية النقاء العرقي للآريين، ولأن المادة الرابعة من برنامج الحزب النازي في نورنبيرغ نصت على أن "المواطن هو فقط من ينتمي إلى الجنس الألماني ومن تجري في عروقه الدماء الألمانية".
وتعتبر إسرائيل أن اليهودي هو من يولد لأم يهودية إذا اعتنق اليهودية حسب الأصول الصارمة لها، مما دفع حاييم كوهين، العضو السابق في المحكمة العليا بإسرائيل إلى القول:
"شاءت سخرية القدر أن تكون المعايير البيولوجية والعنصرية التي روّجها النازيون والتي استوحيت منها قوانين نورنبيرغ المخزية هي نفسها الأساس لتحديد المواطنة رسمياً في إسرائيل".
إنَّ الصهيونية والنازية وجهان لعملة واحدة هي العنصرية.
ويزعم اليهود بوجود أمة يهودية عالمية واحدة وشعب يهودي عالمي واحد. وبالتالي فإن يهود العالم بحسب رأيها يشكلون أمة واحدة وشعباً عالمياً واحداً على الرغم من عدم توفر ركائز الأمة أو الشعب فيهم كوحدة الأرض والثقافة واللغة والاقتصاد.
وسخر الصهاينة "اليهودية" كقناع لتحقيق أطماعهم ومخططاتهم وإقامة إسرائيل العظمى وتحقيق الاستعمار الاستيطاني. وربطوا الصهيونية بالدين اليهودي على الرغم من أن اليهود لا يشكلون أمة بل إنهم طائفة دينية متزمتة.
ويكشف تحليل الخرافات اليهودية المضمون العنصري والإرهابي والفاشي المعادي للشعوب والإنسانية والمبادئ والمفاهيم الحضارية ويتناقض مع العلم والواقع. فالصهيونية حركة عنصرية وشكل من أشكال التمييز العنصري، بل أبشع حركة عنصرية ظهرت في تاريخ البشرية.



- خرافة النقاء العرقي اليهودي


ظهرت فكرة التفوق والاختيار والاستعلاء والنقاء العرقي لأول مرة في التاريخ البشري عندما أطلق أحبار اليهود "فكرة شعب الله المختار"، ودوَّنها كتبة التوراة على لسان "يهوه" في جوهر التعاليم اليهودية.
وظهرت فكرة النقاء العرقي في أوروبا فيما بعد في القرن السابع عشر، عندما بدأ الأوروبيون يستعمرون شعوب آسيا وأفريقيا وأشاعوا مقولة "التفوق" على هذه الشعوب التي استعمروها بالثقافة والمعرفة. ووضعوا الأساس لفكرة "النقاء العرقي"، أي العرق النقي المتفوق على غيره من الأعراق المختلطة والأخطار التي تحملها على النقاء العرقي.
وصنّف يوهان بلومبناخ الألماني 1795 البشرية إلى خمسة أعراق. الأبيض، والأسود، والبني، والأحمر، والأصفر. وأضاف العنصريون بعده في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا صفات أخرى مثل شعر الرأس ولونه، ولون العينين وشكل الأنف.
ووصلت المقولات والأفكار والنظريات العنصرية إلى أعلى مراحلها بظهور أفكار غوبينو وفريدريش نيتشه في نهاية القرن التاسع عشر.
وأدى انتشار النظريات العنصرية في تلك المرحلة ومنها مقولات الاستعلاء والتفوق الأوروبي إلى تبرير السيطرة الأوروبية على الشعوب الأخرى واحتلال أراضيها ومصادرة مواردها وإلى ظهور الاستعمار الأوروبي.
أدى انتشار النظريات العنصرية وإيمان النخب الحاكمة في أوروبا بالتفوق والنقاء العرقي على شعوب آسيا وإفريقيا إلى وقوع البلدان العربية تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي.
وقاد إيمان الصهاينة في أوروبا بالاختيار والتفوق والنقاء العرقي اليهودي إلى السعي، والعمل على تحقيق الاستعمار الاستيطاني في فلسطين والبلدان العربية المجاورة وبدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية، لتحقيق الأهداف المشتركة للنظريات العنصرية في أوروبا وللعنصرية الصهيونية في عزل اليهود ومقاومة اندماجهم وتهجيرهم إلى فلسطين، وإقامة إسرائيل في فلسطين العربية، لعرقلة تحقيق الوحدة العربية، وإبقاء التجزئة والتخلف على البلدان العربية واستغلال الثروات الطبيعية فيها، وفي طليعتها البترول ومعاداة العروبة والإسلام.
أصرت وتصر اليهودية العالمية والصهيونية على وجود عرق يهودي نقي ووجوب عدم اندماجه بالشعوب الأخرى. ويعني الإصرار الصهيوني على وجود العرق اليهودي النقي والمتفوق على الاستمرار في سياسة الاستعلاء والتمييز العنصري التي تؤمن بها اليهودية والصهيونية وتطبقها إسرائيل في قوانينها وممارساتها.
وترمي إسرائيل من وراء الإصرار على الإيمان بتفوق العرق اليهودي إلى توحيد جميع أوساط الشعب الإسرائيلي العلمانيين منهم والمتدينين بإيجاد قاسم مشترك بينهم.
وتستخدم الأيديولوجيات العنصرية نظرية "النقاء العرقي" لتبرير ممارسة العنصرية والتمييز العنصري. ويرفض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيون قبول فكرة وجود أعراق بيولوجية متفوقة بين بني البشر، وذلك بسبب المصائب والويلات والكوارث التي جلبتها وتجلبها نظرية "التفوق العرقي"، على البشرية. ويستخدم العنصريون نظرية "النقاء العرقي"، لتبرير الاستعمار الجديد، والاستعمار الاستيطاني. واضطهاد الشعوب وتحقيق نظرية "المجال الحيوي" على حساب الشعوب المضطهدة.
ولا يسعِ المرء المؤمن بالله وبالمبادئ الإنسانية والحضارية والمساواة بين بني البشر؛ بين الشعوب كبيرها وصغيرها إلاَّ أن يرفض ويشجب ويدين نظرية "النقاء العرقي"، والشعب المختار والمتفوق لأنها تؤدي إلى انتعاش المقولات العنصرية وممارسة العنصرية والتمييز العنصري.
ويعتقد الصهاينة انطلاقاً من التعاليم التوراتية والتلمودية أنَّ البشرية تنقسم إلى يهود وغير يهود، واليهود وحدهم هم البشر، وغير اليهود حيوانات خلقت على هيئة البشر لخدمة اليهود. وتربط الصهيونية بين اليهودية والشعب اليهودي العالمي"، و"الأمة اليهودية"، لتسويغ تفوقها وفرض هيمنتها على المنطقة العربية والعالم.
وتقود الخرافات والأساطير والأكاذيب عن النقاء اليهودي والتفوق العرقي إلى التخطيط الصهيوني للهيمنة على العالم وتسخيره واستغلاله لمصلحة اليهود.
اعتمد هتلر نظرية تفوق العرق الآري وسخّرها للسيطرة على أوروبا واستعباد شعوبها وتحقيق المجال الحيوي للعرق الآري المتفوق. وأدى تمجيد العرق الآري المتفوق بوصفه عرقاً نقياً إلى إشعال ألمانيا النازية للحرب العالمية الثانية، وإقامة معسكرات الاعتقال وقتل نحو خمسين مليون إنسان، منهم 23مليون سوفييتي وسبعة ملايين بولندي.
لقد نجح شابيرو بدحض نظرية "العرق اليهودي"، انطلاقاً من معطيات علم الآثار ومن دراسات على الهياكل العظمية ودراسات لغوية وتاريخية وأدبية. واختتم دراسة أنجزها حول هذا الموضوع مفادها أن اليهود قد تمثلوا بيولوجياً مع الزمن، خصائص الجماعات التي عاشوا واستقروا بينها، وذلك عبر الزواج واتصالات جنسية أخرى.
إنَّ العنصرية تعني الاستعلاء والتمييز، والكراهية والتعصب وتفترض وجود أتباع عرقين، العرق المتفوق، والعرق الأدنى، وبالتالي فإن نظرية النقاء العرقي تقود إلى الفكر والممارسات العنصرية. لذلك يجب القضاء على نظرية "التفوق العرقي"، للحيلولة دون ظهور العنصرية في الفكر والممارسة.
وتقوم الصهيونية على أساس نقاء وتفوق العرق اليهودي وتميز بين اليهود وغير اليهود، وبين اليهود والعرب، وبين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين.
فالزعم الصهيوني بوجود عرق يهودي متفوق ونقي ومقاومة الاندماج والزواج المختلط، وإقامة غيتو يهودي كبير في فلسطين العربية، وتسليحه بأحدث أنواع الأسلحة الأميركية، ونشر القصص والروايات الكاذبة عن التفوق العرقي لليهود على جميع البشر، وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية كسياسة رسمية يظهر بجلاء الطابع العنصرية الصهيونية وإسرائيل.
تأثرت الصهيونية بعنصرية اليهودية وبالنظريات العنصرية في أوروبا التي انطلقت من الاستعلاء القومي الشوفيني المنطلق من العرق والدم والأرض.
فانطلق الإنكليز من العنصر الأنجلو سكسوني، والألمان من العرق الآري، وانطلقت البلدان الأوروبية من تفوق العرق الأبيض على غيره من الأعراق والذي يحق لـه استعمار الشعوب الملونة المتخلفة وغزوها وإبادتها إذا تطلب الأمر ذلك.
وبالتالي اعتمد مؤسسو الحركة الصهيونية على عنصرية اليهودية وعلى الحركات العنصرية في أوروبا. وعملت على تحقيق الأهداف المشتركة بينها وبينهم في عزل اليهود عن مجتمعاتهم ومقاومة اندماجهم وتهجيرهم إلى فلسطين، وترحيل الفلسطينيين من وطنهم وإبادتهم وتذويبهم وتهويد أراضيهم.
انطلق المستعمرون الأوروبيون من مقولات "التفوق العرقي"، والديمقراطية ونظم الحكم المتطور، والتطور الحضاري والمسيحية/ كمسوغ للاستعمار الأوروبي ونشر الحضارة الأوروبية وتمدين الشعوب الآسيوية والإفريقية المتوحشّة، وذلك باستخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والتبشير بالإنجيل والتوراة. وبالتالي انطلق الاستعمار الأوروبي من مقولات عنصرية بحتة لتبرير اضطهاد الشعوب ونهب ثرواتها.
وظهر المشروع الصهيوني في إطار الاستعمار الاستيطاني اليهودي الخاص وفي إطار المشروع الاستعماري العام. فبينما كان للدول الأوروبية رسالة "حضارية"، خاصة في البلدان الآسيوية والأفريقية، اختص الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين والوطن العربي من النيل إلى الفرات.
وروّجتْ الصهيونية مقولاتها العنصرية عن فلسطين المليئة بشعبها العربي العريق بمقولة كاذبة، "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأنها صحراء قاحلة ستحولها إلى جنة خضراء، وإلى مركز إشعاع للحضارة الأوروبية.
وبالتالي يمكن القول إن ظهور النظريات العنصرية في أوروبا والتي قادت إلى الاستعمار الأوروبي وكانت الأرضية الخصبة التي ظهرت فيها عنصرية الصهيونية والاستعمار الاستيطاني اليهودي لفلسطين والسيطرة اليهودية على اقتصادات البلدان العربية.
وانطلاقاً من الأرضية الأوروبية العنصرية والاستعمارية أعلن المؤسسون الصهاينة تأييدهم التام لغزو فرنسا للجزائر وللاستعمار الاستيطاني الفرنسي فيها. وأعلن سيسيل رودوس، الأب الروحي للاستعمار الاستيطاني الأوروبي في أفريقيا تأييده العام للحركة الصهيونية وللاستعمار الاستيطاني اليهودي لفلسطين العربية.
ويتشابه الاستعمار الاستيطاني اليهودي لفلسطين في الفكر والممارسة مع جميع مظاهر الاستعمار الاستيطاني في القارتين الأميركيتين، وفي أستراليا وجنوب أفريقيا في استعباد شعوب هذه البلدان وإبادتها، وتذويبها وترحيلها ونهب ثرواتها.
وتركّز الصهيونية على وجود شعب يهودي عالمي وعلى وحدة جميع اليهود في العالم وضرورة التنسيق والتعاون فيما بينهم ضد الشعوب الأخرى وعلى أن سعادة اليهودي لن تتحقق إلا على حساب غير اليهود. وبالتالي تعمل على تعبئة اليهود بمعاداة جميع شعوب العالم، وتخريب اقتصاداتها وأخلاق شعوبها وإفسادها.
وتبث في أتباعها احتقار الشعوب الأخرى والحط من مكانتها والتشكيك في ثوابتها وتشويه تاريخها وهويتها وروحها الوطنية وسحق إرادة المعارضين للصهيونية وتشويه سمعتهم وتخويفهم وإثارة ريبة الآخرين فيهم.
ويمكن القول إنَّ اليهودية المعاصرة قد نجحت بإلباس عنصرية الصهيونية وإسرائيل لباساً إنسانياً ودوافع إنسانية. فإسرائيل تأسست انطلاقاً من الزعم الصهيوني القائل إن اليهود شعب عالمي واحد.
وتشكلت المؤسسات السياسية والقانونية والاجتماعية في إسرائيل على أساس أنَّ إسرائيل دولة جميع اليهود في العالم.
ويختلف العلمانيون والمتدينون في إسرائيل حول تعريف "من هو اليهودي؟!"، لذلك فإن مفهوم العرق اليهودي النقي يقنع اليهود العلمانيين بأنهم بيولوجياً من الشعب اليهودي العالمي النقي والمختار. ويحاول العديد من العلماء في إسرائيل أن يثبتوا أنه يمكن تمييز اليهود عن طريق المورثات، مما يظهر مدى تغلغل الفكر العنصري في أوساط العلماء في إسرائيل. وتشكل محاولاتهم الخزي والعار عليهم، وعلى دولتهم بعد مرور أكثر من نصف قرن على زوال النازية في ألمانيا.
ويهدف هؤلاء العلماء اليهود إلى إثبات وجود "عرق يهودي نقي"، مما يظهر بجلاء أن الدراسات والأبحاث في إسرائيل دائماً منحازة للخرافات والأساطير والأطماع الصهيونية.
إنَّ إيمان الشعب الإسرائيلي بوجود عرق يهودي نقي وتفوقه على جميع الأعراق في العالم، يعد الأرضية الخصبة لترعرع العنصرية في أوساط الشعب الإسرائيلي. ويقود إلى تعبئة يهود العالم لتحقيق الأهداف المشتركة لليهودية العالمية، فالإيمان بوحدة الدم النقي يقود إلى الارتباط العضوي، وإلى العمل لتحقيق الأهداف الصهيونية، وأهداف إسرائيل الإرهابية والعنصرية، وتتضمن وثيقة الاستقلال التي أعلنت قيام إسرائيل "إن إسرائيل دولة لجميع اليهود في العالم".
ويفوض قانون المنظمة الصهيونية العالمية الوكالة اليهودية بتجميع الشتات اليهودي، ويوفر الآليات القانونية لتأكيد المعاملة التفضيلية لليهود على غيرهم من مواطني إسرائيل، ويعطي قانون العودة كل يهودي في العالم الحق في المجيء إلى فلسطين، ويمنح قانون الجنسية "اليهود فقط حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية".
إن مقولة "العرق اليهودي النقي والمتفوق"، والشعور بقرابة الدم بين جميع اليهود في العالم تعزز مشاعر التعاطف والوحدة بينهم، وتخدم سياسة إسرائيل الإرهابية والعنصرية والعدوانية، وتزيد من أفواج الجواسيس اليهود لإسرائيل، وترسخ الزعم الصهيوني القائل بأن اليهود يشكلون أمة واحدة.






- شخصية اليهودي


يشتهر اليهودي عبر التاريخ، منذ كتابة التوراة والتلمود بإخضاعه جميع القيم والمبادئ لمصلحته المادية. وجعل المال الإله المقدس والمعبود لديه، وأخضع لـه جميع المعايير والمفاهيم والعلاقات بين البشر. ويعبد اليهودي المال في كل زمان ومكان. لذلك أطلقت عليه جميع الشعوب في العالم صفة "المرابي".
جاء في قاموس أكسفورد أن الاستعمال الشعبي لكلمة يهودي يدل على شخص ميّال إلى ابتزاز الأموال أو قادر على عقد صفقات يغبن فيها الطرف الآخر.
وتعني كلمة "يهودي" في الإنكليزية كفعل "يخدع"، أو "يمكر بـِ".
وحددت شعوب العالم شخصية اليهودي بالتجارة والربا والسمسرة، واحتكار بيوت المال، والدعارة، والجاسوسية، واعتبر اليهودي أن الدعارة هي نوع من أنواع التجارة، والتجارة هي مهنة الأقلية اليهودية.
واحتكر اليهود في أوروبا العمل في الربا والتجارة والصيرفة والبورصة والمصارف.
وعند تحليل النصوص التوراتية والتلمودية نجد أن التربية اليهودية تقوم على تفضيل المال والأملاك على القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية. فقدَّم إبراهيم زوجته إلى فرعون مصر. وطلب موسى من جماعته عند مغادرة مصر استعارة آنية الذهب والفضة والنحاس والملابس من الجيران، والهرب بها معه خارج مصر.
ويدعو سفر الخروج التوراتي اليهودي إلى سرقة الأشياء الثمينة من جيرانهم، وبالتالي تسوِّغ التوراة السرقة والنهب والخديعة وإباحة ممتلكات غير اليهود، وأن باستطاعة اليهودي أن يغش أو يسرق أو ينهب أو يقتل غير اليهودي دون أن ينتهك تعاليمها.
ويعتبر التلمود أن الربا هدية الله لليهودي، والتجارة أشرف المهن، وأن الثروة والقوة يفرحان القلب، والذهب والفضة يمكنان القدم من الثبات.
وتعلِّم التوراة أن المملكة التي تهم اليهودي ليست قائمة في السماء وإنما هي التي يتواجد فيها الآن.
وتزعم أن يهوه أعطى إبراهيم ونسله أرض كنعان من النيل إلى الفرات، وأن ظهور المسيح المنتظر يحقق حلم اليهود بسيادتهم على أرض الميعاد المزعومة وعلى الشعوب التي أهانت اليهود. وسيجعل المخلص اليهود سادة على جميع شعوب العالم، ويحوِّل الأغيار عبيداً وخدماً لليهود. وهذا المخلص يجب أن يكون من أسرة داود ومقره القدس، ويجب أن يكون مالكاً لأسباب القوة ويتمتع بمهابة السلطان.
وتنظر الشخصية اليهودية نظرة البغضاء والكراهية، المليئة بالريبة والشك إلى غير اليهود، والعالم بأسره الذي يتربص باليهودي "الوديع والعبقري وأفضل بني البشر"، مما جعل اليهود يحولون الكيان الصهيوني إلى ثكنة عسكرية مدججة بأحدث أنواع الأسلحة التقليدية والنووية والكيماوية والجرثومية.
اشتهر اليهود عبر التاريخ بحب المال والتكالب على جمعه بشتى الوسائل والأساليب. وارتكبوا في سبيل ذلك شتى المحرمات والمحظورات حتى قتل صاحب المال أو القضاء عليه أو تدميره.
وسجل الطمع اليهودي غير المحدود بالمال، والحرص على الاستئثار به وتسخيره لاستعباد الآخرين، ونشر الفساد والرذيلة، ومحاربة الحق والعدل والفضيلة، مليء بالأحداث والوقائع التي تؤكد ذلك. تماماً كما يسخِّر اليوم اللوبي اليهودي المال والإعلام والمرأة للسيطرة على الرؤساء وأعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية.
فاليهود جماعة نزعت التعاليم التلمودية من قلوبهم الخير والرأفة والرحمة والإنصاف، لذلك يقومون بالتضليل والتحريف والكذب للوصول إلى أهدافهم وتنفيذ مخططاتهم.
ودفعهم الطمع بالأرض والأملاك والمقدسات العربية "الاستيلاء على أرض فلسطين العربية. وأعمت مخططاتهم لإقامة "إسرائيل العظمى"، عيونهم وقلوبهم وعقولهم وأبعدتهم عن مبادئ الحق والعدل والشرعية الدولية، ودفعهم الطمع إلى إنكار حقوق الشعب الفلسطيني في بيته وقريته ومدينته ووطنه فلسطين.
وسخروا المسكنة والهولوكوست النازي والدول الاستعمارية الأوروبية والولايات المتحدة، ومعاداة الدول الغربية للعروبة والإسلام إلى الوصول إلى أطماعهم وتحقيق مخططاتهم.
وعمّق التلمود في شخصية اليهودي الغدر واللؤم والمكر والافتراء والاستعلاء، وامتزجت شخصيته بهذه الصفات.
وبالتالي أصبح اليهودي فاقداً لكل المعاني والمفاهيم الإنسانية والقيم الأخلاقية والحضارية. فالمجتمع اليهودي يعج بالاستعلاء والاختيار والتفوق والحقد والشرور والرذائل. وينتشر فيه الشر والفساد والعداء للعرب والمسلمين ولجميع الشعوب غير اليهودية.
وأسبغ اليهود على جميع رذائلهم وجرائمهم الصبغة الدينية، ونسبوا لأنبيائهم ارتكاب الفواحش والمنكرات لتبرير فواحشهم وخطاياهم. فالسوء والشر والفساد والكذب والطمع ينتقل من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد. وأصبحت المفاسد والأكاذيب والخرافات والأساطير اليهودية من الصفات العامة لجميع اليهود في العالم. وتبلورت رسالة اليهود للعالم بالفساد والكذب والافتراء وعدم تقيدهم بأي عهد ووعد وميثاق.
واختلق اليهود الماسونية وشهود يهوه وإرساء هيمنة اليهودية العالمية بمساعدة الحكومات والنخب في الدول الغربية وبعض الدول العربية.
ويدعم اليهود الامبريالية الأميركية في حربها ضد العروبة والإسلام بعد أن حوّلوا الولايات المتحدة قلعة لليهودية العالمية.
وأحكموا سيطرتهم على أهم الصحف والمجلات ووكالات الأنباء ومحطات التلفاز، وهوليود، والمؤسسات العلمية ودور النشر وعصابات المافيا والأندية الليلية وتجارة الجنس والمخدرات وبيع الأسلحة لأقذر الدكتاتوريات في العالم.
اتصف اليهودي في الماضي بمصاص الدماء والمرابي والكذاب والمخادع. ويتصف حالياً بالعنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني والسيطرة على العالم، من خلال سيطرته على الولايات المتحدة الأميركية.
ويستخدم الكنيسة البروتستانتية في أميركا وأوروبا كأداة لخدمة المخططات اليهودية في البلدان العربية.
فتتميز المرأة اليهودية بالقسوة والوحشية والانحلال لخدمة حاخامي اليهود واليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني. لذلك جعل الحاخامون المرأة اليهودية الأساس للانتماء إلى الدين اليهودي.
لقد أصيب هرتسل بمرض السفلس وتوفي من جراء إصابته بهذا المرض، ولم يغيّر ذلك من اعتباره أهم شخصية يهودية ظهرت في التاريخ المعاصر أدت إلى تأسيس إسرائيل.
ويزرع اليهود الأمراض الفتاكة في أعدائهم كما تبين من اعترافات الجاسوس الإسرائيلي في مصر "مصراتي"، الذي كان يستخدم ابنته المصابة بمرض الإيدز لمضاجعة أكبر عدد ممكن من ضباط الجيش المصري. وحدثت عدة وقائع انكشف أمرها شبيهة بهذه الواقعة في بعض البلدان العربية.
خطط كتبة التوراة والتلمود من أجل جعل اليهود سادة العالم. لذلك تعمل اليهودية على زرع الخلافات بين الشعب الواحد وحكومته لتسهيل سيطرة اليهود وتعزيزها على منطقة الشرق الأوسط والعالم. واخترعوا فكرة "شعب الله المختار"، كي يعطيهم الدين اليهودي حق السيادة على العالم. وأصبحوا قوة عالمية من خلال توزعهم في العالم، وتنظيمهم في الجمعيات والمنظمات اليهودية والصهيونية والماسونية والموساد.
ويزرع اليهود الخلافات والانشقاقات وإشعال الفتن والحروب لتحقيق الانهيار السياسي والاقتصادي والثقافي والأخلاقي لأتباع الديانتين الإسلامية، والمسيحية، ولتدمير الحضارة العربية ـ الإسلامية، وحضارات الشعوب والأمم غير اليهودية للهيمنة على العالم.
إن اليهودي في كل مكان يفكر ويتصرف كيهودي مزدوج الولاء لخدمة اليهودية العالمية والصهيونية والكيان الصهيوني، وبالتالي تتجمع في شخصيته الجاسوسية والخيانة ضد الوطن الذي يعيش فيه ولمصلحة إسرائيل، لذلك فإن التخلي عن يهوديته يجب أن يكون المعيار والمقياس للتعامل معه.
ويستغل اللاساميون هذه الصفات المقيتة ويقولون إن اليهودي في فرنسا أو في النمسا لا يمكن أن يكون فرنسياً أو نمساوياً.
وتعمل الصهيونية على أن يبقى اليهودي يهودياً، وصهيونياً، وترفض أن يكون فرنسياً مخلصاً لفرنسا، أو نمساوياً مخلصاً للنمسا، فالحركتان العنصريتان اللاسامية والصهيونية تلتقيان على عدم الاعتراف والقبول والموافقة على فرنسية اليهودي الفرنسي على سبيل المثال.
تنتفي الخلافات بين اليهودي واليهودي تطبيقاً للتعاليم التلمودية ووصايا موسى فالأغلبية الساحقة من اليهود صهاينة يؤيدون إسرائيل واليهودية العالمية.
وعندما تظهر الخلافات في بعض الأوساط منهم فإنما هي من قبيل توزيع الأدوار، والقلة القليلة جداً منهم تشذ عن هذه القاعدة.
ويعتقد اليهودي أنه إذا حصل على الذهب، الذهب في الأرض فإنه يملك جميع أسباب القوة والسلطة والنفوذ، ويعني الذهب لليهودي السيادة على العالم.
وتستخدم اليهودية العالمية الذهب والمال والرشوة والسيطرة على البورصة لخدمة إسرائيل. وتعتقد أنه إذا كان الذهب القوة الأولى في العالم فإن الصحافة القوة الثانية والسلاح العجيب الذي تضلل به حكومات وشعوب العالم.
ويعتقد اليهود أنهم إذا ملكوا الذهب والصحافة وسيطروا على الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض فإنهم سوف يملكون العالم.
ويحقق اليهود النجاح عن طريق انتهاك جميع القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية سواء في زمن السلم أم في زمن الحرب. واليهودي لا يعمل في الأعمال الصعبة والزراعة، والبناء والصناعة (كعامل)، بل يترك الآخرين يعملون لحسابه. ويزيد من أرباحه في عقد الصفقات لمنتجات العمل اليدوي والفكري والفني للآخرين، والبورصة وشركات التأمين والأعمال المصرفية هي محور نشاطه.
ويعتبر حبه لجمع المال المثل الأعلى له، ومن أجل المال يضحي بجميع القيم المتعارف عليها. وثبت أن الكنيس اليهودي عبارة عن مكان للحاخامين الشياطين، وحاخامو اليهود هم الشياطين، لأنهم يبثون العنصرية والتمييز العنصري والحقد على العرب، وكراهيتهم وإبادتهم والاستيلاء على أموالهم وأملاكهم، وأراضيهم وترحيلهم من وطنهم فلسطين إلى الأردن. وبقية الأقطار العربية المجاورة.
عذب اليهود السيد المسيح وفي اعتقاد المسيحيين أنهم صلبوه ويصلبون حالياً الشعب الفلسطيني وسيصلبون شعوباً وأمماً شتى، بسبب عنصرية "اليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني والإيمان بالاستعمار الاستيطاني"، واغتصاب فلسطين والهيمنة على الوطن العربي كمقدمة للهيمنة على العالم.




- اللاسامية والصهيونية


ظهرت اليهودية قبل ظهور الحركات اللاسامية والعنصرية الأخرى. وقادت عنصريتها إلى إيمان اليهود بالاستعلاء والتفوق والنقاء العنصري وعزلهم عن المجتمعات التي يعيشون فيها واحتقارهم ومعاداتهم لجميع الشعوب والأمم غير اليهودية، ومزاولتهم للمهن المحرمة المنتجة التي تجلب الأرباح الطائلة كالتجارة والربا والنفوذ والهيمنة على السياسيين.
بدأت أول ردة فعل تجاه اليهود اتخذتها الكنيسة عام 325م، عندما أصدر المجمع المسكوني الأول قراره بتكفير اليهود واعتبارهم هراطقة وقتلة السيد المسيح، وتعرض اليهود في القرون الوسطى للملاحقة والاضطهاد في البلدان الأوروبية.
وعندما قررت الكنيسة تحريم الربا، احتكر اليهود التعاطي به، مما أظهر شخصيتهم الجشعة والمستغلة على حقيقتها. وكانوا ينتظرون دائماً الفرص الملائمة لتحطيم الشعوب والمجتمعات غير اليهودية.
وسخروا الرشوة والمرأة للوصول إلى أهدافهم كما فعلوا مع فرعون مصر ومع الرئيس الأميركي ليندون جوكسون وعشيقته اليهودية ماتيلدا كريم، ومع الرئيس الأميركي كلنتون وعلاقته مع مونيكا لوينسكي لابتزازه وفرض سيطرتهم وتوسيع نفوذهم.
تخصص اليهود بأخذ الربا الفاحش، واستغلوا الأموال التي حصلوا عليها من التعامل به في رشوة الأمراء والملوك وإفساد المجتمعات. وأدى الحصول على الربا الفاحش إلى إلحاق الظلم والضرر بالفقراء، بينما حصل اليهود على الامتيازات عن طريق رشوة ا لنخب الحاكمة.
وركزوا على العيش في المدن الأوروبية الكبيرة، التي تحتوي على أهم المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية. وابتعدوا عن العمل في الزراعة والمناجم والمصانع. وتخصصوا بالشؤون المالية، لأنها تجلب المال الوفير والنفوذ الكبير، ولأنَّ امتلاك الأرض وزراعتها يقود إلى الاندماج واكتساب شعور الانتماء والولاء للوطن الذين يعيشون على أرضه. وحث هرتسل اليهود على الابتعاد عن العمل الزراعي ورَفضَ عنل "اليهودي الذكي"، بالزراعة لأنها تؤدي إلى الثبات والاستقرار على الأرض والانتماء إلى الوطن. وبالتالي تتعارض مع جوهر الصهيونية التي ترفض اندماج "أبناء شعب الله المختار"، في الشعوب الأخرى، وتعمل على عزلهم وتهجيرهم إلى فلسطين العربية. ولذلك كان من السهل على الصهيونية سلخ اليهود عن أوطانهم وغرسهم في فلسطين.
إنَّ عداء هرتسل للعمل الزراعي صَدَرَ عن عدائه ورفضه ومقاومته للاندماج، وزعم أنَّ اليهود توجهوا إلى الحقل المالي، والبورصة لأنهم استبعدوا من مجالات النشاط الاقتصادي، وقال: "بما أننا في البورصة، فإننا نتعرض من جديد للازدراء "وأكد أن اليهود" قوم من صنع الغيتو وداخل الغيتو تطورنا إلى شعب بورجوازي"(1).
وأكد العديد من السياسيين في أوروبا "أن البورصة هي إله اليهود ومعبدهم".
وسيطر اليهود بالفعل على البورصة التي جلبت لهم المزيد من النفوذ والثراء والمزيد من العداء. وما زالوا يسيطرون عليها حتى اليوم ويعرفون متى سترتفع إلى حدها الأعلى ومتى تهبط إلى حدها الأدنى.
ويعد اليهودي الأميركي جرينسبان، رئيس البنك المركزي الأميركي الشخص الوحيد في العالم الذي يحدد ويتحكم بنسبة الفائدة وسعر الأسهم وبأسواق المال في العالم.
قامت حركة الإصلاح الديني البروتستنتي في القرن السادس عشر وأظهرت أن العداء لليهود ليس دينياً فقط وإنما أيضاً اقتصادياً واجتماعياً.
وأكد كارل ماركس في كتابه "المسألة اليهودية"، عام 1844، أن ثقافة اليهودي هي مصالحه، وأن الربا هي الثقافة العالمية لليهودي، وأن المال هو الإله الدنيوي له، والصيرفة هي ألهه الحقيقي، وقوميته هي قومية التاجر وبشكل أساسي رجل المال. وقال ماركس إنَّ اليهودية سارت مع التاريخ وليس عكسه. وواكب اليهودي التاريخ في مساره المتقدم اقتصادياً باتجاه الفردية الرأسمالية والمتراجع أخلاقياً وإنسانياً، ويؤمن اليهودي بتقدم الإنسان الاقتصادي وتراجع النوع الإنساني. ويفضل أن يملك الدنيا خيراً لـه من الآخرة، لأنه يرفض الآخرة ومفهوم العالم الآخر.
وساوى فرديدريش انجلز اليهود بالمال، وأصبحت اليهودية مرادفة لكلمة الشؤون المالية. وسيطر اليهود على البورصة في برلين وفي أهم المدن الأوروبية الكبيرة. وكانت القوة الاقتصادية ولا تزال قادرة على الدوام على النفاذ إلى مواقع السلطة السياسية.
وكان الرأس المال الآري يعمل في حقل الإنتاج، بينما كان رأس المال اليهودي يعمل في الحصول على الربا والفوائد الفاحشة.
وأدى التوسع في الصناعة واقتصاد السوق في القرن التاسع عشر إلى صعود مكانة اليهود الذين مارسوا المهن التجارية وعملوا في الربا والأعمال المصرفية والبورصة والصحافة ودور النشر والمحاماة والطب والموسيقى. وأكد المفكِّر سومبارت تعلق اليهود بالمال، وقال: "لقد كشف اليهود كل الأسرار المخبأة في المال، لقد اكتشفوا قواه السحرية وأصبحوا سادة المال، وبواسطة المال ومن خلاله أصبحوا سادة العالم".(2). وحظي يهود غرب ووسط أوروبا بمرحلة صعود ثقافي واقتصادي واجتماعي.
ومارس حوالي الثلثين منهم العمل في التجارة والمواصلات. وتحسن وضعهم المادي في ألمانيا وأوروبا الغربية. وسيطرت المجموعات اليهودية البرجوازية على البنوك والشؤون المالية. وارتفع عدد الأطباء والمحامين منهم في بداية القرن العشرين.
جاء المهاجرون اليهود من بلدان أوروبا الشرقية إلى ألمانيا. وكانوا من الفقراء والمعدمين وملابسهم قذرة. احترفوا بيع الملابس وبشكل خاص بيع البلاطين، ولكنهم خططوا ليكون أولادهم في البورصة والصحافة والمحاماة والطب.
اتصف اليهودي القادم من أوروبا الشرقية بالقذارة والتخلف الثقافي والغيتو. واعتبر اللاساميون أن جميع اليهود في ألمانيا يهوداً من أوروبا الشرقية، واصطبغ اليهودي بشكل عام بالمرابي والمستغل الذي لا قلب له. ورفع اللاسامي هاينريش فون ترايتشكه شعار: "اليهود هم حظنا السيء"، اليهود هم مصيبتنا. واعتمد اللاساميون الألمان هذا الشعار.
وأدى تدفق يهود أوربا الشرقية إلى ألمانيا في العقد الأخير من القرن التاسع عشر إلى تصاعد اللاسامية فيها. واعتبرهم العنصريون الألمان عناصر غير مرغوب فيها. وشكلوا استفزازاً دائماً في الأوساط الشعبية في المدن الألمانية.
وأدت التعاليم التلمودية واحتراف اليهود للكذب، والغش، والخداع، وحب المال، ومزاولة الربا، والرشوة، والفساد، وكراهيتهم للشعوب غير اليهودية، وعوامل دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية أخرى إلى تصاعد كراهية الأوساط الشعبية لليهود.
وقامت المجموعات التي ليس لها مصلحة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في تحديث المجتمع والتي تعمل على المحافظة على امتيازاتها ومكانتها الاجتماعية القديمة، وبشكل خاص الإقطاع والبرجوازية الصغيرة بتصعيد معاداة الغرباء واليهود بشكل خاص كغرباء. وسادت الصورة الشعبية على أن اليهود غرباء. ودارت المناقشات حول يهود أوروبا الشرقية في ألمانيا وسارت في ثلاثة اتجاهات: اقتصادية وسياسية، واجتماعية، الاتجاه الأول: أعتقد أن هؤلاء الأغراب وصلوا بسرعة إلى الرفاهية عن طريق أساليبهم غير الشرعية.
والاتجاه الثاني: يقول: إنَّ هؤلاء الأجانب ثقيلو الدم، استخدموا جميع الوسائل كالرشوة والفساد للوصول إلى المناصب. وزاد اندلاع الحرب العالمية الأولى من وضعهم سوءاً.
والاتجاه الثالث: اعتبرهم جواسيس على ألمانيا، ولعبوا دوراً في إضعاف الجيش الألماني على جبهات القتال بمواقفهم المتخاذلة واستغلالهم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها الحرب ورفع الأسعار، مما صعد العداء ضد اليهودي المرابي والمستغل. وأخذت بعض الأوساط الألمانية تخشى من هجرة ملايين اليهود من أوروبا الشرقية الذين يشكلون من خلال مفاهيمهم الأجنبية الغربية وحبهم للمال خطراً اقتصادياً وثقافياً على ألمانيا.
ظهر مصطلح اللاسامية مع بداية ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة وكأيديولوجية، أي تزامن ظهور الحركات اللاسامية مع ظهور الصهيونية، وهما وجهان لعملة واحدة هي العنصرية. تتغذى وتنمو الحركات اللاسامية والصهيونية من البرجوازية والاستعمار، وهم من نتاج المجتمعات الأوروبية القائمة على الاضطهاد والاستغلال والاستعمار والعنصرية.
إنَّ العوامل التي ساعدت على ظهور الحركات اللاسامية هي العوامل نفسها التي ساعدت على ظهور الصهيونية وبقية الحركات العنصرية. ولذلك لم تعمل الصهيونية في يوم من الأيام ضد الحركات اللاسامية، بل كانت تتعاون معها وتستغل نتائجها.
وتخدم الحركات اللاسامية أهداف الحركة الصهيونية، لأنها تخلق جواً من عدم الاطمئنان لدى فقراء اليهود، لمنع اندماجهم وعزلهم وتهجيرهم تماماً كأهداف الحركة الصهيونية.
وتنطلق هذه الحركات العنصرية والصهيونية من اعتبار أن اليهود عنصر أجنبي يجب مقاومة اندماجه وعزله ودفعه للهجرة، لذلك لم تقف الصهيونية في يوم من الأيام ضد الحركات اللاسامية بل كانت تنسق وتتعاون معها.
تأسست عصبة اللاساميين الأولى في مدينتي برلين ودريسدن عام 1880، ووضع الأستاذ الجامعي هاينريش فون ترايتشكه في السنة نفسها أسس اللاسامية، محذراً من هجرة يهود روسيا إلى ألمانيا، ومعلناً أنَّ اليهود عنصر تخريب في ألمانيا، لا يريد ولا يستطيع أن يندمج في الحياة الألمانية.
وأطلقت بعض الأوساط الألمانية على الكاثوليك والبولنديين عبارة "عدو الرايخ"، في عهد بسمارك، ومالبثوا فيما بعد، وعمموها على اليهود. واستنتج الفيلسوف الألماني الكبير شوبنهاور: "أن اليهود أساتذة في فن الكذب".
وقدّم اللاساميون في عام 1881، عريضة إلى المستشار الألماني بسمارك تحمل (300) ألف توقيع تطالب الحكومة الألمانية بمنع اليهود من دخول ألمانيا وإبعادهم عن وظائف الدولة.
وانعقد في ألمانيا عام 1882 المؤتمر العام اللاساميين في ألمانيا والنمسا وهنغاريا. وصدر في ألمانيا كتاب بعنوان: "أسس القرن التاسع عشر"، لمؤلفه هوستون تشامبرلين (وهو بريطاني عاش في ألمانيا صوّر فيه أن تاريخ المدنية عبارة عن صراع بين الآريين الصديقين والساميين (اليهود) الأشرار.
وأصدر الفيلسوف الألماني يوجين ديرينغ عام 1886، كتاباً جاء فيه: "إن العنصر اليهودي هو أسوأ عناصر العرق السامي، هدفه التسلط على العالم، واستعباد الشعوب الأخرى. وأن اليهودية تتصف بصفات ضارة اجتماعياً، خصوصاً عندما تنشط في السياسة أو الصحافة".(3).
وأثرتْ تلك الحركات والأفكار والمؤلفات على بلورة الأسس النظرية للسامية وللعنصرية الألمانية وعنصرية الصهيونية. وتأسست عام 1886، منظمة لاسامية في بودابست وأخرى في فيينا. وانعقد مؤتمر اللاساميين في بخارست في رومانيا وآخر في مدينة كاسل في ألمانيا.
وحصل اللاساميون في فيينا على (13) مقعداً في انتخابات بلدية فيينا عام 1891، وتمكنوا عام 1895 من انتخاب زعيمهم لوغر، رئيساً لبلدية فينا. ورفض الحكومة النمساوية المصادقة على الانتخاب فأعيد انتخابه ثلاث مرات متتالية، إلى أن تمكن عام 1897 من ممارسة مهامه كرئيس لبلدية فيينا.
وصف هرتسل اللاسامية بأنها حركة مفيدة لتطور الشخصية اليهودية، وقال عنها:
"إنَّ أعداء السامية سيكونون أخلص أصدقائنا الذين يمكننا الاعتماد عليهم، كما أن الدولة المعادية للسامية ستكون حليفة لنا".(4).
وأكد في كتابه "دولة اليهود"، أنه لولا العداء للسامية لما كنا أو بقينا يهوداً، فأعداء السامية هم الذين جعلوا من اليهود شعباً واحداً على الرغم منهم.، وقال: "إن العداء لليهود جعل اليهود يشعرون بأنهم شركاء في الغربة، وعداء الأعداء جعلنا شعباً واحداً، على الرغم منا. إن المحنّة تشد بعضنا إلى بعض فتوحِّدنا وفجأة نكتشف قوتنا.".(5).
تعاون المؤسسون الصهاينة وعلى رأسهم هرتسل مع روسيا وألمانيا القيصريتين، وزار روسيا ووقع في آب 1903، اتفاقية مع وزير الداخلية الروسي الكونت بليفي الذي نظم الحملات المعادية لليهود، في مدينة كيثينوف وطلب منه السماح بترخيص حزب صهيوني وأغراه بحجة أن هذا الحزب سوف يبعد الشباب اليهودي عن الاشتراك في الحركة الثورية في روسيا.
وبالفعل سمح اللاسامي بليفي بعلنية الحزب الصهيوني في روسيا. وصرح العقيد زوباتوف، مدير إدارة البوليس السري في موسكو في تلك الفترة وقال: إنه ينبغي تأييد الصهيونية.
وأكد هرتسل في يومياته أن بليفي، قال له: "إننا نتعاطف مع حركتكم الصهيونية". وتعاون مع الوزير القيصري ستيبوليبسين للاستعانة بالصهيونية لإبعاد اليهود عن الاشتراك في الحركة الثورية.
وبالتالي لم يتصد هرتسل واليهودية العالمية للاسامية بالمفاهيم والمبادئ الإنسانية، بل ردوا عليها بتبنيهم لعنصرية اليهودية وتأثرهم بالعنصرية الألمانية واستبدالهم الآري باليهودي وبالبرامج الصهيونية.
ظهر كتاب دولة اليهود عام 1896 وتأسست الصهيونية عام 1897، ونشرت بروتوكولات حكماء صهيون عام 1903، في جريدة العلم في بطرسبورغ، وطبعت عام 1905، وأعيدت طباعتها عام 1917، تحت عنوان: "برنامج سيطرة اليهود على العالم".
ووصلت إلى ألمانيا عام 1919، بعد تمزق الوضع الداخلي فيها بسبب الهزيمة في الحرب ومعاهدة فرساي المذلة، وأحضرها مهاجرون روس إلى برلين، ونشروها في كتابهم السنوي لوتش زفيتا. وأدى نشر كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، إلى زيادة العداء لليهود، لأنها تؤكد على وجود زعامة يهودية عالمية تعمل سراً للتسلط على العالم والسيطرة عليه.
وتمكنت اللاسامية من تنظيم نفسها في ألمانيا عام 1923، حيث تصاعد العداء لليهود، وأخذت أزمة السكن والبطالة تتعاظم في المدن الألمانية الكبيرة وارتفع التضخم.
وثبت للشرطة في برلين أن الكثير من اليهود يمارسون التجارة غير الشرعية مما ألحق الأضرار بالحياة الاقتصادية. وراجت تجارة الربا والنصب والاحتيال والتهريب. وبالتالي قادت تصرفات يهود أوروبا الشرقية إلى إذكاء نيران اللاسامية التي لم تقابل بمعارضة تذكر في ألمانيا.
وتصاعدت اللاسامية في تشرين الثاني عام 1923، في مدينتي نورنبيرغ وبرلين بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية. وارتفعت الشعارات التي تطالب بإخراج اليهود من ألمانيا بالسياط وتقول: "اضربوا اليهود حتى الموت".
كتب المفكر الروسي يوري ايفاتوف عن العلاقة بين الصهيونية واللاسامية في مؤلفه: "احذروا الصهيونية، يقول: "اللاسامية هي الحجر الثاني في بناء الأيديولوجية الصهيونية، فالصهيونية تعرف أن سلاحها الفعّال إنما هو الاعتماد على الجهل وتأمين جو الرعب والعودة إلى الشوفينية."لذلك أكد هرتسل"، أن معاداة السامية هي أقوى محرض للصهيونية".(7).
وقامت علاقات وثيقة جداً بين الزعماء الصهاينة وأعداء السامية. وكانت الحكومات والشخصيات الأوروبية المعادية للسامية تتعاون مع الزعماء الصهاينة وتساعدهم على تحقيق أهدافهم ومخططاتهم، لأنهم يرتبطون بالمصالح الطبقية نفسها لخدمة البرجوازيات، والدول الاستعمارية في أوروبا.
لقد قابل الشعب البريطاني مجيئ اليهود إلى إنكلترا بالعداء. ورأى هرتسل أن من مصلحة الصهيونية أن تلتقي مع مصلحة بريطانيا بتهجير اليهود فيها إلى فلسطين والتعهد بالرعاية والحماية لهم. مقابل تعهد اليهود أن يكونوا في فلسطين "جزءاً من السور الأوروبي ضد آسيا ومخفراً أمامياً للحضارة الأوروبية، في وجه البربرية الآسيوية".(8).
ويعني ذلك التعهد بخدمة مصالح الاستعمار البريطاني في البلدان العربية ومعاداة العروبة والإسلام والحيلولة دون وحدة العرب وتطورهم وازدهار بلدانهم.
وأكد هرتسل في مؤلفه "دولة اليهود"، وجوب تحالف دولة اليهود مع أوروبا المتحضرة ضد "الهمجية الآسيوية"، مما يظهر بجلاء وضع الأساس العنصري لدولة إسرائيل، موقف قادة إسرائيل في اختيار الصدام العنيف، والدائم، والمستمر مع المحيط العربي والإسلامي. ودعم القادة الصهاينة الأساطير والخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية في فلسطين العربية بالحركات اللاسامية، التي ترفض اندماج اليهود وتطالب بعزلهم وتهجيرهم إلى فلسطين وتأسيس إسرائيل.
على الرغم من هذه الحقائق استغلت الصهيونية ولا تزال تستغل معزوفة اللاسامية والهولوكوست لجلب المزيد من أموال التعويضات الألمانية والأوروبية والرواتب الشهرية لكل يهودي من أصل أوروبي شرقي وليس لضحايا النازية وإنما لإسرائيل وللمنظمات اليهودية في العالم.
لقد عقد الإرهابي جابوتنسكي ميثاقاً مع الزعيم اللاسامي الأوكراني بيتنلورا الذي اضطهد العديد من اليهود. وتحالف دافيد بن غوريون مع الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر. وتحالفت إسرائيل مع النظم العنصرية في روديسيا والبرتغال وجنوب أفريقيا.
استقبل الصهاينة استلام ادولف هتلر للحكم في ألمانيا بفرح وسرور كبيرين، وبعثوا لـه بالتهاني على انتصاره على القوى الديمقراطية في ألمانيا لأنه سيمنع اندماج اليهود الألمان في المجتمع الألماني. واعتقدوا: "أن انتصار النازية يشطب الاندماج والزواج المختلط أمام اليهود".(9).
وأصدر الاتحاد الصهيوني الألماني عام 1933، على إثر استلام هتلر للسلطة وثيقة عامة تضمنت تأييده لألمانيا النازية ومفاهيمها العرقية ومعارضة الزواج المختلط والاندماج والمحافظة على النقاء اليهودي. واعتبرت قوانين تورنيرغ العنصرية أن ألمانيا ليست وطناً لليهود الألمان. وأكدت الحركة الصهيونية أن اليهود الألمان يحملون الجنسية الألمانية فقط، وليسوا بألمان وأن فلسطين وطنهم.
وأدى تلاقي الهدف النازي بتنظيف ألمانيا من اليهود مع الهدف الصهيوني بتهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين إلى التعاون الرسمي بين ألمانيا النازية والوكالة اليهودية في فلسطين.
وأصبحت العلاقات بينهم علاقات تعاون رسمية، وسمحت ألمانيا النازية بحركة العمل للحركة الصهيونية، واضطهدت في الوقت نفسه المنظمات اليهودية الألمانية غير الصهيونية.
وتولى النازي انجمان التعاون مع المنظمات الصهيونية لتهجير يهود ألمانيا سراً إلى فلسطين. واستغلت اليهودية العالمية بعد القضاء على النازية جرائم هتلر ضد اليهود، للإسراع في تأسيس "إسرائيل"، مما يجعلني أعتقد بأن هتلر من أكبر المساهمين في تأسيس إسرائيل، بل يذهب بعض الصحفيين السويسريين والأوروبيين إلى أبعد من ذلك ويعتبرونه "مؤسس إسرائيل".
وعلق الفيلسوف اليهودي اسحق دويتشر على جرائم هتلر قائلاً:
"إن المأساة المروعة التي أنزلها هتلر باليهود، تجعل من الزعيم النازي أكبر مجدد للهوية اليهودية"(10).
وتعمد اليهودية العالمية إلى معزوفة اللاسامية ليس فقط من أجل الابتزاز الفكري والسياسي والإعلامي وإنما أيضاً لتحقيق هدفين في الأوساط اليهودية:
الأول: حمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين.
والثاني: دفع يهود العالم الذين يرفضون الهجرة إلى تقديم المزيد من المساعدات المالية والسياسية لإسرائيل .
وعندما تشتد الانتقادات وتتصاعد في أوروبا ضد سياسة إسرائيل العنصرية وحروبها العدوانية والتوسعية، والمجازر الجماعية التي ترتكبها وضد انتهاكاتها المستمرة لأهداف ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية، ترفع المنظمات اليهودية في وجه منتقدي إسرائيل شعار: "معاداة إسرائيل تعني اللاسامية"، وذلك للحيلولة دون توجيه أي انتقاد لإسرائيل وبوصفها فوق القوانين والعهود والمواثيق الدولية، ولممارسة الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي لإسكات الأصوات التي تنتقد جرائم الحرب التي يرتكبها قادة إسرائيل.
وبالفعل تستجيب الحكومات والأحزاب والشخصيات الأوروبية، بشكل خاص في ألمانيا إلى ابتزاز المنظمات اليهودية وإسرائيل، وتغيّر من موقفها وتضاعف تأييدها لإسرائيل وبشكل خاص النازيين القدامى، كي تصمت اليهودية العالمية عن ماضيهم النازي لقاء الخدمات التي يقدمونها لإسرائيل ومعاداتهم للحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في فلسطين العربية.
ولقد ثبت بالدليل القاطع أن المنظمات اليهودية وإسرائيل تتصل بالنازيين القدامى لاستغلال ماضيهم النازي وحملهم على تقديم جميع أنواع المساعدات السياسية والمالية والإعلامية لإسرائيل لقاء السكوت على ماضيهم النازي. فالنازيون في ألمانيا والنمسا الذين احتلوا مناصب حكومية وأمنية وحزبية وسياسية واقتصادية هامة وكانوا من أكثر الناس حماساً لإسرائيل ومعاداة للعرب لقاء السكوت عنهم.
وتستغل اليهودية العالمية اللاسامية والهولوكوست لإقامة الأسوار المنيعة حول الأعمال القذرة لإسرائيل واليهود وجعلها غير قابلة للشجب والاستنكار، وإجبار الحكومات الأوروبية والأميركية على السكوت عنها أو تأييدها. واستغلوا المؤسسات الصناعية والمالية والعلمية والعسكرية في ألمانيا للدفاع عن إسرائيل وتقويتها، وأنشأوا على سبيل المثال في جامعة برلين الحرة مركزاً للأبحاث عن "اللاسامية"، يخدم بالدرجة الأولى أهداف ومصالح وأطماع وأكاذيب اليهودية العالمية.
وأصبحت "إسرائيل"، والمنظمات اليهودية العالمية واليهود أكبر المستغلين لدافعي الضرائب الألمان في التاريخ الألماني وحتى الأوروبي. واستغلوا الحكومات الألمانية المتعاقبة للحصول على الأموال وهدايا الأسلحة الهائلة وحتى الغواصات النووية لدعم ترسانة إسرائيل العسكرية والنووية والكيماوية والبيولوجية، وتمويل إسرائيل العدوانية تجاه البلدان العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي العربية المحتلة على الرغم من تأييد جميع الحكومات والشعوب العربية للوحدة الألمانية، في حين عدها رئيس وزراء إسرائيل اسحق شامير بأنها تُشكل خطراً على وجود الشعب اليهودي. ولا تزال "إسرائيل" واليهودية ويهود العالم يواصلون ابتزازهم لألمانيا والشعب الألماني مع العلم أن الحكومات الألمانية المتعاقبة نجحت في اقتلاع جذور اللاسامية من المجتمع الألماني، حيث لجأت إلى سن القوانين التي تحظر بروز مثل هذه الظاهرة العنصرية.
ولكن أطماع اليهودية العالمية وأطماع اليهود وتصرفاتهم وعلاقاتهم مع المافيا الروسية واستغلالهم الأبدي للهولوكوست بعد مرور أكثر من ستين عاماً على حدوثه تخلق التذمر وعدم الارتياح والأجواء غير الودية تجاههم، وعلى سبيل المثال، أطلقت ألمانيا اسم بوبيس، الرئيس السابق للمجلس المركزي اليهودي في ألمانيا، فاحتج مواطنو فرانكفورت على تسمية أكبر جسر تاريخي في مدينتهم باسم هذا اليهودي الذي اختلس أموالاً طائلة وعقارات كثيرة باسم ضحايا الهولوكوست لحسابه الخاص وطلب قبل وفاته أن يدفن جثمانه في إسرائيل. وأكد المواطنون الألمان أنهم غير معادين للسامية. ولكنهم يرفضون تسمية هذا الجسر التاريخي في مدينتهم باسم بوبيس.
وعلى الفور اعتبر خليفته باول شبيجل بأن اللاسامية حالياً في ألمانيا أكثر وحشية من غيرها.
نمت وترعرعت الصهيونية نمو وترعرع الحركات العنصرية والاستعمارية، ولكن هذه الحركات لاقت مصيرها المحتوم وهو الزوال، وبالتالي سيكون مصير الصهيونية في فلسطين كمصير النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر، والعنصرية في روديسيا والبرتغال وجنوب أفريقيا، وبالتالي ستزول الصهيونية إنْ عاجلاً أو آجلاً.
¡
¡ المصادر:

(1)ـ الحياة في 16/7/2000.
(2)ـ المصدر السابق نفسه.
(3)ـ صبري جريس، تاريخ الصهيونية، الجزء الأول، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت 1981، ص48.
(4)ـ مجلة صوت فلسطين، العدد 230/آذار 1987، ص34.
(5)ـ الحياة في 16/7/2000.
(6)ـ مجلة نيفا الروسية، العدد 5/1973، ص25.
(7)ـ ليونيل دادياني، الصهيونية على لسان قادتها، دار نشر وكالة نوفوستي، موسكو 1986، ص51.
(8)ـ الحياة في 16/7/2000.
(9)ـ إسرائيل شاهاك، التاريخ اليهودي المكشوف والمستور، دار البعث للصحافة والنشر، دمشق 1996، ص116..
(10)ـ الحياة في 16/7/2000.

rrr





الفصل الثالث



- عنصرية الصهيونية

اتخذت الأمم المتحدة في نهاية العام 1975، قراراً يعتبر أن الصهيونية: "حركة عنصرية وشكل من أشكال التمييز العنصري".
ويتفق هذا القرار تماماً مع العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية التي تمت الموافقة عليها بعد القضاء على ألمانيا النازية وبشكل خاص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة الخاص بالقضاء على التمييز العنصري بأشكاله كافة في نهاية عام 1963، والعهد الدولي الخاص بالقضاء على التمييز العنصري في 21/كانون الأول/لعام 1965.
وتؤكد أدبيات الأيديولوجية والحركة الصهيونية ومنطلقاتها الأساسية، وسياسة الكيان الصهيوني، وليدة الصهيونية والامبريالية، والعنصرية في القوانين الإسرائيلية وممارسات إسرائيل في داخلها وفي الأراضي العربية المحتلة صحة هذا القرار الأممي، ولكن اليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي رفضت تأييد هذا القرار العادل، ونجحت في إجبار الجمعية العامة للأمم المتحدة على إلغائه. فهل تخلت الصهيونية عن عنصريتها أم أن الأمم المتحدة ورضخت للضغط والابتزاز الأميركي واليهودي؟
تعتبر الأوساط اليهودية في العالم أن موزيس هيس نبي الصهيونية وأن تيودور هرتسل مؤسسها كحركة سياسية عالمية منظمة.
تأثر هيس بفلسفة نيتشه التي تمجِّد القوة وتفوق العرق الآري وبفلسفة هربرت سبنسر حول عدم اندماج الأصناف المختلفة وطبقها على اليهود. وكان هيس أول مَنْ نادى بأن اليهودية قومية، وطالب اليهود بعدم الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، ودعاهم إلى الهجرة إلى فلسطين وتأسيس إسرائيل فيها بمساعدة فرنسا وتحت رعايتها. وتجلت دعوته بوضوح في كتابه "روما والقدس" الذي نشر في مدينة لايبزغ عام 1862 وتتلخص بأن:
ـ اليهودية قومية ولا يمكن فصلها عن القدس.
ـ وجوب مقاومة اندماج اليهود وحملهم على الهجرة إلى فلسطين.
ـ تأسيس إسرائيل في القدس تحت الحماية الفرنسية.
وأعلن في مقدمة كتابه المذكور أنه "سيشهر الحرب على الأوهام العقلانية التي تنكر الدلالة القومية للدين اليهودي، وعلى الإصلاحيين الاندماجيين اليهود الذين يحاولون فصل السياسة عن الدين، متجاهلين المنابع العميقة والتي ألهبت الأدب التلمودي والتوراتي".(1).
ورفض هيس فصل الدين عن السياسة وأكد أن أحكام الدين وإلهاماته ثابتة وصالحة للعصور كلها. ورأى أنه طالما أنكر اليهودي قوميته، فسيزداد حاله سوءاً، حيث أن الشعوب الأوروبية كانت تنظر دوماً إلى وجود اليهود بين ظهرانيهم على أنه وجود دخيل، وقال: "سنُطارد دائماً غرباء من الأمم، قد تأخذهم الإنسانية أحياناً، وتدفعهم العدالة إلى أن يطالبوا بالحرية لنا، ولكنهم لن يحترمونا طالما ننكر قوميتنا ونجعل منها ديناً، فالقومية اليهودية مقوِّم أساسي من مقومات اليهودية".(2).
وتناول موضوع اندماج اليهود وقال عنه إنه طعم وفخ يسقط فيه اليهودي، مهما اختبأ وتخفى وراء تأكيداته الفلسفية أو الجغرافية بالانتماء إلى المكان الذي يعيش فيه "ومهما أخفيت وجهك، وغيرت اسمك، ورحلت مجهول الهوية كي لا يتعرف الناس على يهوديتك فستلاحقك الإهانات والعذابات".(3).
واعتبر هيس الصراع بين الأجناس والأعراق قدراً لا خلاص منه. وأقام كتابه المذكور على أساس المفهوم العرقي وحتمية الصراع بين الأجناس. وقال: "فالعرق اليهودي عرق نقي، وهو الذي يوِّلد صفاته، برغم كل تأثيرات الأجواء والمناخات المختلفة فقد ظل الطابع اليهودي ثابتاً على مر العصور، ومنذ القدم تعرض الشعب اليهودي للغزو، حتى كاد أن يُباد تماماً على يد الأغراب، ولو لم يحتفظ على نحو تام بكل صفاته العرقية لذاب وانمحى، فقد كان أمامه إما التخلي عن هويته أو الموت، ومع ذلك فاليهودية تدين بخلودها ودوامها إلى خصوبة عبقريتها الدينية."(4).
وطالب هيس بترويض البابا في الفاتيكان وكتب يقول: "إن روما المقدسة، روما البابا والحبر الأعظم كانت على الدوام مصدر كل الشرور لليهودية، وبالقضاء على مصدر الشرور هذا الذي يستمد منه أعداء السامية المسيحيون الجرمان كل حججهم يُمحى العداء للسامية ذاته".(5).
وبالفعل نجحت الصهيونية في ترويض البابا والفاتيكان عام 1961، عندما أصدر الباب وثيقة تبرأة اليهود من دم المسيح.
ويلخص نبي الصهيونية في خاتمة كتابه مفهومه عن الجنس أو العرق على الشكل التالي:
"الأبحاث العلمية بالإضافة إلى تجارب حياتي الشخصية تحوّلت عندي إلى عقائد وقناعات أصوغها على الوجه التالي:
ـ التنظيم الاجتماعي مثله مثل المفاهيم الفلسفية من نتاج العرق الذي ابتكرها.
ـ التاريخ حتى يومنا هذا يصنعه صراع الأعراق والطبقات.
ـ العرق المسيطر الأخير هو العرق الألماني، ولكن صراع الأعراق وصل إلى نهايته، بفضل الشعب الفرنسي.
ـ نهاية الصراعات العرقية هي أيضاً ختام الصراعات الطبقية، والمساواة بين جميع الطبقات هي الثمرة المباشرة للمساواة بين الأجناس والأعراق".(6).
وتتجلى خطورة الفكر العنصري اليهودي الذي صاغه هيس بقوله إنه ليس بمقدوره أن يتسامح مع أي عداوات موجهة ضد عرقه، كما أنه لا يستطيع أن يتقبل العداء المسبق للغة آياته المقدسة.
ومضى هيس بوضع أسس الأيديولوجية الصهيونية وعنصريتها وقال: إنَّ الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد الذي لـه دين قومي وعالمي معاً، وبفضل اليهودية أصبح تاريخ الإنسانية تاريخاً مقدساً. وفسَّرَ التطور التاريخي مثل شارل داروين بالصراع من أجل البقاء والوجود. وتضمن كتابه: "المادية الدينامية"، الذي نشرته زوجته بعد وفاته، أفكاره حول الصراع والتعاون والبقاء للأقوى والأصلح. وركز آماله على فرنسا الكولونيالية لدعم مشاريع استثمار فلسطين ليس بدوافع أيديولوجية فحسب باعتبارها حاملة مبادئ الثورة الفرنسية، بل وأيضاً بسبب المصالح الفرنسية الاقتصادية والاستراتيجية في الشرق الأوسط."فالفرنسيون هم حماة المارونيين، وقد أعادوا النظام إلى لبنان، وحفروا قناة السويس. واليهود يمكن أن يقوموا بدور الجندرمة التي ستحمي المصالح الفرنسية في فلسطين".(7)
وظهرت كلمة "صهيونية" لأول مرة في الكتاب الذي نشره الكاتب اليهودي الألماني ناتان بيرنباوم بعنوان "البعث الثقافي للشعب اليهودي في أرضه كوسيلة لحل المسألة اليهودية". واستخدم بيرنباوم كلمة "صهيونية" بدلاً من القومية اليهودية.
وتأسست أول جمعية صهيونية "جمعية أحباء صهيون" في روسيا عام 1882 بسبب التعصب الديني لدى اليهود الذي حال بينهم وبين الاندماج وبسبب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية كانت سائدة هناك.
وقامت برامج جمعيات أحباء صهيون على محاربة الاندماج وبلورة الشعور اليهودي المتعصب المليء بالتفوق والنقاء والحقد وعزل اليهود عن مجتمعاتهم وتهجيرهم بمساعدة الحركات اللاسامية إلى فلسطين العربية لاغتصابها وتهويدها. ونشر اليهودي الألماني بودنهايمر عام 1890 كراساً طالب فيه بضرورة هجرة يهود روسيا إلى سورية وفلسطين.
ووجه في العام نفسه نداء بعنوان"يا صهيونيي العالم اتحدوا". نادى فيه بضرورة تأسيس شركات لاستعمار فلسطين ووضعها تحت الحماية الألمانية، وأسس بالتعاون مع اليهودي الألماني دافيد فولفسون عام 1892، جمعية أحباء صهيون الألمانية. وعقدت مؤتمرها الأول في برلين عام 1893 وقرر إنشاء منظمة صهيونية موحدة، وتشجيع الاستيطان (الاستعمار) اليهودي في فلسطين وإحياء اللغة العبرية والثقافة اليهودية.
وظهر عام 1896 كتاب "دولة اليهود"، بالألمانية لمؤلفه تيودور هرتسل وتضمن أن الحل الوحيد للمسألة اليهودية هو تأسيس دولة اليهود والتي ستقوم بدعم من الدول الاستعمارية في أوروبا، وأن العداء للسامية حركة مفيدة لليهود وأبدية.
وعقد هرتسل المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، في بازل بسويسرا وافتتحه قائلاً: "اجتمعنا هنا لوضع حجر الأساس للبيت الذي سيأوي الأمة اليهودية".
وكتب هرتسل في مذكراته عن مؤتمر بازل وقال: "لو رغبت في تلخيص مؤتمر بازل لقلت في بازل تم تأسيس دولة اليهود".
وذلك لأن المؤتمر حدد هدف المشروع الصهيوني والوسائل التي يجب اتباعها لتحقيقه وشكل الدولة بأدق تفاصيلها. وقرر إقامة المنظمة الصهيونية العالمية، والتي تتألف من المنظمات الصهيونية الإقليمية.
تعرّف الموسوعة البريطانية الصهيونية بما يلي: "إن اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل واجتماع الشعب في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية، وعليه أمير من نسل داود".(8).
وجاء في الموسوعة اليهودية تحت كلمة الصهيونية: "إن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم، وأن يقدموا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك".
استغلت الصهيونية الحنين الديني لليهود إلى القدس، كحنين المسلمين إلى مكة المكرمة والقدس، لحمل اليهود على الهجرة إليها، واستعمارها للسيطرة على المنطقة العربية واستغلال ثرواتها وخيراتها.
ورسخَّت في أذهان اليهود انطلاقاً مما ورد في التوراة والتلمود أنهم "شعب الله المختار". وأنقى الأعراق في العالم وأذكاها والنخبة بين بني البشر، فالديانة اليهودية هي الأساس الذي قامت عليه عنصرية الصهيونية واستمدتْ الصهيونية عنصريتها من عنصرية اليهودية ومن العنصرية الأوروبية، حيث تأثرَّ بها المؤسسون الصهاينة. وكان أهم رواد العنصرية آنذاك في أوروبا من الألمان: يوهان غوتليب فيشته، وفون ترتشكه وفريدريش نيتشه، ولذلك ليس من المستغرب أن يكون أهم رواد العنصرية الصهيونية من اليهود الألمان.
مجّد فريدريش نيتشه القوة ووضع نظرية النخبة وأرسى الأسس النظرية للنازية، واضطهاد الشعوب والطبقة العاملة. وبلور آراءه عن العرق المتفوق والصراع القومي وطالب بالتخلي عن الديمقراطية والإنسانية. تأثر تيودور هرتسل وآحادعام والعديد من المفكرين اليهود بفلسفة نيتشه وأخذوا منه تمجيد القوة ووضعها فوق الحق، والتفوق وعدم اندماج الأصناف المختلفة.
وصاغ آحادعام موقفه وموقف اليهودية من نظرية نيتشه وقال: "إن اليهودية احتضنت النيتشوية، ولكن نيتشه لكونه ألمانياً، رأى التفوق من خلال الصفات الآرية، إن اليهودية سبقت النيتشوية بعدة قرون بفكرة اليهودي المتفوق والنقي الذي هو غاية في حد ذاته والذي خلق العالم من أجله".(9).
نادى العنصريون في أوروبا بأن اليهودي غريب بسبب أصله السامي، فالخلاص الوحيد لليهود يكمن في إيجاد وطن لهم. وطالبوا بعدم اندماج اليهود وضرورة هجرتهم إلى فلسطين العربية.
وانطلق العنصري الألماني شبنجلر من أن القدر يفرض على البعض السيادة والتفوق وعلى الآخرين الخضوع والتسليم.
وتنطلق عنصرية الصهيونية من رسالة إسرائيل الإلهية واختيار شعبها لقيادة العالم، وقدرته على السيطرة على كل ما حوله من الشعوب التي كتب عليها الخضوع لـه والتسليم بقيادته.
ووصلت عنصرية تيودور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية حداً قال فيه: "إن كل ماهو عاجز عن البقاء سوف يدمر ويجب أن يدمر. وأن القوة تتقدم على الحق، وكل ما يخص العلاقات بين الأمم هو مسألة القوة. وقال في كتابه دولة اليهود: "إن اليهود بقوا شعباً واحداً وعرقاً متميزاً. وإن قوميتهم لا يمكن أن تتقوَّض. لذلك لا يوجد غير حل واحد فقط للمسألة اليهودية هو دولة اليهود".(10).
قامت الصهيونية الأوروبية المنشأ على مجموعة من الخرافات والأساطير والمزاعم اليهودية لخدمة مصالح الأغنياء اليهود والدول الاستعمارية في أوروبا منها:
ـ خرافة شعب الله المختار وتفوقه على غيره من الشعوب بالنقاء العرقي والتفوق والاختيار الإلهي.
ـ الزعم بأن اليهودية قومية وليست ديانة فقط.
ـ أكذوبة الحق التاريخي لليهود في فلسطين العربية.
ـ وأبدية اللاسامية وتهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب وإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
إن الزعم الصهيوني القائم على أساس أن اليهود هم أنقى الأعراق، زعم باطل لا أساس لـه من الصحة، ويظهر بجلاء عنصرية الصهيونية، ويتمسك به الصهاينة لأسباب سياسية إذ بلا هذا الزعم تسقط مطالبتهم بالهجرة إلى فلسطين العربية.
استغلت الصهيونية الديانة اليهودية وتعاليمها العنصرية واستخدمتها لمصلحتها ولمصلحة الدول الاستعمارية الأوروبية واعتمدت عليها كركيزة أساسية في زعمها، إن اليهودية قومية على الرغم من فقدانها لأهم مقومات القومية وهي الأرض واللغة والتاريخ. واستغلت أكذوبة الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين لكي تكسب أوساطاً واسعة من اليهود وتحملهم على الهجرة إليها، وإقامة دولة اليهود فيها كمقدمة لفرض هيمنة إسرائيل على البلدان العربية.
إن مقولة شعب الله المختار للاعتقاد بتفوقهم وتميزهم على غيرهم من شعوب العالم، دفع الإيمان بتفوق اليهود: "بالمفكرين الصهاينة"، إلى الترويج للأفكار والمقولات العنصرية وعدم ولاء اليهودي للبلد الذي يعيش فيه. وسارت أوساط يهودية واسعة في اتجاه الترويج إلى تفوق اليهود وعبقريتهم، ومقاومة الاندماج، والهجرة إلى فلسطين، لاستعمارها وتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي في قلب الوطن العربي.
إن معظم اليهود لا يمارسون الطقوس الدينية، لذلك لابد من ابتكار شيء يشدون اليهود إليه، فركزوا على الانتماء العرقي ونقاء الدم اليهودي ومحاربة الزواج المختلط ومقاومة الاندماج والانعزال والهجرة إلى فلسطين وترحيل العرب وتهويد الأرض والمقدسات العربية.
وتجلت عنصرية الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف في كتابه "تاريخ الصهيونية"، حيث قال: "إن اليهود يمثلون أنقى عرق وأعرق أمة بين جميع الأمم"(11).
رفض المفكرون الصهاينة اندماج اليهود مع الشعوب الأخرى انطلاقاً من مفاهيم ومقولات عنصرية يهودية، فرفض ليوبنسكر في كتابه: "التحرر الذاتي" فكرة الاندماج بسبب يهوديته قائلاً: "إنَّ الشعب اليهودي عنصر متميز عن الشعوب وغير قابل للذوبان أو الاندماج في كيان أية أمة.".
استخدمت الصهيونية الترويج إلى مقولة تفوق اليهود وتميزهم وعبقريتهم لكي تقاوم الاندماج وتحقق الانعزال والفصل والانغلاق العنصري، لتحقيق الهدف الصهيوني الأساسي وهو تهجير اليهود إلى فلسطين، وترحيل العرب منها لتحقيق الانغلاق العنصري بإقامة غيتو يهودي كبير في المنطقة.
وتظهر عنصرية الصهيونية ووحشيتها في كتاب هرتسل: "دولة اليهود" حيث كتب يقول: "إن دولة اليهود ستكون حصناً للتفوق الحضاري في مواجهة الهمجية الآسيوية".
وتجلتْ عنصرية الصهيونية بأجلى مظاهرها بالمقولة التي رفعتها وهي أن فلسطين "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". وبالتالي تجاهلت وجود الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه، واعتبر حزب الماباي (العمل حالياً)، إن السيادة على فلسطين تعود لجميع اليهود في العالم، لذلك يجب ترحيل العرب منها لإفساح المجال أمام المهاجرين اليهود.
نجحت الصهيونية في تأسيس شركة "الكيرن كيمت"، للاستيلاء على الأراضي العربية والتي تعتبر من أكبر المؤسسات اليهودية عنصرية، حيث تحرِّم بيع الأراضي التي بحوزتها إلى العرب وتعتبر أن الأراضي التي تملكها لليهود فقط ولا يجوز تأجيرها، أو بيعها لغير اليهود على الإطلاق.
وطبقت منذ تأسيسها هذا المبدأ العنصري، إذ لم تنتقل قطعة أرض واحدة من ملكية الشركة إلى أحد المواطنين العرب، كما منعت العمال العرب من العمل في الأراضي التابعة لها. وحرّمتْ على اليهود استخدام العمال العرب، وفي حال إخلال المستعمر اليهودي بهذا الشرط تسترجع منه الأرض أو تفرض عليه عقوبات مالية كبيرة.
ورفعت الصهيونية في فلسطين شعار "العمل العبري". وأصبح هدفها تهويد الأرض العربية وتهويد العمل في الأراضي والمؤسسات اليهودية. ووصلت العنصرية بالعمال اليهود عام 1905، حداً قاموا فيه بقلع أشجار الزيتون من غابة هرتسل: "في مزرعة بن شيمس" التي زرعها العمال العرب وأعادوا زراعتها لكي لا تدنس ذكرى هرتسل (الذي مات بمرض السفلس)، بزرع غابته من قبل العمال العرب.
وانتقلت عدوى العنصرية من المنظمة الصهيونية العالمية وشركة كيرن كيمت والعمل العبري، ومن ممارسات العمال اليهود العنصرية إلى الأحزاب اليهودية التي تأسست فيما بعد في فلسطين وخارجها، وخاصة حزبي حيروت والماباي (أي الليكود والعمل حالياً) وبقية الأحزاب الدينية.
وبلور حزب الماباي (العمل حالياً)، موقفه العنصري من العرب إبان الانتداب البريطاني على فلسطين في اعتباره أن "الحقوق في فلسطين تعود لليهود الذين يسكنونها ولكل يهود العالم الذين ينوون القدوم إليها، بينما يملك العرب الفلسطينيون حق السكن فيها فقط، ويفقدون هذا الحق في اللحظة التي يتركون فيها البلد".
واعتبر حزب الماباي (حزب بن غوريون، وديان ورابين وبيرس)، أن السيادة على فلسطين تعود لليهود فقط، ويجب ترحيل العرب وحملهم على ترك فلسطين ومغادرتها وعدم السماح لهم بالعودة إليها.
وقام النشاط الصهيوني في فلسطين على تهويد الأرض العربية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها، وطرد الفلاحين العرب منها واستبعادهم من العمل والإنتاج فيها لتحقيق شعار "العمل العبري"، ومقاطعة المنتجات العربية وتهويد السوق والاعتماد على القوة لتنفيذ هذه الأسس، مما يبين بجلاء سياسة التمييز العنصري التي بدأت الصهيونية في بتطبيقها.
ولعب الهستدروت الدور الرئيسي في تحقيق العمل العبري والسوق اليهودية والتي تعني مقاطعة المنتجات العربية، أي مقاطعة الإنتاج العربي وشراء الإنتاج اليهودي فقط، ورفع الصهاينة شعار: "لا تشتروا من تاجر أو من بائع خضار أو فواكه عربي"، "لا تتعاملوا مع طبيب أسنان عربي". وبالتالي تكون الصهيونية هي أول من أدخل سلاح المقاطعة الاقتصادية في المنطقة العربية، وقبل تأسيس الكيان الصهيوني بعقود عدة.
نسفت عنصرية الصهيونية اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأصلية. واستخدمت كافة أساليب الضغط والابتزاز والترغيب تجاههم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين العربية وترحيل العرب منها إلى البلدان العربية المجاورة.
وشجعت الاتجاهات اللاسامية وتعاونت معها للحيلولة دون حل المسألة اليهودية ضمن إطار ديمقراطي وإنساني. واستخدمت الإرهاب ضد العرب للحيلولة دون تعايش المهاجر اليهودي مع المواطن العربي، للمحافظة علي النقاء العنصري للمجتمع اليهودي، وأصرت على إقامة دولة عنصرية لليهود على أرض فلسطين العربية بقوة السلاح، وبدعم وتأييد كاملين، من بلدان أوروبا الاستعمارية. وأصبح الاستعمار الاستيطاني اليهودي ملتصقاً بالطابع العنصري للصهيونية.
أظهر المؤسسون الصهاينة إعجابهم بالعنصرية الألمانية ولكنهم استبدلوا العرق الآري النقي والمتفوق بالعرق اليهودي النقي والمتفوق، ووضعوا اليهودي بدلاً من الآري، والتقوا مع الحركات العنصرية في ألمانيا وروسيا، في مقاومة اندماج اليهود وعزلهم، وحملهم على الهجرة إلى فلسطين، مما شكل فيما بعد أرضية مشتركة للتعاون بين الحركة الصهيونية وألمانيا النازية.
إن الصهيونية الأوروبية المنشأ هي من نتاج دهاقنة الاستعمار الأوروبي والأغنياء اليهود ومن نتاج النظام الامبريالي القائم على قهر واستغلال واضطهاد الشعوب الأخرى، وتسخير القوة العسكرية والحروب العدوانية والإبادة الجماعية لفرض هيمنتها على العرب. وتقدم نفسها للغرب على أنها تمثِّل الحضارة الغربية وتنقلها إلى الشعوب العربية المتخلفة.
وقامت على أساس تأسيس دولة عنصرية نقية لجميع اليهود في العالم في فلسطين العربية على أساس الدين اليهودي، دون أخذ حقوق ومصالح وملكية الأغلبية العربية، أصحاب فلسطين الأصليين وسكانها الشرعيين بعين الاعتبار.
ووضعت سراً بروتوكولات حكماء صهيون والتي تسمى أحياناً الخطة اليهودية للسيطرة على العالم، واتهمت وتتهم كل من يثور ضدها وضد عنصريتها ووحشيتها بمعاداة اليهود وبالعداء للسامية.
وملأت العالم بالكتابات والمقالات والأفلام والنشاطات والأكاذيب للدفاع عن الفكر العنصري الصهيوني ولتنفي عنه العنصرية. وأنتجت هوليوود، المؤسسة اليهودية لإنتاج الأفلام مئات الأفلام عن الهولوكوست وعن ما تعرض لـه اليهود من اضطهاد على يد النازية بمبالغة وتكرار منقطعي النظير في تاريخ البشرية، لاستغلاله كأداة للابتزاز المالي والسياسي والعسكري والإعلامي لألمانيا وأوروبا ولإخضاعهم لسيطرة اللوبي اليهودي الجديد الذي شكلته في العاصمة الألمانية برلين، والمتوقع أن تصبح عاصمة أوروبا الموحدة وذلك على غرار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.
وتركز الدعاية الصهيونية داخل الكيان الصهيوني على:
ـ تنمية وتقوية الفكر العنصري الصهيوني.
ـ الاستمرار في ممارسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي للعرب.
ـ وصف العرب والمسلمين بالوحشية والتخلف والتأكيد على أنهم لا يفهمون إلا لغة القوة لتبرير استخدام القوة بحقهم.
ـ غرس وتنمية الأفكار العنصرية والروح العسكرية في نفوس الأطفال والتلامذة والطلبة وبقية المجتمع الإسرائيلي.
ـ الافتخار والاعتزاز بالاستخدام اليومي للإرهاب والإبادة الجماعية في الضفة والقطاع وجنوب لبنان والجولان المحتل.
ـ المحافظة على صورة إسرائيل المنتصرة والمتفوقة وإثبات قدرتها العسكرية لإجبار العرب على الركوع والاستسلام.
وعلى قبول "السلام الإسرائيلي".
وتلعب المؤسسة العسكرية الدور الأساسي في تحقيق الاستراتيجية الصهيونية لأسباب عقائدية واقتصادية وجغرافية وديموغرافية، ولتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي وقبول السلطة الفلسطينية بالمستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبشكل خاص في الشطر الشرقي من مدينة القدس العربية.
إن الصهيونية بصفتها حركة عنصرية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري نجحت بدعم من اليهودية العالمية والدول الاستعمارية في تأسيس كيان عنصري مغرق في العنصرية والتمييز العنصري لها في فلسطين العربية.
وأقامت فيه مجتمعاً عنصرياً، مما طبع الشعب الإسرائيلي بكراهية العرب والحقد عليهم، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم ومقدساتهم ودعم عنصرية الدولة التي تمارسها تجاه السكان العرب فيها.
ويقوم المجتمع الإسرائيلي على أساس التفريق العنصري بين اليهود والعرب، وبين اليهود الغربيين (الأشكناز) وبين اليهود الشرقيين (السفارديم). وأصبحت عنصرية الصهيونية سياسة رسمية لإسرائيل جسدتها وتجسدها في قوانين وممارسات وأعمال النهب والسلب للأراضي والممتلكات العربية، والقتل والتدمير والعقوبات الجماعية، وقوانين عنصرية كقانون الجنسية، وقانون العودة وقانون أملاك الغائبين وقوانين مصادرة الأراضي العربية، مما يشكل لطخة عار في جبين الأمم المتحدة. التي تخلت عن مبادئها وقراراتها تجاه عنصرية الصهيونية وألغت القرار (3379)، الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية.
إن الاستراتيجية الصهيونية القائمة على تجميع أكبر عدد ممكن من يهود العالم في فلسطين وإسكانهم محل شعبها العربي الفلسطيني وترحيله من وطنه وإقامة المستعمرات اليهودية على أملاكه وأراضيه، يمثل أبشع أشكال عنصرية الصهيونية القائمة على الدين اليهودي، ولأن ذلك قاد إسرائيل لارتكاب أبشع المجازر الجماعية والحروب العدوانية والاعتداءات اليومية برا وبحراً وجواً لترحيل العرب، والاستيلاء على أملاكهم وأراضيهم وإخضاعهم لفرض هيمنة إسرائيل على الاقتصادات والبلدان العربية.
¡
¡ المصادر:

(1)ـ أديب ديمتري، نفي العقل، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق 1993، ص118.
(2)ـ المصدر السابق نفسه.
(3)ـ المصدر السابق نفسه.
(4)ـ المصدر السابق،ص 120.
(5)ـ المصدر السابق، ص 117.
(6)ـ المصدر السابق، ص120.
(7)ـ المصدر السابق نفسه، ص (120).
(8)ـ الموسوعة البريطانية (بالإنكليزية)، طبعة عام 1926، المجلد 27 و28، صفحة 986-987.
(9)ـ الصهيونية والعنصرية، المجلد الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1977، ص 19-20.
(10)ـ المصدر السابق، ص24.
(11)ـ ناحوم سوكولوف، تاريخ الصهيونية، نقلاً عن الصهيونية والعنصرية، مصدر سابق، ص 95.


¡



- الصهيونية والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء
على كافة أشكال التمييز العنصري



مقدمة:

انتشرت العنصرية في أوروبا في القرن التاسع عشر. وكان الكونت الفرنسي غوبينو من أشهر روادها، وقامت نظريته العنصرية على تقسيم البشرية إلى ثلاثة أعراق: الأول: العرق الأبيض، ويتمتع بالحيوية والتفوق الفكري، وانطلق من أن جميع الحضارات من نتاجه، بخلاف الأعراق الملوّنة التي لا تملك القدرة على النمو والتطور. والعرق الثاني: العرق الأصفر والثالث: العرق الأسود وهو أدنى الأعراق.
وكانت العنصرية الألمانية من أبرز الحركات العنصرية في أوروبا، ومن أهم روادها يوهان غوتليب فيشته، وفون تريتشكه، وفريدريش نيتشه. لذلك لم يكن من المستغرب أن يكون أهم رواد العنصرية الصهيونية من الألمان، ومنهم موريس هيس، الذي يعتبر نبي العنصرية الصهيونية، وتيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية كحركة سياسيةعالمية منظمة.
وضع الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه الأسس النظرية للعنصرية الألمانية (النازية فيما بعد)، واضطهاد الطبقة العاملة، والشعوب الأخرى، وبلور آراءه عن العرق الآري المتفوق والصراع القومي.
تأثر موزيس هيس بأفكار نيتشه وهربرت سبنسر حول عدم اندماج الأصناف المختلفة، ووضع أسس العنصرية الصهيونية.
وتبنى الزعيم الصهيوني آحادهاعام نظرية نيتشه حول "إعادة تقييم القيم"، وأكد أن اليهودية احتضنت النيتشوية، وبما أنه من الألمان رأى التفوق من خلال الصفات الآرية، وأن اليهودية سبقت النيتشوية بعدة قرون من خلال فكرة اليهودي المتفوق النقي الذي هو غاية في حد ذاته، والذي خلق العالم من أجله".(1).
وعبر آحادهاعام عن أطماع اليهودية العالمية لإيجاد مركز لانطلاقها في الهيمنة على المجال الحيوي الذي ستحدده الصهيونية فيما بعد، وأكد على أنه: "لكي ينبعث هذا العرق المتفوق، لابد لـه من مكان ثابت ومستقر حتى تتاح لـه الفرصة ثانية لتطوير عبقريته وإبلاغ رسالته كاملة ومتفوقة".(2).
وزعم هرتسل أن اليهود أنقى السلالات على الإطلاق وقال في كتابه "دولة اليهود" إن اليهود بقوا شعباً واحداً وعرقاً متميزاً، وإن قوميتهم يجب ألاَّ تقوّض، ووصل تأثره بالعنصرية الألمانية حداً قال فيه في كتابه المذكور: "إن كل ماهو عاجز عن البقاء لا يمكن إلاَّ أن يدمّر، وسوف يدمر، ويجب أن يُدمر، وإن القوة فوق الحق، وكل ما يخص العلاقات بين الأمم هو مسألة القوة.
ووصل تأثر القادة الصهاينة بالعنصرية الألمانية وإعجابهم بها حداً استبدلوا فيه الآري في نظرية نيتشه العنصرية باليهودي. ووضعوا العنصر اليهودي النقي والمتفوق بدلاً من العنصر الآري النقي والمتفوق.

- الصهيونية والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء
على كافة أشكال التمييز العنصري.

أدانت الأمم المتحدة الاستعمار، وكافة مظاهره العنصرية والتمييز العنصري في الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة الصادر في 14 كانون أول/العام1960، والذي تضمن ضرورة إنهاء كافة أشكال الاستعمار والتفريق العنصري بسرعة وبدون شروط، وفي قرار الجمعية العامة رقم (1904)، بتاريخ 20/11/1963، الذي أكد ضرورة إزالة التمييز العنصري بجميع أشكاله ومظاهره بسرعة، في كافة أنحاء العالم .
وخطت الأمم المتحدة خطوة أخرى إلى الأمام في موافقتها على العهد الدولي الخاص بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري بتاريخ 21/كانون الأول/1965.
ينص العهد الدولي في مقدمته على بطلان "أية نظرية استعلائية قائمة على التمييز العنصري، ويعتبرها باطلة علمياً ومدانة أخلاقياً وخطرة اجتماعياً، وأنه لا يوجد أي مبرر للتمييز العنصري في أي مكان سواء من ناحية نظرية أو تطبيقية".(3).
تُعرِّف المادة الأولى من العهد الدولي التمييز العنصري وتقول: "يعني اصطلاح التمييز العنصري في هذه الاتفاقية أي تمييز أو استعباد أو تحديد أ و تفضيل يقوم على العنصر أو اللون أو الأصل أو الانتماء القومي أو العرقي والذي يكون هدفه أو نتيجته إلغاء أو إعاقة الاعتراف أو التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو إعاقة ممارستها على قدم المساواة، وذلك في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو غيرها من مجالات الحياة العامة".(4).
ينطبق مفهوم التمييز العنصري، الوارد في هذا العهد الدولي على الصهيونية كأيديولوجية وحركة وكيان. فالصهيونية تؤكد بأن اليهود هم "شعب الله المختار" وتعتبرهم خيرة شعوب الأرض، وأن أرضهم الموعودة في فلسطين، هي من النيل إلى الفرات، ويجب أن يعودوا إليها كيهود ويتجمعوا فيها وينتزعوها من شعبها العربي الفلسطيني بالقوة، والإبادة الجماعية، والترحيل، وتهويد الأرض الفلسطينية ببناء المستعمرات اليهودية، وتحقيق الاستعمار الاستيطاني.
وعززت الصهيونية أسطورة "نقاء العرق اليهودي" وتفوقه كي تقيم سداً منيعاً أمام اندماج اليهود وعزلهم وحملهم على الهجرة إلى فلسطين، مما جعلها تلتقي مع الحركات اللاسامية والعنصرية الأخرى ومنها النازية، التي كانت تعارض اندماج اليهود وعملت على عزلهم، وتعاونت مع الصهيونية على ترحيلهم سراً إلى فلسطين بموجب اتفاقية هافارا بين وزارة الاقتصاد النازية والوكالة اليهودية.
وركز الزعماء الصهاينة وزعماء إسرائيل على "النقاء العرقي" للشعب اليهودي وتفوقه بالذكاء على سائر شعوب الأرض، وعلى أن العرق الواحد النقي ملازم لليهودي وأن اليهود يشكلون شعباً عالمياً واحداً.
ولّد إيمان الصهيونية بتفوق اليهود وتميزهم على غيرهم من الأعراق والشعوب تيارات واتجاهات عنصرية وفاشية بين اليهود أنفسهم في الكيان الصهيوني وبين اليهود وغير اليهود أي العرب.
فتفرِّق إسرائيل بين اليهودي الشرقي (السفارديم)، واليهودي الغربي (الإشكناز)، وتتجلى عنصريتها بأجلى مظاهرها في التمييز بين اليهود والعرب، والعنصرية في قوانين العودة والجنسية والأراضي والسكن والأحوال المدنية.
وتمارس إسرائيل (دولة جميع يهود العالم)، العنصرية والتمييز العنصري بناء على تطبيق الحكومة ومؤسساتها والجيش والشرطة، والمنظمات الاجتماعية للقوانين الإسرائيلية العنصرية.
وتتجسد سياسة التمييز العنصري لإسرائيل في سياسة مصادرة الأراضي العربية وترحيل العرب وبناء المستعمرات اليهودية وتدمير المقدسات والمعالم الحضارية العربية والإسلامية، وفي تطبيق أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري على مواطنيها العرب، وبالتالي أخذ التمييز العنصري في إسرائيل تجاه العرب، سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين صبغة قانونية وهو ما يسمَّى بعنصرية "دولة اليهود"، أو عنصرية القوانين الإسرائيلية.
إن قانون العودة الإسرائيلي يكسب اليهودي فقط أينما ولد وأينما وجد حق العودة، ويمنع هذا الحق عن الفلسطيني، صاحب الحق الحقيقي، ومالك الأرض والوطن.
ويعتبر أيضاً قانون الجنسية الإسرائيلي من أكثر قوانين الجنسية في العالم إغراقاً في العنصرية والتمييز العنصري، لأنه ينطبق فقط على اليهود، الدخلاء على فلسطين العربية، الغرباء عنها، ولا ينطبق على الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين، وأصحابها الشرعيين.
وشرّعت إسرائيل مجموعة من القوانين العنصرية لمصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها، ومنها قانون أملاك الغائبين، وقانون مناطق الأمن، وقانون استملاك الأراضي لعام 1953.
وطبّقت على العرب دون اليهود قوانين الطوارئ لعام 1945، التي شنتها حكومة الانتداب البريطاني لتطبِّق على اليهود والعرب. وفرضت بموجبها الحكم العسكري والاضطهاد القومي على مواطنيها العرب. ويبلغ عددها
(170) مادة، مارست إسرائيل بموجبها سياسة التمييز العنصري تجاه الفلسطينيين بانتهاكها الحقوق الأساسية للإنسان، والتي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والعديد من الاتفاقيات والعهود الدولية الأخرى.
وتنص المادة الثانية الفقرة (أ)، من العهد الدولي على مايلي: "تدين الدول الأطراف التمييز العنصري وتأخذ على عاتقها اتباع سياسة إزالة التمييز العنصري بكافة أشكاله. وتتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بعدم القيام بأي عمل أو ممارسة أي إجراء يتضمن تمييزاً ضد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص وبعدم رعاية التمييز العنصري الذي يمارسه أي شخص أو منظمة وعدم الدفاع عنه أو تأييده".
وتطالب المادة الثانية في الفقرة (ج) من الدول الموقعة تعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو لوائح يكون من نتائجها خلق أو إبقاء التمييز العنصري.
وتطالب نفس المادة في الفقرة (د)، باستخدام كافة الوسائل المناسبة لإنهاء التمييز العنصري، وتطالب الفقرة (هـ)، بإزالة الحواجز بين الأجناس وعدم تشجيع كل ما من شأنه تقوية الانغلاق العنصري.
سنت إسرائيل الكثير من القوانين والتشريعات التي تطبقها على مواطنيها الفلسطينيين فقط. لمصلحة مواطنيها اليهود. وتمارس التمييز العنصري من جراء تطبيق مثل هذه القوانين. وترعى منظمات قطعان المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتدعمها وتشجعها وتقدم إليها جميع أنواع المساعدات المالية والعسكرية بما فيها السلاح، للمحافظة على احتلال الأراضي العربية وتهويدها.
وتنص المادة الثالثة من العهد الدولي على تحريم الفصل العنصري وتقول:"تدين الدول الأطراف في هذه الاتفاقية وبصورة خاصة كلاً من العزل العنصري والتمييز العنصري وتتعهد بمنع وتحريم وإزالة كل ممارسة لها في المناطق الخاضعة لولايتها".
لقد ساد ويسود التعصب ومقاومة الاندماج والانعزال "الأوساط اليهودية"، في بلدان أوروبا الشرقية، وتعززت في نفوسهم مشاعر التفوق والاستعلاء لتشبعهم بالتعاليم التوراتية والتلمودية والصهيونية لمقاومة الاندماج وتحقيق الانغلاق العنصري والهجرة إلى فلسطين العربية.
وتعتبر الصهيونية أن الاندماج هو من أهم الأخطار التي تواجهها، لذلك نادى زعماؤها بأبدية اللاسامية. واستغلوا الهولوكوست للضغط والابتزاز والحصول على المزيد من الدعم المالي والسياسي لإسرائيل والمنظمات اليهودية وليس لضحايا النازية، بالرغم من أنهم تعاونوا مع النازية لتنظيف ألمانيا وأوروبا من اليهود، تحقيقاً للهدفين الصهيوني والنازي.
وترفض إسرائيل اندماج مواطنيها اليهود مع مواطنيها العرب. وتعتبر العرب مواطنين من الدرجة الثالثة، وتصادر أراضيهم وتنتهك حقوقهم الأساسية، وتعمل على تحقيق الانغلاق العنصري في التوظيف والسكن انطلاقاً من إيمانها بالأيديولوجية الصهيونية القائمة على النقاء والتفوق المزعوم للعرق اليهودي".
وانطلاقاً من الفصل العنصري الذي تؤمن به إسرائيل وتطبقه توجد فيها مدن بكاملها تمنع غير اليهودي من السكن فيها مثل كرمئيل. وتبني إسرائيل على الأراضي العربية الفلسطينية المصادرة أحياء مغلقة تمنع العرب من السكن فيها.
وأكد د.إسرائيل شاهاك، أستاذ الكيمياء السابق في الجامعة العبرية أن إسرائيل منذ احتلالها للقدس عام 1967، قد انتزعت الكثير من الأراضي الفلسطينية وبنت عليها أحياء لليهود فقط، وقال: "إن أحد قاطني القدس من غير اليهود، والمواطن الإسرائيلي غير اليهودي يمكن أن يكون عضواً في الكنيست أو ضابط شرطة أو جندياً لكنه محظور عليه سكن رامات اشكول"، (حي من الأحياء الاستيطانية في القدس العربية)(5).
وتدين المادة الرابعة من العهد الدولي كل دعاية وكل منظمة تقوم على أفكار، أو نظريات تدعو لسيادة جنس أو مجموعة أشخاص من لون أو أصل عنصري واحد، أو تحاول تبرير أو تعزيز الكراهية والتمييز العنصريين في أي شكل من الأشكال، وتعتبر نفس المادة أن كل نشر للأفكار القائمة على الاستعلاء أو الكراهية العنصريين أو التحريض على التمييز العنصري، وكذلك جميع أنواع العنف أو التحريض عليها ضد أي جنس أو مجموعة أشخاص ينتمون إلى لون أو أصل عرقي واحد، وكذلك تقديم أي مساعدة لنشاطات عنصرية بما في ذلك مساعدتها مادياً واعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
فما رأي أعضاء مجلس الأمن الدولي برفض تقديم الحماية للشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل تجاهه منذ تأسيسها وحتى اليوم؟
وما رأيهم في الاعتداءات المستمرة ليل نهار، التي يقوم بها المستعمرون اليهود تجاه الفلسطينيين في مدينة الخليل وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة وإطلاق الرصاص والقنابل عليهم وإتلاف محاصيلهم، وتقليع عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة، وتكسير زجاج عشرات الألوف من السيارات
الفلسطينية؟
وما رأيهم بالاغتيالات التي قامت وتقوم بها إسرائيل والمستوطنون للقيادات والكوادر ورؤساء البلديات الفلسطينية؟
وتدعم إسرائيل نشاطات وجرائم المستوطنين اليهود سياسياً ومادياً وعسكرياً. وتقدم لهم كافة أنواع الأسلحة وتسمح لهم بأخذ القانون بأيديهم ولا تمنع اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين.
وبموجب المادة الخامسة من العهد الدولي تتعهد الدول الأطراف بتحريم وإزالة التمييز العنصري بكافة أشكاله، وضمان الحق لكل إنسان بدون تمييز أمام القانون، والتمتع بالمعاملّة المتساوية أمام المحاكم، والحق بالسلامة الشخصيّة وبحماية الدولة ضد العنف أو الإيذاء البدني، والتمتع بالحقوق المدنية الأخرى كحق حرية الانتقال والإقامة داخل حدود الدولة، وحق مغادرة بلاده والعودة إليها، والحق بحرية الفكر، الضمير، والديانة والرأي والتعبير عنه، والمساواة في الأجور عن الأعمال المتساوية وفي التعويضات المادية والمناسبة.
أين هذه الحقوق في معاملة إسرائيل مواطنيها الفلسطينيين ومعاملة العرب في الأراضي العربية المحتلة؟ وتتعهد الدول الأطراف في العهد الدولي بموجب المادة السابقة باتخاذ إجراءات فورية وفعالة في مجالات التدريس والتعليم والثقافة والاستعلامات، من أجل مكافحة الأحقاد التي تقود إلى التمييز العنصري ومن أجل نشر أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة الخاص بإزالة كافة أشكال التمييز العنصري.
ويتميز التعليم في المدارس الإسرائيلية ببث روح الكراهية والبغضاء في نفوس التلامذة اليهود على العرب، وتشويه القومية العربية والتاريخ العربي وحضهم على الإيمان بالاستعمار الاستيطاني ومصادرة الأراضي العربية وترحيل العرب من فلسطين وتهجير اليهود إليها.
وتضع وزارة المعارف الإسرائيلية كتباً تشوه تاريخ فلسطين وتمحو ذكر العرب فيها. وتعمل على إقناعهم بسياسة الحروب والمجازر الجماعية تجاه العرب والتوسع والاحتلال وتهويد الأماكن العربية الإسلامية والمسيحية. وتعمل على طمس الثقافة العربية لدى التلامذة العرب.
وتنص المادة الثامنة من العهد الدولي على تأسيس لجنة لإزالة التمييز العنصري وتقديم تقرير سنوي حول أعمالها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وخلاصة القول تتوفر المفاهيم الأربعة للعنصرية، وهي: التفوق العنصري, والتمييز العنصري، والفصل العنصري، والتعصب العنصري، التي يحرِّمها ويدينها العهد الدولي في الأيديولوجية الصهيونية، وفي ممارسات إسرائيل. وبالتالي تنطبق المواد الواردة فيه على عنصرية الصهيونية وإسرائيل وتؤكد طابعهما العنصري.
إن اعتقاد الصهيونية وإسرائيل بنقاء العرق اليهودي، وتميزه بالتفوق والأخيار والذكاء يقود إلى الانعزال والانغلاق العنصري، وإلى ممارسة التمييز العنصري، ويقود الإيمان بوجود شعب يهودي عالمي واحد وبأكذوبة الحق التاريخي في "أرض الميعاد"، إلى تجميع أكبر عدد ممكن من يهود العالم في فلسطين وبقية المنطقة العربية واستباحة كل ماهو عربي لإقامة غيتو يهودي واحد ونقي، وبالتالي تحقيق الانغلاق والفصل العنصري على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وممارسة الإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري والإبادة الجماعية تجاهه كما يحدث حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تابعت الأمم المتحدة عملها النبيل في تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية و التمييز العنصري فأقرت في عام 1966، عهدين دوليين آخرين:
الأول: العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الثاني: العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى بروتوكول إضافي ملحق بهما.
وافقت الجمعية العامة على العهد الدولي الأول في كانون الأول العام 1966، ودخل حيز التنفيذ في 1976.
تنص المادة الأولى منه على أن لكافة الشعوب الحق في تقرير كيانها السياسي بحرية، وأنَّ لجميع الشعوب الحق في التصرف الحر في ثرواتها، ومواردها الطبيعية، وذلك بموجب الفقرتين الأولى والثانية من المادة الأولى. وتضمن المادة السادسة الحق في العمل لكل فرد، بينما تنص المادة السابعة على المساواة في الأجور والمكافآت عن الأعمال المتساوية القيمة.
وتنص بقية المواد على الحق في تأسيس النقابات والانضمام إليها وحق الإضراب، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، ووجوب جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً للجميع، وجعل التعليم الثانوي والفني والمهني متاحاً وميسوراً للجميع، وجعل التعليم العالي ميسوراً للجميع على أساس الكفاءة.
إن العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معاهدة دولية تلزم الدول الموقعة عليها بالامتثال إلى الأحكام الواردة فيها.
فهل تلتزم إسرائيل ببنود هذا العهد الدولي بالنسبة لمواطنيها العرب وفي داخل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة؟
إن الممارسات اليومية لقوات الاحتلال الإسرائيلية تجاه المدارس والجامعات الفلسطينية وإغلاقها شهوراً وأحياناً سنوات، وتغيير الكتب والمناهج الدراسية بما يخدم سياسة إسرائيل التوسعية والإرهابية والعنصرية، تفرض على مجلس الأمن الدولي التدخل لوقف انتهاكات إسرائيل لكافة مواد هذا العهد الدولي.
العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية:

ويتناول هذا العهد مع العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية بالتفصيل معظم الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويتناولان بعض الحقوق الإضافية وآلية عمل تتيح لأجهزة الأمم المتحدة الإشراف على أعمال الدول الأطراف فيهما. ويتمتعان بصفة إلزامية للدول الموقعة عليهما. وأنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لجنة معنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإشراف على تنفيذ الحقوق الواردة فيهما.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية في كانون الأول 1966، ودخل حيز التنفيذ عام 1976.
يبدأ العهد الدولي في مادته الأولى على النص أن لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير وحرية التصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية.
وتنص المادة الثانية على أن تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية باحترام الحقوق الواردة في مواد العهد الدولي لكل الأفراد الموجودين في إقليمها بدون تمييز.
وتنص المادة السادسة على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.
وتتطرق المادة السابعة إلى موضوع التعذيب. وتنص على أنه لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وتتضمن المادة الثانية عشرة حرية التنقل وحق اختيار محل الإقامة ضمن الإقليم وعدم حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلاده، أي ضمان حق العودة لكل فرد.
وتعترف المادة الثامنة عشرة بحق كل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة وحرية التعبير.
وتحظر المادة (20) أية دعاية أو أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي من شأنها أن تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
إن مبدأ المساواة وعدم التمييز مبدأ أساسي في العهدين الدوليين المذكورين لكل فرد بغض النظر عن لونه أو جنسه أو قوميته أو دينه. وتشمل الأحكام والحقوق الواردة فيهما، جميع الأفراد الذين يعيشون في الدولة التي وقعت العهدين أو الخاضعين لتلك الدولة (كالاحتلال)، كما أن أحكامهما ملزمة للدولة التي صدَّقت عليهما، وبالتالي تصبح الحقوق الواردة فيهما قانوناً في تلك الدول.
وشكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1968 لجنة للقضاء على التمييز العنصري بموجب العهد الدولي للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، للنظر في التقارير المقدمة من الدول الأعضاء بشأن التدابير التي اتخذتها الدول لتنفيذ بنود العهد الدولي.
وقررت الجمعية العامة تسمية الفترة الممتدة من العام 1973 إلى العام 1983 عقد مكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وطالبت الجمعية العامة من جميع الدول الأعضاء العمل على تشجيع حقوق الإنسان باستئصال العنصرية والتمييز العنصري والتصدي للسياسات العنصرية، وإنهاء النظم العنصرية وعزل وتفنيد المعتقدات المضللة التي تساهم في إيجاد العنصرية والتمييز العنصري.
وقررت الجمعية العامة إحياء ذكرى مجزرة شابفيل في جنوب أفريقيا التي ارتكبها نظام "الأبارتيد" في 21/آذار/ من كل عام.
وأدانت الجمعية العامة في 14/كانون الأول/ العام/1973، التعاون الوثيق بين نظام الأبارتيد العنصري في جنوب إفريقيا وإسرائيل.
وجاء في إعلان المكسيك الذي صدر عن المؤتمر العالمي للمرأة في الثاني من تموز/1975/، وجوب إزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي والصهيونية والفصل العنصري والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير(6).
وقررت قمة رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في كمبالا في الأول من آب 1975: "إن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زمبابوي وإفريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته".(7).
واتخذت الجمعية العامة في العاشر من تشرين الثاني العام 1975 القرار رقم 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، وجاء فيه: "إن الجمعية العامة تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".
وعبر القرار 3379 عن تضامن شعوب وحكومات العالم مع الموقف العربي العادل من الطبيعة العنصرية للصهيونية والكيان الصهيوني. وأظهر تفهم الأمم المتحدة إلى طبيعة الخطر الصهيوني الذي يهدد رخاء واستقرار شعوب الشرق الأوسط، ومستقبل البشرية جمعاء.
جاء القرار 3379 بعد تسعين عاماً، من تأسيس الصهيونية كأيديولوجية وحركة سياسية عالمية، منظمة وبعد ارتكاب إسرائيل لسبعة حروب عدوانية ومئات المجازر الجماعية وممارستها للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
واعتمدت الجمعية العامة في تشرين الثاني العام 1981، الإعلان المتعلق بالقضاء على جميع أشكال العنصرية والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. وينص على أنه: "لا يتعرض أحد للتمييز من قبل دولة أو مؤسسة أو مجموعة أشخاص على أساس الدين أو المعتقد".
واعتمدت الجمعية العامة في العاشر من كانون الأول العام 1984اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
هذه هي أهم العهود والمواثيق الدولية التي أنجزتها الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وترسيخ المبادئ الأساسية التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ تأسيس الأمم المتحدة وحتى انتهاء مرحلة الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على النظام العالمي الجديد وعلى مجلس الأمن الدولي.
فهل ستستمر الأمم المتحدة في تعزيز الحقوق الإنسانية للإنسان بدون تمييز باللون أو العرق أو المعتقد الديني أو السياسي، أم أن الولايات المتحدة ستكبح جماحها وتحول دون الاستمرار في الاتجاه الذي يعزز الإنسان وكرامته وحريته وإنسانيته، وخاصة فيما يتعلق بعنصرية الصهيونية وعنصرية إسرائيل وممارستها للإبادة الجماعية تجاه الشعب العربي الفلسطيني؟
انحازت الولايات المتحدة الأميركية إلى عنصرية الصهيونية وعنصرية إسرائيل وممارسة إسرائيل للإرهاب والاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية كسياسة رسمية، ونجحت بتاريخ 16/12/1991، في حمل الأمم المتحدة على اتخاذ قرار يلغي القرار 3379. ولكن إلغاء هذا القرار لا يلغي النضال ضد عنصرية الصهيونية وعنصرية إسرائيل، فالنضال ضدها لم يبدأ بقرار دولي كي ينتهي بقرار دولي. وإنما سيستمر مهما طال الزمن حتى القضاء على الطابع العنصري التوسعي والاستيطاني للصهيونية وإسرائيل.
¡
¡ المصادر:

(1)ـ الصهيونية والعنصرية، المجلد الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1977، ص19-20.
(2)ـ ن.بنتويش، آحادهاعام وفلسفته، 1929، ص113 نقلاً عن كتاب الصهيونية والعنصرية، مصدر سابق، ص20.
(3)ـ حقوق الإنسان بين المبدأ والتطبيق، إعداد د.مدثر عبد الرحيم الطيب، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت 1968، ص118.
(4)ـ المصدر السابق، المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.
(5)ـ د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس، دمشق 1988، ص 81-82.
(6)ـ أبحاث ندوة طرابلس، الصهيونية حركة عنصرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979، ص119.
(7)ـ المصدر السابق نفسه.

¡




- الأمم المتحدة والموافقة على القرار 3379
الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية



وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثلاثين عام 1975، على قرارين هامين القرار رقم 3376، والقرار رقم 3379، حول قضية فلسطين يتضمنان التأكيد على الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره وفي العودة إلى وطنه وحقه في الاستقلال الوطني والسيادة المستقلة.
وأكد القرار 3379على عنصرية الصهيونية وعلى أنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
جسّد القراران التأكيد العالمي على عدالة قضية فلسطين والنضال العربي من أجل عودتها إلى الأمة العربية وعلى عنصرية الصهيونية، وبالتالي عنصرية الكيان الصهيوني الذي يجسد الصهيونية فكراً وممارسةً.
وعبَّر القراران عن شرعية النضال العربي ضد الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ونتائجه، أي تدمير المستعمرات اليهودية التي أقامتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وشكلت الموافقة على هذين القرارين التقدم الإيجابي في الموقف العالمي بعدم الاستجابة إلى الضغط والابتزاز اليهودي وسيادة مبادئ المواثيق والعهود الدولية واتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949، ومبادئ القانون الدولي. وشكّلت نكسة في الهيمنة الأميركية والأوروبية على قرارات المنظمة الدولية، وأظهرت الموافقة النجاحات التي حققها الشعب الفلسطيني، والكفاح المسلح الفلسطيني على الصعيد الدولي وأن الولايات المتحدة الأميركية، العدو رقم واحد، والعدو الأساسي لقضية فلسطين وللعروبة والإسلام.
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية في العاشر من تشرين الثاني 1975بأغلبية 72 دولة واعتراض 35 دولة وامتناع 32 دولة عن التصويت.
وجاء فيه إن الجمعية العامة للأمم المتحدة "تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".
قادت عنصرية اليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني وتعاون الصهيونية مع النازية في ألمانيا، وتعاون إسرائيل مع النظم العنصرية والدكتاتورية في العالم وبشكل خاص نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا والنظام العنصري في ردويسيا، وممارسة حكام إسرائيل للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه وممتلكاته وفرض الحصار الغذائي والدولي والتخلف عليه وتدمير منجزاته ومحاصيله الزراعية، إلى اتخاذ القرار العالمي بمساواة الصهيونية بالعنصرية، على الرغم من أنها أسوأ وأبشع الحركات العنصرية التي ظهرت في تاريخ البشرية.
استمدت اليهودية عنصريتها من التعاليم التوراتية والتلمودية، في حين استمدت الصهيونية عنصريتها من عنصرية اليهودية والعنصرية الألمانية ومن مقولات وأهداف الاستعمار الاستيطاني في أوروبا.
القرارات الدولية التي استندت عليها الأمم المتحدة لاتخاذ
القرار 3379.


استندت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اتخاذ قرارها الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية إلى عدالة قضية فلسطين انطلاقاً من المبادئ الواردة في ميثاقها، وإلى النضال البطولي الطويل الذي خاضه الشعب الفلسطيني وكفاحه المسلح المشروع، وإلى التضحيات الجسيمة والمستمرة على امتداد مئة سنة، ووحشية الاستعمار الاستيطاني وبناء المستعمرات اليهودية، وتدمير المنجزات الفلسطينية، وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية كسياسة رسمية، وإلى تأييد دول عدم الانحياز والدول الاشتراكية وحركات التحرر الوطني في العالم لقضية فلسطين.
وتعتبر هذه العوامل من أهم الأسباب التي أدت إلى موافقة الأمم المتحدة على مساواة الصهيونية بالعنصرية، على الرغم من هيمنة الولايات المتحدة وهيمنة يهود أميركا على الإدارات الأميركية كافة.
برّرت الأمم المتحدة اتخاذ القرار 3379 بالعديد من القرارات التي اتخذتها، منها القرار 1904 بتاريخ 1963 بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والقرار رقم 3151 بتاريخ 14/كانون الأول/ 1973 حول إدانة التعاون الوثيق بين إسرائيل والنظام العنصري في جنوب أفريقيا.
واستندت إلى القرار الصادر عن المؤتمر العالمي للمرأة في المكسيك في الثاني من تموز 1975 وجاء فيه: "إن التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين وإزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري (أبارتيد)، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، والاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير".(1).
واستندت الجمعية العامة إلى قرار القمة الأفريقية الثانية عشرة في كمبالا في الأول من آب 1975 وجاء فيه: "إن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة (إسرائيل) والنظامين العنصريين الحاكمين في زيمبابوي وجنوب أفريقيا ترجع إلى أصل استعماري مشترك وتشكل كياناً كلياً ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته".(2).
واستندت أيضاً إلى الإعلان السياسي الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز في ليما عاصمة البيرو في 30/8/1975، وأدان بشدة الصهيونية بوصفها تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وطلب من جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الامبريالية(3).
وكان المؤتمر الدولي لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في جدة في المملكة العربية السعودية في أواخر آذار (1970)، قد أصدر بياناً جاء فيه إن المؤتمر "يستذكر الحركة الصهيونية بوصفها حركة عنصرية عدوانية توسعية معارضة لكل المثل العليا للبشرية، وخطراً دائماً على السلم العالمي"(4).
وانطلاقاً من مواقف المؤتمرات العربية والإسلامية والإفريقية، ودول عدم الانحياز اتخذت الأمم المتحدة القرار 3379 تعزيزاً للعهود والمواثيق الدولية التي اتخذتها الأمم المتحدة منذ تأسيسها. وتابع مؤتمر القمة الإسلامي جهوده في إدانة عنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني واتخذ في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الكويت، قراراً يندد بالحركة الصهيونية بوصفها حركة عنصرية عدوانية توسعية معارضة لكل المثل العليا للبشرية وخطراً دائماً على السلام العالمي.
وأشار القرار إلى إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وإلى القرار 3379، واستذكر البيانات الختامية للمؤتمرات الإسلامية لوزراء الخارجية في جدة، في آذار 1970، وفي كراتشي في كانون الأول 1970، وفي جدة في 30/كانون الثاني/1972، وقرار المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء الخارجية في استانبول في أيار 1976، الذي أدان الصهيونية كعقيدة استعمارية توسعية عنصرية امبريالية، ورأى فيها خطراً مباشراً يهدد الأمن والسلم الدوليين. وجاء في قرار القمة الإسلامية الخامسة في الكويت أن المؤتمر:
1ـ يؤكد من جديد أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري....
2ـ يقرر أن تقوم الدول الأعضاء بالعمل في نطاق الأمم المتحدة على التصدي للمحاولات التي تبذل لنقض قرار الجمعية العامة(رقم3379). (5).
لقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة النازية والعنصرية والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا، وإسرائيل وأينما وجدت. وأدانت التحالف والتعاون بين النظم العنصرية وبشكل خاص في القرار 3151، في كانون الأول عام 1973، وجاء فيه إدانة: "التحالف غير المقدس بين عنصرية جنوب أفريقيا وبين الصهيونية".(6).
ولكن إسرائيل والصهيونية والمنظمات اليهودية في العالم لم تتحمل قرار الأمم المتحدة لأنه وجه ضربة عادلة إلى صميم جوهر الصهيونية والكيان الصهيوني. لذلك جاء القرار موجعاً ومؤلماً للغاية لإسرائيل واليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية. فإدانة الصهيونية بالعنصرية والتمييز العنصري تعني إدانة الركيزة الأساسية التي قامت عليها إسرائيل، ويعني القرار وجوب إزالة الكيان العنصري اليهودي في فلسطين كما زالت النازية ومؤسساتها في ألمانيا ونظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا.
ردود الفعل المؤيدة للقرار 3379

رحبت الصحافة العربية ترحيباً حاراً بقرار الأمم المتحدة الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، واعتبرته إدانة عالمية لما تقوم به إسرائيل من عنصرية وإرهاب واستعمار استيطاني، وإبادة جماعية وتهويد للأراضي والمقدسات العربية والإسلامية. وأكدت أن ما تقوم به إسرائيل لا مثيل لـه في العالم على الإطلاق إلاَّ في النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وأن عنصرية إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي أسوأ وأخطر من عنصرية النازية في ألمانيا.
وأشارت الصحف والمجلات العربية إلى أن التفهم العالمي الواسع لقضية فلسطين جاء نتيجة للنضال البطولي والمقاومة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني. وطلبت من المنظمة الدولية إرغام إسرائيل على تنفيذ قراراتها وعدم الكيل بمكيالين.
وأكدت الأوساط السياسية والصحفية العربية أن تأييد المجتمع الدولي ومساندته للكفاح العادل الذي تخوضه الأمة العربية ضد الصهيونية ليس وليد سياسة الاستسلام والخضوع والمهادنة للامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أو نتيجة السير في التسوية الأميركية، وإنما أساسه ومنبعه الفعلي هو الصمود والتصدي، والكفاح المسلح والسياسي، للحصول على الأرض والحقوق العربية المغتصبة. واعتبرت أن القرار 3379 هزيمة نكراء للامبريالية والضغوط الأميركية والأوروبية.
وشذت صحف السادات كالأهرام والجمهورية والأخبار عن هذه القاعدة ولم تعلق على القرار، وثمّنتْ مجلة فلسطين الثورة، المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية في العدد 169، الصادر في 16 تشرين الثاني 1975، هذا الانتصار، وجاء في افتتاحية المجلة مايلي:
"جاءت القرارات التاريخية الثلاث التي أصدرتها الأمم المتحدة تتويجاً لكفاح الشعب الفلسطيني على مدى خمسين عاماً، وتدعيماً لصمود الثورة الفلسطينية في وجه الامبريالية والصهيونية، والثورة الفلسطينية وهي تقدِّر عالي التقدير هذا التكريس العالمي لعدالة كفاحها، وأهدافها، تجد في هذه القرارات التاريخية قفزة نوعية حققها الشعب الفلسطيني على أرض الصمود أولاً، فبالصمود البطولي وبالمبادرة الشجاعة، جعلت الثورة الفلسطينية من قضية فلسطين، قضية العالم بأسره. لقد صدر هذا القرار التاريخي رغم وقوف الامبريالية الأميركية بكل ثقلّها لمنع صدوره، وإننا في لحظة النصر، نرى في انتصار قضيتنا في أرفع منبر دولي انتصاراً لكل الشعوب المكافحة، وهزيمة مدوية للامبريالية ولكل أعداء الشعوب".
وأدلى الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية ببيان حول صدور القرار 3379 جاء فيه:
"إن قرار إدانة الصهيونية وفضحها كأحد أشكال التمييز العنصري يشكل إعلاناً دولياً شاملاً بأن الاغتصاب الصهيوني لفلسطين مرفوض من أساسه، ولا يمثل سوى عمل من أعمال القوى العنصرية البائدة في عالمنا، والتي تضمحل وتزول مع تقدم حركة الثورة ونضال الشعوب. إن الدول التي ساهمت في إنجاز هذا الانتصار الفلسطيني (العربي والدولي) كانت بموقفها الذي يدين الصهيونية تعلن بشكل قاطع، وواضح أن الأمم المتحدة لم تعد ميداناً للقوى الاستعمارية والعنصرية المتآمرة على إرادة الشعوب."(7).
ووزعت وكالة نوفوستي السوفيتية مقالاً كتبه فلاديمير سيمونوف حول القرار جاء فيه:"إن البلدان السبعين (72)، التي صوتت على هذا المشروع (مشروع القرار 3379)، قد تمكنت من إبراز الشيء الرئيسي في ذلك الركام من العقائد الشوفينية والدينية المتحجرة الذي يعرف منذ أواخر القرن التاسع عشر باسم الصهيونية. وإن الاعتراف بأن "العرق" اليهودي الواحد المزعوم "متفوق"، و"مختار من الله" هو الخط العريض لهذه النظرية المزيفة التي تعكس المصالح الطبقية للبرجوازية اليهودية الكبيرة.
وهكذا يمهد الطريق النظري إلى الخضوع السياسي للزعماء الصهاينة في تل أبيب من قبل جميع اليهود بملايينهم الأربعة عشر. إن التوأمين السياسيين، الفاشية والصهيونية، يذكران بالتوأمين السياسيين، فلهما عمود فقري مشترك من الادعاءات بالتفوق العنصري، وبمكان خاص تحت الشمس كنتيجة لذلك وواحدة هي أيضاً طريقة تطهير المجال الحيوي من الشعوب الأخرى، لأجل شعب الله المختار، وهي تتجلى بالإرهاب الذي يصل إلى درجة الإبادة الجماعية، وباشرت دولة "شعب الله المختار"، تأكيد تفوقها على أجساد العرب بواسطة النظرية العنصرية المقتبسة من النازية. وللمرة الثانية بعد الرايخ الثالث تصبح الإبادة الشاملة (الجماعية) سياسة للدولة. ويسعى المستوطنون (المستعمرون اليهود) الذين يعملون في ظل النجمة الزرقاء إلى تغيير طابع المنطقة والبنية الديمغرافية للسكان".
يعتبر القرار 3379 إدانة عادلة وإنسانية للأيديولوجية الصهيونية القائمة على العنصرية والإرهاب والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ونظرية المجال الحيوي ليهود العالم في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، من النيل إلى الفرات والتي تجسد عملياً السياسة العدوانية والتوسعية والاستعمار الاستيطاني لقادة إسرائيل وتحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية. ويشكل إدانة واضحة لحروب إسرائيل العدوانية والتوسعية واعتداءاتها المستمرة على لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي إدانة للخط العدواني والتوسعي الذي تسلكه إسرائيل تجاه البلدان العربية. ويعد القرار هزيمة لليهودية العالمية والامبريالية الأميركية. لذلك عارضته بشدة بالإضافة إلى إسرائيل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا الاتحادية.
وظهر الاستياء والغضب اليهودي والأميركي والأوروبي على القرار فتوعد اليهودي هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي مهدداً وقال: "هذا أمر لن يمر دون عقاب".
وأعلن الرئيس الأميركي فورد في 11 تشرين الثاني 1975 بأن حكومته تعارض بكل حزم القرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة وربطت فيه الصهيونية بالعنصرية.
وأدان مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع القرار وزعم بوقاحة منقطعة النظير أن القرار يشجع على اللاسامية.
ومزق مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، حاييم هرتسوغ نص القرار من فوق منبر الجمعية العامة وأصدر ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي بياناً احتج فيه على القرار. وزعم أن وصف الصهيونية بالعنصرية يمثل تحريضاً غير معقول، ويعني إنكار حق الشعب اليهودي في أن يكون لـه وطن ودولة.
ودعا غولدمان إلى التحرك ضد هذا القرار عن طريق إحياء النشاط الصهيوني وإعادة تأكيد التطابق الكامل لليهودية العالمية مع المثل الأعلى الصهيوني والحركة الصهيونية.
ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية القرار بأنه مستوحى من تعاليم هتلر، وأن الأمم المتحدة بتصويتها لمصلحة هذا القرار إنما دنست ضحايا النازية والتفرقة العنصرية.
وألقى الجنرال اسحق رابين (سفاح مجزرة جامع دهمش في مدينة اللد) أمام الكنيست كلمة قال فيها: "إن العاشر من تشرين الثاني 1970 سوف يسجل في التاريخ على أنه تاريخ صدور أشد القرارات مدعاة للاشمئزاز، وأنه يهدف إلى نسف حق إسرائيل الأخلاقي والشرعي في الوجود. واقترحت غولدامائير، رئيسة الحكومة الإسرائيلية أن يضع كل يهودي في العالم على صدره ميدالية مكتوب عليها "أنا صهيوني" تحدياً لقرار الأمم المتحدة.
واعتبر افرايم كاتسير، رئيس دولة إسرائيل وبوقاحة منقطعة النظير أن القرارات الثلاثة التي اتخذتها الأمم المتحدة معادية لليهود والصهيونية وإسرائيل. واعتبرت الوكالة اليهودية "أن القرار عنصري معادٍ للسامية ويشكل خطراً على الصهيونية".
¾
¡ المصادر

(1)- د. غازي حسين، الصراع العربي الإسرائيلي والشرعية الدولية، دار الكاتب العربي، دمشق 1995، ص 119- 120.
(2)- أبحاث ندوة طرابلس، الصهيونية حركة عنصرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979، ص 119.
(3)- مجلة المناضل، العدد 252، كانون الثاني 1999، ص 55.
(4)- مجلة قضايا استراتيجية، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، دمشق، العدد 5/2000، ص 128- 129.
(5)- الصراع العربي الإسرائيلي والشرعية الدولية، مصدر سابق، الملاحق ص 174.
(6)- الصهيونية والعنصرية بين الفكر والممارسة، مؤسسة الأرض، دمشق 1980، ص 99.
(7)- العالم يدين الصهيونية، منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة الإعلام الموحد 1975، ص 54.
(8)- المصدر السابق، ص 64- 66.

¾



- الولايات المتحدة الأميركية وإلغاء القرار رقم 3379

بناء على مساعي الولايات المتحدة الأميركية والضغوط المستمرة التي مارستها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وباسم النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، نجحت إدارة الرئيس بوش (الأب) في السادس عشر من كانون الأول العام 1991 على حمل الجمعية العامة على اتخاذ قرار يلغي قرار الجمعية العامة رقم 3379 الذي يعتبر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
نجحت الولايات المتحدة الأميركية، العدو الأساسي للعروبة والإسلام بحشد مئة وأحد عشر صوتاً لصالح قرار الإلغاء، واعترض عليه 25 دولة، بينها خمس عشرة دولة عربية من أصل الـ21، وامتناع 13 دولة من أصل 166 عضواً الأعضاء في الأمم المتحدة.
يتكون قرار الإلغاء من سطر واحد صاغه نائب وزير الخارجية الأميركي لورنس ايغلبيرغر: وفيما يلي نص القرار: "تقرر الجمعية العامة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379."
وكانت الدول التي تغيبت عن المشاركة في التصويت إرضاء لإسرائيل والولايات المتحدة هي: "مصر، المغرب، سلطنة عُمان، الكويت، البحرين، تونس، جيبوتي، تشاد، جزر القمر، غينيا الاستوائية، غينيا بيساو، النيجر والسنغال."
واعتبر الكيان الصهيوني إلغاء القرار 3379 نصراً تاريخياً، وهاجم الدول العربية التي عارضت إلغاء القرار.
وهنا يتساءل المواطن العربي وبحق! لماذا لم تلتزم الدول العربية السبع التي غابت عن التصويت بقرارات مؤتمرات القمم العربية والإسلامية؟ وبالموقف العربي الرسمي والشعبي، وحتى بقرارات المجموعة العربية في الأمم المتحدة بنيويورك بالدفاع عن القرار 3379 ومعارضة إلغائه؟
كيف يمكن للدول الأجنبية الصديقة أن تقف ضد إلغاء القرار عندما تجد أن دولاً عربية تتضامن فعلاً مع إلغائه، بل وترحب سراً بالإلغاء.
ومن المفجع والمخجل حقاً أن قرار إلغاء القرار 3379 في وقت تظهر فيه إسرائيل للعالم أجمع بأنها تمارس العنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية كسياسة رسمية، بل تصعد باستمرار من عنصريتها وإرهابها وسياسة الأرض المحروقة وبناء المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.
ويشكل الإلغاء لطخة عار في جبين الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة التي استجابت للضغط والابتزاز الأميركي والإسرائيلي.
استغلت الولايات المتحدة الأميركية النظام العالمي الجديد كي تقول خلافاً للحقائق والوقائع إن الصهيونية التي تعاونت مع النازية في ألمانيا والأبارتيد في جنوب أفريقيا ليست عنصرية، وإن الكيان الصهيوني لا يمارس العنصرية والإرهاب. وأجبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التخلي عن مبادئها وقراراتها وقناعاتها والنتائج التي توصلت إليها لجان التحقيق الدولية ولجنة ممارسة الشعب الفلسطيني للحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف، استجابة لهيمنة القطب الواحد على النظام العالمي الجديد، وعلى الأمم المتحدة وبشكل خاص مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة.
عندما وافقت الجمعية العامة على القرار 3379 بررته بالعديد من القرارات والعهود الدولية، ولكنها عندما اتخذت قرار الإلغاء لم تبرره ولا بكلمة واحدة أو بقرار واحد، وإنما اعتمدت على السيطرة الأميركية على النظام العالمي الجديد، وبالتالي على معظم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
إن النضال ضد عنصرية الصهيونية وإسرائيل لم يبدأ بقرار دولي كي ينتهي بقرار دولي؛ فإلغاء القرار لا يعني على الإطلاق أن الصهيونية تخلت عن العنصرية والتمييز العنصري، وأن إسرائيل تخلت عن الإبادة الجماعية والعنصرية في قوانينها وممارساتها.
هل فكَّرتْ الدول التي أيدت إلغاء القرار 3379 أن الصهيونية وإسرائيل لم تتخل عن عنصريتها بل زادت إسرائيل من الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية.
لِمَ تؤيد الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي عنصرية إسرائيل تجاه العرب، ولكنها تقيم الدنيا وتقعدها إذا اقتلع حجر من إحدى المقابر اليهودية في ألمانيا أو فرنسا؟
لماذا تحارب الولايات المتحدة والدول الأوروبية العنصرية في كل مكان في العالم وتدعم أو تسكت عن عنصرية إسرائيل الموجهة ضد العرب؟
إن سكوت المجتمع الدولي وتغاضيه عن عنصرية الصهيونية وممارسة إسرائيل للعنصرية والتمييز العنصري والإرهاب، كسياسة رسمية وعلنية ودائمة ومستمرة يظهر بجلاء كذب ورياء الدول الغربية في التحدث عن حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية، وعدم مصداقية الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. لماذا تؤيد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تهجير الصهيونية وإسرائيل يهود العالم إلى فلسطين، وترفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية الأخرى بخصوص حق العودة للشعب الفلسطيني إلى وطنه فلسطين؟ أليس هذا الموقف منتهى العنصرية والتمييز العنصري؟ إذ يسمح لأي يهودي لا يمت لفلسطين بصلة بالمجيء إليها، بينما لا يسمح لي أنا الفلسطيني المولود في سلمة- فلسطين، وطني ووطن آبائي وأجدادي بالعودة إليها؟ مع العلم بأن والدي يملك من الأراضي في تل أبيب أكثر مما يملكه وزراء شارون وقادة الجيش الإسرائيلي وزعماء العمل والليكود.
أليس هذا منتهى العنصرية والتمييز العنصري القائم على أساس الدين اليهودي والجنس العربي؟ لماذا تؤيد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي هجرة يهود العالم إلى فلسطين على حساب الحق والوطن والإنسان العربي؟
أليس هذا تمييزاً عنصرياً مقيتاً، بل أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري؟!!
إن إلغاء القرار هدية أميركية وأوروبية فرضتها واشنطون على الأمم المتحدة لمكافأة إسرائيل على تماديها في الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية، مما يدفعها إلى المزيد من التوسع والعدوان، لأن التبرئة الظالمة للصهيونية من العنصرية شجعها ويشجعها على المزيد من اضطهاد العرب وسرقة أراضيهم ومياههم، وانتهاك حقوقهم الوطنية وتدمير منجزاتهم.
ويجسد إلغاء القرار هزيمة للشرعية الدولية وللأمم المتحدة في تطبيق مبادئها وأهدافها الواردة في الميثاق، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بتحريم جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري على الصراع العربي- الإسرائيلي.
اعتبر معظم المعلقين الأميركيين أن الإلغاء انتصار كبير للصهيونية وللولايات المتحدة، ويرمز إلى بداية عهد جديد في الأمم المتحدة، وبعبارة أوضح تسخير الأمم المتحدة لخدمة الولايات المتحدة الأميركية وحروب إسرائيل العدوانية لإقامة إسرائيل العظمى في الوطن العربي.
لذلك صرح السكرتير الإعلامي في البيت الأبيض الأميركي قائلاً: "إننا نرحب بالاقتراع الذي تم اليوم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء الحكم العائد إلى عام 1975، والذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، حيث رفضت الولايات المتحدة هذا الحكم منذ اتخاذه، لأنه صنف الآمال القومية للشعب اليهودي ووجود إسرائيل القومي باعتبارها غير مشروعة."(1)
وأضاف الناطق الرسمي الأميركي قائلاً: "إن الرئيس جورج بوش ممتن لأن دعوته إلى الإلغاء في خطابه أمام الجمعية العامة في أيلول 1991 قد حظيت الآن بدعم الأكثرية الساحقة من الأسرة الدولية."
واتصل اسحق شامير، رئيس الحكومة الإسرائيلية هاتفياً بالرئيس الأميركي جورج بوش وأعرب لـه عن شكره وعن احترام الشعب الإسرائيلي لمساهمة الولايات المتحدة المهمة، وعن دوره الشخصي في مسعى إلغاء قرار الأمم المتحدة.
وصرح حاييم هيرتسوغ، رئيس دولة إسرائيل وقال: "إن إلغاء القرار هو نجاح للأمم المتحدة في تنظيف نفسها من عيب التصق بها وكان عاراً عليها."
وأعرب ديفيد ليفي، وزير الخارجية الإسرائيلي عن رأيه في "أن القرار انتصار كبير في يوم كبير للشعب والدولة."
وكان رد الفعل السوري على إلغاء القرار 3379 أهم وأصدق رد فعل عربي على الإطلاق، حيث أدان الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية السورية إلغاء القرار وقال: "إن إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية لم يلغ حقيقة وجود قوانين وتشريعات وإجراءات تمييزية في إسرائيل ما زالت سارية المفعول حتى الآن. وتابع الناطق الرسمي السوري كلامه قائلاً: "لقد صوت الوفد السوري ضد إلغاء القرار لمعرفته الأكيدة بأن الممارسات العنصرية ضد العرب في الأراضي العربية المحتلة قد تضاعفت وتصاعدت في السنوات الأخيرة عما كانت عليه الأحوال في عام 1975."(2)
وجسّد الموقف السوري الموقف العربي المبدئي في الدفاع عن قضية فلسطين ومصالح الأمة العربية.
وطالب فيصل الحسيني، رئيس مركز الدراسات الفلسطينية في القدس العربية إسرائيل أن تلغي قوانينها العنصرية وقال: "إن سياسة إسرائيل بقيت عنصرية وعدوانية وعليها أن تلغي قوانينها العدوانية والعنصرية ضد الفلسطينيين."(3)
وأصدرت اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية بياناً حول الحملة التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية، التي نهبت وتنهب النفط العربي وأمواله لتبرئة الصهيونية من العنصرية، والضغوط التي مارستها على الدول للموافقة على إلغاء القرار جاء فيه: "إن القرار 3379 كان خلاصة مئات القرارات الدولية التي وصفت جرائم الاستيطان العنصري الصهيوني، وأدانت احتلاله واستيطانه وانتهاكه حقوق الإنسان، ونقضه للاتفاقات الدولية، فإلغاؤه هو إلغاء تراث كبير من القرارات الدولية، وبالتالي تبرئة للاستيطان العنصري الصهيوني من جرائمه، وإسقاط لكل قرار تنديد بهذه الانتهاكات والجرائم في الأمم المتحدة. وإن إلغاء القرار هو تمييز عنصري ضد العرب، لأن العنصرية مدانة في كل مكان، ولكنها إذا مورست بأقبح أشكالها (من إسرائيل) ضد العرب فيجري تبرئتها."(4)
ودعت اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية في ختام بيانها إلى أوسع حملة لتعرية عنصرية الصهيونية، وسياسة الإرهاب والإبادة الجماعية والتمييز العنصري التي يطبقها ويمارسها الكيان الصهيوني.
وأصدرت سبعة اتحادات قومية عربية وهي: الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، الاتحاد البرلماني العربي، اتحاد الكتاب العرب، اتحاد المحامين العرب، اتحاد الطلاب العرب، اتحاد الشباب العربي واللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية، مذكرة أدانت فيها إلغاء القرار 3379، واقترحت خطة تحرك لمواجهة عنصرية الصهيونية والاستعمار الاستيطاني اليهودي في المجالين العربي والدولي. وأكدت المذكرة أن الصراع ضد عنصرية الصهيونية ومشروعها الاستيطاني العنصري المهدد للمصير القومي كله لم يبدأ بقرار دولي حتى ينتهي بقرار دولي، ولن يغير إلغاء القرار من الطبيعة العنصرية للصهيونية والكيان الصهيوني، أو من طبيعة الصراع التحرري ضد الاستعمار الاستيطاني العنصري، وأن إلغاءه استهدف تزييف طبيعة الصراع والقضية لإضفاء مشروعية مزيفة على الاستيطان العنصري الصهيوني، وهز مصداقية المنظمة الدولية عند العرب.
وأكد الأمين العام المساعد للجامعة العربية د. عدنان عمران، أن موافقة الجمعية العامة على إلغاء القرار الذي أصدرته عام 1975 هو سابقة خطيرة في تاريخ المنظمة الدولية، لأنه يفتح الباب أمام إلغاء قرارات أخرى عديدة تمثل مكاسب لشعوب العالم بأسرها، ويناقض قناعات المجتمع الدولي الذي استند في إصدار هذا القرار إلى الحقائق المتعلقة بالعقيدة الصهيونية وممارسات الإسرائيليين في المنطقة العربية وفي العالم، ويمثل مكافأة لممارسات إسرائيل القمعية وغير الإنسانية والعدوانية ضد الإنسان العربي.
قصّرت الدول العربية والقيادة الفلسطينية في ترسيخ القرار رقم 3379 على الرغم من تحذيرنا (اللجنة العربية في الدفاع عن القرار 3379) المستمر على عزم الولايات المتحدة على إلغائه.
ولم تبذل الجهود السياسية والإعلامية والدبلوماسية الكافية لدعمه وترسيخه في بلدان الاتحاد الأوروبي، مما سهّل على الولايات المتحدة حمل الجمعية العامة على إلغائه مكافأة لإسرائيل على عنصريتها ووحشيتها.
وأدى إلغاء القرار إلى تصعيد إسرائيل حملات الإبادة الجماعية للفلسطينيين واللبنانيين والعقوبات الجماعية والحصار والإغلاق وسياسة الأرض المحروقة. وشجعها الإلغاء على الاستمرار في قتل البشر والشجر والحجر وبناء المستعمرات اليهودية والإصرار على بقائها. وبالتالي تعتبر الولايات المتحدة شريكة لاستمرار إسرائيل في ممارسة الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية كسياسة رسمية.
إن إلغاء القرار 3379 يجسد انحياز النظام العالمي الجديد، الذي تنفرد الولايات المتحدة الأميركية بقيادته إلى الصهيونية والكيان الصهيوني، ويظهر معاداة الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي للأمة العربية، ويجسد خضوع الأمم المتحدة للابتزاز الأميركي والإسرائيلي، ويضفي الشرعية على الأساطير والخرافات والأطماع والجرائم الصهيونية. ويعني الدعم والتشجيع للاستعمار الاستيطاني اليهودي وترحيل العرب من وطنهم، وبالتالي يجسد أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري تجاه العرب. وإن تبرئة الصهيونية من طبيعتها وجرائمها وممارساتها العنصرية موقف عنصري وأبشع أنواع التمييز العنصري تجاه العرب. وإن إلغاء القرار سابقة خطيرة في تاريخ الأمم المتحدة والتعامل الدولي ومكافأة لقادة إسرائيل على الحروب العدوانية التي أشعلوها والمجازر الجماعية التي اقترفوها باسم النظام العالمي الجديد.
¾
¡ المصادر

(1)-مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 9، شتاء 1992، ص 242.
(2)-المصدر السابق، ص 227.
(3)-جريدة معاريف في 18/12/1991.
(4)-مجلة المناضل، العدد 252، كانون الثاني، 1992، ص 58-59.
rrr





الفصل الرابع



- التشابه والتعاون بين النازية والصهيونية

تقوم الصهيونية على أساس أن اليهودية ليست مجرد ديانة وإنما هي قومية غير منفصلة عن اليهودية، وأن اليهودية هي الوجه الديني للصهيونية، و"إسرائيل" هي التجسيد العملي للصهيونية وللوجهين الديني والسياسي لليهودية، ودولة جميع اليهود في العالم وأن "أرض الميعاد" هي من النيل إلى الفرات.
وتعتبر مقولة شعب الله المختار المرتكز الأساسي لعنصرية اليهودية وعنصرية الصهيونية والتي رسّختْ وترسخ في أذهان اليهود، أنهم شعب الله المختار وأنقى الأعراق وأذكاها والنخبة بين بني البشر. وتمتلئ التوراة والتلمود بمقولات الاختيار والتفوق والنقاء العنصري وبقصص الإبادة الجماعية تجاه الشعوب الكنعانية والثأر والانتقام منهم والكذب على غير اليهود والغدر بهم والاستعلاء عليهم. وتؤكد الصهيونية على العنصرية والتمييز العنصري من خلال الزعم أن يهوه خصّ اليهود بالتفوق والنقاء العنصري، لذلك تحض اليهود على عدم الاندماج بالشعوب الأخرى أو الزواج منهم، وحرمت الزواج المختلط وحضت على الانعزال والهجرة إلى فلسطين وترحيل العرب منها.
فالتوراة والتلمود تعجان بالأفكار العنصرية وكراهية جميع البشر غير اليهود والدعوة لإبادتهم وإخضاعهم وفرض السيطرة عليهم بالقوة، إذ لا خلاص لليهود بحسب تعاليمهم الدينية إلا باستئصال جميع الشعوب من المنطقة العربية والعالم، التي تزاحمهم على النفوذ السياسي والعسكري والسيطرة على الثروات الطبيعية وفرض سيطرة اليهودية على العالم.
إن كراهية اليهود وحقدهم على الشعوب واعتقادهم بالتفوق والنقاء والتميز، وحب الانتقام منهم وكسر شوكتهم واحتقارهم وإذلالهم والاستعلاء عليهم واعتبارهم حيوانات على هيئة بشر لخدمة اليهود واستباحة حياتهم، وأملاكهم وأموالهم يظهر بجلاء خطورة الصهيونية على البشرية جمعاء ويبرر موقف الشعوب الأخرى في التصدي لليهودية والصهيونية. وتميز اليهودية حتى بين أرواح البشر وتعتبر أرواح اليهود أفضل من سائر الأرواح البشرية لأنها جزء من العزة الإلهية وعزيزة عند "الله"، بينما الأرواح غير اليهودية تشبه أرواح الحيوانات، بينما روح اليهودي عند "الله" أهم من أرواح الملائكة، لذلك ينص التلمود على أن الله خلق الأجنبي أي غير اليهودي على هيئة إنسان لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا بما بها من أرض وثروات وأموال من أجلهم فقط. وأدى إيمان اليهود بالتفوق إلى حمل الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني على تبني أفكار التفوق والتمييز والكراهية والانغلاق العنصري، والترويج لها وممارستها على العرب في فلسطين وفي بقية المنطقة العربية.
إن العنصرية هي اعتقاد شعب من الشعوب أو عرق من الأعراق بأنه يتفوق على غيره من الشعوب أو الأعراق بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين.
ويقود الاعتقاد بالتفوق لدى شعب من الشعوب أو عرق من الأعراق إلى التميز والتعالي على بقية الشعوب أو الأعراق، فينظر إليها نظرة استعلاء وتميز وازدراء. وتقود العقيدة العنصرية إلى استخدام العنف والإرهاب والإبادة الجماعية والحروب العدوانية لتفرض تفوقها وهيمنتها على الآخرين، وتقيم نظمها السياسية وأطرها القانونية وممارساتها على أساس التمييز العنصري. وتثير العنصرية الكراهية والبغضاء بين الشعب المتفوق وغيره من الشعوب وحتى بين أبناء الشعب الواحد، تماماً كالنازية في ألمانيا والأبارتيد في جنوب أفريقيا والصهيونية في فلسطين.
وتستخدم إسرائيل صناعة الهولوكوست كوسيلة للاستغلال والابتزاز المالي والسياسي والإعلامي، وللتمويه والتضليل على الأهداف الحقيقية لليهودية العالمية، ولخداع شعوب العالم واستغلالها والكذب عليها. وتستغل آلام وأرواح المعذبين من المعادين للنازية وفقراء اليهود غير الصهاينة للحصول على تعويضات إضافية وأسلحة مجانية نووية وكيماوية وتقليدية وتكنولوجيا عسكرية متطورة من ألمانيا لا يستفيد منها ضحايا النازية بشيء على الإطلاق وإنما تزيد من طاقات إسرائيل الإرهابية والعسكرية والاقتصادية وبناء المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة والهيمنة على البلدان العربية.

وتسخّر المنظمات اليهودية في العالم القوة الأخلاقية للهولوكوست لتحقيق الابتزاز السياسي للحكومات والأحزاب والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية في جميع أنحاء العالم، وللسماح للموساد بحرية العمل كما يعمل داخل إسرائيل.
وأصبح التذكير بالهولوكوست الذي لن يتكرر على الإطلاق لا في ألمانيا ولا في غيرها من البلدان، يخدم بالدرجة الأولى إبعاد الأنظار عن ممارسة إسرائيل للإبادة الجماعية تجاه العرب في فلسطين وجنوب لبنان، وعن الاستعمار الاستيطاني اليهودي عن تهويد المقدسات العربية الإسلامية منها والمسيحية. وبالتالي يخدم التذكير الدائم به عدم توجيه الإدانة والاستنكار لإبادة إسرائيل للشعب العربي الفلسطيني، وتذويبه وتهويد وطنه والتغطية على انتهاكها وانتهاك الولايات المتحدة لحقوق الإنسان وممارسة العنصرية والإرهاب واضطهاد الشعوب وسرقة ثرواتها كسياسة رسمية للدولتين الحليفتين.
تعاونت الصهيونية مع الحركات اللاسامية ومع النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، وتعاون الكيان الصهيوني مع العنصريين في جنوب أفريقيا. وتمارس إسرائيل جرائم الحرب والجرائم ضد السلام وضد الإنسانية بشكل أبشع وأشمل وأعم من الجرائم التي مارستها ألمانيا النازية ضد المعادين لها وضد فقراء اليهود غير الصهاينة.
جاءت المساعدات لفقراء اليهود غير الصهاينة إبان حكم ألمانيا النازية من الوطنيين في ألمانيا وبولندا وفرنسا ودول الاتحاد السوفييتي، وليس من جانب الحركة الصهيونية والقادة اليهود الصهاينة. ووجدت الحركة الصهيونية والقادة الصهاينة والأغنياء اليهود قواسم مشتركة مع قتلة اليهود والمعادين للنازية، في قمعهم وتعذيبهم وقتلهم بواسطة المجالس اليهودية والشرطة اليهودية والغستابو اليهودي. تعاونت الوكالة اليهودية في فلسطين بزعامة بن غوريون مع ألمانيا النازية لتنظيف ألمانيا من اليهود وتهجيرهم سراً إلى فلسطين لإقامة "إسرائيل الكبرى" في الوطن العربي.
وسكتت الحركة الصهيونية العالمية عن التعاون التعاقدي بموجب اتفاقية هافارا بين ألمانيا النازية والوكالة اليهودية في فلسطين. وبالتالي أطبقت فمها عن الجرائم التي كان يرتكبها هتلر ضد فقراء اليهود لإنجاح الهجرة اليهودية إلى فلسطين العربية. وبالفعل نجحت هجرة اليهود الألمان وأموالهم في تأسيس المستعمرات اليهودية في فلسطين وإنجاح الاستعمار الاستيطاني فيها. وظهر بجلاء الوجه اللاإنساني والوحشي للنازية والصهيونية تجاه العرب، وأن صهيونية بن غوريون وموشي شاريت تسير جنباً إلى جنب ويداً بيد مع نازية هتلر ووحشيته. وزعمت بعض الأوساط الصهيونية أن البولونيين والروس هم الذين قتلوا اليهود غير الصهاينة وليست ألمانيا النازية، وتجنوا على جميع الشعوب الأوروبية التي ناهضت النازية وحمتْ الكثير من يهود أوروبا من الملاحقة والاضطهاد.
قامت النازية على أساس فكرة تفوق العرق الآري بالنقاء والذكاء عن بقية الأعراق في العالم. وعملت على المحافظة على نقائه وانغلاقه العنصري وممارسة العنصرية والإرهاب تجاه الشعوب الأخرى. ومنعت الزواج المختلط وتناسل المشوهين والمعاقين وشجعت على كثرة التناسل والإنجاب بين الشبان والشابات الشقراوات لزيادة العنصر الآري.
وتقوم الصهيونية على أساس تفوق اليهود بالذكاء والنقاء والاختيار الإلهي على غيرهم من الشعوب وتؤمن بوجود عرق يهودي نقي متفوق ومتميز، لذلك عممت بين أوساط الجاليات اليهودية فكرة وجود شعب عالمي يهودي وفكرة الولاء المزدوج مع أولوية الولاء للحركة الصهيونية، ومقولات وأفكار التميز والانغلاق العنصري ومنع الزواج المختلط وتنظيف ألمانيا وأوروبا من اليهود وترحيلهم إلى فلسطين العربية وترحيل العرب منها، وإقامة غيتو يهودي كبير ومنعزل للهيمنة على ثروات المنطقة العربية وإنجاح الاستعمار الاستيطاني اليهودي والمستعمرات اليهودية وخدمة الامبريالية العالمية وعرقلة وحدة وتطور وتقدم وازدهار واستقرار البلدان العربية.
ونادت النازية بنظرية "المجال الحيوي" لألمانيا في أوروبا، أي بحق ألمانيا بالتوسع على حساب البلدان الأوروبية واستغلال شعوبها وثرواتها لمصلحة ألمانيا النازية، وانطلاقاً من نظرية "المجال الحيوي" ضمت ألمانيا النازية النمسا ومنطقة السوديت في تشيخيا عام 1938. واحتلت بولندا عام 1939 وأشعلت نيران الحرب العالمية الثانية واحتلت معظم البلدان الأوروبية تحقيقاً لنظرية "المجال الحيوي".
وتنادي اليهودية العالمية والكيان الصهيوني بوجوب إقامة "إسرائيل الكبرى" الجغرافية أو "إسرائيل العظمى" الاقتصادية من النيل إلى الفرات وبنظرية "المجال الحيوي لليهود" في ما يسمونه "ارض الميعاد" والتي تحددها التوراة بحسب أقوالهم من النيل إلى الفرات. وترفع نظرية "الحدود التوراتية" و"أرض الميعاد" أرض الآباء والأجداد ونظرية الحدود الآمنة كغطاء للتوسع الإقليمي على حساب فلسطين والبلدان العربية المجاورة لها. وتشعل الحروب العدوانية وتقيم المستعمرات اليهودية وتهجّر يهود العالم إلى فلسطين، وتعمل على تهويدها وترحيل العرب منها وتدمير المنجزات العربية وسرقة الأرض والتربة والمياه والثروات العربية، لمصلحة المستعمرين اليهود القادمين من جميع بلدان العالم. ومن اللافت للنظر أن إسرائيل لم تضع دستوراً لها حتى اليوم ولم تعين حدودها حتى الآن.
وتسن القوانين فيها على أساس الدين اليهودي، أي على أساس ممارسة العنصرية والتمييز العنصري. لقد انعكس إيمان وتفوق وعبقرية العرق الآري على سياسات وممارسات ألمانيا النازية. فاضطهدت جميع المعادين للنازية من ألمان وفرنسيين وبولونيين وروس ويهود غير صهاينة يحملون جنسيات مختلفة. وارتكبت الحروب المفاجئة والمجازر الجماعية، وأقامت معسكرات الاعتقال للمعادين لها.
وانعكس إيمان اليهود بالتفوق والتميز والاختيار والنقاء العنصري على سياسات وممارسات إسرائيل، وليدة الاستعمار والصهيونية والهجرة اليهودية وترحيل العرب، فارتكبت الحروب العدوانية والتوسعية في أعوام 1948 و1956 و1967 و1978 و1982 و1993 و1996. وقامت بالمجازر الجماعية ومعسكرات الاعتقال، وتفرض العقوبات الجماعية باستمرار على الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن النظم العنصرية والفاشية في أي بلد كان تمارس أعمال العنف ضد المعادين لها وتشن الحروب العدوانية والتوسعية والمفاجئة لتحقيق نظرية "المجال الحيوي" للعرق أو الشعب المتفوق.
فالتشابه النظري بين النازية والصهيونية يؤدي إلى التعاون والتشابه في الأساليب والأفعال. استخدمت ألمانيا النازية الإرهاب والحروب المفاجئة لتؤكد تفوق وسيطرة وأفضلية العرق الآري ولتبرير استغلال واستعباد واضطهاد الشعوب الأوروبية.
وتستخدم إسرائيل العنف والإرهاب والمجازر الجماعية لتؤكد تفوقها وهيمنتها ولإقامة إسرائيل الكبرى. ويقوم مجرمو الحرب في إسرائيل بارتكاب جرائم بحق العرب أسوأ مما كان يفعله النازيون بفقراء اليهود غير الصهاينة، وبدلاً من أن يتعظوا ويتعلموا من جرائم النازية ارتكبوا ويرتكبون بحق العرب أسوأ بكثير مما ارتكبه الأوروبيون بحق اليهود في أوروبا. ويطبقون العنصرية والتمييز العنصري والإبادة الجماعية بحق الشعب العربي الذي حماهم من الاضطهاد في إسبانيا وفتح أبواب البلدان العربية على مصراعيها لهم.
طالبت النازية بولاء جميع الألمان لها أينما كانوا في الداخل وفي الخارج. واعتبرت نفسها ممثلة لجميع الألمان حتى خارج ألمانيا. وتنادي الصهيونية بعالمية الشعب اليهودي وبازدواجية ولاء اليهود خارج إسرائيل مع أولوية الولاء لها ولإسرائيل. وتدعي إسرائيل حق تمثيل جميع اليهود في العالم الأحياء منهم والأموات، لذلك تلقت وتتلقى التعويضات الألمانية المالية والعسكرية عن ضحايا النازية الذين لاقوا حتفهم قبل تأسيسها، وبالتالي لم يكونوا من رعاياها في يوم من الأيام، مما يعد مخالفة فاضحة لمبادئ القانون الدولي.
واستغلت وتستغل النظم العنصرية المستوى الرفيع الذي وصلت إليه في ميادين العلم والتكنولوجيا لتضع حول نفسها أسطورة التفوق والذكاء وتحقيق المعجزات ولا يمكن قهرها أو التغلب عليها.
سبق وأن اعتقد هتلر بذلك بعد التطور الصناعي الهائل الذي أحرزته ألمانيا النازية ولكنه لاقى مصيره المحتوم. واعتقدت الولايات المتحدة في كوريا وفيتنام بذلك، ولكنها لاقت مصيرها المحتوم على أيدي الشعبين الكوري والفيتنامي. ويعتقد الإسرائيليون بذلك وكادوا أن يلاقوا مصيرهم المحتوم في حرب تشرين التحريرية لولا تدخل الولايات المتحدة الأميركية المباشر في الحرب بجانب إسرائيل، ولاقوا مصيرهم المحتوم في جنوب لبنان على أيدي أبطال حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية.
وتتعاطف الحركات العنصرية مع بعضها بعضاً، نظراً للتشابه النظري بينها والمصالح المشتركة التي تجمعها. حدث هذا في ألمانيا النازية إبان حكم هتلر، فقدّم المساعدات العسكرية الضخمة للفاشست الإسبان إبان حكم فرانكو وللفاشست الطليان إبان حكم موسوليني، وحدث هذا التعاون بين نظام الأرباتيد في جنوب أفريقيا والعنصريين البيض في روديسيا.
وتقوم إسرائيل بمساعدة الحركات العنصرية والفاشية أينما وجدت. فقدمت المساعدات للفاشست في تشيلي وإلى سوموزا، جزار الشعب النيكاراغوي. وأقامت أوثق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والنووية مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا ومنظمات المافيا في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت الصهيونية قد تعاونت مع ألمانيا القيصرية لخدمة مصالحها في القدس وفلسطين وبقية البلدان العربية. وتعاونت مع ألمانيا النازية بضوء أخضر من هتلر نفسه. وبدأت الاتصالات أيام تيودور هرتسل عندما قابل قيصر ألمانيا وطلب منه التوسط لدى تركيا لإعطاء فلسطين العربية لليهود. وبالفعل توسطت ألمانيا لدى تركيا لمصلحة الحركة الصهيونية، ولكن تركيا رفضت تحقيق الأهداف الصهيونية في فلسطين.
ووضعت الحركة الصهيونية نفسها في خدمة الأهداف الألمانية. وكانت اللغة الألمانية هي اللغة الرسمية في المؤتمرات الصهيونية. وانتقل مركز المنظمة الصهيونية العالمية إلى العاصمة الألمانية برلين ثم إلى كولونيا. وكانت السفارة الألمانية في تركيا تسمح للصهاينة باستعمال الشيفرة الألمانية في نقل برقياتهم من تركيا إلى مركز الحركة الصهيونية في ألمانيا.
وتجلى التعاون بين ألمانيا النازية والوكالة اليهودية بأجلى مظاهره بتوقيع اتفاقية هافارا بين وزارة الاقتصاد النازية والوكالة اليهودية لتحويل أموال أغنياء اليهود على شكل بضائع ألمانية إلى فلسطين، ومقاومة اندماج اليهود وعزلهم وتقوية الصهيونية بين أوساطهم، وتنظيف ألمانيا وأوروبا منهم، والتعاون لإدخالهم سراً إلى فلسطين بمساعدة ألمانيا النازية.
وعندما طالب الحزب النازي بإلغاء اتفاقية هافارا، وثار النقاش والجدل والخلاف حولها في ألمانيا تدخل أدولف هتلر شخصياً وحسم الخلاف وقرر استمرار دعم ألمانيا النازية للاتفاقية.
واستمرت العلاقات الجيدة بعد الحرب العالمية الثانية بين إسرائيل وألمانيا الاتحادية. فوقعت ألمانيا الغربية مع المؤتمر اليهودي العالمي اتفاقية التعويضات الألمانية عام 1952. وتلقت إسرائيل والمنظمات اليهودية ويهود أوروبا الشرقية وأحفادهم تعويضات زادت عن (200) مليار مارك وصفقات أسلحة مجانية عام 1965، وبطاريتي صواريخ مضادة للصواريخ أثناء حرب الخليج وحمولة (100) سفينة من أحدث أسلحة جيش ألمانيا الشرقية وغواصتين نوويتين.
إن الاعتداءات والحروب التي شنتها ألمانيا النازية وإسرائيل والمجازر الجماعية التي اقترفتها الدولتان العنصريتان تحتاج إلى قوة عسكرية ضخمة ومجتمع عسكري والإيمان بوضع القوة فوق الحق والقانون والعدالة. ففي ألمانيا النازية كانت هناك فرق إس.إس. وفرق إس آ. ومنظمة الشبيبة العسكرية والحزب النازي وكلها إما مؤسسات عسكرية أو شبه عسكرية.
وأقامت الحركة الصهيونية ثلاث منظمات عسكرية إرهابية قبل تأسيس إسرائيل وهي الهاغانا وشتيرن والأرغون اندمجت كلها فيما بعد وكونت الجيش الإسرائيلي.
وأسست إسرائيل لطلبة المدارس من سن 13-17 كتائب الجدناع ويتلقى أعضاؤها التدريب العسكري والثقافة العسكرية، وكتائب الناحال لتضم الشباب الذي يلتحق بها بدافع الإيمان. وتقوم بالإنذار والحشد والتموين وإقامة المستعمرات الاستراتيجية على الحدود والدفاع عنها.
وساعدت الانتصارات العسكرية التي حققتها ألمانيا النازية في البداية والانتصارات التي حققتها إسرائيل في حروبها العدوانية على عسكرة المجتمع في ألمانيا النازية وإسرائيل والعمل على تهويد الأراضي العربية المحتلة.
وتقوم استراتيجية إسرائيل على تحقيق الاستعمار الاستيطاني في أرض الميعاد المزعومة من النيل إلى الفرات. لذلك طلب مجرم الحرب والسفاح شارون من الإسرائيليين التوجه إلى المناطق الفلسطينية المحتلة والاستيلاء على قمم التلال وإقامة المستعمرات اليهودية عليها. وبالفعل نفذ الإسرائيليون ما طلبه شارون وأقاموا (25) مستعمرة يهودية جديدة.
وعلى الرغم من التشابه النظري والعملي والتعاون بين النازية والصهيونية تستخدم إسرائيل صناعة الهولوكوست والنازية واللاسامية سلاحاً حاداً في وجه كل من ينتقد سياسة إسرائيل الإرهابية والعنصرية والتوسعية وتتهمه بالنازية واللاسامية وتحاربه وتقضي عليه أو تبتزه لخدمة الأهداف الصهيونية.
وعندما تتوجه الانتقادات لإسرائيل على الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني ترفع الجاليات اليهودية سلاحاً حاداً في وجه المنتقدين وهو أن "معاداة الصهيونية تعني اللاسامية"، لممارسة الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي في البلدان الأوروبية.
إن معاداة الطبيعة العنصرية والإرهابية والتوسعية والاستعمارية للصهيونية والكيان الصهيوني شيء واللاسامية شيء آخر. ونؤكد بأننا كعرب نعادي ونقاوم اللاسامية بصفتنا عرباً ساميين، ولأننا نعادي جميع الحركات العنصرية.
إننا ضد الصهيونية وضد اللاسامية وجميع الحركات العنصرية أينما وجدت، وإن معاداتنا للصهيونية لا تعني أبداً بأننا مع اللاسامية بل العكس هو الصحيح، بمعنى أن الصهيونية تعاونت مع الحركات اللاسامية ومع الاستعمار والنازية واستفادت وتستفيد منها لخدمة أغراضها وتلميع وجه إسرائيل القبيح
إن الصهيونية واللاسامية والنازية حركات عنصرية، وإن العوامل التي ساعدت على ظهور النازية هي العوامل نفسها التي ساعدت على ظهور الصهيونية وبقية الحركات العنصرية وهم من نتاج المجتمعات الأوروبية القائمة على الاستغلال والاضطهاد والاستعمار والعنصرية.
وتنطلق الصهيونية والنازية واللاسامية من أن اليهود في كل بلد من بلدان العالم عنصر أجنبي ومختلف عن بقية سكان البلد، لذلك تعارض اندماج اليهود وتدفعهم للهجرة إلى فلسطين وترحيل العرب منها.
وخدمت النازية أهداف الحركة الصهيونية لأنها خلقت أجواء عدم الاطمئنان لدى فقراء اليهود لعزلهم وحملهم على الهجرة مما يشكل القواسم المشتركة بينها وبين الصهيونية. لذلك لم تناهض الحركة الصهيونية في يوم من الأيام الحركات اللاسامية والنازية بل كانت تتعاون معها.
لذلك أكد هرتسل في كتابه "دولة اليهود" أنه: "لولا العداء للسامية لما كنا أو بقينا يهوداً، فأعداء السامية هم الذين جعلوا من اليهود شعباً واحداً على الرغم عنهم، وإنْ لم يكن العداء للسامية موجوداً فمن الواجب استنباطه والإبقاء عليه كشرط لوحدة اليهود وشعورهم بيهوديتهم والحفاظ على كيانهم الانعزالي الخاص."
واعتبر العديد من المفكرين في أوروبا "أن اللاسامية هي الحجر الثاني في بناء "الايديولوجية الصهيونية". وتستغل الصهيونية الأوروبية المنشأ والأهداف التربة الخصبة المعادية للعرب والمسلمين في أوروبا، وتزعم أن إسرائيل واحة من الديمقراطية والتقدم في وسط غابة من الجهل والهمجية والتخلف، وأنها امتداد للغرب والنفوذ الغربي والحضارة الغربية. وبالتالي لا نواجه إسرائيل واليهود فقط، بل تفرض علينا اليهودية العالمية مواجهة الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية لأنها تغذي العداء للعروبة والإسلام في هذه البلدان.
ولقد أظهرت ذلك بجلاء حرب حزيران العدوانية عام 1967 ومصادرة الأراضي والثروات العربية وتهويدها وبناء المستعمرات اليهودية وتهويد الأراضي والمقدسات العربية وترحيل العرب، وتصوير حرب إسرائيل المفاجئة والمخططة بالدفاع عن النفس ووصف إسرائيل المعتدية بالمعتدى عليها ووصف الضحية بالمعتدي. وعندما لم تستطع أجهزة الإعلام الأوروبية الاستمرار في هذه الأكذوبة أخذت تحتفل بالنصر الإسرائيلي وبشكل خاص الحركات اللاسامية لأن النصر الإسرائيلي أكد مقولتها مقولة "التفوق العنصري".
إن الاستعلاء والتميز والنقاء والانغلاق العنصري من أهم سمات النازية والصهيونية، فالعنصرية هي العنصرية سواء في ألمانيا أو في جنوب أفريقيا، أو في إسرائيل. فالأيديولوجيات العنصرية تؤمن بعدم المساواة بين الشعوب وأن هناك شعوباً أسمى وأنقى وأذكى من غيرها من الشعوب. اعتقدت بذلك النازية في ألمانيا، والأبارتيد في جنوب أفريقيا، ولاقتا مصيرهما المحتوم. وتعتقد الصهيونية في فلسطين بذلك ولكنها ستلاقي مصيرها المحتوم كمصير النازية في ألمانيا.
- عنصرية إسرائيل

ورد في بيان "الاستقلال" أول وثيقة صدرت عند قيام الكيان الصهيوني في 14 أيار 1948 "إن مذهب الصهيونية سيكون الأساس للأيديولوجية والسياسة الإسرائيلية"، مما أكد بجلاء أن عنصرية الصهيونية أي التفوق والتميز والانغلاق اليهودي قد اصبح عقيدة رسمية لدولة اليهود وجزءاً لا يتجزأ من مواقفها وممارساتها وأهدافها، وبالتالي أصبحت عنصرية الصهيونية سياسة رسمية في إسرائيل.
نسفت عنصرية الصهيونية اندماج اليهود في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها. واستخدمت الصهيونية أساليب الترغيب والترهيب وكافة أساليب الضغط والابتزاز والعنف الأخرى ضدهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين العربية وترحيل العرب منها.
وشجّعت التيارات المعادية للسامية وتعاونت معها للحيلولة دون حل ما سُمي بالمسألة اليهودية ضمن إطار ديمقراطي وإنساني. واستخدمت الإرهاب تجاه العرب في فلسطين للحيلولة دون تعايش المهاجر أي المستعمر اليهودي مع المواطن العربي للمحافظة على النقاء العنصري للمجتمع اليهودي ولإقامة غيتو يهودي قوي في الوطن العربي.
وأصرت على إقامة دولة لليهود مغتصبة على أرض فلسطين العربية بقوة السلاح والهجرة اليهودية وترحيل العرب وتحقيق الاستعمار الاستيطاني. وأصبح الاستعمار الاستيطاني اليهودي (والمستعمرات اليهودية) ملتصقاً بالطابع العنصري للكيان الصهيوني.
وتنطلق عنصرية الكيان الصهيوني من مصدرين أساسيين:
الأول : الانطلاق من الاختيار والتميز والنقاء والتفوق والانغلاق اليهودي التي وردت في التوراة والتلمود.
والثاني : التراث العنصري الذي تأثر به المؤسسون الصهاينة في أوروبا في القرن التاسع عشر. وبالتالي فإن عنصرية الكيان الصهيوني لها خبرات وتجارب وصفات ومقولات وجذور عنصرية قديمة وأبعاد إجرامية تاريخية لا تتوفر في النظم العنصرية الأخرى التي ظهرت في تاريخ البشرية.
ويرى الكيان الصهيوني في "العرب الفلسطينيين" أحفاد شعوب مديان وعي وأريحا وموآب، الأمر الذي يبرر إبادتهم وسلب أراضيهم وممتلكاتهم وثرواتهم تماماً كما دونه كتبة التوراة والتلمود.
ويجسد تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم عنصرية الدولة وممارستها للإرهاب والإبادة الجماعية للعرب والاستعمار الاستيطاني والمستعمرات اليهودية كسياسة رسمية.
ويعتبر الكيان الصهيوني أن أراضي فلسطين التي احتلتها العصابات اليهودية المسلحة والجيش الإسرائيلي بالحروب العدوانية والمجازر الجماعية من العرب أصحابها الأصليين وسكانها الشرعيين لا تعود ملكيتها لغير اليهود وإنما لليهود فقط من جراء الوعد الذي وعده "يهوه" لإبرام. وتغرس هذه الخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية في حدائق الأطفال وفي المدارس والمعاهد والجامعات وأجهزة الشرطة والمخابرات والجيش الإسرائيلي. وتعتبر أن الأرض التي احتلتها بالقوة من أصحابها العرب هي أرض انتقلت من غير اليهود إلى اليهود، وبالتالي يحق لليهود انطلاقاً من مزاعمهم التوراتية والتلمودية امتلاكها.
وتظهر مدى خطورة الكيان الصهيوني على الازدهار والاستقرار والسلام في المنطقة وعلى الأراضي والممتلكات والمنجزات والثروات العربية في أن مفهوم الحدود التوراتية التي زعمتها التوراة ويؤمن بها قادة وشعب إسرائيل ويهود العالم هي حدود الأرض الممتدة من "النيل إلى الفرات".
ووصلت العنصرية والأطماع اليهودية حداً طالب فيه مجرم الحرب شارون في مؤتمر الليكود في أيار 1993 أن تتبنى إسرائيل مفهوم الحدود التوراتية كسياسة رسمية.
وتنطلق الأحزاب اليمينية والدينية في إسرائيل بما فيها الليكود من التعاليم التوراتية والتلمودية، بينما يصبغها حزب العمل بالصبغة العلمانية لتحقيق الأهداف الصهيونية بقالب علماني.
إن المسؤولين في إسرائيل ورجال الفكر والسياسة والصحافة وحتى اليهودي العادي فيها يمارسون الكذب والتضليل والغش والخداع أكثر من غيرهم من بني البشر، لأنهم يؤمنون انطلاقاً من التوراة والتلمود أن الكذب والخداع واجب ديني لتحقيق المصالح اليهودية والدفاع عنها، وبالتالي فإنهم أساتذة في فن الكذب. لذلك قال عنهم د.إسرائيل شاهاك بحق: "كذابون وطنيون، ونزعتهم الوطنية نفسها تلك هي التي تفرض عليهم الصمت حين يشاهدون التمييز ضد الفلسطينيين والتنكيل بهم."(1)
وتنطلق إسرائيل من المقولات والأفكار العنصرية والإرهابية والدموية التي ترسخت في التوراة والتلمود تجاه الشعوب الكنعانية وتجاه غير اليهود.
وتستغل إسرائيل واليهودية العالمية النكبات التي حلت باليهود من جراء معتقداتهم وتصرفاتهم وتربيتهم العنصرية لتبرير اضطهاد إسرائيل واليهود للعرب. وتصف المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب لتبرير التوسع والاستعمار الاستيطاني والمستعمرات اليهودية والمجازر الجماعية والحروب اليهودية العدوانية. علّق د. إسرائيل شاهاك على موقف تعاليم اليهودية من قتل إسرائيل واليهود للعرب وقال: "وبناء على ما نص عليه الدين اليهودي فإن الإقدام على قتل إنسان يهودي إنما هو إثم كبير من ثلاثة آثام تعد من أكبر الكبائر، وأما حين تكون الضحية من غير اليهود، فإن الوضع يصبح مختلفاً تماماً. فاليهودي الذي يقتل إنساناً من غير اليهود لا يكون مذنباً إلا بارتكاب إثم ضد شريعة السماء، أي جريمة لا يعاقب عليها القانون."(2)
وأكد د.إسرائيل شاهاك أنه بناء على أحكام الشرع اليهودي يصبح الواجب بإنقاذ حياة اليهودي من أسمى الواجبات أما غير اليهودي فإن التلمود يقضي بوجوب عدم إنقاذ حياته. وأثبت شاهاك صحة موقفه عندما تحدث عن موقف إسرائيل والقضاء الإسرائيلي من قتل اليهود للعرب وقال:
"إن اليهود الذين أقدموا على قتل العرب العزل في مواقف عسكرية أو شبه عسكرية وفي كل الحالات بما فيها حالات المجازر الجماعية كالمجزرة التي حدثت في كفر قاسم في عام 1956 كان جزاء القتلة منهم إما إخلاء سبيلهم نهائياً أو أحكام مخففة جداً أو عفو بعيد الأثر إلى حد تقليص العقوبة إلى الصفر."(3)
وخلاصة القول: إن مواقف الحقد والكراهية والعداء والعنصرية وسفك الدماء والإبادة الجماعية الموجودة في التوراة والتلمود حيال غير اليهود تطبع ممارسات ومواقف إسرائيل تجاه العرب داخل فلسطين وخارجها.
وتحدث د. إسرائيل شاهاك عن التمييز العنصري في إسرائيل وقال إنه يمتد إلى ما بعد الموت، حيث لا تُحترم إلا المقابر اليهودية أما المقابر غير اليهودية (العربية) فلا احترام لها، تنبش وتهدم عن بكرة أبيها (تماماً كما حدث في مقبرة بلدتي سلمة قبل عدة أعوام والتي دفن فيها أخي هشام وأختي سميرة وأقاربي) من قبل اليهود وبمعرفة إسرائيل وموافقتها، حتى أن نواف مصالحة أخبرني بأنه احتج على تدميرها وتظاهر على أنقاضها.
وأكد شاهاك تغلغل العنصرية في المجتمع الإسرائيلي (وفي أوساط الشعب الإسرائيلي) وقال: "إن كل مظاهر الحياة في إسرائيل يمكن تلخيصها بمبدأ بسيط هو أن اليهود وحدهم يعتبرون بشراً، أما غير اليهود فيعتبرون مجرد حيوانات وينظرون إليهم أحياناً على أنهم حيوانات ضارة وخطيرة، ويتصرفون تجاههم بشراسة وعنف وتنكر لمبادئ الرفق بالحيوان."
ويمضي د. إسرائيل شاهاك بالحديث عن عنصرية إسرائيل والخطورة التي تشكلها على شعوب المنطقة ويقول: "إن إسرائيل كدولة يهودية تشكل في رأيي خطراً لا على نفسها وقاطنيها فقط، بل على كل اليهود وكل الشعوب والدول الأخرى في الشرق الأوسط وفيما يقع خلفه أيضاً. فإسرائيل كدولة يهودية لا تخص إلا الأشخاص الذين تعرِّفهم السلطات الإسرائيلية بأنهم يهود بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، وإسرائيل من ناحية ثانية لا تخص رسمياً مواطنيها غير اليهود وتكون النظرة إلى مرتبتهم الاجتماعية حتى رسمياً أدنى من مرتبة اليهود. وتتحيز إسرائيل رسمياً وقانونياً لمصلحة اليهود ضد غير اليهود (العرب) في العديد من المجالات، أهمها حقوق السكن والعمل والمساواة أمام القانون. تصوروا لو أن دولة في العالم تصرفت تجاه اليهود كما تتصرف دولة اليهود تجاه غير اليهود، لأقام اليهود الدنيا وأقعدوها وأثاروا حملة عالمية من الاحتجاج والاستنكار واتهموها باللاسامية. أما أن تمارس إسرائيل العنصرية تجاه العرب فتتجاهله الولايات المتحدة (ودول الاتحاد الأوروبي) عن عمد، ويلقى التبرير والدعم الكاملين مما يشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان العربي."(4)
وتؤكد التطورات الراهنة داخل إسرائيل على تصاعد نفوذ التنظيمات والأحزاب الدينية المتطرفة في أوساط الشعب الإسرائيلي، حيث تنمو باستمرار ويزداد التعاون فيما بينها على قتل وتدمير وطرد العرب ومصادرة الأراضي العربية وبناء المستعمرات اليهودية وتهويد المقدسات العربية الإسلامية منها والمسيحية، وذلك لخلق الأرضية لمجتمع يهودي عرقي نقي خالص على أساس عنصرية التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والصهيونية والكيان الصهيوني. وأدى تصاعد التطرف الديني إلى اغتيال مجرم الحرب الجنرال رابين ودفع الإرهابي نتن ياهو إلى السلطة وانتخاب السفاح ومجرم الحرب شارون لمنصب رئيس الوزراء، وتصاعد دور المستعمرين اليهود في الاعتداء على العرب وقتلهم ومصادرة أراضيهم وتدمير مزارعهم ومحاصيلهم الزراعية والاعتداء المستمر على المسجد الأقصى المبارك وبقية المقدسات العربية.
وأدى تغلغل العنصرية والاستعمار الاستيطاني وتهويد الأرض والمقدسات العربية إلى بروز العديد من المنظمات الإرهابية اليهودية ومنها: حركة كاخ التي تعتبر من أكبر الحركات العنصرية الإرهابية في إسرائيل وفي أوساط يهود العالم. ويتواجد ثقلها في أوساط الشباب في المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. ويقوم هدفها الأساسي في طرد العرب وترحيلهم من فلسطين باعتبارها على حد زعمهم "أرض إسرائيل" وأن الوجود العربي فيها يلوث جوهر اليهودية وروحها. ويتزعمها باروخ مزرال المقيم في مدينة الخليل. ويؤمن حوالي 33% من الشباب الإسرائيلي بمبادئ هذه الحركة العنصرية.
حركة كاهاناحي: انشقت عن حركة كاخ العنصرية، وأسسها بنيامين كاهانا ابن الحاخام الإرهابي مائير كاهانا، وتقوم لجنة "تأمين الطرق في الضفة الغربية" المتفرعة عنها بالاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم والاستيلاء على أراضيهم. وتفرعت عنها أيضاً "حركة أمناء جبل الهيكل" التي تطالب وتعمل على تدمير المسجد الأقصى المبارك وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه. وتفرعت عنها "جماعة قمع الخونة" التي تعمل على تصفية العناصر اليهودية التي تقف ضد مبادئ حركة كاخ العنصرية.
منظمة ايل: وهي منظمة يهودية إرهابية مسلحة ينتمي إليها الإرهابي اليهودي إيغال عامير، الذي قتل الجنرال اسحق رابين ويتزعمها افيشاي دفيف. ويوجد مقر لها في مستعمرة كريات أربع الواقعة على مشارف الخليل وفروع أخرى في العديد من المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية. ويرتكب أعضاؤها الاعتداءات المستمرة على سكان الخليل. وتهدد الإسرائيليين الذين يسيرون في عملية التسوية بالمصير الذي لاقاه رابين.
منظمة سيف داوود: اشتهرت هذه المنظمة الإرهابية بأن أعضاءها يلبسون الزي العربي ويندسون في وسط التجمعات العربية للقيام بارتكاب جرائمهم الوحشية. وتوجه نشاطاتها ضد العناصر القيادية الفلسطينية التي تقود المظاهرات ضد عنصرية إسرائيل تجاه المواطنين العرب في الأراضي المحتلة عام 1948. وتقوم بتصفيتهم. واغتالت العديد من العرب منهم ثلاثة أفراد من عائلة واحدة (عائلة بطابطا) في بلدة ترقوميا في جبل الخليل.
حركة غوش ايمونيم: برزت هذه الحركة الفاشية في أعقاب حرب حزيران العدوانية عام 1967. وتعتبر أن الأراضي التي احتلتها إسرائيل من العرب جزء من الأرض التوراتية التي وهبها يهوه "لشعبه المختار". وتعمل بشكل أساسي في أوساط المستعمرين اليهود في المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. لذلك يعمل أعضاؤها بالدرجة الأولى على ترسيخ المستعمرات وجمع التبرعات من اليهود من أجل تمويل الدفاع عنها وترشيحها. ويصف الكاتب اليهودي دان عومر الحركة بأنها "تشكل المخزون البشري للفاشية اليهودية الجديدة"(5).
وتضم أشهر حاخامي إسرائيل المشهورين بالحقد والكراهية تجاه العرب والتعصب ضدهم ومنهم موشي ليفنجر ويهودا كوك.
منظمة الإرهاب ضد الإرهاب: تعتبر من أكثر المنظمات اليهودية العنصرية إيماناً بالعنصرية والنقاء والتميّز والانغلاق والكراهية العنصرية تجاه العرب واستخدام العنف في تصفيتهم وترحيلهم من وطنهم وإحلال المستعمرين اليهود محلهم. وتنادي علناً بطرد وترحيل العرب بالترغيب والترهيب لتحقيق النقاء العنصري اليهودي. وارتكبت العديد من العمليات الوحشية تجاه العرب منها محاولة اغتيال رؤساء بلديات نابلس والبيرة ورام الله في حزيران 1980 وإحراق باص بركابه العرب في أيار 1975 في وادي الجوز بمدينة القدس العربية.
حركة بيت الهيكل السرية: حددت هذه الحركة الفاشية هدفها في تدمير المسجد الأقصى المبارك وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه. وتتكون من المستعمرين اليهود القادمين من الولايات المتحدة. وتنقل بعض الحجارة من ولاية انديانا الأميركية إلى القدس لاستخدامها في بناء الهيكل المزعوم.
وأظهرت عملية اغتيال الجنرال رابين تغلغل الحركات والأفكار العنصرية والاستعمارية في أوساط الشعب الإسرائيلي ويشكلون دولة داخل دولة ويأخذون القانون بأيديهم نيابة عن الدولة. ويمتلكون الأسلحة المختلفة والذخائر الكثيرة بمعرفة وعلم المؤسسات الرسمية الإسرائيلية. ويؤمنون بمواصلة الكفاح المسلح ضد العرب من أجل إقامة إسرائيل الكبرى التوراتية، وتصفية كل أعداء إسرائيل بمن فيهم اليهود المعارضون لأهدافهم.
وتظهر عنصرية إسرائيل بجلاء في سياسة الانغلاق والتمييز العنصري اللذين تمارسهما بين المواطنين فيها بسبب انتمائهم القومي والديني فتطبق قوانين الطوارئ على العرب فقط دون اليهود، وبموجبها يسجن العربي دون توجيه تهمة إليه بحجة "أمن الدولة". وتقوم الشرطة والمخابرات الإسرائيلية بتعذيبه، وتنتزع منه بالتعذيب سبباً لإدانته وتُحكم المحاكم العسكرية بموجب الاعتراف الموهوم الذي انتزع بالتعذيب.
إن معظم الأراضي في إسرائيل هي ملك للعرب الفلسطينيين، صادرتها الحكومة وسنت القوانين بحيث يحظر على العرب الإقامة والسكن في أحياء وقرى وأماكن معينة. وتعمل حتى اليوم على تشييد أحياء مغلقة على أراض عربية مصادرة يحظر على العرب السكن فيها. وأصدرت في أيار 1975 قانون توزيع السكان الذي يحظر على غير اليهود الإقامة في بعض الأماكن والمدن ويقضي بتشجيع استعمار اليهود للجليل والنقب. وأصدرت بتاريخ 28/12/1982 قانوناً عنصرياً جديداً "قانون البناء والتخطيط" لمنع القرى والتجمعات العربية من التوسع على الرغم من الازدحام السكاني الذي تعانيه، لحمل الشباب على الهجرة خارج فلسطين. ويسمون هذا النوع من الهجرة "الترحيل الاختياري".
يتحدث البروفسور شلومو زاند عن عنصرية إسرائيل ويقول: "فالتمييز اليومي الذي يعاني منه مليون ومئة ألف مواطن عربي في دولة ليست فقط من نتاج الشر وإنما أيضاً الغباء والتقاليد العنصرية. من هنا فإن حقيقة تعريف الدولة على أنها دولة يهودية تنطوي على عنصر مناف للمساواة. غير أنه يجب الاعتراف بأنه وبعد مرور 52 عاماً من الاعتراف بالهوية اليهودية المتصلبة للدولة فقد تحولت إلى مفارقة كما تنتج شذوذاً خطيراً ومتواصلاً.. "القومية اليهودية" المطلقة لم تحسن التطور إلى قومية إسرائيلية منفتحة واعية قادرة على استيعاب جميع المواطنين الموجودين ضمن حدودها."(6)
وتناول شلومو زاند تأييد عرب المناطق المحتلة عام 1948 لباراك ويقول إن "أكثر من 90% من عرب إسرائيل صوتوا في الانتخابات الأخيرة لمصلحة مرشح حزب العمل، انتصاره لم يكن انتصارهم فقد فضّل باراك في حكومته ممثلي الناخبين الذين صوتوا ضده. أما شباب الحجارة الجدد الذين ظهروا عند أطراف القرى والمدن العربية الإسرائيلية تجاوزوا القانون فعلاً من خلال اندلاع العنف، لكن العنف المضاد الذي مورس ضدهم وعدد الإصابات التي وقعت تشير أكثر من أي أمر آخر كم أن الدولة ليست لهم."(7)
لقد أراد بن غوريون، مؤسس إسرائيل أن تكون دولته دولة يهودية نقية، لذلك أعلن في كانون الثاني 1949 قائلاً: "أفضِّل دولة يهودية ديمقراطية في مساحة مقلصة من الدولة على دولة في كامل أرض إسرائيل تدفع ثمنها صفة اليهودية والديمقراطية."(8)
وتطرق الصحفي الإسرائيلي أهارون امير إلى الصراعات المستمرة بين المتدينين والعلمانيين وقال: "إذا كنا نعيش الآن في دولة تنقسم ليس بين الدين والعلمانية بل بين مكانة قوة إقليمية إلى دولة تعيش في غيتو بين قمة التقدم العلمي التكنولوجي وقمة التخلف الفكري الروحي، فإن هذا يعود إلى القرارات البائسة التي اتخذت منذ بداية الدولة."(9)
ويصف إيتان هابر وضع العرب داخل الكيان الصهيوني ويقول: "... وعلى 18 عاماً فرض عليهم الليبراليون من حزب مباي (العمل حالياً) سلطة الحكم العسكري ولم يكونوا يستطيعون حتى الحراك من بيوتهم، حتى سفرهم لتل أبيب كان يستلزم تصريحاً. وبعد ذلك أو في موازاته صادروا لهم آلاف الدونمات (ملايين الدونمات) وامتلأت كل البلاد بالمصادرات، وأخيراً عندما طورنا مئات المستوطنات اليهودية (المستعمرات) أبقينا فلسطينيي 1948 عالقين في مشاهد العصور الوسطى... لم نحرك ساكناً لصالحهم، المزيد والمزيد من الأطفال العرب الذين رأوا المنازل القرميدية لجيرانهم، وسافروا على طرق سليمة تنتهي عند مدخل قريتهم، وتعلموا كيف يصبحون معلمين ومهندسين وأطباء ونهايتهم أن يضطروا للعمل بالقصارة والأحذية."
لقد ثبت بجلاء أن مبادئ وأهداف العهود والمواثيق الدولية والأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية كانت ولا تزال كلمات جوفاء لإسرائيل، لأنها لم تحقق المساواة بين مواطنيها العرب واليهود وحتى بين اليهود أنفسهم. وأصبحت أكبر غيتو يهودي وأكبر سجن وجحيم للعرب في العالم.
وتجسد دولة اليهود جميع عناصر ومرتكزات العنصرية والتمييز العنصري الذي تتضمنه تعاليم اليهودية والايديولوجية الصهيونية. وبالتالي سوف تقود عنصرية إسرائيل وإيمانها بالاستعمار الاستيطاني وتهويد الأرض والمقدسات العربية إلى كوارث هائلة وحروب محلية وإقليمية مستمرة تدعمها اليهودية العالمية، وستجلب الخراب والدمار لشعوب المنطقة ولليهود وبقية شعوب العالم. وبالتالي يمكن للمرء أن يتنبأ بالنتائج المأسوية والمدمرة لليهود وللعرب وللعالم من ممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والتوسع والإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني.
وتغذي الصهيونية وإسرائيل اللاسامية، فليس هناك عداء للسامية من دونهما، لأنهما تجبران اليهود على أن تكون مواقفهم وممارساتهم لمصلحة إسرائيل وسياساتها العنصرية والإرهابية والتوسعية والاستعمارية.
فالصهيونية والعنصرية وجهان لعملة واحدة. وبالتالي تكشف إسرائيل بتصرفاتها وحروبها العدوانية ومجازرها الجماعية الوجه العنصري القبيح والوحشي للأيديولوجية الصهيونية.
وتستند عنصرية إسرائيل رسمياً إلى عنصرية الصهيونية التي فاقت وتفوق عنصرية النازية في ألمانيا وعنصرية الأبارتيد في جنوب أفريقيا وجميع الأيديولوجيات والحركات والنظم العنصرية والفاشية التي ظهرت في تاريخ الإنسانية.
وتستخدم إسرائيل المنظمات اليهودية الإقليمية والمؤتمر اليهودي العالمي والمنظمة الصهيونية العالمية كوسائل للضغط على اليهود لكي يدينوا بالولاء أولاً لإسرائيل قبل الولاء لأوطانهم، مما يجعل من العديد منهم يعملون في التجسس على بلدانهم لمصلحة إسرائيل، وبالتالي تحولهم إسرائيل إلى جواسيس وطابور خامس لخدمة مصالحها المالية والسياسية والإعلامية والعسكرية في الولايات المتحدة الأميركية وفي البلدان الأوروبية. وتصبح الأمة العربية لا تواجه إسرائيل واليهود فقط، بل تفرض عليها إسرائيل ويهود العالم مواجهة جميع البلدان الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.
ونجحت اليهودية العالمية في جعل الولايات المتحدة وألمانيا تمد إسرائيل بالسلاح والمال، وروسيا بتدفق هجرة اليهود إليها لزيادة طاقاتها العسكرية والعدوانية بالانضمام إلى جيش السفاح شارون وبناء المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة.
وتهدف حروب إسرائيل العدوانية والتوسعية العديدة ومئات المجازر الجماعية التي ارتكبتها والاغتصاب المتزايد للأراضي والمياه والثروات العربية، إلى تحقيق نظرية "المجال الحيوي" لليهودية العالمية في الوطن العربي وإقامة إسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات، حيث أعلن موشي دايان وزير الحرب الإسرائيلي بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 عن مخططات إسرائيل في الماضي والحاضر والمستقبل وقال: "لقد وضع آباؤنا حدود 1947، ورسخنا نحن حدود 1949، وأنتم رسمتم حدود 1967، وسيقوم جيل آخر في المستقبل بمد الحدود إلى المكان الذي يجب أن تصل إليه."
وتعمل إسرائيل على إحضار مليون مهاجر يهودي في السنوات القادمة كي تتحول إلى أكبر غيتو عنصري قوي في العالم، وطرد وترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه بالإبادة الجماعية والحصار والتدمير، تدمير الإنسان والشجر والحجر والبنى التحتية وتذويبه وإجباره على التوطين خارج وطنه فلسطين لخلق المجال الحيوي ليهود العالم.
وتلجأ إلى إثارة الإشاعات والأحاديث حول وجود خطر مزعوم على اليهود في بلد ما لدفعهم إلى الهجرة إليها. وتقوم أحياناً بارتكاب الجرائم لتنشر الرعب والخوف في نفوسهم ويسرعون بالتوجه إليها والسكن في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وتتهم كل إنسان ينتقد سياستها الإرهابية والعنصرية وجرائم الحرب التي ترتكبها باللاسامية. وترفع المنظمات اليهودية على الفور شعار: "معاداة الصهيونية وإسرائيل تعني اللاسامية".
وتلصق تهمة اللاسامية بالسياسيين والأحزاب والدول الذين يشجبون عنصرية إسرائيل. وبالوقت نفسه تغض إسرائيل الطرف عن الحركات اللاسامية الحقيقية وتتعاون معها.
وتجند المنظمات اليهودية للحصول على التأييد السياسي والمادي لسياستها العنصرية والإرهابية من قبل حكومات وبلدان الاتحاد الأوروبي. وتعمل على تقوية المنظمات اليهودية لزيادة نفوذها وتأثيرها على الحكومات الأوروبية.
وتخلق المنظمات اليهودية الأساطير حول ديمقراطية إسرائيل وتطورها الاقتصادي الذي قام ويقوم على المساعدات والتعويضات الأجنبية.
وتشجع إسرائيل قوات الجيش والشرطة والمخابرات والمستوطنين على قتل العرب وإرهابهم. وتتجلى عنصرية الجيش الإسرائيلي بالتصريحات التي أدلى بها ضابط إسرائيلي وقال أمام مجموعة من الجنود "إن كلابه مدربة على تعقب رائحة العرب والمتشددين اليهود."(10)
وشهدت إسرائيل في بداية الألفية الثالثة فضيحة ضابط شرطة كبير ضبط متلبساً وهو يطلق الرصاص على شرطته، كي يستفزهم ضد العرب، وهدفه الانتقام من أهالي سخنين الذين قتل أحد أبنائهم خلال مظاهرة أطلق عليها الرصاص. وجرت ترقيته بعد الجريمة للالتحاق في دورة لترقيته إلى رتبة أعلى. وقد فعل جريمته خلال الدورة، إذ استغل نوم رفاقه وخرج من مدرسة الشرطة. وتوجه إلى مركز الشرطة الذي يقوده، وعلى بعد مئات من الأمتار أطلق الرصاص باتجاه المركز وهرب. لكن شرطة المركز انطلقت بالسيارات لتعقبه وألقوا القبض عليه. وقال ممثل الشرطة في المحكمة بتاريخ 6/4/2001 "إن أفعال الضابط كان من الممكن أن تشعل النار تحت أقدام الحكومة. فما فعله هو بمثابة استثارة عواطف المواطنين الفلسطينيين والشرطة، مما يعني إشاعة التوتر وتصعيد الصدامات."(11)
وكان هذا الضابط يلجأ دائماً إلى تلفيق التهم للعرب وإخفاء الأدلة التي تثبت براءتهم.
وعلى أثر الحادثة التي أراد منها الضابط الإسرائيلي إثارة أجواء تحريضية عنصرية معادية للعرب، أصدر التجمع الوطني الديمقراطي بياناً أكد فيه "أن سياسة الاحتلال والقمع ضد الشعب العربي الفلسطيني وسياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 1948 قادتا إلى عشعشة الفاشيين الصغار والكبار في أجهزة الحكم ومؤسساته وإلى الدوس على الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلى جعل الدولة (إسرائيل) دولة تفرقة عنصرية حقاً."(12)

¾
¡ المصادر

(1)- د.إسرائيل شاهاك، التاريخ اليهودي المكشوف والمستور، دار البعث للطباعة والنشر، دمشق، 1996، ص 56.
(2)- المصدر السابق، ص 124.
(3)- المصدر السابق، ص 129.
(4)- المصدر السابق، ص 20.
(5)- الحياة في 3/11/2000.
(6)- هآرتس في 10/10/2000.
(7)- المصدر السابق نفسه.
(8)- معاريف في 3/8/2000.
(9)- المصدر السابق نفسه.
(10)- جريدة الكفاح العربي في 13/12/1999.
(11)- جريدة الشرق الأوسط اللندنية في 7/4/2001.
(12)- جريدة الحياة في 13/4/2001.

¾



- عنصرية المجتمع الإسرائيلي

تنبع عنصرية المجتمع الإسرائيلي من عنصرية اليهودية والصهيونية وإسرائيل والأحزاب والمنظمات والمؤسسات الإسرائيلية، وقادة إسرائيل السياسيين والعسكريين، والعنصرية في القوانين الإسرائيلية، ومن ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ومجمل التعامل الإسرائيلي في الصراع العربي-الصهيوني. وبالتالي فإن قضايا الصراع ترتبط بعنصرية المجتمع الإسرائيلي، فكراً وممارسة وقيادة وشعباً، مما لا يبشر بالخير لا لإسرائيل وشعبها ولا لشعوب المنطقة والبلدان الأوروبية القريبة منها، ولا للاقتصاد العالمي. وتعود عنصرية المجتمع الإسرائيلي إلى الأصل التوراتي والتلمودي. فالاختيار والتفوق والنقاء العنصري والحروب بالنسبة لليهود تعتبر أعمالاً مقدسة، حيث أن رب الجنود، إلههم يهوه، يقود شعبه المختار لإبادة الشعوب الكنعانية وقتل الأطفال والنساء، قتل البشر والشجر والحجر. فالحروب العدوانية والإبادة الجماعية والعنصرية ممارسات يهودية مقدسة.
ولقد أكد موشي غورين، حاخام الجيش الإسرائيلي إبان حرب حزيران العدوانية عام 1967 "أن حروب إسرائيل مع العرب مقدسة. دارت أولها لتحرير أرض إسرائيل، والثانية لتثبيت أركان الدولة، والثالثة (عام 1967) لتحقيق كلمة أنبياء إسرائيل."(1)
ويجسد الاستعمار الاستيطاني ومصادرة الأراضي والمقدسات العربية وتهويدها وبناء المستعمرات اليهودية عليها وهجرة اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب، الأطماع التوراتية والتلمودية في الأراضي والأملاك العربية.
ويبرر الشعب الإسرائيلي حروب إسرائيل العدوانية والتوسعية والإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني وتذويبه وتوطينه خارج وطنه، بالتعاليم التوراتية والتلمودية. يبررها الشعب الإسرائيلي بتنفيذ وعد "يهوه" لشعبه المختار وبالعودة إلى أرض الميعاد المزعومة.
وتعج التوراة بقصص الحروب والإبادة الجماعية والتدمير والوحشية، لذلك ينتهك الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين اليهود كافة العهود والمواثيق الدولية. ويؤيد الشعب الإسرائيلي هذه الجرائم ويدعمها، لأنه ينظر إليها على أنها تنفيذ لإرادة إلهية، إذ أن إلههم يهوه يبارك الذين يقومون بالقتل والحرق والتدمير والسلب والنهب للأجانب غير اليهود.
ويتسابق الشعب الإسرائيلي على تأييد أكثر قادة إسرائيل حقداً وكراهية وعداء للعرب. فاختاروا مجرم الحرب السفاح شارون الذي ارتكب مجزرة قبية عام 1953 ومجازر صبرا وشاتيلا وقتل الأسرى المصريين، كي يتابع مخططه في ارتكاب المجازر الجماعية وتهويد الأراضي والمقدسات العربية وإنزال أفدح الخسائر في فلسطين ولبنان وبقية البلدان العربية.
وتضمن إعلان "الاستقلال"، وهو أول وثيقة أساسية صدرت عن إسرائيل كافة المزاعم اليهودية حول النقاء والاختيار وأرض الميعاد، وأن فلسطين "هي مهد الشعب اليهودي. هنا تكونت شخصيته الروحية والدينية والسياسية. وهنا أقام للمرة الأولى، وفيها أعطى للعالم كتاب الكتب الخالد."(2)
وترسخت عنصرية المجتمع الإسرائيلي في التمسك بالاستعمار الاستيطاني والمستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وبترحيل الشعب العربي الفلسطيني من وطنه. لذلك يعتبر الاستعمار الاستيطاني اليهودي أسوأ من الاستعمار الاستيطاني الأوروبي. ففي حين ترك الأخير السكان الأصليين يعيشون الفقر والبؤس والاستغلال ولكنه أبقاهم في أوطانهم، بخلاف الاستعمار الاستيطاني اليهودي الذي لم يكتف بمصادرة الأرض والثروات العربية وفرض الفقر والتخلف والبؤس والشقاء والاضطهاد على الفلسطينيين، بل دمرت إسرائيل كيانهم ومجتمعهم ووجودهم في وطنهم، ورحلتهم قسراً إلى البلدان العربية المجاورة بشكل لم يحدث لـه مثيل في تاريخ البشرية. وحولت المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مجتمع أدنى مستوى من المجتمع اليهودي، يقوم بالأعمال الشاقة لخدمة المستوطنين اليهود، أبناء شعب الله المختار. ويقف الشعب الإسرائيلي واليهودية العالمية بالكامل وراء إسرائيل ومؤسساتها السياسية والعسكرية في تطبيق العنصرية والتمييز العنصري تجاه الشعب العربي الفلسطيني.
وترسخت في الأدب العبري، حيث يصوِّر الشعراء والأدباء والروائيون والقصصيون اليهود "العربي" بأنه لئيم وغدار وفوضوي وقذر وسطحي وانفعالي ويحبُّ الثأر والانتقام، وأن العربي الطيب هو العربي الميت.
وساهم الأدب العبري في مساعدة قادة إسرائيل في ترسيخ هذه الصورة العنصرية البغيضة في أوساط الشعب الإسرائيلي. وأصبح الإسرائيلي ينظر إلى العربي نظرة الحقد والكراهية والاستخفاف بحياته وحقوقه الإنسانية، مما يقود إلى شرعنة اغتصاب أراضيه وأملاكه وحقوقه وتهويد مقدساته وممارسة الإبادة الجماعية تجاهه. وبالتالي ساعد الأدب العبري في غرس صورة عنصرية عن العربي في أذهان أبناء الشعب الإسرائيلي، مما يبرر لإسرائيل ممارسة الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية تجاه العرب. وتؤمن الشخصية اليهودية في إسرائيل بالاختيار والنقاء والانغلاق العنصري والتعصب والغطرسة والفخر والاعتزاز بالانتصارات العسكرية والتعامل مع العرب انطلاقاً من المقولة التي تقول: "إن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة."
ويؤمن المجتمع الإسرائيلي أن القوة العسكرية وحدها كفيلة بتحقيق "إسرائيل العظمى" والمجال الحيوي لليهودية العالمية في البلدان العربية.
وتكرس المدارس اليهودية اهتمامها الأساسي في غرس عنصرية اليهودية والصهيونية في نفوس التلاميذ في التعامل مع العرب. ويرضع الأطفال في المجتمع الإسرائيلي حليب العنصرية والتمييز العنصري تجاه العرب في البيت وحديقة الأطفال والمدرسة والجيش والمنظمات والمؤسسات السياسية والعسكرية والاجتماعية. وبالتالي ينظر الشعب الإسرائيلي إلى ارتكاب إسرائيل للمجازر الجماعية وبناء المستعمرات اليهودية وممارستها للإرهاب والعنصرية وكأنها ممارسات شرعية. وهكذا يبتعد الشعب الإسرائيلي عن المفاهيم الإنسانية والحضارية ويفقد الإحساس بالحق والعدالة تجاه العرب. فاليهودي في إسرائيل وخارجها يشاهد يومياً ممارسات إسرائيل الإرهابية والعنصرية ويدعمها سياسياً وإعلامياً ومالياً، ويكرر اجترار جرائم النازية لكسب العطف والتأييد العالمي لإسرائيل وجرائم الحرب التي ترتكبها.
وتعمل المنظمات اليهودية على تعبئة جميع اليهود في العالم لدعم إقامة "إسرائيل العظمى" وتقديم جميع أنواع المساعدات السياسية والمالية والإعلامية لدولة اليهود.
وتضمن برنامج القدس الذي أقرته المنظمة الصهيونية العالمية عام 1968 "توحيد الشعب اليهودي في العالم"، مما يطرح مسألة الولاء المزدوج، مما يساعد إسرائيل في تجنيد يهود العالم للعمل كجواسيس لها ضد مصالح بلادهم الأصلية الأمنية والاقتصادية كما يحدث في الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وغيرها.
فالمنظمات اليهودية وإسرائيل تفرض على الإسرائيلي واليهودي خارج إسرائيل ازدواجية الولاء مع أولوية الولاء لإسرائيل وليس للبلد الذي عاش ويعيش فيه. وتعملان على وجود إسرائيل قوية وشتات قوي. وأمة عالمية يهودية واحدة تقف بكاملها وراء إسرائيل، وعرقلة اندماج اليهود وعزلهم وجعلهم في وضع متميز عن غيرهم وتقوية مكانتهم وتشجيعهم إلى الهجرة إليها.
وتسخّر إسرائيل الحاخامين والأحزاب الصهيونية العلمانية والدينية لتنفيذ سياساتها العنصرية. فروح التعصب الديني اليهودي البغيض الممزوج بالمقولات والنظريات الصهيونية والقوانين والإجراءات العنصرية للدولة الإسرائيلية تساعد على تغلغل العنصرية في أعماق الشعب الإسرائيلي.
ووصلت العنصرية حداً بعضو الكنيست دوف شيلانسكي تقدم فيه باقتراح إلى الكنيست "يدعو فيه إلى سن قانون يقضي بالعفو العام عن كل يهودي يقتل عربياً وعن كل كلب يعض عربياً".(3)
ووصف الحاخام عوباديا يوسيف العرب بالأفاعي وطالب بإبادتهم جميعاً بالصواريخ.(4)
لقد أعطى الرئيس بشار الأسد توصيفاً حقيقياً في مؤتمره الصحفي وإسبانيا لطبيعة المجتمع الإسرائيلي العنصري عكست واقع هذا المجتمع وحقيقته وقال: "إن عنصرية الإسرائيليين هذه تتجاوز عنصرية النازيين."(5) وأكد أن الإسرائيليين الذين انتخبوا شارون هم نتاج مجتمع أكثر عنصرية من النازيين. وحمّل شارون مسؤولية مجازر صبرا وشاتيلا وقد وصفها الرئيس الأسد بأنها واحدة من أكثر المذابح الإنسانية بشاعة حتى الآن. وقال إن وزيراً إسرائيلياً قال أن الحل بالنسبة إلى فلسطين هو إفراغها من الفلسطينيين للحفاظ على نقاء العرق اليهودي." وطالب علناً بترحيل الفلسطينيين ووضع إشارة صفراء على كل من يحمل منهم الجنسية الإسرائيلية لتفرقته عن الإسرائيليين (اليهود)"(6).
ووصف الرئيس بشار الأسد إسرائيل بالدولة التي تمارس عنصرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، كما وضع النقاط على الحروف عندما قال: يتهموننا بأننا معادون للسامية ونحن الساميون. ويمارسون حيال المنطقة وقضاياها المعايير المزدوجة، فرغم كل الجرائم الخطيرة التي ارتكبها حكام إسرائيل بحق شعوب المنطقة، ورغم كل المذابح التي يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل على مرأى المجتمع الدولي كله، فلم تصدر عبارة واحدة تدين هذه الجرائم وهذه المذابح."(7)
ووصلت عنصرية الحاخام مائير كهانا، مؤسس رابطة الدفاع اليهودية حدّاً قال فيه: "الشعب اليهودي هو الشعب المختار، الأخلاقي، الذي يجب أن يسود الشعوب كافة، إننا لسنا مدينين بوجودنا لأحد. بل إنَّ العالم مدين لنا بالكثير الذي لا يستطيع أن يفينا إياه."(8)
وكان الزعيم الصهيوني آحادهاعام قد أكد أن التفوق اليهودي قام على اختيار الله للشعب اليهودي، ويربي اليهود أطفالهم على الاختيار والتفوق في البيت والمدرسة والمعبد والكنيس، والجيش والمجتمع. وتمتلئ كتب الأطفال والكتب المدرسية بالنصوص التوراتية والتلمودية التي تضفي على عنصرية المجتمع الإسرائيلي واليهودية صفة القداسة والاختيار الإلهي.
وتجسد تصريحات الحاخام عوباديا بوصف العرب بالأفاعي ووجوب إبادتهم بالصواريخ، "ووصف ايهود باراك الفلسطينيين بالتماسيح كلما أعطيتها المزيد لتأكله فإنها تطالب بالمزيد، تغلغل العنصرية والتمييز العنصري لدى قادة المجتمع الإسرائيلي من العلمانيين والمتدينين.
فلماذا تسكت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن هذه المواقف المغرقة بالعنصرية والتمييز العنصري؟ كيف سيكون موقف الدول الغربية لو صدرت مثل هذه التصريحات تجاه اليهود من مفتي لبنان أو من معمر القذافي؟ ولكن بما أن عوباديا حاخام يهودي كبير، وبما أن باراك أحد قادة إسرائيل الكبار وبما أن العرب هم ضحايا عنصرية المجتمع الإسرائيلي وقادة إسرائيل سكتت الإدارة الأميركية وعواصم دول الاتحاد الأوروبي.
إن الصمت العالمي على عنصرية قادة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي يشجع أكثر فأكثر على الاستمرار في النهج العنصري والإرهابي والاستعماري الذي يسير فيه المجتمع الإسرائيلي.
لذلك يطالب الشعب الإسرائيلي حكومته باتباع سياسة القبضة الحديدية تجاه الشعب العربي الفلسطيني، وتشديد الإغلاق والحصار الدوائي والغذائي والعقوبات الجماعية واستمرار الغارات الجوية، والتهديد باستخدام القوة ضد الدول العربية التي لا تحمي حدود إسرائيل وحدود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ويطالب ببناء المزيد من المستعمرات اليهودية واغتصاب المزيد من الأراضي والمياه العربية.
ويقوم المستعمرون اليهود وبحماية الجيش والشرطة والمخابرات بأخذ القانون بأيديهم ومعاقبة العرب بحجة أنهم يحمون أنفسهم بتنفيذ القانون بأنفسهم.
إن الدين اليهودي والايديولوجية الصهيونية وعنصرية الدولة الإسرائيلية هي المنطلق الأساسي للمجتمع الإسرائيلي، ينطلق منها العلمانيون والمتدينون وجميع مؤسسات الدولة اليهودية. وهنا تكمن عنصرية المجتمع الإسرائيلي الذي دفع عنصريته إلى مستوى القداسة والتعاليم الإلهية والمنافع الدنيوية. فالمواقف والممارسات في المجتمع الإسرائيلي ما هي إلا مزيج من المفاهيم التوراتية والتلمودية والشعارات القومية المبنية على عنصرية اليهودية والصهيونية والاستعمار الاستيطاني والعنصرية الأوروبية.
ويتميز الشعب الإسرائيلي بالحقد الذي أصبح يسيطر على نفوس الإسرائيليين نتيجة لإيمانهم بالمبادئ الصهيونية. فالحقد اليهودي ليس موجهاً ضد العرب فقط بل يمتد ليشمل كل من هو غير يهودي وغير صهيوني. هذه الظاهرة الأولى للشعب الإسرائيلي أما الظاهرة الثانية فهي الإشادة بالروح العسكرية وحروب إسرائيل العدوانية ووضع القوة فوق الحق والإيمان بالاستعمار الاستيطاني كأساس لتعاليمهم الدينية.
وبالتالي فإن الإسرائيليين يتميزون بالعنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم، مما يظهر بجلاء تغلغل الفاشية في أوساط الشعب الإسرائيلي، ولعل المجازر الجماعية التي ارتكبتها العصابات اليهودية وإسرائيل في دير ياسين وقبية وكفر قاسم وبحر البقر وداعل وصبرا وشاتيلا وقانا والحرم الإبراهيمي في الخليل تظهر بجلاء الكراهية العرقية المتأصلة في نفوس اليهود تجاه العرب.
ويعتبر الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات البوتقة لصهر المهاجر اليهودي بالإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني. لذلك يزداد المتدينون من الشعب الإسرائيلي تديناً، واليمينيون يمينياً والمستعمرون عدوانية وعنصرية.
وتزداد الخلافات بين العلمانيين والمتدينين، وبين اليهود الروس الذين يمثلون خمس سكان إسرائيل وبين حركة شاس، ويهود الفلاشا منبوذون، لأنهم من العرق الأسود، والعرب مضطهدون ويمثلون خمس السكان لكونهم عرباً.
ويشكل المستوطنون والمتدينون خطراً على القانون، لأنهم يأخذون القانون بأيديهم.
ويمكن القول إنه لا يوجد تماسك اجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي وتتغلغل فيه الأزمات المزمنة والأمراض والتناقضات والتمييز والتطرف والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني.
هاجم الحاخام دافيد بنيزري من حركة شاس اليهود الروس وقال إنهم "يغرقون بيت شيمش بالأرجاس ويدنسون إسرائيل بالأفلام الإباحية والبغاء والأمراض وإدمان الكحول."
وأجرى مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا استطلاعاً للرأي(10) كشف أن 68% من الإسرائيليين يؤيدون فرض أنظمة الطوارئ، أي الحكم العسكري على العرب في إسرائيل، ويرون في الاعتقال الإداري أداة شرعية للدفاع عن إسرائيل. وأيد 61% اللجوء إلى وسائل عسكرية وليس إلى وسائل شرطية في معالجة أعمال العنف (المظاهرات) العربية في إسرائيل.(11)
وطالب الجنرال شلومو غازيت باتخاذ إجراءات لمواجهة التهديد الديمغرافي العربي، منها تحديد النسل واعتماد سياسة الترحيل تجاه العرب في إسرائيل.
إن الشعب الإسرائيلي لا يريد التوصل إلى السلام العادل بل يطالب بتعزيز الاستعمار الاستيطاني، وترحيل العرب، وقتل الجنرال رابين، ويدعو الله أن يمحو العرب ويمحو اسمهم جميعاً. وهو شعب عنصري إرهابي فاشي يعيش على أرض الشعب الفلسطيني ومدنه وقراه ومياهه وثرواته، وعلى أموال دافعي الضرائب في ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية.
إن العنصرية والتمييز العنصري واضطهاد العرب وترحيلهم ومصادرة أراضيهم والمطالبة بالمجال الحيوي وإسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات والاستعمار الاستيطاني تستحق الشجب والإدانة والعقاب حتى لو كان الشعب الإسرائيلي بأسره، لاجتثاث هذا السرطان الخبيث من المنطقة.
¾
¡ المصادر

(1)- العسكرية الإسرائيلية، المجلد الثاني، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة 1974، ص 23.
(2)- نص إعلان قيام دولة إسرائيل، ملف وثائق فلسطين، الجزء الأول، وزارة الإرشاد القومي، القاهرة 1969، ص 931.
(3)- صوت الشعب الأردنية في 26/7/1987.
(4)- تشرين السورية في 2/5/2001.
(5)- السفير في 4/5/2001.
(6)- الحياة في 4/5/2001.
(7)- تشرين في 9/5/2001.
(8)- الكفاح العربي في 23/6/2000.
(9)- الحياة في 30/8/2000.
(10)- جريدة الكفاح العربي في 21/12/1999.
(11)- انظر: جريدة الحياة في 8/4/2001.

rrr





الفصل الخامس



- عنصرية قانون العودة الإسرائيلي

درج قادة إسرائيل على بث الأساطير والأكاذيب والخرافات في نفوس اليهود وشحنهم بأفكار التفوق العنصري، والنقاء العرقي والذكاء اليهودي والمجال الحيوي لدولتهم اليهودية في الوطن العربي من النيل إلى الفرات. وغذّوا في تربيتهم مشاعر التعصب والاستعلاء واحتقار العرب وكراهيتهم والقول بأن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة، ووجوب ترحيل العرب، أصحاب البلاد الأصليين وسكانها الشرعيين من فلسطين، ومصادرة أراضيهم وتهويدها، وتدمير الأماكن العربية المقدسة الإسلامية والمسيحية وتهجير يهود العالم إلى فلسطين لإنجاح الاستعمار الاستيطاني في الوطن العربي.
وسبق الزعماء الصهاينة قادة إسرائيل في حقن يهود العالم بالعنصرية والاستعمار الاستيطاني. وكانوا يقولون قبل الحرب العالمية الثانية لليهود، وهم أقلية قليلة جداً عن فلسطين إنها "مولاديسنو" أي وطننا، و"ارتسينو" أي أرضنا، وعن جميع اليهود في العالم "عمينو" أي أمتنا. وزرعوا في نفوسهم منذ البداية الحقد على العرب. وأكد موشي مينوهين هذه الحقيقة وكتب يقول:
"علمونا في الجمباز (المدارس الثانوية) أن نكره العرب وأن نحتقرهم، وعلمونا فوق هذا كله أن نطردهم من وطننا وأرضنا."(1)
أقيمت إسرائيل بموجب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، ويتضمن إقامة دولتين في فلسطين واحدة عربية وأخرى يهودية، ووضع مدينة القدس والأماكن المقدسة تحت إشراف مجلس الوصاية الدولي التابع للأمم المتحدة.
ينص قرار التقسيم في الفقرة (د) على ضمان حقوق متساوية لا تمييز فيها في الأمور المدنية والسياسية والاقتصادية والدينية بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الدين واللغة والكلام والنشر والتربية والاجتماع وإنشاء الجمعيات.(2)
وينص الباب الثاني من قرار التقسيم حول الحقوق الدينية وحقوق الأقلية على أنه "لا تمييز بين السكان من أي نوع، على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس."
وتنص الفقرة الثامنة من الباب الثاني على أنه "لا يسمح بمصادرة أرض يملكها عربي في الدولة اليهودية، أو أرض يملكها يهودي في الدولة العربية إلا للأغراض العامة. وفي جميع حالات المصادرة يدفع تعويض كامل قبل نزع الملكية، كما تحدد ذلك المحكمة العليا."(3)
أعلنت إسرائيل في ما سُمي ببيان الاستقلال "أن الصهيونية المذهب الأساسي للدولة وأن إسرائيل هي دولة جميع اليهود في العالم."
وانطلاقاً من كونها دولة لليهود فقط وتنطلق من عنصرية الصهيونية جردت العربي الفلسطيني من أرضه وممتلكاته وجميع حقوقه الأساسية. ودمرت حتى الآن (540) قرية فلسطينية وشردت سكانها. واستولت على أراضيهم وممتلكاتهم، كما صادرت معظم أراضي العرب الذين بقوا في مدنهم وقراهم في الجليل والمثلث والنقب. وأقامت على أنقاضها المستعمرات اليهودية.
طبقت إسرائيل على العرب منذ اليوم الأول لتأسيسها قوانين الطوارئ التي سنتها الحكومة البريطانية وطبقتها على اليهود والعرب معاً. وفرضت بموجبها الحكم العسكري على العرب الذين بقوا في وطنهم المحتل عام 1948. وتتضمن قوانين الطوارئ انتهاكات فاضحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعديد من العهود والمواثيق الدولية، كمصادرة الأراضي العربية وفرض العقوبات الجماعية والإقامة الجبرية، والاعتقال الإداري والإبعاد، ونسف المنازل، ومنع العرب من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي. وبالتالي ظهر بجلاء الطابع العنصري لإسرائيل في التعامل مع مواطنيها العرب، لأن هذه القوانين طبقت على العرب ولم تطبق أبداً على اليهود، مع العلم بأن قوانين أية دولة في العالم سنت لتطبق على مواطني الدولة كافة من دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الدين أو العرق.
استوحت القوانين الإسرائيلية مضمونها من ثلاثة مصادر أساسية: أولاً: الدين اليهودي. ثانياً: الأيديولوجية الصهيونية. وثالثاً: المبادئ والمفاهيم الليبرالية.
وتلعب الصهيونية كأيديولوجية لجميع اليهود في العالم وكحركة سياسية عالمية منظمة، الدور الأساسي في تحديد مضمون ومحتوى القوانين الإسرائيلية.
وبالتالي تنطلق القوانين الإسرائيلية من تعاليم التوراة والتلمود، ومن المبادئ والأهداف الصهيونية، كي تطبّق على غير اليهود، أي العرب. أما المفاهيم والمبادئ الليبرالية فهي تطبق على اليهود دون غيرهم، أي لا تطبق على العرب. وتخدم الدعاية الإسرائيلية والصهيونية في الكذب والتضليل والتدجيل لإظهار المساواة غير الموجودة بين المواطنين، بين العرب واليهود، ولإظهار معزوفة أن "إسرائيل واحة للديمقراطية" الكاذبة، ولتلميع وجه إسرائيل العنصري والإرهابي والتوسعي والعدواني القبيح.
تحث التعاليم التوراتية والتلمودية اليهود على الإيمان بالاختيار والتفوق والنقاء وعلى كراهية الشعوب الكنعانية والاستعلاء عليهم واستباحة أملاكهم وأراضيهم وإبادتهم.
وتطالبهم بالتسلط على الشعوب الأخرى وفرض إرادتهم عليها واستعبادها تطبيقاً لما جاء في سفر تثنية الاشتراع، إذ يقول: "يعلن اليهود السلام على الشعوب المقهورة إذا وافقت على دفع الجزية والعيش كعبيد."(4)
وتتضمن القوانين الإسرائيلية بعض ما ورد في التوراة والتلمود من المقولات العنصرية تجاه غير اليهود، وبشكل أساسي تجاه العرب لاقتلاعهم من أرضهم وترحيلهم وإحلال يهود العالم محلهم بالحروب العدوانية والتوسعية، وبالعنف والإرهاب والإبادة الجماعية، وتكريس الأمر الواقع بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وتطبيق القوانين العنصرية، وتحقيق الاستعمار الاستيطاني عن طريق بناء المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة.
وأقرت إسرائيل في الفترة الواقعة ما بين 1948 و1953 مجموعة من القوانين العنصرية الموجهة ضد مواطنيها العرب، وضد العرب في الأراضي العربية المحتلة ولمصلحة دولة اليهود ومواطنيها اليهود. ولا يزال هذا التوجه العنصري مستمراً حتى اليوم. فالعنصرية والتمييز العنصري أصبحا نهجاً ثابتاً في القوانين والممارسات الإسرائيلية.
ويدعم الشعب الإسرائيلي القوانين العنصرية التي تسنها وتطبقها إسرائيل تجاه العرب. وينتخب أكثر قادة إسرائيل عنصرية وإرهاباً تجاه العرب.
وتتسم شخصية الشعب الإسرائيلي بالإيمان بالمبادئ والقيم والأهداف الصهيونية والمشبّعة بروح الانتصارات العسكرية والقوة العسكرية، وروح الاستعلاء والتفوق والتمتع بامتيازات وبأوضاع لا يتمتع بها غيره من البشر، والإيمان بنقاء وعبقرية العرق اليهودي وتفوقه على العرب.
وتفرق الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية بين مواطنيها اليهود ومواطنيها العرب، أهل البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.
ويقود هذا الإيمان العنصري إلى تبرير الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية إلى لاستخدام القوة والإرهاب والإبادة الجماعية والاغتيالات وأخذ الرهائن وإسقاط الطائرات المدنية تجاه العرب. فالشعب الإسرائيلي يؤمن بالانغلاق والنقاء والتعصب والتسلط العنصري، والغطرسة والفخر والاعتزاز بالحروب العدوانية والانتصارات العسكرية، وبالتعامل مع العرب انطلاقاً من المقولة العنصرية التي تقول: "إن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة."
ويعتقد الشعب الإسرائيلي أن القوة وحدها كفيلة بتحقيق المجال الحيوي لليهودية العالمية ووليدتها إسرائيل، وفرض الهيمنة على البلدان العربية والمحافظة على سرقة الأراضي والممتلكات العربية والاحتفاظ بالمستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة.
وتغذي الصهيونية وإسرائيل في نفوس الشعب الإسرائيلي ويهود العالم الإيمان بالقوة والتفوق العسكري والتربية العسكرية والاستمرار في عسكرة المجتمع الإسرائيلي لإقامة إسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات.
ويعترف يشعيا بن فورات بهذه الحقائق ويقول: "منذ السابعة من عمري تربيت على العمل العسكري لاحتلال فلسطين. لقد نشأت في النمسا مع الإحساس بأنه سيجيء يوم نحتل فيه فلسطين بقوة السلاح. وعلموني على الاستهتار بالمواطنين العرب، وأنشؤوني على الإيمان بأن أرض "إسرائيل" لنا. وعندما هاجرت إلى فلسطين وعشت في الكيبوتس، لم يربوني على احترام العربي، ولم يزرعوا في نفسي أي إحساس بأن العرب واليهود سيعيشون معاً. كان التفكير الخفي والعلني أحياناً، هو أن العرب سيرحلون ونحن نبقى."(5)




- عنصرية قانون العودة الإسرائيلي

بدأت القوانين العنصرية في إسرائيل بالظهور منذ اليوم الأول من تأسيسها، وكان أولها قانون العودة، ولا تزال مستمرة حتى اليوم بالقوانين والقرارات التي تصادر بموجبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأراضي والممتلكات والمياه العربية في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، لمصلحة المستعمرات اليهودية والمستعمرين اليهود.
وتظهر سياسة التمييز العنصري الرسمية لإسرائيل في العديد من القوانين الأساسية لتدعيم الاستعمار الاستيطاني وترحيل العرب ومصادرة أراضيهم وتهويد فلسطين والمحافظة على النقاء العنصري للكيان الصهيوني وممارسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري تجاه العرب.
وتمارس إسرائيل سياسة التمييز العنصري تجاه العرب في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي النظام الإداري والقضائي. فالعرب في إسرائيل محرومون من ممارسة حقوقهم السياسية كأقلية قومية وكجزء من الشعب العربي الفلسطيني، ولا تعترف إسرائيل بأية حقوق قومية لهم، حيث أكد ذلك الجنرال اسحق رابين، رئيس وزراء العدو الأسبق وقال: "إن إسرائيل لا تعترف بالعرب كأقلية قومية في البلاد."(6)
ويجسد قانون العودة الصادر عام 1950 أول القوانين العنصرية في إسرائيل، حيث يعطي جميع يهود العالم حق العودة إلى فلسطين، بسبب دينهم اليهودي ويمنع الفلسطيني من ممارسة حقه في العودة إلى وطنه الذي رحلته (شردته) منه إسرائيل وأقرته الأمم المتحدة في القرار 194 ويقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وينص قانون العودة في فقرته الأولى أن "كل يهودي لـه الحق في العودة إلى البلاد كيهودي عائد." وعلق بن غوريون، مؤسس إسرائيل، على قانون العودة قائلاً: "إن إسرائيل ليست دولة يهودية، لأن اليهود يشكلون الأكثرية فيها فقط، بل هي دولة اليهود حيثما وجدوا، ودولة كل يهودي يرغب الإقامة فيها."(7)
وتمت الموافقة في الكنيست على هذا القانون العنصري انطلاقاً من الزعم الصهيوني القائل بأن فلسطين هي وطن جميع اليهود في العالم. ويعتبر قانون العودة من أكثر قوانين إسرائيل عنصرية، وليس لـه مثيل في قوانين أي بلد من بلدان العالم.
ويلاحظ من نص القانون أنه موجه إلى جميع اليهود في العالم يدعوهم للهجرة إلى فلسطين بغض النظر عن جنسيتهم وعن عدم وجود أية علاقة أو صلة بينهم وبين فلسطين، وإنما على أساس كونهم يهوداً، مما يشكل أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني وأسوأ أنواع العنصرية والتمييز العنصري.
ويهدف القانون إلى تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين واستعمارها، وموجه ليهود العالم فقط، ولا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين لكونهم من العرب. ويمنح القانون أي مهاجر يهودي المواطنة الإسرائيلية فور وصوله أرض فلسطين. أما أنا من مواليد قرية سلمة قضاء يافا، وولدتْ من أبوين فلسطينيين، ولي بها ذكريات طفولة وأواصر قرابة، ولوالدي في تل أبيب أراضٍ وأملاك تزيد ألف ضعف عما يملكه شارون وجميع وزرائه، ولا تسمح لي إسرائيل بالعودة إلى سلمة تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية والبند (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لذلك تساءل د.إسرائيل شاهاك عن حصر حق العودة باليهود فقط قائلاً:
"هل يحق لدولة إسرائيل- دولتي- والتي أنا أحد مواطنيها، أن تمنح أي يهودي حق العودة والسكن في حيفا ولو كان مولوداً في موسكو، بينما هي تمنع هذا الحق عن مَنْ وُلِد في حيفا؟"(8)
يقود قانون العودة الذي يهدف إلى تجميع أكبر عدد ممكن من يهود العالم في فلسطين إلى زيادة طاقات إسرائيل العسكرية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني. وبالتالي يخدم قانون العودة حروب إسرائيل العدوانية والتوسع والاحتلال وبناء المستعمرات اليهودية وتهويد الأراضي العربية المحتلة، وتغيير وجهها العربي. ويقود أيضاً إلى خرق فاضح للحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، ومنها حقه في وطنه وأملاكه وأراضيه، وحقه في العودة وتقرير المصير، كما يقود إلى انتهاك الحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني. ويعكس هذا القانون الفكر والممارسات العنصرية المسيطرة على إسرائيل، ويظهر بجلاء سياسة التفرقة العنصرية التي تمارسها إسرائيل تجاه الشعب العربي الفلسطيني. ويعطي هذا القانون لليهودي وضعاً متميزاً من غيره من البشر، إذ لـه الحق أن يأتي إلى فلسطين ويحصل فوراً على الجنسية، لأنه يهودي وبغض النظر عن المكان الذي ولد فيه وعلى الرغم من أنه لم ير فلسطين في حياته. ويجسد القانون التفرقة العنصرية تجاه الفلسطينيين كونهم عرباً وليسوا يهوداً، وينكر عليهم حقهم في العودة إلى وطنهم، وخاصة اللاجئين منهم الذين شردتهم إسرائيل عام 1948 وأرغمتهم على ترك مدنهم وقراهم من جراء المجازر الجماعية التي مارستها تجاههم. وبالتالي سنت إسرائيل هذا القانون العنصري لتهويد فلسطين العربية وتفريغ أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين منها.
ويمكن القول إن قانون العودة قانون عنصري ويجسّد عنصرية إسرائيل ولا مثيل لـه في العالم على الإطلاق، حتى في ألمانيا النازية إبان حكم هتلر أو في إيطاليا الفاشية إبان حكم موسوليني أو في جنوب أفريقيا إبان حكم نظام الأبارتيد العنصري.
شجبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار (2331) بتاريخ 18/11/1967 جميع الأيديولوجيات التي تقوم على أساس التعصب العنصري والإرهاب. وينطبق هذا الشجب على الأيديولوجية الصهيونية وعلى الكيان الصهيوني الذي يمارس العنصرية والإرهاب والإبادة الجماعية كسياسة رسمية. وجاء في القرار أن الجمعية العامة "تشجب شجباً حاسماً كل عقيدة، تقوم على أساس التعصب العنصري والإرهاب باعتبارها تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وتدعو جميع الدول إلى اتخاذ التدابير الفورية الفعالة اللازمة ضد جميع هذه الإجراءات المنبثقة عن النازية والتعصب العنصري."(9)
إن قانون العودة يشكل انتهاكاً فاضحاً لجميع المواثيق والعهود الدولية الخاصة بتحريم العنصرية والتمييز العنصري. ويخدم تهويد فلسطين على حساب سكانها الأصليين وأصحابها الشرعيين لمصلحة اليهود، الغرباء عنها والدخلاء عليها.
¾
¡ المصادر

(1)-الصهيونية اخطر أنواع العنصرية في تاريخ البشرية، وثائق اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية، دمشق 1995، ص 245.
(2)-قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1973، ص 6.
(3)-المصدر السابق، ص 7.
(4)-حمد الموعد، مجلة الأرض، العدد 11، دمشق آب 1987، ص 27.
(5)-د. جورجي كنعان، العنصرية اليهودية، دار النهار للنشر، بيروت 1983، ص 195 نقلاً عن يديعوت احرونوت في 8/9/1973.
(6)-جريدة الاتحاد (حيفا) في 1/6/1976.
(7)-روجيه غارودي، إسرائيل- الصهيونية السياسية، مركز الدراسات العسكرية- دمشق 1984، ص 99.
(8)-د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس، دمشق 1988، ص 105.
(9)-الجمعية العامة للأمم المتحدة، الوثائق الرسمية، الدورة (22)، الأمم المتحدة- نيويورك 1968، ص 93-94.

¾



- عنصرية قانون الجنسية الإسرائيلي

قدمت الحكومة الإسرائيلية قانون الجنسية إلى الكنيست بتاريخ 3/7/1950. وتمت الموافقة عليه بتاريخ 2/11/1951. وأصبح ساري المفعول بتاريخ 14/6/1952.
ويعالج "الجنسية" لليهود ولغير اليهود وينص على أن كل يهودي عائد يصبح مواطناً إسرائيلياً، ويتضمن اكتساب الجنسية الإسرائيلية لليهود بالعودة:
- أي شخص أتى كيهودي عائد إلى البلاد، أو ولد فيها قبل تأسيس الدولة.
- أي شخص أتى إلى البلاد كيهودي عائد بعد تأسيس الدولة.
- أي شخص ولد في إسرائيل بعد تأسيس الدولة.
ويتناول قانون الجنسية أوضاع غير اليهود وينص على أن الشروط السابقة لا تنطبق على:
1-شخص لم يعد من سكان إسرائيل قبل نفاذ هذا القانون.
2-الشخص الذي كان مواطناً فلسطينياً قبل تأسيس الدولة، والذي لم يصبح مواطناً إسرائيلياً بحسب المادة سيصبح مواطناً إسرائيلياً عملاً من يوم تأسيس الدولة إذا كان قد سجل في الأول من آذار 1952 كساكن في ظل التسجيل العام للسكان.
يعطي قانون العودة اليهودي الحق بالهجرة إلى إسرائيل. ويمنحه قانون الجنسية مباشرة الجنسية الإسرائيلية. بمجرد مجيئه كونه من اليهود ويجسد القانونان المزاعم والادعاءات الصهيونية وبشكل خاص الزعم بأن يهود العالم يشكلون شعباً عالمياً واحداً، وعرقاً نقياً خالصاً متفوقاً، وأن فلسطين وطن لجميع اليهود أينما كانوا.
وعلق بن غوريون خلال مناقشة الكنيست للقانونين بأنهما هما الشرعية التي وعدنا بها كل يهودي في المنفى، وأن هذا الحق يولد مع اليهودي لمجرد كونه يهودياً.
وأكدت الحكومة الإسرائيلية موقفها من قانون الجنسية في نشرة رسمية ورد فيها: "إن اليهودي الذي يهاجر إلى إسرائيل، يعتبر عائداً إلى دولته، ولذا فهو يعتبر مستحقاً للجنسية حالما يطأ ترابها."
ولكن حاييم كوهين، عضو المحكمة العليا الأسبق عبر عن رأيه في عنصرية قانون الجنسية، وشبهه بقوانين نورنبيرغ العنصرية التي سنها هتلر تجاه اليهود وقال: "إن سخرية القدر قد شاءت أن تكون المعايير البيولوجية والعنصرية التي روّجها النازيون، والتي استوحت منها قوانين نورنبيرغ المخزية هي الأساس لتحديد المواطنية رسمياً في إسرائيل". ووافق الكنيست في 17 أيار على تعديل قانون الجنسية يخّول وزير الداخلية صلاحية منح الجنسية الإسرائيلية لليهودي حتى قبل وصوله لإسرائيل.
لماذا يعتبر قانون الجنسية الإسرائيلي من أكثر القوانين في العالم إغراقاً في العنصرية والتمييز العنصري؟ يعتبر قانون الجنسية من أسوأ القوانين في العالم وأكثرها إغراقاً في العنصرية وحتى أسوأ من قوانين نورنبيرغ العنصرية لأنه صدر بعد القضاء على النازية وبعد محاكمات نورنبيرغ وبعد الموافقة على العديد من المواثيق الدولية التي تحرم العنصرية وللأسباب التالية:
1- يشمل القانون جميع اليهود في العالم، بغض النظر عن جنسيتهم أو قوميتهم. وتفرض الجنسية على اليهودي بمجرد دخوله إلى البلاد ولو كان بغرض التجارة أو السياحة، إلا إذا أعلن قبل دخوله بأنه لا يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
2- يمنح القانون "الجنسية" كل يهودي يصل إلى إسرائيل، بينما لا يعطي هذا الحق لغير اليهودي، وبشكل خاص اللاجئين الفلسطينيين الذين تتحمل إسرائيل مسؤولية تشريدهم وترحيلهم ووضعهم المأساوي الذي يعيشون فيه في مخيمات اللجوء داخل فلسطين وخارجها في صبرا وشاتيلا وعين الحلوة وغيرها.
3- ينطلق القانون من الدين كأساس للحصول على الجنسية. وبالتالي فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي أقامت قانون الجنسية على أساس الدين.
4- وبموجب قانون الجنسية يحصل اليهودي على الجنسية الإسرائيلية دون التخلي عن جنسيته الأصلية، وبالتالي يقود هذا القانون إلى ازدواجية الولاء عند اليهود أينما كانوا، وهذا أمر غير مرغوب فيه في عالم اليوم، لأنه يولد العديد من المشاكل وخاصة فيما يتعلق بالولاء للوطن والضرائب والخدمة الإلزامية والتجسس.
الفلسطينيون وقانون الجنسية

انتهت الجنسية الفلسطينية في اليوم الذي تأسست فيه إسرائيل في الحدود التي رسمها لها قرار التقسيم. وألغى قانون الجنسية الإسرائيلي لعام 1952 الجنسية الفلسطينية السابقة بمفعول رجعي يعود إلى يوم تأسيس إسرائيل في 15 أيار 1948.
وضعت الحكومة الإسرائيلية عندما سنت قانون الجنسية نصب أعينها عدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم، على الرغم من أنها تتحمل المسؤولية التاريخية والسياسية والأخلاقية والمادية على ترحيلهم الإجباري. وذلك بعدم منحهم جنسية الدولة الإسرائيلية التي احتلت أراضيهم بغية الاستيلاء عليها وإحلال مهاجرين يهود محلهم. وبالتالي نزع الجنسية عن الفلسطينيين ومنحها لليهود وفرضت قيوداً عديدة على حصولهم عليها منها:
- أن يثبت الفلسطيني أنه كان مواطناً فلسطينياً قبل قيام إسرائيل.
- أن يكون قد تم تسجيله بتاريخ 1/3/1952 كمواطن مقيم.
- وأن يكون من سكان إسرائيل منذ بدء سريان مفعول قانون الجنسية.
وبالطبع يستحيل على اللاجئ الفلسطيني وحتى على الكثير من الفلسطينيين داخل إسرائيل توفير هذه الشروط، لأن القلائل من الفلسطينيين كانوا يحملون هويات أو جوازات سفر، والعديد ممن لديهم مثل هذه الوثائق تركوها في منازلهم عندما اندلعت الاشتباكات وارتكبت إسرائيل المجازر. وكانت العصابات اليهودية المسلحة تصادر الوثائق التي تجدها لدى الفلسطينيين أو في منازلهم.
وتتجسد الملامح العنصرية لقانون الجنسية الإسرائيلي لفلسطينيي 1948 بما يلي:
* تم نزع الجنسية الفلسطينية عن الفلسطينيين داخل إسرائيل وعن جميع اللاجئين الفلسطينيين. ووضع القانون عليهم العديد من القيود الصعبة والمستحيل توفرها.
* وضع القانون القيود على الفلسطينيين للحصول على الجنسية لأنهم عرب، ولم يضع القيود على اليهود لأنهم يهود. وبالتالي يفرق قانون الجنسية بين المواطن اليهودي والعربي. وينتزع عن الفلسطيني جنسيته الأصلية بينما يبيح لليهودي ازدواج الجنسية.
* طردت إسرائيل عن طريق العنف والمجازر الجماعية أكثر من مليون فلسطيني ومنعتهم من العودة واعتبرتهم من الغائبين. وصادرت أراضيهم وممتلكاتهم بموجب قانون الغائبين العنصري.
يتناقض قانون الجنسية الإسرائيلي مع قرار الجمعية العامة رقم 2544 في الدورة 24 عام 1971 الذي أكد "العزم الوطيد على تحقيق القضاء التام غير المشروط على التمييز العنصري والعنصرية، لأنها تتنافى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتشكل جريمة ضد الإنسانية."
وينتهك قانون الجنسية العهد الدولي لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري والذي ينص في مادته الخامسة على تحريم وإزالة التمييز العنصري بكافة أشكاله، وتتضمن الحق لكل إنسان في المساواة أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو العرق، وخاصة الحقوق التالية:
1-حق حرية الانتقال والإقامة داخل حدود الدولة.
2-حق مغادرة أي بلد بما في ذلك بلاده وحق العودة إلى بلاده.
3-الحق بالحصول على الجنسية.
إن إسرائيل تعتقد بأن لها خصوصية خاصة وتتمتع بمكانة فريدة في العالم، لذلك يجوز لها ما لا يجوز لغيرها، ويجوز لليهود ما لا يجوز لغيرهم من البشر. وانطلاقاً من خصوصيتها العنصرية تعتقد بأن ما يسري من مفاهيم ومبادئ إنسانية على دول العالم لا يسري عليها. ويرفض يهود العالم معاملتهم مثل بقية البشر، بل يصرون على وجوب معاملتهم معاملة خاصة مميزة لأنهم فوق البشر، وفوق جميع شعوب العالم وبشكل خاص العرب. ويؤيدون عنصرية إسرائيل وعنصرية القوانين الإسرائيلية ويرفضون كل ما يتعارض مع مخططاتها التوسعية ومساعيها للهيمنة على الاقتصادات والبلدان العربية.
جاء قانون الجنسية الإسرائيلي على أساس الدين اليهودي، وبالتالي فإن جوهره يقوم على أساس عنصري، ولهذه الأسباب المذكورة يعتبر قانون الجنسية الإسرائيلي قانوناً مغرقاً في العنصرية والتمييز العنصري.



- عنصرية قوانين الأراضي

تتجسد عنصرية إسرائيل ليس فقط في قانوني العودة والجنسية وإنما أيضاً في مجموعات أخرى من القوانين لمصادرة الأراضي العربية وقوانين الطوارئ التي بلغت (170) مادة.
وتأتي في مقدمة القوانين لمصادرة الأراضي العربية القوانين التالية:
* قانون أملاك الغائبين لعام 1950.
* قانون استملاك الأراضي لعام 1953.
* وقانون تقادم الزمن لعام 1975.
عنصرية قانون أملاك الغائبين.

روّجتْ الصهيونية أكذوبة عن فلسطين العربية على أنها "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". وتعني هذه العبارة أن الصهيونية لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني وملكيته لفلسطين، لكي تأخذ فلسطين لليهود وتصبح أرضاً يهودية.
ظهرت بدايات عنصرية الصهيونية بالنص الذي وضعه القادة الصهاينة في نظام الصندوق القومي اليهودي لعام 1901 ونص على أن أي أرض يمتلكها الصندوق لا يجوز بيعها أو تأجيرها لغير اليهود.
وأقرت الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 20/3/1950 قانون أملاك الغائبين لمصادرة الأراضي والممتلكات العربية لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني أجبرتهم إسرائيل على الرحيل من وطنهم فلسطين لإحلال مهاجرين يهود محلهم. ويعتبر الغائب بموجب هذا القانون كل مواطن ترك مكان إقامته الاعتيادي إلى خارج فلسطين قبل الأول من أيلول عام 1948، أو ترك إلى مكان في فلسطين كان خاضعاً لقوات هدفها منع قيام إسرائيل أو حاربتها بعد قيامها. واعتبرت إسرائيل بموجب هذا القانون (الذي يشمل العرب فقط ولا ينطبق على اليهود) سكان مناطق في الجليل والمثلث كانت تحت سيطرة الجيوش العربية قبل الأول من أيلول 1948، واحتلتها إسرائيل أو ضمتْ إليها بموجب اتفاقية رودس التي وقعتها مع الأردن (كمدينة أم الفحم) من الغائبين. واستولت إسرائيل على أراضيهم وممتلكاتهم وانتقلت ملكيتها وملكية أراضي وأملاك اللاجئين والمهجّرين الفلسطينيين داخل فلسطين إلى القيّم على أملاك الغائبين. وقام القيّم اليهودي بتسليمها إلى مستعمرات يهودية مجاورة ولشركات يهودية. وأسكن في المنازل العربية مهاجرين يهوداً.
والهدف الأساسي من وضع هذا القانون العنصري هو استيلاء اليهود على الأراضي والممتلكات العربية وإقامة المستعمرات والمنشآت اليهودية عليها تجسيداً للهدف الصهيوني باحتلال فلسطين وتهويدها.
واعتمدت إسرائيل على هذا القانون لمصادرة معظم أراضي وأملاك المواطنين العرب الذين لم يغادروا فلسطين، ومصادرة أملاك الوقف الإسلامي والتي تقدر بحوالي 1/16 من مجموع مساحة فلسطين.
علق توفيق طوبي، النائب العربي في الكنيست آنذاك عن عنصرية قانون أملاك الغائبين قائلاً:
"إن هذا القانون تعبير عن التمييز ضد السكان العرب. إن الوظيفة الحقيقية لهذا القانون هي أن ينهب وينهب أكثر وأكثر"(1).
طبقت إسرائيل قانون أملاك الغائبين، ليس فقط على الأراضي الزراعية والأملاك المنقولة وغير المنقولة، بل على السكان العرب في المدن، كمدينة عكا، حيث كتب الصحفي الإسرائيلي دون بيرتس عن ذلك يقول: "كل عربي غادر مدينته أو قريته بعد 19/11/1947 يمكن أن يصنف بموجب هذا القانون كغائب، لكن كل العرب في مدينة عكا الذين يملكون أراضياً في مدينة عكا الجديدة، ولو أن بعضهم لم يسافر حتى مئات من الأمتار، بل أمتار قليلة جداً عن المدينة القديمة اعتبر هؤلاء غائبين، ولقد صودرت أملاك(30) ألف عربي واعتبروا غائبين لأن هؤلاء تنقلوا من مكان إلى آخر، رغم أنهم لم يغادروا البلاد"(2).
جرى تطبيق القانون العنصري على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل من قراهم من جراء المجازر الجماعية (كمجزرة دير ياسين) والمعارك العسكرية إلى قرى قريبة تحت سيطرة القوات الإسرائيلية أو أجبروا على اللجوء إلى الضفة الغربية وإلى الدول العربية المجاورة. ولم يطبق هذا القانون على يهودي واحد.
يخوّل القانون بموجب الفقرة 28 القيّم على أملاك الغائبين اعتبار أي شخص أو جماعة من الغائبين، دون أن يحق لأحد التحقيق معه حول المعلومات التي اعتمد عليها لاعتبارهم من الغائبين. ويبقى قراره نافذ المفعول ولا يمكن إبطاله حتى لو ثبت أن الشخص أو الأشخاص لم يكونوا من الغائبين.
وقام القيم على أملاك الغائبين بمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين اعتبرهم غائبين في إسرائيل والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان. كما قام بمصادرة أراضي وأملاك الوقف الإسلامي التابع للمساجد والمدارس الدينية.
العنصرية في قانوني التصرف واستملاك الأراضي

يشترط قانون التصرف على صاحب الأرض أن يزرع أرضه شخصياً وألا يستولي عليها وزير الزراعة الإسرائيلي. وكان عشرات الآلاف من الفلاحين الفلسطينيين قد أجبروا على الرحيل بالإرهاب والمجازر الجماعية، كما أبعد الجيش الإسرائيلي أعداداً كبيرة من الفلاحين عن قراهم، مما جعل من المستحيل عليهم زراعة أراضيهم، وبالتالي استولت عليها الحكومة الإسرائيلية.
ويمنح هذا القانون الشرعية للأشخاص والهيئات والشركات والجماعات اليهودية التي استولت على أراضٍ عربية غير مزروعة. وبالتالي يضفي هذا القانون الشرعية على أعمال السلب والنهب التي قام بها اليهود والمستعمرات اليهودية للأراضي العربية.
جاء هذا القانون مكملاً لقوانين الطوارئ، فعندما يعلن الحاكم العسكري الإسرائيلي عن قطعة من الأرض العربية أنها منطقة مغلقة أو أمنية تطبيقاً لأحكام المادة (125) من قوانين الطوارئ، فإنه يحظر على مالكي الأرض العرب الدخول إليها، وبالتالي يُحظر عليهم زراعتها، فتصبح أراضياً غير مزروعة، فيصدر وزير الزراعة الإسرائيلي قراراته بالاستيلاء عليها من أجل زراعتها، فيعطيها لشركات أو أشخاص من اليهود. وهنا تتجلى عنصرية إسرائيل وهمجيتها بأبشع مظاهرها، لأن الهدف الأساسي من هذا القانون العنصري الاستيلاء على الأراضي العربية بموجب القانون لإضفاء صفة القانونية ودولة القانون على إسرائيل والتي تعتبر بحق أبشع دولة عنصرية ظهرت في تاريخ البشرية.
استخدمت إسرائيل قانون الغائبين وقوانين الطوارئ لترحيل الفلسطينيين الذين بقوا داخلها من قراهم، ومن ثم تدميرها والاستيلاء عليها وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاضها.
وخوّل قانون استملاك الأراضي وزير المالية الإسرائيلي ملكية الأراضي بموجب القوانين السابقة إلى ملكية دولة إسرائيل إذا توفرت أحد الشروط التالية:
* إذا لم يكن العقار أو الأرض تحت تصرف مالكه في 1/4/1952.
* إذا كان العقار أو الأرض قد خصص في المدة الواقعة ما بين 14/5/1948 وحتى 1/4/1952 لأغراض التطوير أو الاستيطان أو الأمن.
* إذا كان العقار أو الأرض ما زال مطلوباً لاستخدامه للأغراض السابقة.
إنَّ الهدف من قوانين الأراضي التي شرعتها إسرائيل هو نهب الأراضي الفلسطينية وسرقتها عن طريق القانون. وبالتالي الاستيلاء عليها من أصحابها العرب وتسليمها للمهاجرين اليهود لتغيير الوجه العربي لها وتهويدها.
إن جميع هذه القوانين العنصرية طبقت وتطبّق فقط على مواطني إسرائيل العرب وليس اليهود، وذلك لكونهم عرباً دون أن تستولي على دونم واحد من أراضي اليهود منذ تأسيس إسرائيل وحتى اليوم. فالتمييز العنصري القائم على الدين هو الذي دفع بالحكومة الإسرائيلية على سن قوانين الأراضي لجعل إسرائيل دولة يهودية خالصة، بمصادرة الأراضي العربية وترحيل أصحابها العرب.
ويمكن القول إنَّ العنصرية والتمييز العنصري هي الصفة الأساسية لتشريع القوانين في إسرائيل تجاه العرب. وتؤكد قوانين الأراضي الطابع العنصري لإسرائيل، لأن هذه القوانين تميز بين مواطنيها بسبب دينهم، وتنتهك انتهاكاً فاضحاً أبسط مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري.
يحذّر د.إسرائيل شاهاك في كتابه "عنصرية إسرائيل" من مغبة ممارسة إسرائيل للعنصرية والتمييز العنصري ويخشى أن تؤدي إلى ظهور عنصرية تجاه اليهود ويقول: "ليس هناك حدود لحقوق الإسرائيليين اليهود. لن يتمكن اليهود طويلاً من تطبيق مبادئ عنصرية بحجة خاطئة يدعونها مصلحة اليهود. يجب استئصال العنصرية من المجتمع الإسرائيلي. فإذا لم تستأصل العنصرية من إسرائيل... فإني لا أشك مطلقاً في أن المستقبل كفيل بإظهار عنصرية من نوع آخر لا تخطر ببال، تتأسس ضد اليهود أنفسهم"(3).
ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي أهارون كوهين عنصرية القوانين الإسرائيلية في كتابه "إسرائيل والعالم العربي" ويقول: "إنَّ القوانين الإسرائيلية تعاقب العرب، ليس بسبب مخالفات ارتكبوها، أو مؤامرات حاكوها، وإنما بسبب مخالفات كان يمكن أن يرتكبوها، أي أنها تعاقبهم بسبب كونهم عرباً"(4)
ويؤكد د.شيرشيفسكي الطابع العنصري لقوانين الأراضي ويقول: "إن سرقة الأراضي من الناس، السكان الذين يعيشون في الدولة، وهم مواطنون. يوجد فرق واحد بينكم وبينهم، هم عرب وأنتم يهود"(5).
يعتبر تشريع مثل هذه القوانين أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري ويشكل انتهاكاً فاضحاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية تحريم العنصرية والتمييز العنصري. وتؤكد الطابع العنصري لدولة إسرائيل.
لم تكتف إسرائيل في قوانين الأراضي العنصرية التي سنتها في المراحل الأولى من تأسيسها بل استمرت في هذه السياسة العنصرية منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم.
وحددت عملية تصعيد الاستيلاء اليهودي على الأراضي العربية في بداية عام 1976 في نطاق الخطة التي وضعتها لتهويد الجليل الغربي.
صادرت إسرائيل في بداية عام 1976 حوالي (20) ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرب السواعد ودير حنا، مما أدى إلى تفجير المظاهرات العارمة في يوم الأرض الموافق في 30 آذار 1976. وصادرت في بداية عام 1978 إسرائيل (1300) دونم من أراضي قرية جولس والمكر قرب عكا. وصادرت في نيسان عام 1979 (442) دونماً من أراضي قرية كوكبة أبو الهيجاء، و(300) دونم من أراضي قرية معليا. ولم تقتصر إجراءات مصادرة إسرائيل لأراضي مواطنيها العرب في الجليل الأوسط والغربي وإنما امتدت لتشمل البدو في النقب.
ففي نيسان 1978 صادرت (26) ألف دونم في منطقتي الأكسم وأبو قرينات و(157) ألف دونم في المنطقة الواقعة قرب تل الملح شرقي بئر السبع.
نهبت إسرائيل ليس فقط أراضي وأملاك اللاجئين الذين أجبرتهم على الرحيل وإنما أيضاً أراضي وأملاك العرب الذين بقوا فيها وعرفوا بالحاضرين الغائبين، مما حمل رئيس اللجنة القانونية في الكنيست، الفيلسوف مارتن بوبر على القول أمام الكنيست:
"أن الهدف الحقيقي لقانون مصادرة الأراضي هو سرقة الأراضي من سكان الدولة الذين هم من المزارعين مثلكم ومواطني إسرائيل مثلكم، وبينكم وبينهم فارق واحد: فهم عرب وأنتم يهود"(6).
وأقر الكنيست في 24/2/1981 قانوناً مغرقاً في العنصرية والتمييز العنصري تجاه العرب وهو "قانون طرد الغزاة من أرض إسرائيل"، وهو من أكثر القوانين بشاعة ووقاحة، وهمجية وعنصرية في العصر الحديث، ولا مثيل لـه على الإطلاق في العالم حتى إبان الحكم النازي في ألمانيا.
أدت سياسة إسرائيل بمصادرة الأراضي العربية إلى تدهور أحوال مواطنيها العرب المعيشية وأوضاعهم الاقتصادية، حيث حوّلت قوانين الأراضي العنصرية الفلاح العربي إلى عامل يعمل في المستعمرات والمدن اليهودية، ويعاني من الاضطهاد القومي والتمييز العنصري والاستغلال بصفته عربياً. ويتقاضى أجراً أقل بكثير من أجر العامل اليهودي على العمل نفسه. وهو أول من يتعرض للتسريح والطرد عند ظهور بوادر الأزمات الاقتصادية.
أدت ممارسات إسرائيل العنصرية والتضييق الاقتصادي على العرب، ومصادرة الأراضي العربية إلى استفحال أزمة السكن في الأحياء والقرى العربية. وذلك بسبب عدم سماح السلطات الإسرائيلية للعرب بالبناء وبسبب النمو السكاني. وأدى ذلك إلى تفاقم أزمة السكن في يافا واللد والرملة وعكا وحيفا وحتى في القدس القديمة، للتضييق على السكان العرب ولتصفية الأحياء العربية وتفريغها من العرب ليتسنى لها تهويدها.
وأصدرت إسرائيل بتاريخ 28/12/1982 قانوناً عنصرياً آخر "قانون البناء والتخطيط"، وذلك لمنع القرى والتجمعات العربية من التوسع على الرغم من الازدحام السكاني الذي تعانيه، لحمل الشباب منهم على الهجرة خارج فلسطين. ووصلت العنصرية في المجتمع الإسرائيلي حداً لم يستطع فيه محمد وتد، عضو الكنيست السابق عن حزب المابام من استئجار شقة أو غرفة في تل أبيب.
وتورد بعض الصحف الإسرائيلية العديد من الأمثلة اليومية التي تدل دلالة واضحة على عنصرية المجتمع الإسرائيلي. فذكرت صحيفة هاعولام هازيه الصادرة في 29/4/1982 أن طالباً عربياً من كلية العلوم الإنسانية في جامعة تل أبيب اضطر إلى تبديل اسمه من علي إلى إيلي بعد أن عجز عن إيجاد غرفة ليسكن فيها، وأن شاباً عربياً آخر اسمه عبد الله اضطر إلى تغيير اسمه عوفيديا لكي يعمل كممرض في أحد المستشفيات، وعامل آخر يعمل في أحد فنادق تل أبيب باسم يوسي بدلاً من يوسف كي يحافظ على عمله.
وذكرت هاعولام هازيه أن شاباً عربياً دخل أحد النوادي اليهودية، فانتهره بعض اليهود الموجودين في النادي قائلين: عربي، عربي قذر كيف تجرؤ على دخول ناد يهودي؟ وهجموا عليه وضربوه بشكل وحشي وألقوا به خارج النادي.
كان د.إسرائيل شاهاك من أبرز المعترضين الذين يعدون على الأصابع على عنصرية القوانين، وعنصرية إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي وكتب يقول: "لا أعترض على هذه الممارسات لكوني إنساناً، بل لأنني يهودي أيضاً. وأنا فخور بكوني يهودياً ولا أستطيع أن أطالب بهذه الحقوق كاملة لليهودي في جميع أصقاع العالم، ما لم أطالب بمثل هذه الحقوق للشعب الفلسطيني"(7).
وتحدث د.إسرائيل شاهاك في مؤتمر صحفي عقده في لندن عن عنصرية الصهيونية والتشابه بينها وبين النازية وقال: "وكوني تحملت الكثير من اضطهاد النازية وشرورها، وما زلت أدينها فإنني أشعر الآن بمسؤولية ووواجب يحملان على إدانة النازية اليهودية التي هي بمثابة تجديف على اسم الله تعالى. إن المجدفين على اسم الله هم أولئك الذين يسيرون على آثار هتلر ويقتفون خطواته، إنها تلك الفئة التي تجعل التهجير (تهجير الشعب الفلسطيني) حقاً والاضطهاد عدلاً(8).
إنَّ عنصرية إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي تتنافى مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي بخصوص القضاء على التمييز العنصري بأشكاله كافة، والعقد الدولي بشأن مكافحة العنصرية والتمييز العنصري.
لذلك فإن الأمم المتحدة والشرعية الدولية مطالبة بإدانة عنصرية إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي تجاه العرب، تماماً كما أدانت وتدين النازية في ألمانيا والأبارتيد في جنوب أفريقيا ومحاكمة قادة إسرائيل وعلى رأسهم السفاح شارون كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين.
¾
¡ المصادر

(1) مجلة الأرض، العدد 11، 1987، ص38.
(2) دون بيرتس، إسرائيل وعرب فلسطين، واشنطون، معهد دراسات الشرق الأوسط، ص122.
(3) د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس، دمشق 1988، ص71-74.
(4) مجلة الأرض، العدد 11، آب 1987، ص28 نقلاً عن كوهين "إسرائيل والعالم العربي"، 1964، ص509.
(5) جريدة هآرتس الإسرائيلية في 14/1/1955.
(6) مجلة الحياة الدولية السوفييتية، العدد 12 العام 1971، ص104.
(7) قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية –بيروت 1973، ص22.
(8) د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس، دمشق 1988، ص99.

¾



- عنصرية قوانين الطوارئ


استغلت إسرائيل قوانين الطوارئ التي وضعتها حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين لتطبقها على العرب واليهود، وطبقتها فقط على العرب لكونهم عرباً، على الرغم من أنهم من مواطنيها. ولم تطبقها على اليهود لكونهم يهوداً.
وفرضت بموجبها الحكم العسكري على الأقلية العربية فيها في مناطق الجليل والمثلث والنقب. وطبقتها بشكل أقسى وأعنف بكثير مما كانت تطبقه بريطانيا على اليهود والعرب.
وتسلب قوانين الطوارئ المواطن العربي الحقوق الأساسية للإنسان وحتى حقه في أملاكه، في أراضيه وممتلكاته، وتشكل خطراً دائماً على حريته وحياته وأملاكه.
عارض اليهود إبان الاحتلال البريطاني قوانين الطوارئ واحتجوا عليها. ووصفها المحامي اليهودي شابيرا (تولى وزارة العدل بعد تأسيس إسرائيل) في السابع من شباط عام 1946 وقال عنها.
"إنَّ هذا القانون (قانون الطوارئ) لم يسبق لـه مثيل في الدول المتحضرة، حتى في ألمانيا النازية لا وجود لقانون مماثل"(1).
وعبّر عنها مؤتمر المحامين اليهود الذي انعقد في تل أبيب بتاريخ 7/2/1946 أصدق تعبير في قراراته التي ورد فيها: "إن الصلاحيات التي منحت للسلطات حسب قوانين الطوارئ تسلب المواطن الحقوق الأساسية للإنسان. إن هذه القوانين تهدم القانون والقضاء وتشكل خطراً شديداً على حرية الفرد وحياته، وتقيم نظام عنف، دون أية رقابة قضائية"(2).
طبقت إسرائيل قوانين الطوارئ التي استنكرها وأدانها المحامون اليهود على العرب ودون اليهود، مما يجعل لها طابعاً عنصرياً ويدمغها بالعنصرية والتمييز العنصري.
تتألف قوانين الطوارئ والتي تعرف بقوانين الحكم العسكري من (170) مادة مقسمة إلى (15) فصلاً. وتفرض المادتان 109 و 110 على العرب القيود المحدودة التي تتعلق بالعمل والسكن والإقامة. فيسكن المواطن العربي في إسرائيل في المنطقة التي يحددها الأمر العسكري، ولا يُسمح لـه بتغيير السكن أو مغادرة المدينة أو القرية من دون تصريح خطي.
وتخوِّل المادة (111) الحاكم العسكري الإسرائيلي اعتقال أي شخص ودون محاكمة مدة طويلة من الزمن، وكانت المدة غير محددة في الماضي، أي أنه كان بإمكان إسرائيل أن تعتقل أي شخص مدى الحياة، ولكنها حددتها فيما بعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بمدة ستة أشهر دون تقديمه للمحاكمة. وتمنح المادة (112) الحاكم العسكري الإسرائيلي حقَّ نفي أو طرد أي عربي خارج البلاد ومنعه من العودة إليها. وبموجب المادة (119) تصادر إسرائيل أو تهدم أملاك أي عربي إذا أطلق رصاصة أو ألقى حجراً أو قنبلة على الجيش أو الشرطة أو المستعمرين اليهود.
وتبيح المادة (121) لوزير الحرب الإسرائيلي مصادرة أملاك مَنْ تثبت مخالفته لقوانين الحكم العسكري ويحق للحاكم العسكري، بموجب المادة (124) أن يفرض منع التجول الشامل أو الجزئي على حي أو مدينة أو الضفة الغربية وقطاع غزة ويحدد مداها ومدتها.
وتعتبر المادة (125) من أخطر مواد قوانين الطوارئ أو الحاكم العسكري إذ بموجبها يسمح للحاكم العسكري الإسرائيلي الإعلان عن منطقة مغلقة لأسباب أمنية، فيمنع أصحابها العرب من زراعتها، وذلك مقدمة لمصادرتها وتهويدها وبناء المستعمرات والمزارع اليهودية عليها.
يقول شيمون بيرس، سفاح قانا عن أهمية المادة 125 للهجرة اليهودية والاستعمار الاستيطاني ما يلي: "إن تطبيق القانون رقم 125 الذي اعتمد عليه في تشكيل الحكم العسكري هو استمرارية مباشرة للنضال في سبيل الهجرة والاستيطان اليهودي"(3).
واستخدمت إسرائيل قوانين الطوارئ (الحكم العسكري) الذي وضعتها حكومة الانتداب البريطاني للمحافظة على الاستعمار البريطاني لفلسطين العربية لمصادرة الأراضي والممتلكات العربية وتهويدها، وللتضييق على العرب وعلى حياتهم وعملهم وتعليمهم للحيلولة دون تطور المجتمع الفلسطيني والإنسان الفلسطيني كمقدمة لترحيله من وطنه فلسطين.
وصف د.إسرائيل شاهاك قسوة ووحشية إسرائيل في تطبيق قوانين الحكم العسكري على العرب مقارنة مع تطبيق بريطانيا لها قائلاً:

"إن بريطانيا لم تنسف بيت إرهابي يهودي، مثلاً بيت يائير استير (زعيم عصابة شتيرن) حيث كان يختبئ، وحيث قُتِل من قبل الإنكليز، فإن بيته لا يزال قائماً حتى الآن في تل أبيب"(4).
وتسجن إسرائيل أي مواطن عربي دون توجيه أي تهمة إليه بحجة "أمن إسرائيل"، ولا يمكن للسجين العربي أن يلجأ إلى المحاكم المدنية. وتقوم الشرطة والمخابرات الإسرائيلية بتعذيب المتهم العربي، وتنتزع منه بالتعذيب والوحشية والهمجية الإسرائيلية سبباً لإدانته. وتحكم المحاكم العسكرية بموجب الاعتراف الموهوم الذي انتزع بالتعذيب. ولا تكترث إسرائيل لاعتراضاته وقوله بأن الاعتراف أخذ بالقوة، على الرغم من وجود ووضوح آثار التعذيب على جسده.
كتب فالتر شفارتس في مؤلفه "العرب في إسرائيل" الذي نشر في لندن عن وضع الأقلية العربية على لسان أحد أبناء الناصرة ما يلي:
"إنهم يستولون على أراضينا، وعندما نسألهم عن السبب يقولون لأسباب تتعلق بالأمن. ويحظرون علينا أية وظيفة أو منصب في الدولة. وعندما نسألهم عن السبب يقولون لأسباب تتعلق بالأمن. وعندما نسألهم كيف يمكن أن نكون نحن وأملاكنا ووظائفنا خطراً على أمن الدولة: يلتزمون الصمت، فإن سألناهم عن صمتهم، أجابوا أن ذلك لأسباب تتعلق بالأمن"(5).
فوضعت ثلاثة قوانين أساسية بعد تأسيسها الأول: قانون العودة ويعطي كل يهودي فقط في العالم حق المجيء إليها بصفة يهودي عائد. والثاني قانون الجنسية: ويمنح اليهود فقط الجنسية الإسرائيلية. والثالث قانون المنظمة الصهيونية العالمية: ويحدد الوضع القانوني لها ويفوضها في موضوع الهجرة والاستيعاب وتجميع "الشتات اليهودي". ووفّر الآليات القانونية لتأكيد المعاملة التمييزية لليهود. وأسس للشراكة القانونية بينها وبين دولة إسرائيل من أجل تهويد فلسطين العربية. ويقيم القانون رابطة بين جميع اليهود في العالم وإسرائيل بغض النظر عن جنسية البلد الذي يقيمون فيه. ويتصف هذا القانون بالعنصرية ويؤدي إلى التدخل في الشؤون الداخلية لمواطنين يهود يعيشون في مختلف أصقاع الدنيا.
"والحقيقة أن المنظمة الصهيونية العالمية (الوكالة اليهودية) هي شريك قانوني كامل لدولة إسرائيل، وهي أداة الدولة لتزويد اليهود حصراً
بالمعونات"(6).

وتخدم هذه المنظمة اليهود فقط.
وتتجسد العنصرية في قانون الصندوق القومي اليهودي لعام 1953 الذي يعتبر أن الأراضي التي يملكها الصندوق أراضٍ يهودية لا يحق التصرف بها أو تأجيرها أو بيعها لغير اليهود أي العرب الذين صودرت منهم بقوة الاحتلال والاغتصاب والقوانين العنصرية.
ويملك الصندوق القومي اليهودي 92% من الأراضي في إسرائيل حصل عليها من مصادرة الأراضي العربية والقليل جداً منها عن طريق الشراء. ويعتبر الصندوق الأراضي العربية المصادرة وقفاً يهودياً أبدياً.
وتظهر عنصرية إسرائيل بجلاء في سياسة الانغلاق العنصري الذي تمارسه هي والمجتمع الإسرائيلي تجاه المواطنين العرب فيها، بسبب انتمائهم الديني والقومي.
فأصدرت إسرائيل قانون توزيع السكان في أيار 1975 الذي يحظر على غير اليهود الإقامة والسكن في بعض الأماكن والمدن. ويقضي القانون بتشجيع انتقال اليهود من وسط البلاد إلى مدينة الخليل ومنطقة النقب، كما يسمح بنقل السكان من هذه المناطق لتهويد الخليل والنقب وتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني.
أقامت إسرائيل مدينة كرمئيل عام 1965، لتهويد مدينة الناصرة العربية في المستقبل على أراضٍ انتزعتها إسرائيل من أصحابها العرب، أهالي قرية دير الأسد.
إن مدينة كرمئيل وقف على اليهود، محظور على العرب السكن أو فتح متجر فيها.
وضرب د.إسرائيل شاهاك أمثلة على ذلك منها إن ضابط شرطة سابق غير يهودي، منع من فتح مقلع للحجارة بجانبها، كما منع محمد معروف، وهو رجل غني من دير الأسد، من فتح مصنع فيها.
ونشرت صحيفة هآرتس مقابلة أجرتها مع موشي بريشور، أمين سر رابطة عمال كرمئيل تظهر عنصرية المجتمع الإسرائيلي حيث قال فيها:
"لا نريد أن يقيم أو يعمل هنا سوى اليهود فقط"(7) ولكن مراسل الجريدة لفت نظره إلى وجود عمال عرب يعملون فيها فقال لـه بريشور: "هنا عمال عرب، وإنما في مشاريع يهودية فقط وعملهم محصور بالأعمال اليدوية". وأضاف نائبه رحال يترخ وقال: "لو سمحنا لهم بالإقامة هنا لتقوضت الفكرة الأساسية من إنشاء كرمئيل، وهي تهويد الجليل ومنع إقامة غير اليهود فيها".
إن معظم الأراضي التي تقوم عليها إسرائيل حالياً هي ملك للعرب الفلسطينيين آلت ملكيتها بموجب عنصرية القوانين الإسرائيلية لحكومة إسرائيل والمؤسسات اليهودية فيها. وتتجلى عنصرية إسرائيل بالعديد من القوانين التي سنتها وتحظر على العرب السكن والإقامة في قرى وأماكن وأحياء معينة. وعبر د.إسرائيل شاهاك عن مأساة الفلسطيني في وطنه من جراء عنصرية إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي قائلاً: "إن معظم الأراضي في إسرائيل تخص الدولة. وسنت لها القوانين والتنظيمات، محرمة على غير اليهود العيش في أماكن تحددها، وبناء على ذلك يحظر عليهم بناء بيت فيها، أو استئجار شقة، أو فتح عمل يرزقون منه، وبالتالي الوجود فيها. ومما يؤسف أن تلك الأراضي التي تطبق عليها هذه القوانين تخص الفلسطينيين، الذي يرد تصنيفهم "غير يهود" وقد انتزعت منهم، وهكذا يحرمون من حق المواطنة في دولة يهودية، زد على ذلك حرمانهم من حق التمتع بأراضيهم"(8).
وتعمل إسرائيل ليل نهار على تهويد القدس العربية بشطريها الشرقي والغربي وتشييد أحياء يهودية مغلقة على أراض فلسطينية مصادرة يحظر على العرب السكن فيها.
ويعطي د.إسرائيل شاهاك مدينة القدس الشرقية كنموذج على ذلك ويقول:
"فمنذ توحيدها (احتلالها) عام 1967 انتزع الكثير من أملاكها. وأستطيع أن أقول إنه كله كان يخص الفلسطينيين، وبنت الدولة الإسرائيلية على تلك الأملاك أحياء جديدة كاملة. ولكن لمن، ومن لـه الحق في المكوث فيها؟ لقد خُص بها اليهود واليهود فقط دون غيرهم. إن أحد قاطني القدس من غير اليهود، والمواطن الإسرائيلي غير اليهودي يمكن أن يكون عضواً في الكنيست، وضابط شرطة، أو جندياً، لكنه محظور عليه سكن رمات اشكول"(9).
العقوبات الجماعية

تفرض إسرائيل باستمرار في الأراضي العربية المحتلة العقوبات الجماعية على القرى والمدن والمخيمات، على الرغم من علمها ببراءة المواطنين، ولكن انتقاماً وحشياً لحادثة قام بها فرد أو أكثر ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية وينتمون إلى الجماعة التي فرضت عليها العقوبة الجماعية. وتعتبر مثل هذه العقوبات القاسية تحدياً سافراً لكافة المبادئ والمفاهيم الإنسانية، لأنها تعاقب مجموعة كبيرة من المواطنين العرب على أعمال لم يرتكبوها، وتعرف إسرائيل بأنهم منها براء. ولكنها تفرض العقوبات الجماعية لتحافظ على الاحتلال ومصادرة الأراضي العربية وبقاء المستعمرات اليهودية، ولكي ترعبهم وتنزل الخوف واليأس في نفوسهم، وتحملهم على عدم مقاومة قوات الاحتلال، وتزيد من قهرهم وإذلالهم، ولإجبار السلطة الفلسطينية على الاستسلام والركوع على طاولة التنازلات.
ومن العقوبات الجماعية التي تطبقها إسرائيل نسف وتدمير مجموعة من المنازل أو الأحياء أو القرى العربية، حيث نسفت مجموعة أحياء في بلدة حلحول على أثر مقتل ضابط من ضابط الاحتلال على أيدي رجال المقاومة الأبطال.
ودمرت عشرات الآلاف من المنازل انتقاماً لأعمال قام بها أفراد من عائلات أصحاب هذه المنازل أو حتى كانوا من المستأجرين لها. ودمرت قرى يالو وزيتا وبيت نوبا وحي المغاربة للقضاء على عروبة هذه القرى والأماكن. وتقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعمليات الإرهاب الجماعي لقرية أو عدة قرى أو لمدينة أو حتى للضفة الغربية وقطاع غزة، وتفرض منع التجول والحصار الغذائي والدوائي. وتخرّب المحاصيل الزراعية وتدمر المؤسسات والمنازل الفلسطينية بطائرات ف –16 الأميركية وبأحدث الصواريخ والقنابل الفتاكة. وترتكب حملات التفتيش والاعتقال الجماعي. وتقتحم المنازل وتحطم محتوياتها وتخرج المواطنين منها وتجمعهم في الساحات العامة لساعات طويلة وتعرضهم للضرب والإهانة والإذلال والعطش وحرارة الشمس المحرقة. ويشارك المستوطنون اليهود سلطات الاحتلال في ممارسة العقوبات الجماعية على القرى والمدن العربية وتكسير زجاج نوافذ المنازل والسيارات وإلحاق الأذى المادي والجسدي والنفسي بالعرب لكونهم عرباً لترحيلهم وإحضار مهاجرين يهود جدد.
إن العقوبات الجماعية التي ترتكبها إسرائيل هي أكثر العقوبات الجماعية بشاعة وهمجية في التاريخ البشري، لأنها تلحق الأذى والكوارث بالمدنيين الأبرياء عن أعمال لم يرتكبوها على الإطلاق، وذلك إمعاناً في المزيد من القهر القومي والعنصري للعرب.


تطبق إسرائيل عنصرية اليهودية والصهيونية على الشعب العربي الفلسطيني انطلاقاً من الأكاذيب والخرافات والأطماع التي دونها كتبة التوراة والتلمود، وانطلاقاً من مقولة شعب الله المختار والأرض الموعودة والاختيار والتفوق والنقاء اليهودي والانغلاق العنصري.
ودمرت الكيان العائلي والإنساني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين، أصحاب فلسطين الأصليين وسكانها الشرعيين. وتفرض عليهم الترحيل الإجباري ومصادرة الأراضي والممتلكات العربية والاستعمار الاستيطاني لإحلال مهاجرين يهود ومستعمرين يهود محلهم، وتطبِّق عليهم قوانينها العنصرية.
وتظهر وحشية وهمجية الاستعمار الاستيطاني اليهودي أكثر من أي نوع من أنواع الاستعمار الاستيطاني الأوروبي بارتكاب المجازر الجماعية وممارسة إبادة الجنس البشري وفرض العقوبات الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وتهويد مقدساته وتغيير معالم القدس العربية الجغرافية والديمغرافية.
إنَّ ممارسات إسرائيل اليومية تجاه العرب والعنصرية في قوانينها، وممارستها للعنصرية والتمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني والإرهاب كسياسة رسمية، تؤكد يومياً صحة قرار الأمم المتحدة 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، ولكن الولايات المتحدة الأميركية أجبرت الأمم المتحدة في نهاية عام 1991 على إلغائه مكافأة لإسرائيل على تصعيدها للإرهاب والإبادة الجماعية للفلسطينيين والاستعمار الاستيطاني ولانتهاكها للعهود والمواثيق الدولية كافة.

¾
¡ المصادر:

(1) روجيه غارودي، إسرائيل –الصهيونية السياسية، مركز الدراسات العسكرية دمشق، 1984، ص161.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) الجمعية العامة للأمم المتحدة، الوثائق الرسمية –نيويورك، 1971، ص180-182.
(4) الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة (30) الملحق رقم 34 (أ/10034) ، نيويورك 1976، ص204-205.
(5) د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس دمشق 1988، ص33.
(6) روزالي تيكر المسألة العرقية وقضية الهوية القومية في إسرائيل، ترجمة مجد حدادين، ص26.
(7) هآرتس في 18/2/1972.
(8) د.جورجي كنعان، العنصرية اليهودية، دار النهار، بيروت 1983، ص163.
(9) د.إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، ص81.


rrr





الفصل السادس



- مسؤولية إسرائيل عن مجازر صبرا وشاتيلا

شنت إسرائيل بقيادة شارون في الرابع من حزيران عام 1982 الحرب على الشعب اللبناني باسم "سلامة الجليل" للقضاء على الفدائيين الفلسطينيين في لبنان وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وتدمير المخيمات الفلسطينية وترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان، وتدمير الاقتصاد اللبناني، وتأجيج الصراعات الدينية والطائفية فيه، وتسليم قيادته للكتائب، وفرض النظام الإسرائيلي الجديد عليه وتحويله إلى محمية إسرائيلية معادية للعروبة والإسلام.
ونجح مجرم الحرب شارون عن طريق الولايات المتحدة الأميركية التي أعطته الضوء الأخضر لإشعال حرب الإبادة في لبنان، وعن طريق مبعوث الرئيس الأميركي فيليب حبيب من إخراج ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية وجميع الفدائيين من بيروت. وغادرت الدفعة الأخيرة من الفدائيين في 31/8/1982.
وحملت الحراب الإسرائيلية وغزو إسرائيل للبنان بشير الجميل إلى منصب الرئاسة، وبالتالي نجحت إسرائيل لأول مرة في تنصيب أول رئيس في بلد عربي. لذلك جاء اغتيال الجميل على يد أحد الوطنيين اللبنانيين كالصاعقة عليها وعلى مجرمي الحرب فيها مناحيم بيغن وشارون والجنرال إيتان.
كان بشير الجميل يتعاون مع إسرائيل منذ أن كلّفه الجنرال رابين بارتكاب مجزرة عين الرمانة بحق اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبرتهم إسرائيل على الترحيل من وطنهم فلسطين إلى لبنان. وظهر هذا التعاون بين الجميل وإسرائيل في الحرب الأهلية في لبنان وفي الغزو الإسرائيلي عام 1982.


وراهن بيغن وشارون والليكود على بشير الجميل لتوقيع معاهدة مع إسرائيل قبل نهاية عام 1982. واعتبرت الأوساط الإسرائيلية أن انتخاب بشير الجميل للرئاسة في لبنان كان الانتصار السياسي الأول والصريح لوزير الحرب شارون خلال الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل وألحقت الدمار الهائل في لبنان ودمرت الاقتصاد اللبناني، وألحقت خسائر فادحة في صفوف المدنيين بلغت (18) ألف قتيل و(30) ألف جريح حسب المصادر الإسرائيلية.
كان وزير الحرب شارون يرد على منتقديه في إسرائيل "الصبر أيها السادة، وسوف نقطف ثمار هذه الحرب". وبالفعل نجح شارون في تنصيب مرشحه ومرشح بيغن "بشير الجميل" للجمهورية اللبنانية.
وتؤكد الأوساط الإسرائيلية أنه لولا وجود الدبابات الإسرائيلية في لبنان لما تم انتخاب الجميل للرئاسة. وكان شارون يتبجح بانتصاره هذا، حيث أخرج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ونصّب صديقه الجميل رئيساً على لبنان.
التقى الرئيس بشير الجميل في الأول من أيلول عام 1982 سراً في نهاريا مع بيغن رئيس الوزراء، وشارون وزير الحرب، وشامير وزير الخارجية وطلبوا منه توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. فناشدهم الجميل "التريث قليلاً حتى يتمكن من توطيد سلطته". وأجابه شارون قائلاً:
"أنا رجل أُحب تسوية الأمور بسرعة. وأخشى أن تفلت أنت من بين أيدينا".
وسربت إسرائيل نبأ الاجتماع السري إمعاناً منها في توريط بشير الجميل. واجتمع به بشير الجميل في بكفيا، مسقط رأسه في 12 أيلول أي قبل يومين من مقتله. وبالتالي كان شارون آخر مسؤول التقى مع الرئيس الجميل قبل اغتياله والذي طلب مجدداً من شارون أن تمهله إسرائيل الوقت الكافي لتثبيت وضعه في لبنان وإعادة العلاقات مع العالم العربي الذي قبل انتخابه بحذر. وكان بشير يخشى من أن التوقيع الفوري على معاهدة سلام مع إسرائيل يعني تقسيم لبنان الصغير. وأعطى في 13 أيلول، أي في اليوم الذي تلا اجتماعه مع شارون آخر مقابلة صحفية لـه مع مجلة التايم الأميركية، ونشرتها المجلة في 20 أيلول أكد فيها أن السلام مع إسرائيل سيأتي في وقته. ولكن موقفه لم يعجب شارون الذي كان يقول في أوساطه: "أوصلنا الجميل إلى السلطة، وهاهو الآن يريد أن ينجح على حسابنا".
وقع نبأ اغتيال بشير الجميل في 14 أيلول في مقره في مركز حزب الكتائب بالأشرفية كالصاعقة على شارون. وقرر فوراً انتهاز الفرصة وتحقيق حلمه (وأمنيته) منذ بدء الحرب وهو احتلال القسم الغربي من العاصمة اللبنانية، وحسب الخطة المعدة والموضوعة سلفاً، بدأ باتخاذ الاستعدادات لاحتلال بيروت الغربية.
يقول المراسل العسكري لجريدة هآرتس، زئيف شيف "إنه حتى قبل مقتل بشير الجميل، كان من المقرر أن يصل الجيش الإسرائيلي إلى المقر العام لمنظمة التحرير الفلسطينية لإلقاء القبض على القادة الفلسطينيين الذين ربما بقوا هناك، وخاصة لمصادرة الوثائق الموجودة فيه".
اتصل شارون بالإرهابي بيغن وقررا اقتحام بيروت الغربية دون الرجوع إلى الحكومة الإسرائيلية. وأحيط فقط الإرهابي شامير بالقرار ووافق عليه دون أن يُعرض على الحكومة.
وأوفد شارون على الفور الجنرال رفائيل ايتان، رئيس الأركان إلى بيروت الشرقية للاجتماع مع الكتائب. وبدأ الاجتماع في الساعة الثالثة والنصف من صباح الخميس –الموافق 15/9/1982، أي قبل ساعة ونصف من بدء الهجوم الإسرائيلي على بيروت الغربية الذي بدأ الساعة الخامسة عند الفجر، وذلك في المقر العام للقوات اللبنانية.
حضر الاجتماع عن الجانب الإسرائيلي الجنرال ايتان والجنرال عامير دروري وعن جانب الكتائب أهم قادتها العسكريين وعلى رأسهم فادي أفرام، القائد العام، والياس حبيقه مسؤول المخابرات وأعطاهم تفاصيل المشاركة في عملية السيطرة على بيروت الغربية، وتنفيذ مخطط مجازر صبرا وشاتيلا. وكشف شارون فيما بعد أمام الكنيست وفي 22 أيلول أن الجنرال دروري تلقى يومها التعليمات التالية: "يُحظر على قوات جيش "الدفاع" الإسرائيلي الدخول إلى مخيمات اللاجئين. فعملية تمشيط هذه المخيمات وتطهيرها سيتولاها الكتائبيون".
واتخذت إسرائيل جميع الاستعدادات الفورية لدخول القوات إلى صبرا وشاتيلا لارتكاب المذابح بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين.
واعترف الجنرال دروري أمام لجنة كاهان الإسرائيلية للتحقيق أنه ظل على اتصال بالكتائب من أجل الإعداد لدخولهم إلى المخيمين وتنفيذ المخطط الذي أوكلته إسرائيل لقواتهم.
وأعلن مجرم الحرب الجنرال ايتان في مقابلة أجرتها معه جريدة معاريف بعد يومين من احتلال الإسرائيليين بيروت الغربية قائلاً": نحن الآن داخل بيروت الغربية وسوف ننظفها ونجمع السلاح ونلقي القبض على الإرهابيين. سنعثر على جميع الإرهابيين وقادتهم. وسندمر ما ينبغي تدميره، ونعتقل من يجب اعتقاله".
وصل شارون في الساعة التاسعة صباحاً إلى مقر القيادة الإسرائيلية على مفرق السفارة الكويتية ليدير بنفسه عملية محاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا وتنفيذ مخطط الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين الذي وضعه بموافقة بيغن وشامير وايتان ودروري وبقية كبار قادة الجيش والمخابرات.
واتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي من هناك بحضور الجنرال ايتان والجنرال دروري وقال لـه: "قواتنا تتقدم نحو أهدافها (لمحاصرة المخيمين). أستطيع أن أراها بأم العين".
وبعد أن اطمأن شارون على عملية محاصرة المخيمين بالقوات الإسرائيلية ووضع الحواجز على مداخلهما توجه الساعة الحادية عشرة إلى بكفيا وقدم التعازي لعائلة الجميل.
كان الوضع العسكري في بيروت مأساوياً، حيث نجحت إسرائيل بإخراج المقاتلين الفلسطينيين والقوات السورية من بيروت. وجرى تفكيك المنشآت العسكرية على خطوط التماس وإزالة الألغام من قبل القوات الدولية، الأميركية والفرنسية، مما جعل الطرق سهلة أمام الدبابات والمدرعات الإسرائيلية. وتلقت القوات الإسرائيلية من شارون الأوامر لتجريد جميع المليشيات اليسارية والإسلامية من السلاح. وبدأ الإسرائيليون يبحثون عن مستودعات الأسلحة التي بقيت بعد مغادرة الفدائيين، لأن إسرائيل والولايات المتحدة أصرتا على عدم نقل الأسلحة الثقيلة خارج لبنان، وصادرتها.
وزودت في الوقت نفسه قوات الكتائب بكل ما تحتاجه لارتكاب المجازر وإخفاء معالمها. قابل موريس درايبر، موفد الرئسي الأميركي ريغان مناحيم بيغن في تمام الساعة التاسعة صباحاً في مكتبه وبادره بيغن قائلاً: "أتشرف بأن أبلغكم بأن قواتنا تتقدم وتأخذ مراكزها في بيروت الغربية منذ الساعة الخامسة من فجر اليوم. وهدفنا هو الحفاظ على النظام في المدينة. إن الوضع الناتج عن اغتيال الجميل قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات دموية ضد اليهود (بوغروم). ورددت محطات الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي طوال اليوم أن "العملية محدودة بأهدافها ومدتها". وذلك إمعاناً في الكذب والتضليل. تذرع رئيس الوزراء الإسرائيلي بالكذب والتضليل لتبرير اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت الغربية. وسمع وزراء الحكومة نبأ اجتياح بيروت الغربية من محطات الإذاعة فغضبوا بشدة لعدم مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء وندد أحدهم أمام المحرر الدبلوماسي لجريدة هآرتس "بهذه الفضيحة التي لا سابق لها". "واعتبر وزير آخر أن وزير الحرب شارون انتهز هذه الفرصة ليحقق ما كان يعمل على تحقيقه منذ فترة، دول أخذ موافقة مجلس الوزراء".
وأكد وزراء آخرون أن رئيس الوزراء بيغن كان قد تعهد بالحصول على موافقة الحكومة بخصوص قرار اجتياح بيروت وأنه تخلى عن الالتزام بتعهده.
وأعلن رئيس الحكومة اللبنانية السابق صائب سلام أن "اجتياح إسرائيل للقسم الغربي من بيروت هو خرق للاتفاقات المعقودة، مع فيليب حبيب، وبالتالي خرقت إسرائيل الاتفاقات التي وقعتها أميركا مع ياسر عرفات.
وأكدت منظمة التحرير الفلسطينية أن إسرائيل انتهكت الاتفاقات الموقعة مع المبعوث الأميركي حول خروج الفدائيين وأن الولايات المتحدة تعهدت بعدم دخول إسرائيل إلى بيروت الغربية.
وقابل الجنرال دروري في مساء 15 أيلول الجنرال ميشال عون وطلب منه التعاون مع القوات الإسرائيلية لتطهير المخيمات من الفدائيين "ولكن الجنرال عون أخبره بأن شفيق الوزان، رئيس الوزراء أمره بألا يتعاون بأي شكل من الأشكال مع الجيش الإسرائيلي، وطلب منه أن يفتح النار على القوات الإسرائيلية المتقدمة داخل بيروت الغربية.
وأكد الجنرال عون لقائد القوات الإسرائيلية الغازية أن لدى الجيش اللبناني مخططاً من أجل بسط سيطرته على مخيمي صبرا وشاتيلا كما فعل قبل أسبوع عندما دخل إلى مخيم برج البراجنة.
وتابعت القوات الإسرائيلية تطويق المخيمين وأقامت الحواجز لمراقبة المداخل والمخارج فيهما.
ترك الفدائيون أطفالهم ونساءهم ورحلوا عن بيروت تلبية للشروط الأميركية وتركوا المخيمات من دون حماية. وبقي المدنيون الفلسطينيون في منازلهم في المخيمين ومعظمهم من الأطفال والنساء.
بدأت القوات الإسرائيلية في المساء تطلق القنابل المضيئة باتجاه مخيمي صبرا وشاتيلا، بعد أن قطع الجيش الإسرائيلي الكهرباء عن بيروت الغربية.
وأكد جندي إسرائيلي أن وحدته تلقت الأوامر الساعة العاشرة ليلاً بإطلاق الصواريخ المضيئة فوق مخيمي صبرا وشاتيلا بدءاً من منتصف الليل. وبالفعل بدأت إسرائيل بإطلاق الصواريخ مع بدء (105) أيام على الغزو الإسرائيلي للبنان، والدول العربية. والعالم يتفرج على حرب بيغن وشارون على الشعبين اللبناني والفلسطيني تماماً كما فعل بيغن في كانون الأول عام 2001 في الضفة والقطاع.
احتفل مجرم الحرب شارون في 16 أيلول في وزارة الحرب الإسرائيلية. بعيد رأس السنة اليهودية واغتنم الاحتفال اليهودي ليعلن نجاح احتلال بيروت الغربية وليرفع كأسه ويشرب نخب حرب إسرائيل العدوانية والمدمرة على المواطنين العرب في لبنان.
وأصدر الناطق العسكري الإسرائيلي بياناً رسمياً أعلن فيه "أن مخيمي صبرا وشاتيلا وفيهما تجمعات الإرهابيين محاصران ومقفلان".
استيقظ سكان المخيمين فجر الخميس على أصوات الطائرات الإسرائيلية التي تحلق على نحو منخفض، والقوات الإسرائيلية تحاصر المخيمين، وبدأ قناصة الجيش الإسرائيلي بالرمي على الشوارع، كما أخذت قنابل المدفعية والدبابات الإسرائيلية تتساقط على المنازل في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين. واجتمع في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم المشؤوم الجنرال ايتان ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، ورئيس الشين بيت (الأمن الداخلي) وأحد كبار موظفي الموساد مع قادة الكتائب في مقر القيادة العامة الإسرائيلية. وشرح الجنرال إيتان، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي مهمات قوات الكتائب في مخيمي صبرا وشاتيلا.
والتقى ثانية الجنرال اموس يارون، قائد القوات الإسرائيلية في بيروت في الساعة الثالثة من اليوم نفسه مع فادي أفرام والياس حبيقه، ووضعوا اللمسات الأخيرة على مخطط الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين بالاستعانة بالصور الجوية التي قدمتها إسرائيل لاقتحام المخيمين.


وأكد الجنرال يارون لقادة قوات الكتائب، أن قواته ستقدِّم كافة الدعم اللازم من "أجل تطهير المخيمين من الإرهابيين"، أي من أجل تنفيذ مجازر صبرا وشاتيلا بحق الأطفال والنساء الفلسطينيات. واتصل الجنرال دروري بعد ذلك بالوزير شارون وأخبره: "أصحابنا يتقدمون في المخيمين. لقد نسقنا عملية دخولهم. وأجابه شارون "تهانينا"، تمت الموافقة على عملية أصحابنا".
وأبلغ الجنرال دروري وزير الحرب شارون ما دار بينه وبين المسؤولين في الكتائب، وهو أنه "سيحدث في المخيمين كسر عظم".
وأكد شارون في الكنيست "أن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين حددوا للكتائبيين" أن قواتهم يجب أن تقتحم مخيمي صبرا وشاتيلا لتمشطيهما وتطهيرهما من الإرهابيين".
وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن اللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في المخيمين بعد رحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية، هم عزل، وليس لديهم أية وسيلة للدفاع، وأنهم مهددون بأن يتعرضوا لانتقام وثارات دموية على أيدي قوات الكتائب.
واعترف الجنرال دروري في إفادته أمام لجنة كهان للتحقيق في 31/تشرين الأول أن أحد ضباطه وهو المدعو ديوبين، كان قد حذره من مجزرة محتملة ترتكبها قوات الكتائب بحق الفلسطينيين، وخاصة بعد مقتل بشير الجميل.
وكان الضباط الإسرائيليون الذين هم على علاقة مع القوات اللبنانية يسمعون عبارات. "سنذبحهم كلهم" "سنجعل الدم يسيل حتى الركب"
ونشرت جريدة دافار بعد اتخاذ شارون قراره السماح للكتائبيين" بتطهير صبرا وشاتيلا" أي بارتكاب أبشع المجازر تجاه اللاجئين الفلسطينيين وبشكل خاص الأطفال والنساء، اقترح أحد الضباط الإسرائيليين أن يلتحق بهم ضابط ارتباط إسرائيلي قائلاً بأنه من المتوقع أن يرتكبوا أعمالاً شاذة ومخالفات.
وكان ضابط الاتصال الكتائبي مع الجيش الإسرائيلي جيسي يردد باستمرار أمام الضباط الإسرائيليين "أنه ليس ثمة حل إلا بقتل جميع الفلسطينيين من سكان مخيمات بيروت".


تحركت القوات التي جمعتها إسرائيل قرب المطار واجتازت حي الأوزاعي، ووصلت إلى مركز القيادة العامة "للقوات اللبنانية" على مفرق السفارة الكويتية" وبالقرب من مركز المراقبة والقيادة الذي أقامه الجيش الإسرائيلي، في مبنى من مباني منازل ضباط الجيش اللبناني.
ويؤكد الصحفي الإسرائيلي أمنون كابليوك أن الجنود الإسرائيليين الذين أقاموا الحواجز على مداخل مخيم شاتيلا قد تلقوا الأوامر بواسطة أجهزتهم اللاسلكية بأن يتركوا قوات الكتائب تدخل إلى المخيمين عند مغيب الشمس.
وذكر سكان مخيم بئر حسن بأنهم شاهدوا (25) سيارة جيب تابعة لقوات الكتائب تمر من أمامهم عند الساعة الرابعة بعد الظهر متوجهة نحو مفرق السفارة الكويتية.
توجه عدد من سكان مخيم شاتيلا الذين أصابهم الخوف والذعر إلى مقر القيادة العامة للجيش الإسرائيلي عند مفرق السفارة الكويتية فقالوا لهم ألاّ يخافوا ويعودوا إلى منازلهم.
وأكد الناجون من مخيم شاتيلا أن عدة فرق أدخلت إلى المخيم قبل الساعة السادسة، وأن المجزرة الأولى وقعت قبل حلول الظلام، في حي عرسال المواجه للقيادة الإسرائيلية.
بدأ مجرمو الحرب من قوات الكتائب بالسيارات والأسلحة التي زودها بهم الجيش الإسرائيلي ينشرون القتل والخراب في الشوارع والمنازل. وحمل بعضهم فؤوساً وبلطات وسواطير. وكانوا ينتمون إلى وحدات المغاوير والشرطة العسكرية والاستخبارات التابعة لقوات الكتائب.
اختلفت الروايات حول الساعة التي دخلت بها قوات الكتائب إلى مخيم شاتيلا، حيث قال بعض سكان المخيم إن عمليات الإبادة الجماعية بدأت في الساعة الخامسة في بعض الأماكن من مخيم شاتيلا. وأكد الجنود الإسرائيليون الموجودون على الحواجز في تلك الأثناء أن المهاجمين دخلوا حوالي الساعة الخامسة والربع، بينما زعم شارون في أول تصريح لـه أمام الكنيست أن القوات اللبنانية دخلت في الليل، ويعتقد أن المجازر بدأت حوالي الخامسة أو بعد الخامسة بقليل، واستمرت (60) ساعة متواصلة ومن دون انقطاع وعلى مرأى ومسمع القوات الإسرائيلية، التي كانت تراقب المجازر من على سطح الطابق السابع لمركز المراقبة والقيادة في أحد المباني، حيث كانوا يبعدون حوالي (200) متر عن مركز المجازر.
زرعت القوات الرعب والخوف في قلوب سكان المخيمين، حيث كانوا يقتلون عائلات بكاملها مع الأطفال الرضع، وهم في أغطيتهم بالفأس والبلطة والساطور وأسلحة الجيش الإسرائيلي الأخرى، ولم يفرقوا بين الرجال والأطفال والنساء، كما لم يفرقوا بين فلسطيني أو لبناني، ولا بين مسلم فلسطيني أو مسيحي فلسطيني. كان مخطط شارون يقضي بإبادة كل إنسان في المخيمين. وقتلوا في منطقة حرش ثابت عائلة المقداد اللبنانية بجميع أفرادها البالغ
عددهم(39). ذبحوا البعض وبقروا بطون البعض الآخر، وأطلقوا النار على الباقين.
اغتصبوا عدداً كبيراً من النساء قبل قتلهن. ولم يكتف المجرمون بجرائم التعذيب والقتل والتقطيع والتمثيل بالجثث، بل قاموا بأعمال السلب والنهب للمجوهرات والأغراض الثمينة. فعثر على أيدي نساء مقطوعة عند المعصم كي ينزعوا الأساور الذهبية منها.
صحفي إسرائيلي نشر على لسان أحد سكان مخيم شاتيلا الرواية التالية:
"دخل الكتائبيون ليلة الخميس إلى بيت أخي، وطلبوا منه أن يعطيهم كل المال الذي في حوزته، فأعطاهم أربعين ألف ليرة و2 كيلو من الذهب، لكنهم لم يكتفوا بذلك. فطلبوا منه أن يوقع لهم على شيك بقيمة نصف مليون ليرة، فرضخ لأمرهم ووقع الشيك، فقالوا لـه "الآن لم تعد تساوي شيئاً. وقتلوه وقتلوا والده وشقيقيه الآخرين. ولم تنج إلاّ زوجته وابنتاه لأنهن هربن من البيت".
وروت فلسطينية عمرها (13) سنة لضابط لبناني أنها عندما خرجتْ من الملجأ "سألني أحدهم إذا كنت فلسطينية، قلت نعم، فقال: تريدين احتلال لبنان؟ قلت لا نحن على استعداد للرحيل من هنا، وكان إلى جانبي ابن أختي، وهو رضيع عمره تسعة أشهر. وكان يبكي ويصرخ دون توقف، مما أغضب أحد العناصر الذي قال "طلع ديني من هذا الصراخ"، وأطلق عليه رصاصة واحدة. أجهشت بالبكاء وقلت لـه إن هذا الطفل هو كل ما بقي من عائلتي، فزاد هياج العنصر وأمسك بالطفل وفسخه شقفتين".
جرت عدة محاولات من سكان مخيم شاتيلا للاستعانة بالقوات الإسرائيلية المتمركزة على الحواجز لوقف المذابح، حيث شرحوا لهم أن ليس في المخيم سلاح، ولا مقاتلون وأن سكانه يستسلمون. ولكن القوات الإسرائيلية أغلقت عينيها وأذنيها حتى يتم تحقيق مخطط شارون –بيغن- إيتان بالإبادة الجماعية لسكان المخيمين. وتكررت عدة محاولات ولكن دون جدوى.
روى جندي إسرائيلي إلى للصحفيين قائلاً: "عند حلول الظلام مساء الخميس، رأينا عدداً من النساء الفلسطينيات من مخيم شاتيلا يتقدمن من مركزنا، وقلن لنا في صراخ وزعيق أقرب إلى الهستيريا أن الكتائب يجوبون الشوارع ويطلقون النار على الأولاد ويرغمون الرجال على الانبطاح في الشاحنات. رفعت تقريراً بهذا إلى ضباطي الذين أجابوني "كل شيء على ما يرام". وتلقيت الأمر بأن أقول للنساء أن يرجعن إلى بيوتهن. ولكنهن فضلن الفرار باتجاه الشمال".
كشف المراسل العسكري لجريدة جيروزاليم بوست هيرش غودمان عن وجود تقرير قدمه قائد القوات الكتائبية التي دخلت شاتيلا إلى الجنرال الإسرائيلي، قائد منطقة بيروت مساء الخميس جاء فيه: "قتلنا حتى الآن (300) مدني وإرهابي". وأكد غودمان أن التقرير نقل على الفور إلى رئاسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، واطلع عليه أكثر من (20) ضابطاً من كبار الجيش الإسرائيلي، وعادة فإن هذا النوع من التقارير ينقل فوراً إلى مكتب وزير الدفاع".
وتابع شارون تنفيذ المخطط الذي وضعته إسرائيل لإبادة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين, حيث رفض طلب الموفد الأميركي موريس داريبر الذي اجتمع معه في عز عمليات الذبح والقتل في المخيمين مساء الخميس وطلب منه باسم الحكومة الأميركية الجلاء عن بيروت، ولكن شارون رفض الطلب الأميركي وأكد على ضرورة بقاء إسرائيل من أجل "إنقاذ" الوضع في بيروت الغربية". وأجابه الموفد الأميركي أن بوسع الجيش اللبناني القيام بهذه المهمة.
عقدت الحكومة الإسرائيلية في السابعة والنصف من مساء الخميس جلسة استثنائية استمرت أربع ساعات، استمع فيها الوزراء لأول مرة عن اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت الغربية. وأعرب بعض الوزراء عن امتعاضهم من الطريقة التي اتخذ بها قرار الاحتلال دون استشارة الحكومة، وفي النهاية أيدت الحكومة قرار الاجتياح. وعرض رئيس الأركان عملية إدخال قوات الكتائب إلى مخيمي صبرا وشاتيلا "لتطهيرهما من جيوب الإرهابيين" وأضاف أن الاتصال دائم مع الكتائبيين، وأن أعمالهم تتم بالتنسيق مع عمليات الجيش الإسرائيلي. وفهم الوزراء من حديثه أن قوات الكتائب تنفذ المهمات التي حددها لها الجيش الإسرائيلي. وأكد الجنرال إيتان لمجلس الوزراء أن قوات الكتائب على أهبة الاستعداد "للانتقام انتقاماً لم يسبق لـه مثيل". وتحدث الوزير ليفي عن إمكانية إقدام الكتائب على ذبح الفلسطينيين.
وأعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بعد الانتهاء من جلسة الحكومة "أن الجيش قرر أن يعهد إلى الكتائبيين مهمة تطهير صبرا وشاتيلا".
ووصلت الهمجية حدّاً أعلن فيه شارون أمام الكنيست (في 22/9/1982) "أن إسرائيل" لم ترسل القوات الإسرائيلية إلى المخيمين من أجل المحافظة على أرواح الجنود الإسرائيليين، باعتبار أن الكتائبيين يقومون مقامهم في تنفيذ الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين.
واستمرت المجازر في اليوم التالي يوم الجمعة وتابع الضباط والجنود الإسرائيليون مراقبة ما يجري في صبرا وشاتيلا. وكانوا يشاهدون بوضوح أعمال القتل والتنكيل من على بعد (100) متر من مخيم شاتيلا. وأكدوا أنهم كانوا يسمعون صراخ وعويل اللاجئين الذين كانت القوات الكتائبية تطلق النار عليهم.
كان الإسرائيليون على علم بكل ما يجري في المخيمين بواسطة قادة الكتائب أنفسهم ومراكز المراقبة والحواجز التي أقامها الجيش الإسرائيلي على مداخل ومخارج المخيمين. وكانت القوات التي تنفذ المجازر تتوجه إلى الحواجز الإسرائيلية وتطلب منها الأكل والشرب والمعدات وحتى البلدوزرات. وكانوا يتفاخرون أمام الجنود بجرائمهم، ويخبرونهم عما يفعلون بالمدنيين حتى الرضع والأطفال والنساء من اللاجئين الفلسطينيين.

- تقرير لجنة كهان الإسرائيلية للتحقيق
في مجازر صبرا وشاتيلا يدين قادة إسرائيل



يتألف التقرير من (140) صفحة يتناول فيها مسؤولية مناحيم بيغن، رئيس الحكومة، وأرييل شارون وزير الدفاع، ورفائيل إيتان، رئيس الأركان، ويهو شواع ساغي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وعاموس يارون قائد القوات الإسرائيلية في منطقة بيروت، واسحق شامير وزير الخارجية الإسرائيلي، عن مجازر صبرا وشاتيلا.
قرر القضاة، أعضاء لجنة التحقيق أنهم "يكتفون بتحديد المسؤولية ولا داع لأي استنتاجات". وقالت اللجنة في تقريرها حول مسؤولية شارون، وزير الدفاع" إننا وجدنا أنه مسؤول شخصياً، كما ورد في هذا التقرير بالتفصيل. حسب اعتقادنا، من المفضل أن يستخلص وزير الدفاع العِبَر الشخصية المفيدة من الفجوات التي اكتشفت في أدائه لمهامه وأنه يحق لرئيس الحكومة أن ينقله من وظيفته".
وتناول التقرير مسؤولية الجنرال إيتان وقالت لجنة التحقيق الإسرائيلية: "إننا توصلنا إلى استنتاجات خطيرة بالنسبة إلى أعماله وأخطائه". وشارف على إنهاء وظيفته، لذلك اكتفينا بتحديد المسؤولية دون إصدار توصية أخرى".
فهل تقبل إسرائيل ويهود العالم أن ْتتعامل ألمانيا مع مجرمي الحرب النازيين كما تعامل قضاة لجنة كهان مع مجرمي الحرب بيغن وشارون وشامير وإيتان؟ أم أن اليهود وحدهم هم البشر وغير اليهود وخاصة العرب ليسوا ببشر؟
وورد في تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية عن مسؤولية الجنرال ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية أمان ما يلي: "إننا دققنا في الأخطاء المختلفة والخطيرة جداً التي ارتكبها رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) الجنرال ساغي، خلال وظيفته، ونوصي بألا يستمر اللواء ساغي في شغل وظيفته كرئيس للاستخبارات العسكرية".
وقررت اللجنة الإسرائيلية أن قائد القوات الإسرائيلية في بيروت العميد عاموس يارون مسؤول عما جرى في المخيمين وقالت: "إننا أخذنا في الاعتبار الأسباب والعوامل كافة، ونوصي بأن لا يشغل العميد عاموس يارون أية وظيفة قيادية في الجيش الإسرائيلي".
وورد في الصفحة 78 من التقرير عن مسؤولية مناحيم بيغن، رئيس الحكومة الإسرائيلية ما يلي:
"جاء في بيان شخصي سُلِّم إلى مناحيم بيغن أنه قد يتضرر، إذا قررت اللجنة أنه لم يدرس بشكل جيد المهمة التي ستقوم بها القوات اللبنانية (الكتائب)، عقب دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وتجاهل عمليات الانتقام وإراقة الدماء من جانب تلك القوات ضد المواطنين في مخيمات اللاجئين".
ووصل الكذب الإسرائيلي حداً رد فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية على هذا البيان بكذب واضح ووقاحة في الكذب منقطعة النظير. وقال: "إنه في المحادثات التي جرت بينه وبين وزير الدفاع (شارون)، وهي المحادثات التي اتخذت فيها القرارات القاضية بإدخال قوات الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وكذلك في المحادثات التي أجراها في ليلة 14-15 أيلول 1982 مع رئيس الأركان العامة، لم يجر الحديث أبداً عن عمل تقوم به القوات اللبنانية. وسمع في جلسة الحكومة التي عقدت مساء 16/9/1982 عن الاتفاق مع الكتائب، وأنهم سيعملون في المخيمات". ولم يقل بيغن شيئاً عن المحادثات التي جرت بينه وبين شارون وإيتان قبل ذلك بيوم عن دور الكتائب في "تطهير المخيمات من الإرهابيين"، وعن مشاركتها في العمل في بيروت الغربية.
ماذا كان تصوُّر بيغن عن "تطهير الكتائب" للفدائيين في مخيمي صبرا وشاتيلا؟
يعرف بيغن وقادة الجيش الإسرائيلي أن آخر دفعة من الفدائيين الفلسطينيين غادرت ميناء بيروت قبل نهاية 31/8/1982، وأنه في المخيمين الأطفال والنساء والشيوخ. فماذا يعني تطهير المخيمين؟
يعني إبادة الأطفال والنساء والشيوخ لإجبار الأحياء على الرحيل من لبنان تحقيقاً للهدف المشترك لإسرائيل والكتائب. ويعني تكرار بيغن لمجازر جماعته عام 1982 تماماً كمجزرة دير ياسين التي ارتكبها عام 1948 وأباد فيها جميع السكان الموجودين آنذاك في القرية وبلغ عددهم 279 ضحية، وبالتالي أباد قرية دير ياسين عن بكرة أبيها واعتبرها معجزة اعتز وافتخر بها، لأنها ساعدت على تحقيق المخطط الإسرائيلي في الترحيل القسري للشعب الفلسطيني من وطنه فلسطين.
عبّرت لجنة التحقيق الإسرائيلية عن استغرابها لأقوال بيغن وقادة إسرائيل "لأن مسألة إشراك الكتائب في الدخول إلى بيروت الغربية (بحماية القوات الإسرائيلية) وتسليمها مهمة تطهير المخيمات، ظهرت وكأنها مهمة غير مهمة لدرجة حملت وزير الدفاع (شارون) على عدم إبلاغ الموضوع إلى رئيس الحكومة، كما لم يحصل على موافقتها عليه".
ولم تحتج اللجنة على رئيس الحكومة، لأنه لم يهتم بمعرفة تفاصيل عملية الدخول إلى بيروت الغربية، ولم يكتشف أن الكتائب تشارك في تلك العملية، لأن مهماته كثيرة ومختلفة. واستند إلى التقرير الذي قدمه شارون "وجاء فيه أن كل العملية تنفذ دون عقبات وبشكل مرض جداً".
ونشر التقرير مقاطع مما قيل في جلسة الحكومة الإسرائيلية في مساء 16/9/1982 أي بعد البدء بمجازر صبرا وشاتيلا والتي عرف خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية "بأن الكتائب بدأت العمل في تلك الليلة في المخيمات".
ومضى تقرير لجنة كهان يقول: "ولم يعبِّر رئيس الحكومة في تلك الجلسة، أو في أي جلسة أخرى، عن أي معارضة أو تذمر من إدخال الكتائب إلى المخيمات. كما لم يرد على أقوال نائب رئيس الحكومة الوزير ليفي والتي جاء فيها تحذير من الخطورة المتوقعة نتيجة إدخال الكتائب إلى المخيمات".
وزعم رئيس الحكومة الإسرائيلية في إفادته أنه "لم يفكر أي شخص بأن ينفذوا مجازر كالتي نفذوها". ولم يعط أهمية لأقوال وزيره ليفي.
ولكن لجنة التحقيق قالت في التقرير: "إن الأمور التي عرفت كانت تقضي وجوب توقع إمكانية وجود خطر حصول مجزرة، إذا دخلت الكتائب إلى المخيمات، دون اتخاذ إجراءات تمنعهم من القيام بمثل تلك الأعمال".
ورفضت اللجنة أقوال رئيس الحكومة الإسرائيلية قائلة: "إننا لا نستطيع قبول ما ورد على لسان رئيس الحكومة بأن مثل هذا الاحتمال لم يرد في ذهنه بتاتاً".
ووصل الكذب والوقاحة الإسرائيلية برئيس الحكومة حداً قال فيه للجنة إن احتلال الجيش الإسرائيلي لبيروت الغربية "نفِّذ من أجل حماية المسلمين من انتقام الكتائب". لذلك يقول تقرير اللجنة "كان بإمكانه أن يفترض، بعد اغتيال بشير الجميل، الزعيم المحبوب لدى الكتائب، أنهم سينتقمون من الفلسطينيين، وأن رئيس الحكومة كان يعلم بأعمال القتل المتبادلة التي نفذت في لبنان خلال الحرب الأهلية، وبمشاعر الكراهية التي في قلوب الكتائب ضد الفلسطينيين، وأن غاية دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، هي منع إراقة الدماء. وقد أكد ذلك أيضاً رئيس الحكومة في اللقاء مع السفير الأميركي درايبر في 15/9/1982".


أدخل شارون الكتائب إلى صبرا وشاتيلا بعد محاصرته للمخيمين لارتكاب المجازر فيهما، لاسيما وأن سجل شارون وسجل إسرائيل وسجل الكتائب بدءاً من مجازر دير ياسين وقبية ومروراً بمجزرة كفر قاسم وحتى مجازر عين الرمانة ومخيم جسر الباشا ومخيم تل الزعتر، معروفة للعالم أجمع.
وتتجلى مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية بأنها تظاهرت بالسكوت على كذب رئيس الحكومة الإسرائيلية عندما أخبر مبعوث الرئيس الأميركي درايبر أن احتلال بيروت الغربية جاء لمنع إسرائيل لإراقة الدماء.
واستمر رئيس الحكومة الإسرائيلية سفاح دير ياسين في الكذب إلى درجة قال فيها للجنة "إن أي خبر عن دور الكتائب لم يصل إلى علمه حتى سمع مساء يوم السبت اخبار إذاعة لندن".
أين كانت الموساد والشين بيت وأمان، وأين تبجح قادة إسرائيل بقوة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؟
وافق بيغن على إدخال الكتائب ليس للتنزه في صبرا وشاتيلا وإنما لقتل الأطفال والنساء والشيوخ الذين أجبرت إسرائيل والولايات المتحدة قيادة عرفات على تركهم من دون حماية، ورحلتهم إسرائيل إلى لبنان.
يتضمن تقرير لجنة التحقيق الفقرات المتعلقة بمسؤولية شارون، وزير الدفاع عن مجازر صبرا وشاتيلا، ووردت رسالة التحذير التي وجهتها اللجنة إليه وجاء فيها: "إن من شأنه أن يتضرر، إذا قررت اللجنة أنه تجاهل أو أهمل خطورة ارتكاب أعمال انتقامية، أو إراقة دماء من جانب القوات اللبنانية ضد سكان المخيمات في بيروت، ولم يتخذ إجراءات ملائمة لمنع حدوث مثل هذا الخطر. وكذلك لأنه لم يأمر بإخراج القوات اللبنانية من المخيمات بالسرعة الممكنة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية سكان المخيمات، عندما وصلت إليه المعلومات حول عمليات القتل أو الأعمال غير العادية التي نفذتها القوات اللبنانية".
ولكن مجرم الحرب شارون أفاد أمام اللجنة وفي البيانات التي أرسلها إليها "إن اياً منا (قادة إسرائيل) لم يفكر بأن تنفذ الكتائب مجازر في المخيمات، وإن ذلك لمأساة، لأننا لم نتمكن من توقع ذلك سلفاً".
وبالتالي يؤكد شارون قول الفيلسوف الألماني شوبنهاور "إن اليهود أساتذة كبار في فن الكذب".
يكذبون ويكذبون ثم يكذبون ويصدقون كذبهم وتعمم المنظمات اليهودية في العالم أكاذيب شارون وقادة إسرائيل. وحاول شارون تبرئة نفسه بالكذب ووضع المسؤولية على عاتق القادة الأدنى رتبة منه وعلى عاتق الكتائب، وأكد في إفادته "أن رئيس الاستخبارات العسكرية الذي كان بصحبته، لم يشر بتاتاً إلى إمكانية حصول المجزرة، وأن أي إنذار لم يأت من جانب جهاز الموساد الذي كان مسؤولاً عن الاتصال مع الكتائب، وكانت لديه أيضاً معلومات خاصة عن طابع وجوهر تلك القوات".
وبالتالي حاول السفاح شارون بالكذب، أن يتبرأ من مسؤوليته عن ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا التي خطط لها واختار الزمان والمكان والأداة لتنفيذها، بالمساعدات التي قدمها للكتائب والصواريخ المضيئة التي كانت تطلقها القوات الإسرائيلية، لتسهيل جريمة إبادة المدنيين الفلسطينيين في المخيمين.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس الأركان، ورئيس الموساد وأمان (المخابرات العسكرية) وجميع قادة الجيش الإسرائيلي الكبار متواطئين مع السفاح شارون لمتابعة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، حتى تتخلّص إسرائيل من هذا الشعب المناضل بالإبادة والترحيل والتذويب والتخويف والتجويع، لإنجاح تهجير أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى فلسطين، ولإنجاح الاستعمار الاستيطاني اليهودي فيها، كمقدمة للهيمنة على الثروات والبلدان العربية.
أدخلت إسرائيل قوات الكتائب إلى صبرا وشاتيلا لارتكاب المجازر وتصعيد الحرب الأهلية في لبنان، والاقتتال الكتائبي –الفلسطيني، واللبناني الانعزالي –واللبناني الوطني، لإغراق لبنان والعرب في بحر من المشاكل والخلافات والقضاء على دور لبنان السياحي والخدماتي والاقتصادي في المنطقة. فالمشاكل التي سببتها إسرائيل في لبنان والدمار الذي أنزلته في هذا البلد العربي أدى إلى تدهور الليرة اللبنانية وانخفاض الدخل القومي.
لم تقبل لجنة التحقيق بالمزاعم التي أوردها السفاح شارون وجاء في تقريرها حول ذلك ما يلي: "حسب اعتقادنا لا يمكن تجاهل ما تجاهله وزير الدفاع (شارون) من ناحية مخاطر حصول المجزرة، ولن نعود ثانية إلى ما سبق لنا وذكرناه، بخصوص المعلومات العامة والشهيرة عن أخلاقية خرب الكتائب، ومشاعر الحقد إزاء الفلسطينيين، ومخططات زعمائهم بخصوص مستقبل الفلسطينيين عندما تصل تلك الزعامة إلى السلطة. ففي ضوء الأسباب التي كانت قائمة، بعد موت بشير، لم تكن هناك حاجة إلى قدرة الأنبياء من أجل معرفة وجود خطر حدوث مجازر عن طريق إدخال قوات الكتائب إلى المخيمات. ومثل هذا الإحساس بالخطر كان من المفروض أن يكون داخل دماغ كل إنسان عاقل وقريب من هذه المسألة، ودون شك في ذهن وزير الدفاع (شارون) الذي مارس دوراً فعالاً في كل ما يرتبط بالحرب (الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982). وكانت معلوماته عن الحرب عميقة، والعلاقة مع الكتائب كانت من اختصاصه المستمر. إن التخوُّف مما يمكن أن يحدث اختفى من تفكيره، لأن أفضليات إدخال الكتائب إلى المخيمات، حرفت تفكيره عن الطريق الصحيح في هذا الشأن".
أدخل شارون قوات الكتائب للمخيمين وأسرع في تزويدها بالبلدوزرات بعد مقتل الرئيس بشير الجميل مباشرة، لإبادة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين المدنيين ولتدمير المخيمين وإخفاء معالم جريمته النكراء.
وحمّل تقرير اللجنة مجرم الحرب شارون المسؤولية عن استخدام الكتائب كأداة وإدخالهم للمخيمين وقال: "ومن واجب وزير الدفاع، كونه سياسياً مسؤولاً عن قضايا أمن إسرائيل، وبصفته وزيراً أخذ قسطاً فعالاً في توجيه الخطوط السياسية والعسكرية في الحرب اللبنانية، أن يأخذ في الحسبان كل الإمكانيات المعقولة مع وضد إدخال الكتائب إلى المخيمات، وعدم التجاهل المطلق للتفكير الجدي ضد تلك العملية، وهو أن من شأن الكتائب أن تنفذ جرائم، وأن من الضروري منع مثل هذا الاحتمال، كواجب أدبي، وكذلك من أجل الحيلولة دون وقوع الضرر السياسي المترافق مع ذلك".
وأكد تقرير اللجنة على الخطأ الفادح الذي ارتكبه شارون بالسماح للكتائب بالدخول وجاء فيه:
"وحسب اعتقادنا ارتكب وزير الدفاع خطأ فادحاً، عندما تجاهل خطورة حصول أعمال انتقامية وإراقة دماء من جانب الكتائب ضد المواطنين في المخيمات. كذلك في لقاءاته مع رجال الكتائب لم يبذل وزير الدفاع أي جهد لوضعهم أمام خطورة القيام بمجازر من جانب رجالهم".
واحتلت الاستنتاجات الشخصية المتعلقة بشارون، وزير الدفاع في التقرير خمس صفحات جاء فيها: "أن إنذاراً واضحاً لم يعط في الواقع من جانب شعبة الاستخبارات، ومن جانب الموساد، إزاء ما يمكن أن يحدث، إذا ما دخلت قوات الكتائب إلى المخيمات. لكننا نعتقد، حتى دون ذلك الإنذار، أنه لا يمكن الموافقة على تجاهل وزير الدفاع لخطورة المجزرة".
وأشار تقرير اللجنة إلى "أن وزير الدفاع كان بإمكانه أن يحول دون وقوع المجازر لو حذّر قادة الكتائب من أن المحافظة على مصالحهم السياسية تقتضي منهم أن يراقبوا تحركات رجالهم. ولو اتضح لوزير الدفاع أنه لم يكن بالإمكان مراقبة قوات الكتائب التي دخلت المخيمات بشكل جدي، لكان من واجبه أن يمنع مثل هذا الدخول".
وحققت اللجنة في دور اسحق شامير، وزير الخارجية ووجهت إليه تحذيراً قالت، فيه أنه قد يتضرر إذا ما قالت اللجنة، إنه بعد أن سمع من الوزير تسيبوري عن عمليات الكتائب في مخيمات اللاجئين ولم يقم باتخاذ أي إجراء ملائم للتأكد من صحة ذلك النبأ.
وقدم السفاح شامير مذكرة إلى لجنة التحقيق حول أقوال الوزير تسيبوري وقال إنه سمع منه عن أعمال فوضوية تقوم بها الكتائب، ولم يفهم أن المقصود من ذلك مجزرة، بل أعتقد أن المقصود أعمال حربية ضد الفدائيين.
وقالت اللجنة في تقريرها "إن من الصعب حسم الموقف من الادعاءين الواردين على لسان تسيبوري وشامير. لكن اللجنة ميالة إلى الاعتقاد بأن الوزير تسيبوري تحدث في مكالمته الهاتفية عن عمليات ذبح نفذتها الكتائب، وربما تحدث كذلك عن كل الأعمال الفوضوية التي علم بها من خلال الصحفي زئيف شيف".
واعترف شامير في البيان الذي قدمه للجنة بادعاء الوزير تسيبوري. وقالت اللجنة في التقرير: "إننا نعتقد أن وزير الخارجية أخطأ، عندما لم يتخذ أي إجراء بعد المحادثة مع الوزير تسيبوري بخصوص ما سمعه حول أعمال الكتائب في المخيمات".
وقررت اللجنة بالنسبة للجنرال روفائيل إيتان، رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أنه أهمل واجبه في حالتين: "إن الحالة الأولى هي عدم إعطاء رأيه بخصوص خطورة حصول أعمال انتقام وإراقة دماء من جانب الكتائب إزاء المواطنين في المخيمات، ولم يأمر باتخاذ إجراءات ملائمة للحيلولة دون ذلك الخطر. وبذلك يوجد ماهو بمثابة تقصير في العمل الذي يقع على عاتقه كرئيس للأركان العامة".
وبالنسبة للحالة الثانية قالت لجنة التحقيق "إن امتناع رئيس الأركان عن إصدار أوامر تمنع إدخال المزيد من قوات الكتائب إلى المخيمات، يوم السبت، وأوامره بخصوص تزويد الكتائب بجرافات (بلدوزرات) يشكل خرقاً لواجبه، وتقصيراً حيال القيام بواجبه. "وخلصت اللجنة إلى الاستنتاج "أن رئيس الأركان العامة شريك في اتخاذ قرار إدخال الكتائب. لذلك فإنه أيضاً مسؤول عن اتخاذ القرار، وكذلك عن تنفيذه. إنه عندما تلقى تقارير من قائد المنطقة الشمالية كان من واجبه أن يأمر فوراً بإخراج قوات الكتائب من المخيمات، وأن يحذر قادة الكتائب من الأعمال الساقطة، ومطالبتهم بإصدار أوامر فورية لقواتهم بالامتناع عن أي أعمال تمس المدنيين". وقررت اللجنة بخصوص الجنرال ساغي، رئيس المخابرات العسكرية" أنه لم يقم بواجبه ويحذر من الخطر الكامن في إدخال الكتائب إلى المخيمات". وقرر أعضاء اللجنة أنهم لا يستطيعون تصديق إفادة الجنرال ساغي بأنه لم يسمع شيئاً عن خطة إدخال الكتائب قبل صبيحة يوم الجمعة. فالصورة التي ترتسم طبقاً لإفادته، هي الإهمال وعدم الاكتراث المطلق، وإغماض العين وإغلاق الأذنين. وأوصت اللجنة بنقله من منصبه.
وحمّلت اللجنة مسؤولية جسيمة للغاية للعميد عاموس يارون، قائد القوات الإسرائيلية في منطقة بيروت. وقررت أنه بتقصيره. وبأعماله خرق واجبات كانت ملقاة على عاتقه من خلال وظيفته. ولم يكشف أمام رئيس الأركان عن كل ما سمعه، ولم يقدم لقائد المنطقة الشمالية كافة المعلومات التي وصلته في المرحلة الأولى، أي فور دخول الكتائب إلى المخيمات. وقالت اللجنة "إن العميد يارون تلقى معلومات عن عمليات القتل مساء يوم الخميس" والمقصود أربع إخباريات عن (300) قتيل. وكان واضحاً أن رجال الكتائب ينفذون مجازر ليست من أعمال الحرب، ويقتلون النساء والأطفال أيضاً. ولم يفعل شيئاً لوقف عمليات القتل".
وظهر مدى تأثر لجنة التحقيق بالتعاليم التلمودية عندما أثنت في تقريرها على عاموس يارون لأن نظرته من إدخال القوات "كانت تتجه إلى التوفير على جنود الجيش الإسرائيلي في تنفيذ العملية في المخيمات وقالت إن القلق من جانب القائد (يارون) على سلامة جنوده، كان ضمن عوامل أخرى يستحق الثناء عليها".

وأوصت بعدم تسليمه، أي منصب قيادي خلال السنوات الثلاث القادمة بسبب مسؤوليته عن الأحداث.
وهكذا يظهر من تقرير لجنة كهان أن جميع قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين يتحملون كامل المسؤولية عن مجازر صبرا وشاتيلا، التي ذهب ضحيتها ستة آلاف مدني فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء. فيالها من لطخة عار أبدية في وجه إسرائيل واليهودية العالمية تقتضي على الأقل وجوب محاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب.



rrr





الفصل السابع



- الهولوكوست الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني

يسيطر مفهوم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعرب على التفكير الديني والسياسي والعسكري للأحزاب والحكومة والحاخامين المجتمع الإسرائيلي.
وتعود جذور الإبادة الجماعية للفلسطينيين والعرب إلى الفكر والممارسة في التاريخ اليهودي ويشمل مفهوم الإبادة الجماعية ارتكاب المجازر الجماعية والحروب العدوانية وتدمير القرى والمدن والمنجزات العربية، واتباع سياسة الأرض المحروقة، ومصادرة الأراضي العربية وتهويدها، واتباع سياسة التصفيات الجسدية بأحدث الطائرات والصواريخ الأميركية.
وتستخدم إسرائيل فِرق القتل السرية التابعة للجيش الإسرائيلي وعمليات القصف العشوائية لقتل الأطفال والنساء في منازلهم وغرف نومهم.
وسخرت الأسلحة الكيميائية والبيولوجية واليورانيوم المستنفد وحقن أطفال الانتفاضة الأولى بفايروس الإيدز، وإجراء التجارب الطبية المحرمة دولياً على الفدائيين (رجال المقاومة) للتخلص من الإنسان الفلسطيني ومنع تكاثره.
واستخدمت الحروب العدوانية وعمليات القتل والتدمير بالقنابل الانشطارية والفسفورية والفراغية ومجازر صبرا وشاتيلا، لبادة أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، واتبعت سياسة الأرض المحروقة وتوجيه رصاص الجيش الإسرائيلي إلى العين والرأس والقلب، مما يعبّر عن حقد وكراهية وهمجية الجندي الإسرائيلي ومعاداته لأبسط المفاهيم الإنسانية والحضارية وتقاليد وأعراف الحروب.
وترمي إسرائيل من استخدام الأسلحة والذخائر المحرمة دولياً إلى إبادة الإنسان الفلسطيني وتعريضه للمعاناة الدائمة والخطر المستمر وتلويث بيئته لمنع تطوره وتقدمه.
فالجيش والمجتمع الإسرائيلي يتعامل مع الإنسان الفلسطيني من منطلق إبادته والقضاء عليه أو ترحيله من وطنه لفسح المجال أمام تجميع يهود العالم في وطنه فلسطين. ويتعامل اليهودي مع العربي من منطلق عدم الاعتراف بوجوده وحقوقه في أرضه ووطنه وإنكار حقوقه الوطنية وحتى حقه في الملكية ومصادرة أراضيه وإقامة المستعمرات اليهودية عليها. وبالتالي يتعامل معه من منطلق الحقد والكراهية والرفض لوجوده للاستيلاء على أملاكه وأرضه وترحيله منها، مما يظهر بجلاء نفسيته المريضة الرافضة لأبسط الحقوق والمبادئ الإنسانية.
وتستمر إسرائيل في سياسة الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وبناء المستعمرات اليهودية في ظل تمسك الدول العربية بالسلام كاستراتيجية وفي وظل عملية التسوية والمفاوضات واتفاقات كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة.
وعلى الرغم من توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقات أوسلو ووادي بلانتيشن لا تزال "الإبادة الجماعية" هي العنصر المسيطر على ممارسات الحكومة والجيش الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال والتهويد والترحيل. وتسخر إسرائيل على الرغم من الاتفاقات الموقعة، وعلى الرغم من تجريد الشعب الفلسطيني من كل الوسائل الممكنة للدفاع عن نفسه، كل طاقاتها العسكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية، وكأنها في حالة حرب حقيقية مع هذا الشعب الأعزل مستخدمة أحدث الطائرات والصواريخ والدبابات في ظل دعم أميركي وأوروبي مطلق.
لقد قررت الصهيونية منذ البداية أن تعتمد استخدام القوة والمجازر الجماعية وممارسة العنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية في التعامل مع الفلسطينيين والعرب. وقررت إسرائيل تنفيذ المخطط الصهيوني القائم على أساس إبادة الآخر والتخلص منه ومن وجوده بكل الوسائل والأشكال الممكنة وغير الممكنة.
وتتخذ من العنصرية والإرهاب والإبادة الجماعية سياسة رسمية علنية لإبادة الفلسطيني ومسحه من الوجود بكافة الوسائل العنصرية والإرهابية والاستعمارية والحيل والأكاذيب اليهودية.

لقد ورثت إسرائيل وورث الجيش الإسرائيلي أساليب العصابات اليهودية الإرهابية التي تدربت على أساليب النازيين. واعتمدت أساليب العصابات اليهودية التي ارتكبت مجزرة دير ياسين الجماعية. وبالتالي رفضت وترفض إسرائيل الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي وترفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه لتجميع يهود العالم وإقامة إسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات ومن القدس وإلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بالقاهرة وحتى بغداد.
تنظر الصهيونية وإسرائيل والمجتمع الإسرائيلي إلى الفلسطيني والعربي نظرة عنصرية حاقدة على أساس أنه لا يستحق الحياة، لأنه إنسان إرهابي ومخرِّب وحيوان متوحش على هيئة إنسان يجب إبادته.
لذلك لا تستطيع إسرائيل أن تتخلص من إيمانها بالعنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية في التعامل مع العرب. ففلسفة الإبادة الجماعية واستخدام القوة والحروب المفاجئة هي العقلية المسيطرة على قادة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي، ولا يمكن أن توقفها أو تردعها "مسيرة السلام" والمفاوضات. فالمفهوم الإسرائيلي للسلام يقوم على أساس مفهوم الإبادة الجماعية للإرهاب الفلسطيني والعربي الذي يناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي. فالهدف من نعت مقاومته للاحتلال بالإرهاب ومحاربته بأحدث الأسلحة ووصفه بالإرهابي هو التخلص منه لتهويد وطنه بالإبادة الجماعية لـه ولشعبه الرازح تحت الاحتلال.
لقد انهارت بعد القضاء على النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعسكرية في اليابان جميع المفاهيم والمقولات والنظريات العنصرية والفاشية بما فيها الحركات اللاسامية، باستثناء الصهيونية التي استغلت جرائم النازية لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية والحصول على التعويضات الألمانية الهائلة من أموال وأسلحة لا مثيل لها في العلاقات الدولية والتاريخ البشري.
وتراجعت الحركات والنظريات العنصرية. وتبنت الأمم المتحدة في العديد من القرارات والعهود الدولية مكافحة النازية والعنصرية والتمييز العنصري والابارتايد.
واستغلت الصهيونية معاداة المعسكرين الغربي والشرقي للنازية لتأسيس إسرائيل وتقويتها في الوطن العربي.
وصعدت اليهودية العالمية إلى القمة في الولايات المتحدة الأميركية. وتسيطر حالياً على البيت الأبيض ووزارات الخارجية والدفاع والمالية ومجلس الأمن القومي وأعضاء الكونغرس ومعظم حكام الولايات الأميركية.
وازداد يهود العالم غنى وثراء ونفوذاً وامتيازات في البلدان الأوروبية على حساب دافعي الضرائب في ألمانيا وسويسرا وبقية البلدان الأوروبية.
وازدادت عنصرية قادة إسرائيل وحاخاموها والمجتمع الإسرائيلي بشكل لا مثيل لـه على الإطلاق في العالم. وأصبحت تربية الطفل اليهودي في كل مكان وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأميركية على حد قول الروائي الأميركي فيليب روك تتلخص في ثلاث كلمات: "اليهود هم الأفضل".
ونجحت اليهودية العالمية في تسخير المؤسسات العسكرية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة في خدمة العسكرية الإسرائيلية وحروب إسرائيل العدوانية وتهويد فلسطين العربية وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاض القرى والمدن العربية التي دمرتها وتدمرها.
ورسخت صورة إسرائيل "بالحمل الوديع" وقلعة الديمقراطية و"ضحية الإرهاب العربي"، وذلك للاستمرار في الحصول على الأموال الطائلة والأسلحة الحديثة والدعم السياسي والمالي والعسكري والإعلامي لإسرائيل.
ودمغت كل انتقاد أو معارضة للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بالعداء للسامية. وخدم ويخدم الحديث عن اللاسامية واختلاق الأكاذيب والمبالغة حولها الاستمرار في جمع الأموال والأسلحة الحديثة لإسرائيل وجعلها الملاذ الوحيد لليهود من خطر اللاسامية المزعومة.
وتتجلى عنصرية الصهيونية وإسرائيل بتصوير الهولوكوست النازي وكأنه ضد اليهود فقط والتغاضي عن إبادة النازية لعشرات الملايين من أبناء الشعوب الأوروبية، وذلك لأن اليهودية تعتبر أرواح اليهود أفضل من أرواح الأغيار ولا يمكن أن تقارن بفقدان حياة روسي أو ألماني أو بولندي أو عربي. وترغب اليهودية العالمية في عدم الإقرار بإبادة النازية للغجر والمعادين لها، كي يبقى الهولوكوست حصراً على اليهود، لأنه عندما تعترف بالإبادة الجماعية لهؤلاء المعادين للنازية، فإنها لا تستطيع أن تزعم أن الهولوكوست شكّل ذروة كراهية الأغيار لليهود.
واستغلت إسرائيل تحصينها بمعزوفة الهولوكوست النازي وصمت الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي على الهولوكوست الإسرائيلي الذي بدأته عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني وتابعت ارتكابه حتى اليوم بأحدث أنواع الأسلحة والذخائر والطائرات والصواريخ الأميركية وبدعم سياسي وإعلامي من جميع الدول الغربية بما فيها حكومة أوسلو النرويجية.
إن الدعم العسكري والسياسي والمالي والإعلامي التي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة وألمانيا وبقية الدول الأوروبية في حروبها العدوانية ساعدها في الاستمرار بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. وتابعت اليهودية العالمية استغلال الهولوكوست النازي للتغطية على الهولوكوست الإسرائيلي. لذلك اعتبر أن الهولوكوست الإسرائيلي أفظع وأخطر وأكثر وحشية وهمجية من الهولوكوست النازي. فالنازية كانت تتذرع بعدم وجود مواثيق دولية تمنع الإبادة الجماعية، بينما لا تستطيع إسرائيل أن تتذرع بسبب التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة وعلى العهد الدولي لتحريم الإبادة الجماعية والعديد من العهود والمواثيق الدولية التي تحظر الإبادة الجماعية والعنصرية والاستعمار والحروب العدوانية.
لقد حدد ويحدد استغلال اليهودية العالمية وإسرائيل للهولوكوست النازي سياسة ألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي المنحازة لإسرائيل والداعمة للاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والمعادية للبلدان العربية وللعروبة والإسلام، مما يحمل في طياته عنصرية أوروبية جديدة ونازية جديدة تجاه العرب.
ويعطي الاستغلال الدائم والمستمر والأبدي للهولوكوست النازي المجال لاعتبار أن اليهود مهددون ويستحقون الدعم العسكري والمالي والسياسي للدفاع عن بقائهم.
وقاد استغلال الهولوكوست إلى تحويل إسرائيل إلى ثكنة عسكرية ومدججة بالأسلحة التقليدية والنووية والبيولوجية والكيماوية. وبالتالي تعريض استقلال وسيادة وثروات وأراضي وحياة ومنجزات الشعوب العربية إلى الخطر الدائم والمستمر، مما يمكن أن يجلب الويلات والكوارث لشعوب الشرق الأوسط والبلدان الأوروبية والاقتصاد العالمي، بسبب رغبة اليهودية العالمية في "السيطرة" على العالم.
لا يمكن لأي إنسان إنكار الإبادة الجماعية (الهولوكوست النازي) بحق المعادين للنازية وفقراء اليهود، لكن المنظمات اليهودية وإسرائيل بالغوا في عدد الضحايا الذين قتلتهم ألمانيا النازية لامتصاص دماء دافعي الضرائب في ألمانيا والشعوب الأوروبية ولتبرير ارتكاب إسرائيل للهولوكوست بحق الشعب الفلسطيني.
وهنا أحب أن أؤكد أن اليهود الذين قتلوا أو ماتوا بسبب فرق الإعدام النازية وتفشي الأمراض المعدية وأعمال السخرة وعدم توفر الغذاء والكساء والدواء لا يختلفون أبداً عن ضحايا النازية من الجماعات والشعوب الأخرى.
لقد عملت اليهودية العالمية وإسرائيل على تزوير وتزييف بعض الوقائع والأرقام المتعلقة بعدد ضحايا الهولوكوست النازي. وسخّرت الكذب والتضليل والرشوة والإرهاب الفكري والسياسي لتحقيق ذلك. واختلقت القصص والمذكرات والروايات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة من أجل المبالغة للحصول على المزيد من الأموال وهدايا الأسلحة الألمانية والأوروبية.
ولا تزال المنظمات اليهودية وإسرائيل تستخدم معزوفة الهولوكوست بعد مرور أكثر من 60 عاماً عليها، لإجبار دول وشعوب العالم السكوت عن الهولوكوست الذي ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من (53) عاماً. وتحتفل إسرائيل والمنظمات اليهودية سنوياً بذكرى الهولوكوست النازي ولكنها تتجاهل ضحاياه من غير اليهود. وتعمل فقط بتذكير العالم بما حدث لليهود وتجبره على الصمت على الهولوكوست الإسرائيلي. وتستغل إحياء ذكراه لابتزاز ألمانيا وسويسرا ودافعي الضرائب فيهما. فالتذكير المستمر به يخدم في الحصول على المزيد من الأموال والمزيد من الدعم لسياسة إسرائيل العنصرية والإرهابية.
يؤكد د.نورمان فنكلشتاين، في كتابه "صناعة الهولوكوست" أن المنظمات اليهودية الأميركية تستغل الهولوكوست لنشر الأكاذيب والسكوت عن جرائم إسرائيل البشعة وللشراهة والطمع المالي. ويؤكد أن الاستغلال البشع للهولوكوست شجع على إحياء النزعات المعادية للسامية في أوروبا والولايات المتحدة. ووصف التعويضات الجديدة التي دفعتها البنوك السويسرية بأنها عمل من أعمال النصب والاحتيال.
لقد حوّلت المنظمات اليهودية وإسرائيل الهولوكوست إلى صناعة فأقامت مراكز البحث والمتاحف والشركات الإعلامية والصحف من أجل الضغط والابتزاز وجمع الأموال والقضاء على أي نقد يوجه لإسرائيل لارتكابها الإبادة الجماعية تجاه الشعب الفلسطيني.
ويظهر الاستغلال الدائم للهولوكوست أن قادة المنظمات اليهودية وإسرائيل من أكبر المحتالين والنصابين والمخادعين والمبتزين في العالم.
وتعمل اليهودية العالمية على إبقاء جريمة الهولوكوست النكراء حية وراسخة في الوعي الإنساني لجلب الدعم والتأييد لإسرائيل وفرض هيمنتها على البلدان العربية كمقدمة للهيمنة على العالم.
إن الهولوكوست أكبر ابتزاز وبدعة مبالغ فيها في تاريخ البشرية. خدم ويخدم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة وتمويل حروب إسرائيل العدوانية، وبناء المستعمرات اليهودية وتقوية طاقات إسرائيل العسكرية للسيطرة على الثروات والاقتصادات العربية.
إن ابتزاز إسرائيل لمعزوفة الهولوكوست لم يقدم شيئاً لضحايا النازية من اليهود وإنما خدم ويخدم سياسة إسرائيل الإرهابية والعنصرية وتهويد فلسطين والمقدسات العربية، وصرف انتباه الرأي العام العالمي عن جرائم الإبادة الجماعية تجاه الشعب الفلسطيني، لذلك يمكن القول إن الشعب الفلسطيني أصبح ضحية مزدوجة للهولوكوست النازي والهولوكوست الإسرائيلي.





- محكمة نورنبيرغ الدولية ومحاكمة مجرمي الحرب

تخرق إسرائيل منذ تأسيسها القواعد الملزمة في القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية بشكل دائم ومع سبق الإصرار لإقامة "إسرائيل الكبرى" والسيطرة على اقتصادات البلدان العربية وتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي.
احتل شارون العاصمة اللبنانية وخطط لارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا واختار المكان والزمان والأداة لتنفيذ المجازر التي ذهب ضحيتها ستة آلاف من المدنيين الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء. وأشعل رابين حرب عام 1993 على القرى والمدن في جنوب لبنان، بينما أشعل بيرس ما أسماه "حرب عناقيد الغضب" عام 1996 على جنوب لبنان وارتكب مجزرة قانا الوحشية.
وشن باراك في أيلول 2000 حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتابع شارون الحرب الوحشية على المدنيين الفلسطينيين بطائرات الفانتوم 16 والأباتشي وأحدث أنواع الصواريخ والقنابل الأميركية.
وتعتبر الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر جريمة كبرى ضد السلام وخطأ كبيراً ترتكبه الدولة المعتدية ضد سيادة وحرمة أراضي الدولة أو الدول المعتدى عليها.
ويعتبر الاحتلال نتيجة من نتائج الحروب العدوانية. ويقضي القانون الدولي ومبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بوجوب الانسحاب الشامل من جميع الأراضي المحتلة، ومعاقبة المعتدي على حربه العدوانية وإلزامه بدفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها الحرب. وبالتالي لا يترتب إطلاقاً على الحرب حق احتلال أو ضم أجزاء من أراضي الدولة المعتدى عليها، وأي إجراء تتخذه الدولة المحتلة لضم أو نقل مواطنيها إلى الأراضي المحتلة إجراء غير شرعي وباطل. وأن محاولة فرض الاعتراف بعمل أو إجراء باطل لا يضفي الشرعية عليه مهما طال الزمن، لأنَّ ما بُني على باطل فهو باطل.
ينص القانون الدولي على معاقبة المسؤولين عن إشعال الحروب العدوانية، حيث وافقت الدول الأوربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى على معاقبة المسؤولين في ألمانيا القيصرية عن اندلاع الحرب العالمية الأولى في معاهدة الصلح في فرساي في المادتين 227 و 230.
طالبت الشعوب الأوروبية التي وقع عليها الاعتداء النازي إبان الحرب العالمية الثانية بمعاقبة مجرمي الحرب النازيين. واستجابت العديد من الدول الأوروبية إلى هذا المطلب. ووقعت إعلان سان جيمس الذي أعلنت فيه عزم حكوماتها على محاكمة مجرمي الحرب الألمان ومعاقبتهم. وطالبوا بتأسيس محكمة دولية لمحاكمتهم.
ووقعت الدول الأربع الكبرى في آب 1945 اتفاقية لندن وتضمنت إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي النازيين الألمان واليابانيين على الأعمال الوحشية التي اقترفوها خلال الحرب. جرت محاكمة ومعاقبة مجرمي الحرب الألمان بموجب نظام محكمة تورنبيرغ، سواء من أصدروا الأوامر أو نفذوها أو اشتركوا في تنفيذها. وحاول ممثل الدفاع خلال المحاكمات تبرئة المتهمين لأنهم تصرفوا كممثلين لسلطة الدولة، ولأن القانون الدولي لا يعرف وقائع تدين الأشخاص الذين يطبقون إجراءات حكومية.
رفض قضاة المحكمة محاولة ممثل الدفاع واتخذوا قراراً جاء فيه: "ترتكب الجرائم ضد القانون الدولي من قبل أناس (أفراد) وليس من قبل كائن مجرد، ولا يمكن تطبيق مبادئه إلا بمعاقبة الأفراد الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم". وبالتالي جرت معاقبة مجرمي الحرب النازيين سواء من أصدروا الأوامر أو نفذوها.
وتنص المادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة نورنبيرغ على أن مرتكبي الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية وجرائم الحرب يتحملون مسؤولية جرائمهم، لذلك يجب ملاحقتهم ومحاكمتهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم، ولا يجوز إطلاقاً التذرع بصفتهم المعنوية.
وتعرّف المادة السادسة في الفقرة أ الجرائم ضد السلام وهي: التخطيط والإعداد والقيام بشن الحرب العدوانية أو أي حرب تنتهك معاهدة أو اتفاقية دولية أو الاشتراك في خطة أو مؤامرة للقيام بأي من الأعمال المذكورة.
وتتناول الفقرة ب من المادة السادسة جرائم الحرب وهي: انتهاك قوانين وتقاليد الحرب كقتل وإساءة معاملة السكان المدنيين في الأراضي المحتلة أو إبعادهم، وكذلك القتل والمعاملة السيئة لأسرى الحرب، وقتل الرهائن ونهب وسلب واغتصاب الأملاك العامة والخاصة وتدمير القرى والمدن أو أي تدمير آخر لا مبرر لـه للضرورات العسكرية.
وتعرِّف الفقرة جـ من المادة السادسة الجرائم ضد الإنسانية: بالقتل والإفناء والاستعباد والنفي، والإبعاد وغيرها من الأعمال المنافية للإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين قبل أو خلال الحرب، واضطهاد الناس لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية.
أجرت محكمة نورنبيرغ والمحكمة العسكرية الدولية في طوكيو محاكمة حوالي (30) ألف مجرم حرب وأنزلت عقوبة الإعدام والسجن مدى الحياة بالعديد منهم.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 95(1) بتاريخ 11/11/1946 نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي.




-المعاهدة الدولية لتحريم جريمة إبادة الجنس البشري

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من كانون الأول عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري (جينو سايد) والمعاقبة عليها.
وتعتبر هذه المعاهدة بمثابة تقنين دولي، يحرِّم ويحذر من ارتكاب جريمة إبادة الجنس ويعاقب عليها.
حددت المادة الأولى من المعاهدة أن إبادة الجنس البشري جريمة بموجب القانون الدولي يجب منعها والتزام الدول المتعاقدة باتخاذ الإجراءات الكفيلة للتحذير والعقاب عليها سواء في وقت السلم أو الحرب. وعرفت المادة الثانية جريمة إبادة الجنس بما يلي: "تعني جريمة إبادة الجنس أياً من الأعمال التالية التي تمارس بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لأية جماعة قومية أو عرقية أو دينية عبر الأعمال التالية:
أ- قتل أفراد هذه الجماعة.
ب- إلحاق أضرار جسدية أو عقلية بأفراد الجماعة، وخلق ظروف معيشية لها تستهدف القضاء الجسدي الكلي أو الجزئي لها.
جـ- فرض إجراءات القصد منها الحد من الولادة بين هذه الجماعة.
وتضمنت المادة الثالثة الجرائم التي يتوجب المعاقبة عليها وهي جريمة الإبادة، والتآمر لارتكاب جريمة الإبادة والتحريض على ارتكابها، والمحاولة في ارتكابها.
ونصت المادة الرابعة على وجوب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الإبادة أو أي من الأفعال المذكورة في المادة الثالثة سواء كانوا حكاماً مسؤولين دستورياً أو موظفي دولة أو أشخاصاً عاديين.
وتلتقي أحكام هذه المعاهدة مع مبادئ محكمة نورنبيرغ وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الجزائي الدولي وينطبق عليها عدم سريان تقادم الزمن.



- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين زمن الحرب، حيث تتناول الاتفاقية الثالثة معاملة أسرى الحرب، بينما تتطرق الاتفاقية الرابعة إلى معاملة الأشخاص المحميين وقت الحرب.
وتعتبر الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين استجابة واضحة لتطلعات الشعوب التي عانت ويلات ومصائب الحرب العالمية الثانية والحروب التي سبقتها، وذلك بتحديدها للقواعد الأساسية للحماية التي يستحقها الإنسان للمحافظة على إنسانيته وحياته من قوى الظلم والعدوان والاحتلال.
تنص المادة 27 من الاتفاقية أن للأشخاص المحميين حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية ولعقائدهم الدينية ومعاملتهم معاملة إنسانية وحمايتهم ضد أعمال العنف والتهديد بها.
وتحظر المواد 31، 32، 33، 39، 49، و53 استخدام الإكراه الجسدي أو المعنوي للحصول على المعلومات، وتحظر التعذيب أو إنزال المعاناة الجسدية وترحيل الأفراد والجماعات، ونقل السكان المدنيين التابعين لقوة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة. وتحظر أيضاً إتلاف الممتلكات العقارية.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26/11/1968 على معاهدة دولية بخصوص عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد السلام والإنسانية. واعتبرت هذه الجرائم من أفدح الجرائم في القانون الدولي وأن معاقبة مرتكبيها يشكل عاملاً فعالاً في تجنيب الشعوب مثل هذه الجرائم.
فهل تسري المبادئ الواردة في نظام محكمة نورنبيرغ والعهود والمواثيق الدولية على مجرمي الحرب النازيين فقط أم أنها تسري على مجرمي الحرب في كل مكان وزمان؟ وعلى رأسهم قادة إسرائيل؟




- جرائم إسرائيل ضد السلام

أشعلت إسرائيل والعصابات اليهودية المسلحة حرب عام 1948، واحتلت أراضياً عربية كثيرة بالقوة. وارتكبت عشرات المجازر الجماعية فيها وطردت العرب منها لإحلال مهاجرين يهود محلهم.
وأشعلت حرب السويس العدوانية في تشرين أول 1956 بالاشتراك مع فرنسا وبريطانيا لخدمة مصالحها العدوانية والتوسعية وتحطيم القوات المصرية وتدمير المنجزات العربية.
وقامت بحرب حزيران العدوانية عام 1967 بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية ولخدمة مصالحها العدوانية والتوسعية والكولونيالية بما فيها احتلال القدس العربية لتهويدها ولخدمة مصالح الامبريالية الأميركية. وقامت في عام 1978 باحتلال الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني، وبحرب ما أسمته سلامة الجليل عام 1982 على لبنان، وحرب رابين عام 1993 على جنوب لبنان وحرب بيرس عام 1996 على الجنوب اللبناني. فالحروب التي أشعلتها إسرائيل تعتبر جرائم ضد السلام في المنطقة العربية.
تحظر العديد من العهود والمواثيق الدولية الحروب العدوانية وتعتبرها من أكبر الجرائم في القانون الدولي ومنها معاهدة بريان –كيلوج وميثاق الأمم المتحدة.
ارتكبت إسرائيل في الرابع من حزيران عام 1982 باسم "سلامة الجليل" حرب الإبادة في لبنان. ودمرت 4 مدن و 65 قرية لبنانية وعشرة مخيمات للاجئين الفلسطينيين. وقتلت وجرحت نحو (100) ألف لبناني وفلسطيني معظمهم من المدنيين. وشردت نحو (600) ألف واعتقلت نحو عشرة آلاف عربي. وألحقت أفدح الأضرار بالبنى التحتية والاقتصاد اللبناني في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة ومجمل الحياة المدنية في لبنان.
ووقف العالم مذهولاً أمام ما ارتكبته القوات الإسرائيلية بحق المدنيين العرب في لبنان على مدى أيام الحرب التي دامت سبعين يوماً، من قصف من البر والبحر وقطع الماء والكهرباء عن العاصمة بيروت حتى المواد الغذائية والدواء وزجاجات حليب الأطفال الرضع، التي كان يرميها الجنود أرضاً على الحواجز. وكتب مراسل جريدة لومانيتيه الفرنسية يقول: "تقصف بيروت، وهي الآهلة بالسكان المدنيين بوحشية، حيث أن معظم من تهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم هم مدنيون. نعم نصف مليون من السكان لحق بهم الخراب والدمار والعطش والجوع في بيروت... إنها مجازر تماثل مجازر النازية، وجريمة حقيقية بشعة من الصعب جداً تبرئة مرتكبيها. فإسرائيل تخرق كل القوانين الدولية وتحطم جميع الأعراف الإنسانية".
وكتب روبرت فيسك في جريدة التايم يقول "بأن المدنيين قد أصبحوا ضحية للقنابل الفسفورية والعنقودية المحرمة دولياً، لقد ألقت القوات الإسرائيلية هذه القنابل مراراً فوق الأحياء السكنية، وقرب السفارة الكويتية وفوق المخيمات الفلسطينية وبالقرب من المطار الدولي".
وكتبت مجلة نيوزويك تقول: "إن بيروت الباسمة حولتها إسرائيل إلى مدينة أنقاض ومآتم.
بيروت تهتز تحت رحمة القنابل العادية والعنقودية والفسفورية والفراغية المخيفة، انفجارات قوية مدوية يعقبها تحطم ودمار ونواح ونحيب وبكاء. إن قصف بيروت بحراً وبراً وجواً يشكل سابقة لا نظير لها في كل الحروب، وكاد الحصار يجعل المدنيين يموتون جوعاً وعطشاً".



- جرائم الحرب الإسرائيلية

تنتهك جرائم الحرب قواعد وتقاليد الحرب التي وردت في الكثير من المواثيق والاتفاقيات الدولية كاتفاقيات لاهاي لعام 1899، 1907، واتفاقيات جنيف لأعوام 1906، 1929، 1949. فانتهاك أي بند من بنود اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 يعتبر جريمة حرب وبشكل خاص بناء المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة.
قامت إسرائيل بضرب المدن والقرى العربية ومخيمات اللاجئين والمنشآت المدنية كمطار بيروت ومصافي النفط في السويس والزهراني وحمص، ومحطات الكهرباء في لبنان وسورية والجسور والمصانع والمدارس والجوامع والكنائس والمستشفيات، وقامت بتصفية الأسرى وتعذيبهم وتنكر على رجال المقاومة صفة المحاربين. وترفض معاملتهم كأسرى حرب.
وتعتبر هذه الجرائم جرائم حرب وتشكل انتهاكاً فاضحاً للاتفاقيات المذكورة.
فاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين وقت الحرب تنص على أنه: "يجب دائماً عدم الاعتداء على المدنيين، بل أنه يلزم في كل حين احترامهم ووقايتهم ومعاملتهم معاملة إنسانية. "وتنص أيضاً على أنه: "يحظر دائماً على وجه العموم، على دولة الاحتلال طرد أو ترحيل السكان من أراضيهم، كما أنه يمنع على دولة الاحتلال القيام بأعمال السلب والنهب والتخريب للممتلكات".
ولكن رغم هذه الاتفاقيات الدولية والتي وقعتها إسرائيل فقتل الأسرى العرب وجرائم التعذيب الوحشي قائمة على قدم وساق، وكذلك جرائم فرض العقوبات الجماعية والفردية وأعمال النهب والسلب والتخريب تتكرر باستمرار. وتجري التجارب الطبية الممنوعة دولياً على المعتقلين والأسرى وتترك الجرحى ينزفون حتى الموت. وحرّمت اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب استخدام أساليب التعذيب أثناء التحقيق وتنص على أنه إذا ألقي القبض على مقاتل يجب نقله بطريقة إنسانية وتقديم الماء والطعام له، وهو غير ملزم بتقديم معلومات زيادة عن اسمه وتاريخ ومكان ولادته ورقمه العسكري، وحتى إذا امتنع عن ذكر رتبته العسكرية يحرم فقط من الامتيازات التي ترتبط برتبته.
ولكن إسرائيل تستخدم أساليب التعذيب الجسدي والنفسي واستعمال المواد الكيماوية والكهربائية للحصول على المعلومات. وتعتبر هذه الأساليب خرقاً لاتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن معاملة أسرى الحرب. وتعتبر جرائم الفرق المستعربة التابعة للجيش الإسرائيلي وارتداء الزي العربي واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وقتل الأطفال والنساء، وقصف المستشفيات والجوامع والكنائس ومحطات توليد الكهرباء وقلع المحاصيل الزراعية والأشجار وإجراء التجارب الطبية على الأسرى من الفدائيين والجنود العرب من جرائم الحرب.
وثبت وقوع الكثير من الضحايا والمشوهين من جراء أساليب التعذيب التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلون العرب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
وحمل استخدام إسرائيل للأساليب الوحشية بحق المدنيين ورجال المقاومة "لجنة حقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة على استنكار الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في المناطق العربية المحتلة وخاصة هدم منازل المدنيين وطردهم واستخدام العنف تجاههم. وطلبت من إسرائيل وقف هذه الانتهاكات فوراً ودعتها إلى الاحترام الكامل لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وتطبيقها تطبيقاً كاملاً.




- جرائم إسرائيل ضد الإنسانية

أما جرائم إسرائيل ضد الإنسانية فهي الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة تجاه المدنيين مخالفة بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تنص المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". فأين هذه المادة من ممارسات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وجنوب لبنان؟ أين هذه المادة من المجازر الجماعية التي ترتكبها إسرائيل باستمرار؟
ونظراً لاستمرار ممارسة إسرائيل الإبادة الجماعية تجاه العرب اعتبرت "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في اجتماعها بتاريخ 20/10/2001 أن ما تقوم به إسرائيل من قتل للأطفال والمدنيين يعتبر انتهاكاً في حق الإنسان في الحياة وجريمة ضد الإنسانية".
برر الإرهابي مناحيم بيغن قتل العرب أمام شعبه وجيشه قائلاً: "إن العربي حيوان يسير على قدمين". واستخدم عبارة "تطهير أوكار المخربين الفلسطينيين واجتثاثهم". فالفدائي في نظر قادة وشعب إسرائيل مخلوق شيطاني غايته القيام بالخراب والدمار، لذلك يجب إبادته، بينما تعني كلمة "وكر" وكأن العرب جماعة من الوحوش يجب قتلهم ولو في غرف نومهم. وتعني كلمة تطهير وهي بعكس النجاسة التخلص من كل ماهو غير صالح لليهودي. وتوحي كلمة اجتثاث للشعب الإسرائيلي بأن العربي حشرة يجب إبادتها، لذلك شبّه الجنرال رفائيل العرب بالصراصير والديدان، بينما شبههم الحاخام عوباد بالثعابين وطالب بإبادتهم جميعاً بالصواريخ.
وشبه بيغن الفلسطينيين بهتلر والعرب المعتدى عليهم بالنازيين، لتبرير قصف المواقع المدنية.
إن قادة إسرائيل لا يؤمنون إلاّ بالقتل والإبادة والتدمير لكل ماهو عربي وقتل البشر والشجر والحجر، لتحقيق أحلامهم وأطماعهم في الأرض والثروات العربية.
ارتكب السفاح بيغن مجزرة دير ياسين، والجنرال إسحق رابين مجزرة جامع دهمش في اللد، والجنرال موشي دايان مجزرة كفر قاسم وشارون مجازر صبرا وشاتيلا وبيرس مجزرة قانا، وباراك جريمة قتل القادة الثلاث كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في العاصمة اللبنانية بيروت، وأشرف على مقتل نائب عرفات في تونس أبو جهاد. وأمر بتدمير المقرات الفلسطينية في رام الله وغزة وخان يونس ونابلس بالطائرات والبوارج الحربية. وتعتبر جرائم الإبادة الجماعية والاغتيال والترحيل والعقوبات الجماعية جرائم موجهة ضد الإنسانية.
تنص المادة الخامسة من الإعلان العالمي أنه "لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحط بالكرامة".
ولكن إسرائيل تقوم باعتقال الشباب العرب في المناطق المحتلة وتعذيبهم وإهانتهم وتدمير منازلهم. وزاد عدد القرى الفلسطينية والسورية واللبنانية التي دمرتها إسرائيل عن (500) قرية ومدينة عربية، ومنها مدينة القنيطرة السورية والقنطرة المصرية.
وتنص المادة الثالثة عشرة من إعلان حقوق الإنسان على حق العودة لكل مواطن يغادر بلده، وحرية التنقل داخل بلده. ولكن إسرائيل لم تسمح للاجئين والنازحين الفلسطينيين والسوريين بالعودة إلى وطنهم فلسطين والأراضي السورية المحتلة.
ولا تزال إسرائيل مستمرة بارتكاب جرائمها ضد الإنسانية في الأراضي العربية المحتلة منتهكة بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.




- وجوب محاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب

ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26/11/1968 على اتفاقية بخصوص عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب وعلى الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية. وبالتالي أكدت هذه الاتفاقية الدولية على أحد مبادئ القانون الدولي الأساسية وهو أن تقادم الزمن لا يسري على الجرائم التي ترتكب ضد السلام والإنسانية وجرائم الحرب.
وتسري بنود هذه الاتفاقية الدولية على مجرمي الحرب النازيين وجميع مجرمي الحرب بما فيهم قادة إسرائيل. وتعتبر بنودها جرائم الحرب من أفدح الجرائم في القانون الدولي. وتشكل معاقبة مجرمي الحرب عاملاً فعالاً في تجنيب الشعوب مثل هذه الجرائم وفي تقدم التفاهم والتعاون بين الشعوب وحماية السلم والأمن الدوليين.
وانطلاقاً من المادة السادسة من نظام محكمة نورنبيرغ يعتبر رؤساء دولة إسرائيل ورؤساء الوزراء والوزراء وكبار قادة الجيش والجنود والموظفون الذين خططوا ونفذوا وشاركوا في حروب إسرائيل العدوانية والمجازر الجماعية التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها، من مجرمي الحرب يجب تقديمهم إلى محكمة الجزاء الدولية أو إلى محكمة على غرار محكمة نورنبيرغ، وذلك انطلاقاً من العهود والمواثيق الدولية التالية:
- اتفاقية لندن بين الدول الحليفة لعام 1945 حول تقديم مجرمي الحرب النازيين إلى المحاكمة.
- ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرّم الحروب العدوانية ويمنع التهديد باستخدام القوة.
- نظام محكمة نورنبيرغ لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين.
- القرارات والأحكام والمبادئ التي رسختها محكمتا نورنبيرغ وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين والعسكريين اليابانيين.
- قرار الأمم المتحدة رقم 195 (1) بتاريخ 11 أيلول 1946 بإقرار المبادئ التي نص عليها نظام نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي.
- نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948.
- نصوص معاهدة تحريم إبادة الجنس (جينوسايد) لعام 1948. اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
- اتفاقية الأمم المتحدة حول عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عام 1968.
- مقررات هليسنكي حول الأمن والتعاون الأوروبي لعام 1975.
- قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي حول الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة.
- قرار مجلس الأمن الدولي لعام 1980 بشأن عدم شرعية وبطلان ضم إسرائيل للقدس والجولان السوري.
- قرارات مؤتمرات القمم العربية والإسلامية والأفريقية والدول غير المنحازة.
- قرارات المنظمات والاتحادات الدولية كمجلس السلم العالمي، والاتحاد العالمي لنقابات العمال والاتحادات العالمية للحقوقيين والصحفيين والمرأة والطلبة والشبيبة.
وتعتبر جرائم الحرب الإسرائيلية من أفظع وأبشع جرائم الحرب التي ارتكبت حتى الآن ولا مثيل لها على الإطلاق في التاريخ البشري، مما يجعل إسرائيل أكبر دولة عنصرية وإرهابية ظهرت في تاريخ البشرية، ويجعل الصهيونية أكثر عنصرية وسوءاً من ألمانيا النازية والأبارتيد في جنوب أفريقيا، ويجعل إسرائيل أكثر خطراً على شعوب المنطقة من ألمانيا النازية، وقادة إسرائيل أكثر عنصرية ووحشية من قادة النازية، وشارون أسوأ من غورينغ، وبيرس أسوأ من غوبلز وهملر.
وانطلاقاً من هذه العهود والمواثيق والقرارات الدولية يجب تقديم قادة إسرائيل الأحياء منهم والأموات الذين خططوا وأصدروا الأوامر ونفذوا الحروب العدوانية والمجازر الجماعية، بحق العرب في فلسطين وسورية ولبنان ومصر والأردن، إلى محكمة جنائية دولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين واليابانيين، استناداً إلى جرائم الحرب والجرائم ضد السلام والإنسانية التي ارتكبوها منذ تأسيس إسرائيل وحتى اليوم.
أشعل النازيون نيران الحرب العالمية الثانية قبل تأسيس الأمم المتحدة وقبل الموافقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة تحريم إبادة الجنس البشري. وكانوا يتذرعون بعدم وجود معاهدات واتفاقات دولية تمنع ذلك، بينما يرتكب قادة إسرائيل جرائم أفظع من جرائم النازية، على الرغم من وجود الأمم المتحدة والعديد من العهود والمواثيق والقرارات والأحكام الدولية التي تمنع ارتكابها. لذلك يجب ملاحقة قادة إسرائيل ومحاكمتهم وإنزال العقوبات بهم أسوة بمجرمي الحرب في كل مكان.
إن إسرائيل واليهودية العالمية مصممتان على تصفية الشعب الفلسطيني عن طريق الإبادة الجماعية والحروب العدوانية والاستعمار الاستيطاني والترحيل، لتصفيته وتذويبه وتشتيته وتوطينه خارج وطنه. ووصلت وقاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون حداً قال فيه بعنجهية منقطعة النظير رداً على الانتقادات التي وجهت ضد إسرائيل" لا أحد يستطيع أن يقاضينا أمام محكمة الشعوب، بل نحن الذين يجب أن نقاضي الآخرين أمام هذه المحكمة".
لذلك أصبحت المطالبة بتقديم قادة إسرائيل إلى المحاكمة كمجرمي حرب هماً ومطلباً عربياً وإسلامياً، فأقرت القمة العربية لدعم الانتفاضة في القاهرة، والقمة العربية في عمان والقمة الإسلامية في الدوحة، والمؤتمر البرلماني الدولي لدعم الانتفاضة في طهران وجوب الإسراع بتقديم قادة إسرائيل إلى محكمة دولية، لمحاكمتهم على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يقترفونها تجاه الشعبين الفلسطيني واللبناني.
إن دماء الضحايا البريئة من أطفال وشيوخ وشباب في دير ياسين وأبو زعبل وصبرا وشاتيلا وقانا وداعل، وأرواح الشهداء الأبرار في التصدي لحروب إسرائيل العدوانية، تستصرخ جميع الأحرار في العالم ألاّ يدعوا أنهار الدم العربي البريء الذي سال ويسيل في فلسطين ولبنان وسورية ومصر والأردن أن تذهب سدى، وتستصرخهم كي يحاكموا وينزلوا العقاب بمجرمي الحرب الإسرائيليين أسوة بمجرمي الحرب النازيين.
إن الصمت والسكوت والتخاذل أمام اليهودية العالمية يزيد قادة إسرائيل تمادياً في جرائمهم ويزيد من غطرستهم وعنجهيتهم وأطماعهم في الأرض والمياه والمقدسات العربية. ويزيد من اعتمادهم على استخدام القوة والتهديد باستخدامها لحمل السلطة الفلسطينية والدول العربية على توقيع اتفاقيات الذل والإذعان والاستسلام، كاتفاق 17 أيار في لبنان واتفاق أوسلو وما تفرع عنه من اتفاقات.
لماذا لا يطبّق مجلس الأمن الدولي نظام ومبادئ وأحكام محكمة نورنبيرغ على قادة إسرائيل؟
إن المسؤوليات التي يلقيها ميثاق الأمم المتحدة على عاتق مجلس الأمن الدولي تفرض عليه تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على غرار المحاكم التي شكلها لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا وصربيا وكرواتيا، لأنه لا يجوز على الإطلاق أن يضع مجلس الأمن قادة إسرائيل فوق القوانين والعهود والمواثيق الدولية، بل يجب محاكمتهم أسوة بمجرمي الحرب من جميع شعوب العالم.
لذلك نطالب الاتحاد العام للمحامين العرب ونقابات المحامين في سورية ولبنان والأردن وفلسطين، رفع دعاوى ضد قادة إسرائيل في باريس وجنيف وبرلين وبقية العواصم الأوروبية، لمحاكمتهم كمجرمي حرب وإلقاء القبض على شارون وبيرس وموفاز، لأن قوانين العديد من هذه الدول تسمح بمحاكمة المواطنين الأجانب الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وضد السلام في حال عدم محاكمتهم في بلدانهم.
فالعالم أجمع مطالب بالعمل الفوري لوقف جرائم الإبادة الجماعية (الهولوكوست الإسرائيلي) والجرائم ضد السلام وضد الإنسانية، التي يرتكبها قادة إسرائيل منذ مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948 وحتى اليوم وغداً وبعد غد....

rrr




الملاحق



الملحق –1-


قرار رقم 3379 (الدورة 30) بتاريخ 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1975: القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
إذ الجمعية العامة، إذ تشير إلى قرارها 1904 (د-17) المؤرخ في 20 تشرين الثاني (نوفمبر 1963) الذي أصدرت فيه إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبوجه خاص إلى تأكيدها "إن أي مذهب يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوق العنصري مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً"، وإلى إعرابها عن القلق الشديد إزاء "مظاهر التمييز العنصري التي لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وبعضها مفروض من بعض الحكومات بواسطة تدابير تشريعية أو إدارية أو غيرها".
وإذ تشير، إلى أن الجمعية العامة قد أدانت في قرارها 3151 زاي
(د-28) المؤرخ في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1973 في جملة أمور، التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية.
وإذ تحيط علماً بإعلان المكسيك بشأن مساواة المرأة وإسهامها في الإنماء والسلم 1975 المعلن من قبل المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة، الذي عقد في مكسيكو في الفترة من 19 حزيران (يونيو) إلى 2 تموز (يوليو) 1975 والذي أعلن المبدأ القائل بأن "التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري (أبارتايد)، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير".
وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالقرار 77 (د-12) الذي اتخذه مجلس رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الثانية عشرة المعقودة في كمبالا في الفترة من 28 تموز (يوليو) إلى آب (أغسطس) 1975 والذي رأى "أن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصرين الحاكمين في زمبابوي وأفريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً كلياً، ولها هيكل عنصري واحد، وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته".
وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالإعلان السياسي واستراتيجية تدعيم السلم والأمن الدوليين وتدعيم التضامن والمساعدة المتبادلة فيما بين دول عدم الانحياز، اللذين تمَّ اعتمادهما في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد بليما، في الفترة من 25 إلى 30 آب (أغسطس) 1975 واللذين أدانا الصهيونية بأقصى شدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين وطلبا إلى جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الإمبريالية.
تقرّر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.





الملحق رقم –2-


قرار مؤتمر القمة الإسلامي الخامس
حول قرار الأمم المتحدة رقم 3379
الصهيونية والعنصرية

بشأن التأكيد على الدفاع عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
رقم (3379/د-30) لعام 1975 الذي قرر بأن الصهيونية هي شكل من العنصرية والتمييز العنصري، وتنسيق جهود الدول الإسلامية لمواجهة الحملة الأميركية –الإسرائيلية لإلغاء هذا القرار الصادر حسب الأصول بأكثرية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
إن مؤتمر القمة الإسلامي الخامس المنعقد في الكويت في الفترة من 26-28 جمادى الأولى 1407هـ (26-28 يناير 1987م).
إذ يستلهم مبادئ وأهداف ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي التي تدعو إلى تصفية العنصرية.
ويشير إلى إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
ويشير أيضاً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3379/د-30) بتاريخ 10 تشرين الأول /أكتوبر 1975 الذي يقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
ويستذكر البيانات الختامية والمؤتمرات الإسلامية لوزراء الخارجية المنعقدة في كل من جدة في شهر محرم 1390هـ الموافق آذار/ مارس 1970م، وكراتشي المنعقدة في شهر شوال 1390هـ الموافق لكانون الأول/ ديسمبر 1970م، وجدة المنعقدة في شهر محرم 1392هـ الموافق لآذار /مارس 1972، التي تستذكر وتندد بالحركة الصهيونية بوصفها حركة عنصرية عدوانية وتوسعية معارضة لكل المثل العليا للبشرية وخطراً دائماً على السلام العالمي.
ويستذكر قرار المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء الخارجية المنعقد في استانبول بالجمهورية التركية في شهر جمادى الأولى 1396هـ الموافق لأيار/ مايو 1976، الذي أدان الصهيونية كعقيدة استعمارية توسعية عنصرية إمبريالية، ورأى فيها خطراً مباشراً يهدد الأمن والسلم الدوليين.
وإذ يلاحظ أن النظام العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة والنظام العنصري في جنوب أفريقيا يرتبطان ارتباطاً عضوياً في الممارسة والهدف ويشكلان هيكلاً عنصرياً واحداً يهدد الأمن والسلم الدوليين وينتهك كرامة الإنسان وحرماته.
1- يؤكد من جديد أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري طبقاً لقرار الجمعية العامة رقم (3379/د-30) لعام 1975.
2- يقرر أن تقوم الدول الأعضاء بالعمل في نطاق الأمم المتحدة بالتصدي للمحاولات التي تبذل لنقض قرار الجمعية العامة المذكور.
3- يطلب من الأمين العام متابعة هذا الموضوع وتقديم تقرير بشأنه إلى المؤتمر الإسلامي.






الملحق رقم –3-


النظام العالمي الجديد يلغي القرار 3379
في السادس عشر من كانون الأول 1991 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على مساعي الولايات المتحدة الأميركية، وباسم النظام العالمي الجديد على إلغاء القرار رقم 3379 بمئة وأحد عشر صوتاً لصالح إلغاء القرار، واعتراض 25 دولة، بينها خمس عشرة دولة عربية من أ صل 21 دولة من دول الجامعة العربية، وامتناع 13 دولة عن التصويت من أصل 166 دولة، مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة آنذاك. والدول التي عارضت الإلغاء هي: الجزائر، أفغانستان، بنغلاديش، بروناي، كوبا، فيتنام، كوريا الشمالية، أندونيسيا، إيران، ماليزيا، مالي، موريتانيا، باكستان، سيريلانكا، سورية، لبنان، ليبيا، العراق، الأردن، الصومال، السعودية، السودان، اليمن، والإمارات العربية المتحدة.
والدول التي لم تشارك في التصويت هي: الكويت، البحرين، مصر، المغرب، سلطنة عمان، جيبوتي، تونس، تشاد، جزر القمر، غينيا الاستوائية، غينيا بيساو، النيجر والسنغال.
يتكون قرار الإلغاء من سطر واحد صاغه لورنس أيغلبرغر، نائب وزير الخارجية الأميركي.
وفيما يلي نص القرار:
"تقرر الجمعية العامة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379".

rrr





الفهرس

الإهـــداء. 5
المقدمة 7
الفصل الأول 11
- الجذور التاريخية للإرهاب الإسرائيلي. 11
- عنصرية اليهودية 22
- محاربة اليهود للدعوة الإسلامية 36
- بروتوكولات حكماء صهيون. 44
الفصل الثاني. 55
- الخرافات اليهودية 55
- خرافة النقاء العرقي اليهودي. 57
- شخصية اليهودي. 63
- الصهيونية واللاسامية 68
الفصل الثالث. 79
- عنصرية الصهيونية 79
- الصهيونية والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري 91
العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية: 99
- الأمم المتحدة والموافقة على القرار 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية 103
القرارات الدولية التي استندت عليها الأمم المتحدة لاتخاذ القرار 3379. 104
- الولايات المتحدة الأميركية وإلغاء القرار رقم 3379. 111
الفصل الرابع. 117
- التشابه والتعاون بين النازية والصهيونية 117
- عنصرية إسرائيل. 126
- عنصرية المجتمع الإسرائيلي. 138
الفصل الخامس.. 145
- عنصرية قانون العودة الإسرائيلي. 145
- عنصرية قانون العودة الإسرائيلي. 149
- عنصرية قانون الجنسية الإسرائيلي. 153
الفلسطينيون وقانون الجنسية 155
- عنصرية قوانين الأراضي. 157
عنصرية قانون أملاك الغائبين. 157
العنصرية في قانون التصرف واستملاك الأراضي. 159
- عنصرية قوانين الطوارئ. 165
العقوبات الجماعية 169
الفصل السادس.. 173
- مسؤولية قادة إسرائيل عن مجازر صبرا وشاتيلا. 173
- تقرير لجنة كهان الإسرائيلية للتحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا يدين قادة إسرائيل 183
الفصل السابع. 193
- الهولوكوست الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني. 193
- محكمة نورنبيرغ الدولية ومحاكمة مجرمي الحرب. 200
-المعاهدة الدولية لتحريم جريمة إبادة الجنس البشري. 203
- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. 204
- جرائم إسرائيل ضد السلام 205
- جرائم الحرب الإسرائيلية 207
- جرائم إسرائيل ضد الإنسانية 209
- وجوب محاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب. 211
الملاحق. 215
الملحق رقم–1-. 215
الملحق رقم –2-. 217
الملحق رقم –3-. 219
الفهرس.. .. 221



rr






د. غازي حسين
-أجبرت إسرائيل عائلة المؤلف على الرحيل من بلدته سلمة عام 1948، ورحلت عائلته للمرة الثانية عام 1967.
-أنهى المؤلف دراسته الثانوية في كلية النجاح بنابلس
-حصل على دبلوم في الحقوق ودكتوراه في القانون الدولي ودكتوراه في العلوم الحقوقية من ألمانيا.
-عمل كممثل وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية، ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة في فيينا.
-درّس القانون الدولي في ألمانيا ودمشق.
-يعمل كمستشار قانوني للدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدمشق.
-عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
-أمين سر اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية.

صدرت للمؤلف العديد من الكتب منها:
*الصهيونية أيديولوجية عنصرية كالنازية (عام 1968 بالعربية وعام 1971 بالألمانية).
*عدالة وسلام من أجل القدس بالألمانية في فيينا 1979.
*الفكر السياسي الفلسطيني من عام 1963-1988.
*النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية عام 1994.
*إسرائيل الكبرى والهجرة اليهودية عام 1992.
*الصهيونية زرع واقتلاع (اتحاد الكتاب العرب) 1996.
*القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة (اتحاد الكتاب العرب) 1998.

rr






رقم الإيداع في مكتبة الأسد الوطنية




العنصرية والإبادة الجماعية : في الفكر والممارسة الصهيونية: دراسة/ غازي حسين – دمشق: اتحاد الكتاب العرب،
2002 – 222 ص؛ 25سم.

1- 320.56 ح س ي ع
2- العنوان 3- حسين

ع- 730/4/‏2002‏ مكتبة الأسد

qq








رقم الإيداع في مكتبة الأسد الوطنية



الانزياح في التراث النقدي والبلاغي: دراسة/ أحمد محمد ويس– دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2002 – 207 ص؛ 25سم.

1- 410 و ي س إ
2- 811.009 و ي س إ
3- العنوان 4- ويس

ع- 731/4/‏2002‏ مكتبة الأسد

qq