تتمة الاقتباس:
حث الأول: معنى الدعاء

الدعاء لغة: الأصل مصدر من قولك: دعوتُ الشيء أدعوه دعاءً، وهو أن تُميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك ( مقاييس اللغة )

الدعاء شرعًا: عرِّف بعدة تعريفات
:
قال الخطابي: "معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه".[1]
وقال ابن منظور: "هو الرغبة إلى الله عز وجل " [2].

والدعاء الذي حثَّ الله عليه في كتابه، ووعد المخلصين فيه بجزيل ثوابه، نوعان: دعاء المسألة، ودعاء العبادة. [3]

أما دعاء المسألة فهو: طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره ودفعه.[4]

وأما دعاءالعبادة فهو: التقرب إلى الله بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال، والنيات والتروك، التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله
[5].
وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال كالصلاة. فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية فقد دعا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصة أنه يتعبد الله طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه.



المبحث الثاني: معنى الذكر

الذكر لغة:مصدر ذَكر الشيء يذكره ذِكراً وذُكراً، وأصل الذكر في اللغة التنبيه على الشيء، ومن ذكَّرك شيئا فقد نبَّهك عليه، وإذا ذكَّرته فقد نبَّهته عليه. [6]

ويأتي لمعان:

أ- الشيء يجري على اللسان، أي: ما ينطق به، يقال: ذكرت الشيء أذكره ذِكرا وذُكرًا إذا نطقت باسمه أو تحدَّثت عنه، ومنه قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم:2].

ب- استحضار الشيء في القلب، ضد النسيان، قال تعالى حكاية عن فتى موسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف:63].

وأما شرعا فله معنيان:

أ- معنى عام: ويشمل كل أنواع العبادات من صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وثناء ودعاء وتسبيح وتحميد وتمجيد وغير ذلك من أنواع الطاعات؛ لأنها إنما تقام لذكر الله وطاعته وعبادته.

قال شيخ الإسلام: "كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرِّب إلى الله من تعلّم علم وتعليمه وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله" .[7]

وقال عبد الرحمن بن سعدي: "وإذا أطلق ذكر الله شمل كل ما يقرِّب العبدَ إلى الله من عقيدة أو فكر أو عمل قلبي أو عمل بدني أو ثناء على الله أو تعلم علم نافع وتعليمه ونحو ذلك، فكله ذكر لله تعالى" .[8]

ب- معنى خاص: وهو ذكر الله بالألفاظ التي وردت عن الله سبحانه وتعالى من تلاوة كتابه أو إجراء أسمائه أو صفاته العليا على لسان العبد أو قلبه مما ورد في كتاب الله سبحانه، أو الألفاظ التي وردت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها تمجيد وتنزيه وتقديس وتوحيد لله سبحانه وتعالى .[9]

قال ابن علان: "أصل وضع الذكر هو ما تعبَّدنا الشارعُ بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه" .[10]

والمراد من الذكر: حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر ما يذكر، ويتعقَّل معناه.[11]

المبحث الثالث: العلاقة بين الذكر الدعاء

سبق في تعريف الذكر بمعناه العام أنه يشمل جميع أنواع العبادات والطاعات ومن ضمنها الدعاء بنوعيه: دعاء المسألة ودعاء العبادة الذي هو بمعنى الذكر والثناء، فالدعاء نوع من أنواع الذكر ولون منه.

ولكن وردت نصوص كثيرة تدل على إطلاق الدعاء على الذكر الأعم من معنى دعاء المسألة، منها حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)) [12]، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم)) .[13]

قال شيخ الإسلام: "إنَّ كلَّ واحد من الدعاء والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه" .[14]

إذاً فالعلاقة بين الذكر والدعاء كما يلي:

أ- إذا أريد بالدعاء دعاء العبادة فهو حينئذ مرادف للذكر.

ب- وإذا أريد بالدعاء دعاء المسألة فيكون حينئذ أخصَّ مطلقا من الذكر، ويكون الذكر أعم مطلقا منه؛ لأن الدعاء لا ينفك عن كونه ذكرا، وأما الذكر فيكون سؤالا ويكون غير سؤال.

ج- وتكون العلاقة بينهما التلازم، وذلك أن دعاء المسألة ذكر وثناء وتضرّع وافتقار كما أن في الذكر طلب جلب النفع ودفع الضر ورجاء الثواب وخوف العقاب.

خلاصة:

العلاقة بين الدعاء والذكر إما ترادف واتحاد، وإما عموم وخصوص مطلق، وإما تلازم، ولا يتصور انفكاك أحدهما عن الآخر، فلهذا كانت أغلب الكتب المصنفة في الأذكار تشمل على الأدعية وبالعكس [15].

ولكن الغالب إطلاق الذكر على معناه الخاص وإطلاق الدعاء على معناه الخاص وهو المسألة والطلب.






[1] شأن الدعاء(ص 4).

[2] لسان العرب مادة(د ع و).

[3] النبوات (ص136).

[4] بدائع الفوائد (3/2).

[5] انظر: تصحيح الدعاء (ص 17)

[6] تهذيب الأسماء واللغات (3 / 111).

[7] مجموع الفتاوى (10/661).

[8] الرياض النضرة (ص245).

[9] الذكر وأثره في دنيا المسلم و آخرته (ص17-20).

[10] الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية (1/ 396).

[11] الأذكار (ص31).

[12] رواه الترمذي (3383)، وابن ماجة (2/1249)، وحسنه الألباني في الصحيحة (3/484)، وصحيح ابن ماجة (2/319).

[13] أخرجه البخاري (6345).

[14] الفتاوى (15/ 19)، وانظر: بدائع الفوائد (3/10).

[15] انظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية (1/ 77- 78).