وبتمحيص دقيق في مدلولات تصريح السيد محمود عباس الصادر يوم الرابع والعشرين من آب أغسطس الماضي في عمان الذي قال فيه ما حرفيته:(إننا متمسكون بما كنا قد اتفقنا عليه حول إقامة الدولة الفلسطينية عبر المفاوضات وهذا ما هو جارٍ الآن...)يتضح تماما أيضا أن ما يجــري الآن في هذا الشأن هو حصيلة اتفاق تعاقدي مقــرٍ بينه وبين أقرانه (الإسرائيليين) والأمريكيين ، وأن الزوبعة المثارة حاليا على ألســنة هؤلاء الأقران ورفضهم المعلن ليـــس إلا ذراً للرماد في العيون وتجميـــلا للعملية برمتها في عيون العامة من المحبطين في الشارع العربي والذين لا يعنون بالتفاصيل التي يختبئ الشيطان الأكبر في حضنها دائماً .
وهنا يتعين إدراك الإنجاز الخطير (لصالح إسرائيل وحاضنتها الأمريكية) الذي يترتب على تبعــات هذه المغامرة الطائشة في كلا الحالين اللذين سيصدران عن الأمم المتحدة:
أ. في حال قبول عضوية الدولة المنشـودة(!) تترتب المخاطر التالية على تبعاته:
· الأول يتمثل في الإلغاء القانوني والشرعي لقرار الأمم المتحدة رقم 181لعام 1947م بطلب فلسطيني وعربي ومباركة عالميـــة وإقـــرار دولي يحمله القـــرار الجديد المرتقب الذي سـيعني بصورة ضمنية وقانونيه أنه ينسخ كل ما ســـبقه من قــــرارات في ذات الشأن.
· والثاني يتمثل في توثيق تنازل رسمي فلسطيني وعربي عن ســقف المطالب التاريخية العربية في فلسطين مقابل دويلة مسخ في حجم قنّ دجاج على مجرد 18% من مساحة فلسطين التاريخية .
· والثالث يتمثل في إلغاء قطعي لحق العــودة الذي يصبح متاحا فقط إلى داخل حدود الدولة المعلنة.
ب. وفي حال عدم إقرار تلك العضوية،فإن مخاطر ليست أقل ضررا على القضية برمتها، ســوف تترتب بصورة تلقائية أيضا ، وهي:
· يكون الإجراء برمته قد أنجــز توثيقا دوليا يحدد سقف الحقوق والمطالب العربية في حدود عام 1967م ، وأقر توثيقا فلسطينيا وعربيا بلامشروعية أية مطالب سابقة على ذلك التاريخ ، الأمر الذي يبرئ (إسرائيل) من تبعات كافة الجرائم والحروب التي نشبت بينها وبين الفلسطينيين والعرب منذ العام 1948 حتى هذا التاريخ انطلاقا من (مشروعية خوضها تلك الحروب دفاعا عن حقها(!) الذي أقرته نصوص الطلب المذكور الذي يؤكد للمرة الأولى شرعية وقانونية وجودها على الأراضي المحتلة من فلسطين على امتداد الفترة التي سبقت العام 1967م.
· سوف يتحدد سقف أية مفاوضات مستقبلية في إطار الإقرار الفلسطيني والعربي الموثق في محاضر الاجتماع الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
· يسدل الستار من منظور دولي على حقوق اللاجئين في العودة إلى ديارهم والتعويض عما لحق بهم وبممتلكاتهم من أضرار ، ويستعاض عن ذلك بمقايضة تعويضاتهم مقابل انتفاعهم بتلك الممتلكات عن فترة انتفاعهم منها "واحتلالهم" لها(!) قبل اللجوء كونها أملاكاً لم تكن واقعة في حدود "دولتهم الفلسطينية" التي أقر بها العرب والفلسطينيون أخيراً،
ثمـــــــــة ملاحظة في غاية الأهمية ينبغي استدراكها من قبل القائمين على هذه المغامرة الطائشة إذا كانوا يحرصون على أن لا يلحقوا أفـــــدح الأضرار بشعبهم وبقضيتهم وعلى تبرئة ذمتهم من فحشاء الخيانة العظمى حتى لا يلعنهم التاريخ، وهي:
(سرعة استدراك شـــطب عبارة: على حدود عام 1967م واستبدالها بعبارة : على الحدود التاريخية التي لا تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية.وإلا فإن الخطر الكارثي الذي يشي باحتمالية تواطؤ ثلاثي المحور (أمريكي – سلطوي- صهيوني) يقوم بتنفيذ السيناريو الجاري ، سيظل ماثلاً.
السـيناريوهات المحتملة :
ويبدو من التحركات الجارية فلسطينيا بهذا الشأن أن هناك ثلاثة ســـيناريوهات محتملة لما قد يتضمنه هذا التحرك أوما قد يسـفر عنه وهي قراءة تشي باحتمال وجود سيناريو ثلاثي مسبق متفق عليه بين أطراف اللعبة:
الأول : أن توافق الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب السلطة الفلسطينية إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد على المساحة الجغرافية التى تتواجد بها السلطة الفلسطينية أو على حدود(1967م)مع تبادل للأراضي دون أن يقترن ذلك بقرار من مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي، وفي هذه الحالة تعلن (إسرائيل ) بطلان ذلك كونه أُعلن من جانب واحد ، الأمر الذي يخالف ما نصت عليه الاتفاقات المعقودة بين الطرفين والذي يقول بأن قضايا الحل النهائي يجب أن يتم حلها عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين وبموافقتهما، وهو الأمر الذي ستبرر به الولايات المتحدة إقدامها على استخدام حق النقض-الفيتو عند عرض القرار على مجلس الأمن للمصادقة عليه.
والثاني : أن تستخدم السلطة الفلسطينية هذه الخطوة كورقة ضغط ومقايضة بهدف عودتها إلى طاولة المفاوضات لإطالة أمد استمراريتها في محاولة منها للالتفاف على حق العودة من خلال التراجع عن طرحها على طاولة الأمم المتحدة مقابل العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة إلى التفاوض مع (إسرائيل) والدخول في تفاصيل تبادل الأراضى ،في محاولة تتسم بالنذالة السياسية كونها تستهدف فقط إطالة عمر السلطة الفلسطينية مقابل منح الكيان الصهيوني مزيدا من الوقت لإنجاز عملية التهويد في القدس وخارجها ولاستكمال مشاريعه الاستيطانية المحمومة وهو ما جرى تحذير السلطة الفلسطينية من خطورة الإنزلاق وراء ه مراراً دون رادع.
والثالث: افتعال حالة من الفوضى (الخلآقة) التي ستعمد الولايات المتحدة الأمريكية معها إلى الدعوة إلى لملمة الأمور والعودة إلى طاولة المفاوضات العبثية على النمط السابق توفيرا للوقت الذي يمكن (إسرائيل) من إنجاز وقائع التهويد والاستيطان على الأرض بالشكل الذي تريد .

وبينما يرى الدكتور أحمد رفعت أستاذ القانون الدولى والرئيس الأسبق لجامعة بنى سويف أنه ليس هناك خيار الآن أمام الفلسطينيين سوى الإقدام على إعلان دولتهم فى سبتمبر المقبل (ولكن ليس على حدود 1967م كما تفعل السلطة الآن) ،أسوة بما فعله الصهاينة عند إعلان دولتهم عام1948م (دون أن يرسموا حدودها في بيان تأسيسها المعروف حتى لا يشكل ذلك قيدا على توسعهم المستقبلي) وهذا ما هو حاصل الآن، خاصة مع انشغال الدول العربية بأمورها الداخلية التى استحوذت فيها الثورات العربية على الجانب الأكبر من الاهتمام ،مشيرا إلى ما يمكن أن تنجح فيه تلك الخطوة فى حشد تأييد دولى واعتراف جماعى يستطيع الفلسطينيون استغلاله لدعم قضيتهم ،مؤيدا فكرة التوجه إلى مجلس الأمن الذى لا يعتمد فى قراراته على الموضوعية وهو ما يضع الولايات المتحدة فى موقف حرج حال استصداره قرارا لصالح القضية الفلسطينية.
فيما يرى الدكتور أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الفلسطينى السابق اسماعيل هنية ،ضرورة تعزيز خطوة الذهاب إلى الأمم المتحدة بتوحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية والاتفاق على صيغة محددة للقرار (!) الذى سيتم تقديمه إلى مجلس الأمن ،وموقف موحد فى شأن التعامل مع ما سيصدر عنه من قرارات ،لافتا إلى ضرورة مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لإنهاء الاحتلال وليس فقط إعلان الدولة الفلسطينية على الحدود المسخ.
كما اعتبر أن ذلك إن تم ، فهو سيعتبر إعادة لاعتراف تم منذ سنوات ،
أما السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق، فقد عارض الذهاب إلى الأمم المتحدة وإعلان الدولة بلشكل والمضمون المطروح حاليا،حيث يرى ضرورة حصول فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة تمنحها حق التصويت ،داعيا إلى ضرورة الذهاب إلى مجلس الأمن واستمرار ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية بما يسهم فى تغيير موقفها واعتماد قرار التقسيم لعام 1947م( وليس حدود1967م) مرجعية لحدود الدولة االمنوي إعلانها .
كما اعتبر أن خطوة الذهاب للأمم المتحدة وإعلان الدولة بالصيغة المطروحة حالياً، ما هى إلا محاولة لإطالة عمر السلطة الحاكمة ،مشيرا إلى أن مثل تلك الخطوة يجب أن تكون تتويجا وثمرة لجهود المقاومة وليست كثمرة لجهود التواطؤ والتنسيق الأمني مع حكومة العدو.
ومن جانبها،أوجزت الدكتورة نورهان الشيخ رئيس وحدة التدريب المتقدم بمركز الدراسات المستقبلية والاستيراتيجية في القاهرة ،التحديات المترتبة على إعلان لدولة الفلسطينية ووصفتها بأنها سـتكون ناتجة عن عدم وضوح الرؤية الفلسطينية الداخلية حول آليات التوجه للأمم المتحدة وإعلان الدولة.

أما الدكتور مازن المصري أحد أبرز المستشارين القانونيين في منظمة التحرير الفلسطينية ولرئيس السلطة محمود عباس سابقا، فقد لخص أبرز التبعات السلبية المترتبة على هذه الخطوة العرجاء قائلاً:
يتوهم الذين يظنون أنه سينجم عن هذه الخطوة العرجاء أي مكسب سياسي، بل على العكس من ذلك ،فإن مخاطرها تشكل أضعاف مكاسبها . إذ لا يبدو على الإطلاق أنه سيكون للمكاسب السياسية أي وجود .وسوف لن يؤثر التغيير الاسمي من "سلطة حكم ذاتي" إلى "دولة" على الواقع الميداني أو السياسي. وليس من المتوقع أن يؤدي إعلان الدولة إلى انسحاب إسرائيلي، أو تسليم المعابر الحدودية إلى الفلسطينيين، أو سيطرة الدولة على الموارد الطبيعية، أو المجال الجوي، أو الصادرات والواردات، أو ضمان حرية الحركة. فميدانياً، سيبقى الأمر على ما هو عليه، وسيضطر محمود عباس إلى استصدار تصريح مرور، كلما أراد الخروج من رام الله أو العودة إليها. ودولياً، لن تتأثر صورة (إسرائيل) كثيراً، فهي قد احتلت مناطق تابعة لسيادة دول أخرى، لفترات طويلة، كاحتلالها لسيناء وجنوب لبنان، بل ضمّت مناطق محتلة إلى سيادتها، كما هي الحال في الجولان، ولم تكن لتلك الأفعال أيّ تداعيات باستثناء الاستنكار والشجب.
وعلى صعيد آخر،نقلت وكالة «سما» الفلسطينية عن مصدر حكومي أردني قوله إن بلاده «ستقف في وجهالقرار الفلسطيني، بالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان الدولةالفلسطينية من طرف واحد»، مشيراً إلى أن «المصالح الوطنية الأردنية العليا ستكون فيمهبّ الريح، في حال إعلان السلطة الوطنية الفلسطينية قيام الدولة من طرف واحد، خاصةما يتعلق بقضايا اللاجئين والمياه والقدس والحدود، وهي القضايا المفصلية في القضيةالفلسطينية». وقال أيضا أن «إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد هو مصلحة إسرائيليةبالدرجة الأولى، لأن إسرائيل معنية بقيام الدولة الفلسطينية داخل حدود الجدارالعازل، وهذا يعني انتفاء وجود حدود للدولة الفلسطينية مع الأردن، وهو ما يرفضهالأردن نهائياً.
و لعل الأثر الأكبر لإعلان الدولة الفلسطينية، سيكون على مستوى إعادة تعريف الصراع بما يعود بنتيجة سلبية على الفلسطينيين. فإعلان الدولة في مثل هذه الظروف، سيؤدي إلى المزيد من التشويه في رؤية العالم للصراع. فقبل مرحلة أوسلو، كانت الأمور واضحة نسبياً: فقد شرّدت (إسرائيل) الفلسطينيين من ديارهم في العام 1948، واحتلت ما بقي من الأراضي في العام1967. أما بعد أوسلو وقيام السلطة، فقد أدت المناصب الرمزية الخالية من السيادة الفعلية إلى تعقيد الوضع: فالفلسطينيون شعب تحت الاحتلال، يطالب بحق تقرير المصير لنفسه من جهة، ومن جهة أخرى للفلسطينيين رئيس، ورئيس وزراء، وحكومة، ووزارات، وسفارات، وبرلمان، وشرطة تنسق على نحو مكثف مع إسرائيل، وتعلن قيادتها مراراً أنّ إسرائيل ليست العدو. يقوم الفلسطينيون شكلياً بحكم أنفسهم، لكن الأمور فعلياً بيد (إسرائيل)، والصلاحيات التي يمارسها الوزراء والسفراء ليست لها علاقة بالسيادة.

لقد أدت تلك الصورة المشوهة والواقع المربك، إلى تعقيد الأمور للمراقب العادي، وفتح المجال (لإسرائيل) للتنصل من التزاماتها كدولة محتلة، والادعاء أنّ الفلسطينيين "يتمتعون" بحكم ذاتي وحقوق، وأنّ أوضاعهم الاقتصادية جيدة، وأنّ المسؤولية في كلّ ما يجري تقع على عاتق الفلسطينيين. لذلك، ليس على إسرائيل حرج في إتباع سياسات لضمان أمنها. هنا تكمن خطورة إعلان الدولة في مثل هذه الظروف، إذ إنّ هذه الخطوة ستؤدي إلى إعادة تعريف الصراع على المستوى الدولي، من صراع بين دولة احتلال وشعب نصفه واقع تحت الاحتلال ونصفه الآخر في الشتات، إلى صراع عادي على الحدود بين دولتين. ستزداد الصورة تشوهاً، وسيزداد الواقع ارتباكاً. سيصبح للفلسطينيين دولة، لكن بدون سيادة، رئاسة ومؤسسات لكن بدون سلطة أو سيطرة، وتمثيل ورموز سيادية بدون قدرة على اتخاذ قرارات سيادية، واعتراف دولي مناف للواقع على الأرض. فيظهر الأمر للخارج بأنّه نزاع عادي على الحدود، لكن باطنه إعادة إنتاج الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية بوسائل أخرى.
مع هذا التحوّل، ستفقد القضية الفلسطينية تَميّزها كآخر الصراعات ضد الاستعمار، وستفقد قدرتها على تجنيد التضامن الدولي، كحركة تحرر وطني. ستصبح خلافاً حدودياً لا فرق بينه وبين الخلافات الحدودية الكثيرة بين الدول. وسيحمل إعلان الدولة تداعيات سلبية كثيرة على اللاجئين الفلسطينيين. فإسرائيل ترفض حق العودة، بل وأي مسؤولية عن تهجير اللاجئين. وعند إعلان الدولة، وفقدان القضية الفلسطينية لكثير من عوامل القوة المعنوية وعناصر الدعم والتضامن الدوليين، سترتكز أي مفاوضات مستقبلية على مقومات الدولة وحدودها والإجراءات الأمنية. وستُستنفَد كل عوامل الضغط الباقية في هذا الاتجاه، تحت مسمى "بناء الدولة"، وستبقى قضية اللاجئين، وحق العودة، مسألتين هامشيتين ، قد(!) تعطيها القيادة الرسمية بعض الاهتمام مرة في السنة، أي في خطابات إحياء ذكرى النكبة.
وقد يسأل السائل: إذا كان إعلان الدولة قد يؤدي إلى هذه النتائج السلبية، فلماذا ترفضه إسرائيل؟ يمكن تفسير الموقف الإسرائيلي بمحاولة للتقليل من حالة "عدم اليقين" (uncertainty). فمع أنّ )إسرائيل( تتمتع بتفوق عسكري وسياسي، إلا أنّ سياستها ترتكز على تجنب المخاطرة والتشبث بالأمر الراهن الذي تستطيع هي تغييره تبعاً لمصالحها، بدون إثارة الكثير من الضجة الإعلامية. فالوضع الحالي في الضفة الغربية هو الأمثل بالنسبة إليها، الأمن مستتب بتمويل فلسطيني-عربي-دولي، والضفة الغربية تحت سيطرتها شبه المطلقة ومفتوحة كسوق للبضائع الإسرائيلية، فلم التغيير إذن؟ الأفضل من ناحية (إسرائيل) هو الوصول إلى دويلة فلسطينية (أو كيان سياسي يُسمى دولة)، بتصميم وقياس تمليه (إسرائيل)، ويقبل به الفلسطينيون، تُظهره للعالم كتنازل كبير، ويضع أمام الفلسطينيين التزامات كبيرة. المسألة بالنسبة إلى (إسرائيل) إذن هي مسألة تكاليف العملية، لا مبدأ الدولة بحد ذاته. لقد باتت الدولة الفلسطينية المحدودة السيادة، على جزء من أراضي الضفة الغربية وغزة، موضع الإجماع الصهيوني، بل إنّها مصلحة إسرائيلية، إذ ستحل هذه الدولة "مشكلة" (إسرائيل) الديموغرافية، من ناحية إنهاء السيطرة المباشرة على الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، تحل بعض التناقضات الداخلية لتعريف الدولة كدولة يهودية، وتطبيع مكانتها السياسية والدولية، ومنحها المزيد من الشرعية.

في "مديح الظل العالي"، طرح درويش عدداً من الإجابات الممكنة لسؤاله "ماذا نريد؟"، مثل العلم والجريدة والسيادة فوق الرماد، لكنّه ما لبث أن رفض تلك الإجابات وسخر منها. وكرر درويش إجابته هو عن تلك الأسئلة، قائلاً: "أنتَ، أنتَ المسألة". وأنهى قصيدته ساخراً من رمزية فكرة الدولة قائلاً: "ما أوسع الثورة، ما أضيقَ الرحلة، ما أكبَرَ الفكرة، ما أصغَر الدولة!". قد تكون العودة إلى فكرة "أنتَ، أنتَ المسألة" التي تضع الإنسان في قلب المعادلة، بدلاً من الدولة أو الكيانات أو المصالح الأخرى، أفضل نقطة انطلاق للإجابة عن هذه الأسئلة، وللبحث عن جدوى الدولة والبدائل الممكنة وأهميتها..
على ضوء ما تقدم فإنه ينبغي سرعة العمل على تكثيف الجهد الشعبى من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى والإعلام العربى بكافة وسائله والمراكز البحثية والمؤسسات الحزبية والنقابية والشخصيات الفاعلة الفكرية والثقافية لتناول هذه القضية وتعبئة الرأى العام حول المخاطر المتنامية التي تشكل هذه التحركات واحدة من أخطر حلقاتها التي تتهدد القضية برمتها ، الأمر الذي يستوجب تحركا شعبيا فلسطينيا وعربيا داخل وخارج المجتمعات العربية على السواء.

......... يتبع