الرد الحديدي على ضلالات كمال الصليبي كتبه البراق

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحا بته الكرام ومن تبعهم با حسا ن وبعد ان الدفاع عن الوطن لايكون فقط بالنفس والمال وانما يكون بالكلم وبالقلم ولا نلبث حقيقة ان تظهر هناك هجمات شرسه تحاول النيل والتقليل بطرق مبا شره وغير مبا شرة – وتلك الهجما ت الخا طئه تا تي في صور شتى منها ضلالات –ومزا عم ونظريا ت شخصية هي اشبه بالهلوسا ت –لايخرج صا حبها عن كونه – مخالف للجميع ومصا در للرا ي والري الاخر ومصاد م على غير هدى ولديه مزا عم لاتمت للحقيقة بصلة فهذا يريد حسب تصوره انه سيا تي على ما لم يا تي عليه الاولون والاخرون على غير هدى اوبصيره ومثل هذا يريد ان يوسع من مسا حة معروفيته بمخا لفة ما هو عليه اجما ع الخا صة والعا مة من اجل مزيد من الشهره من طريق ( خا لف تعرف) وعلى راس كل جيل يخرج مثل هولاء الذين يجدون من الرعا ع وانصا ف المتعلمين ومن في نفوسهم وقلوبهم مرض من يوا فقهم وان كا نوا بعيدين عن الوا قع فالطيور على اشبا هها تقع كثير منا لم يطلع على نظريا ت المؤرخ اللبنا ني كمال الصليبي التي طرحها قبل ثلاثين عا م واصر عليها مؤخرا وجدت امتعاظا وانتقا دا مبررا كما وجدت من القليلين قبولا وترحيبا –والرجل في لقا ء له بمجلة (دير شبيفل) الالما نية اوكما هو رسم اسمها نظر في التا ريخ بل ان ما سا قه يعتبر وجها ت نظرية بقوله للمجلة المذكورة حرفيا كما سياتي ايضاحه وبيا نه ( والذي يعرفه العا مة قبل الخا صة ا ن التا ريخ امانة عظيمة لا يجرؤ عا قل ولا منصف ان يكتبه حسب هوا ه ا وحسب رؤاه اوحسب وجهة نظره ثم يتجرء دون حيا ء ومن غير برها ن على تهميش بديها ت وطبيعيا ت ومسلما ت توصل اليها جها بذة التا ريخ وفوق ذلك يحا ول في اقناع الاخرين بصوا ب نظريته التي لا يوا فقه عليها الا بسطا ء او جهله اومن يحمل فكرا غير سوي او موقفا متناقضا او معا ندا على غير صوا ب نحن هنا لاعلينا من الشخص ولاتهمنا حيا ته الشخصية بل المهم هو الوصول الى ان ما ذهب اليه بعيدا ليس وفق راي او وجهة نظر (كا تب هذا النقد او التعليق ) وانما وفقا لرد ا حد علما ء وجها بذة التا ريخ التي با جتها د منا عثرنا عليه ولان الى ما اورده عبر المجلة المذكوره مما لا يتفق مع وا قع ولايستند الى مرا جع وينا في العقل والتقل والى ما اورد
كمال الصليبي خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيلدار الساقي الطبعة الخامسة / 2002
مقدّمة الطبعة العربية ( والكلام الاتي للصليبي في مقدمته)
لعل أكثرية المسيحيين واليهود اليوم ما زالت تتمسّك بحرفية الكتاب المقدّس وتجلّ نصوصه عن النقد والتحليل. لكن الكثيرين منهم, ومنذ أكثر من قرن من الزمن, اعتادوا على قبول المعالجة العلمية لهذه النصوص كتراث إنساني قابل للبحث والنظر. وهؤلاء لم يكونوا من العلمانيين فقط, ففي جملتهم عدد كبير من رجال الدين وكبار الكهنة.
والكتاب المقدس عند اليهود يقتصر على الأسفار العبرانية مما يسمى بالتوراة والأنبياء والكتب. والمسيحيون يعتبرون هذه الأسفار "العهد القديم" من الكتاب, ويعتمدونها دينيا على هذا الأساس. أما "العهد الجديد" الذي يختصّ بالمسيحيين وحدهم, فيتألف من مجموعة من الكتابات اليونانية الأصل, وهي الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل والرسائل. ولعلّ المسيحيين تجرأوا على نقد نصوص الكتاب المقدس برمّته أكثر مما فعل اليهود بالنسبة إلى الجزء العبراني منه الذي يختصّ بهم. ولكن من اليهود أيضا من قام وما زال يقوم بمثل هذا العمل.
وما الكتاب الحالي إلا محاولة جديدة في هذا الحقل. وموضوعه هو نصوص التوراة وحدها مما يسميه المسيحيون بالعهد القديم. وهذه تتألف من خمسة أسفار منسوبة جميعها إلى موسى, وهي "سفر التكوين" و "سفر الخروج" و "سفر اللاويين" و "سفر العدد" و "سفر التثنية". ويسود الرأي بين العلماء بان الأجزاء القصصية من التوراة _ومعظمها محصور بأسفار التكوين والخروج والعدد_ هي في الواقع مزيج من التاريخ الشعبي والأساطير والخرافات, تمّ جمعها ثم تنسيقها فضبطها في زمن متأخر نسبيا من تاريخ بني إسرائيل. والكتاب الحالي ينطلق من هذا الرأي السائد بين أهل الاختصاص في موضوع التوراة. وما الجديد فيه إلا طريقة التحليل التي ربما تنجلي عن طريقها غوامض كثيرة من تفاصيل القصص التوراتية لم يتوصل الباحثون إلى إدراك الحقائق الكامنة في مضمونها من قبل بالوسائل النقدية التي اعتمدت حتى اليوم. وللقارئ أن يحكم لنفسه إذا كان ذلك صحيحا.


وقد حصل في أوائل عهد النقد التوراتي, بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, أن جملة من العلماء أبدوا شكّا في كون أبطال القصص التوراتية _من آدم إلى موسى_ شخصيات تاريخية بالمعنى الكامل. ومنهم من لاحظ أن هؤلاء الأبطال من يبدو وكأن شخصيته, وبالطريقة التي تبرزها نصوص التوراة, هي في الواقع شخصية مركبة من عدّة عناصر تاريخية وغير تاريخية. ولكن هؤلاء العلماء لم يتمكنوا من إقامة الدليل والبرهان الكافي على ما لاحظوه. ثم جاء جيل جديد من الباحثين يطعن في ملاحظات هؤلاء الباحثين الأوائل ويشدّد على وحدة الشخصية التاريخية أو الأسطورية أو الخرافية لكل من أبطال التوراة. غير أن هؤلاء, هم أيضا, لم يتمكّنوا من الوصول إلى نتائج واضحة, على ادّعائهم عكس ذلك وإصرارهم على كونهم هم, وليس من سبقهم في الحقل, على المسلك العلمي الصحيح. والواقع هو أن الانفتاح الذهني بين العلماء التوراتيين في الغرب في القرن التاسع عشر كان أوسع بكثير مما هو عليه اليوم. وفي الكتاب الحالي إلى حدّ ما عودة إلى منظورهم مع فارق واحد, وهو أن الدليل المتوفر اليوم على ما كانوا يقولونه لم يكن قد توفر بعد في زمانهم.


وقد كان هؤلاء العلماء يقولون في وقتهم أن النقد العلمي للتوراة لا يضيرها كجزء من تراثهم الديني, بل يقوّي قيمة هذا التراث الذي لا بدّ من أن يرفض يوما ما إذا ما استمر الأخذ به على سطحيته, لكونه يحتوي على أشياء كثيرة لا يقبلها العقل.
والكتاب الحالي يأخذ من الموضوع الموقف نفسه.
فمهما قيل في أمر التوراة, فإنها تبقى جزءا لا يتجزأ من التراث الذي تقدّسه المسيحية, وعن حقّ, لأن جذور التعليم المسيحي تعود في أساسها إلى التوراة, وان كان فيها ما يذهب إلى أبعد من تعاليم التوراة دون أن ينقض المبادئ التي تقوم عليها. وقصص التوراة _كما لا بدّ وأن يتضح للقارئ_ لا علاقة لها بهذه المبادئ. بل هي صور احتفظت بها نصوص الكتاب المقدس من غابر العصور. وفي الاطلاع عليها والتحقيق بأمرها متعة ذهنية وفهم لحقائق من الماضي القديم مغمورة لآلاف السنين.
والكتاب الحالي وضع أصلا بالانكليزية, ونشرته دار الساقي تحت عنوان :
( Secrets of the Bible People ) .
والذي في متناول القارئ العربي اليوم ليس مترجما عن الانكليزية بل هو إعادة كتابة للموضوع ذاته بالعربية من قبل المؤّلف.


كمال سليمان الصليبي


..


مقدّمة


التوراة جاءت من جزيرة العرب: كان هذا عنوان كتابي السابق حول الجغرافيا التاريخية للتوراة, وهو يختصر القناعة التي توصّلت إليها في هذا الشأن, أكثر ما يكون عن طريق المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن الواردة في التوراة, وتلك التي موجودة في جنوبي الحجاز وبلاد عسير.
وقد حاولت في ذلك الكتاب إقامة البرهان, بمجموعة من الأمثلة, على أن مضمون التوراة لا يستقيم إلا إذا أعيد النظر فيه جغرافيا على هذا الأساس.
وعبثا حاول ويحاول علماء التوراة فهم مضمونها, من الناحية التاريخية, باعتبار أنها جاءت من فلسطين, حسب المفهوم التقليدي لجغرافيتها. فالأكثرية الساحقة من أسماء الأماكن التوراتية لا وجود لها في فلسطين. والأقلية الموجودة منها هناك لا تتطابق من ناحية الحدث مع تلك المذكورة بالأسماء ذاتها في التوراة.
وما زال علماء الآثار يبحثون في فلسطين عن دليل واحد قاطع على أن البلاد التوراتية كانت هناك, فلا يجدونه.
والأمر ذاته ينطبق على العراق والشام وسيناء ومصر, أي على الأرض "من النيل إلى الفرات" التي يفترض بان التاريخ التوراتي كان له شان مباشر بها.
هذا ما فصلته في كتابي السابق.
وما القصد من الكتاب الحالي إلا وضع نظريتي الجديدة حول الجغرافيا التاريخية للتوراة على المحك للتأكد من صحتها على وجه العموم, ولتصحيح ما ورد من أخطاء تفصيلية في الكتاب السابق على وجه الخصوص, وذلك عن طريق إعادة النظر في مجموعة من القصص التوراتية المألوفة على ضوء جغرافية جزيرة العرب.
وقد اخترت لهذه الغاية القصص التي ترويها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة, أي كتب "التوراة" بالذات (التكوين, الخروج, اللاويين, العدد, التثنية), وأضفت إليها قصة واحدة من أسفار "الأنبياء" وهي قصّة النبي يونان التي يرويها سفر يونان.
وسوف اعتمد في البحث, كما في كتابي السابق, على النصّ العبري الأصلي للتوراة, بغضّ النظر عن التحريك التقليدي لهذا النص الذي يحوّر المعاني المقصودة أصلا في أحيان كثيرة. وهذا ما يقرّه أهل الاختصاص بشكل عام.
على أن هذا التحريك التقليدي المشكوك فيه ما زال معتمدا على وجه العموم في الترجمات الحديثة للتوراة, كما في الترجمات القديمة, ومنها الترجمة العربية المعتمدة من قبل الكنائس الإنجيلية التي أشير إليها عند الحاجة للمقابلة بين المقصود في الأصل والمفهوم في العرف السائد.
ولا بدّ في البداية من كلمة على طبيعة النصوص التوراتية التي سأعالج مضمونها في هذا الكتاب. فهناك إجماع بين أهل الاختصاص على أن سفر يونان هو من الأسفار التوراتية المتأخرة التي وضعت بعد السبي البابلي لشعب إسرائيل.
ومن هؤلاء من يبالغ في ذلك, فيقول أن هذا السفر وضع قرابة عام 350, وربما 250 قبل الميلاد. أمّا بشأن الأسفار الخمسة الأولى من التوراة, فيسود الرأي بشأن ثلاثة منها (التكوين, الخروج, العدد) أنها جمعت ونسقت في وقت متأخر, ربما بعد السبي البابلي, من أصول مختلفة. وكان علماء التوراة في السابق يسمّون هذه الأصول المفترضة "نصوصا".
وهم اليوم يفضلون الإشارة إليها على أنها "تقاليد" تعرّف اليوم على الوجه الآتي:
1 _ التقليد "اليهوي", وقد سمّي بذلك لأنه يتحدث عن الذات الالهية باسم "يهوه" (وفي الترجمات العربية المعتمدة "الرب").والتقليد "اليهوي" هذا هو تقليد قصصي صرف يتميز بروعة الإيجاز وقوة العبارة, على بعض الاختلاف في الأسلوب, مما جعل أهل الاختصاص في النقد النصّي للتوراة يفرقون بين أكثر من تقليد "يهوي" واحد .
2 _ التقليد "الإلوهيمي", وقد سمي بذلك لأنه يطلق على الذات الالهية اسم "إلوهيم" (بالعبرية ءلهيم), أي "الله".
والتقليد "الإلوهيمي" هذا هو أيضا تقليد قصصي, على قدر من التأمل والذهاب إلى ما هو أبعد من الرواية الصرفة.
أضف إلى ذلك الفرق بين الشخصية المعطاة للرب "يهوه" في التقليد "اليهوي", وتلك المعطاة لله في التقليد "الإلوهيمي".
فالرّب "يهوه" في القصص "اليهوية" يتصرّف تماما كما يتصرف البشر, يحب ويكره, يعف ويجهل, يأنس ويغضب, الخ.
أما الله في الروايات "الإلوهيمية", فهو أكثر تعاليا عن عالم البشر.
3 _ التقليد "الكهنوتي", وهو يختلف عن التقليدين السابقين بكونه تعليميا, وليس قصصيا.
ويتميز هذا التقليد باهتمامه بالتشريعات والطقوس, وكذلك باهتمامه الخاص بالأنساب.
ويلاحظ تداخل التقليد "الكهنوتي" في التقليدين "اليهوي" و "الإلوهيمي" حيث يروي هذان التقليدان قصصا عن شخصيات معينة, فيأتي التقليد "الكهنوتي" ويعطي هذه الشخصيات أنسابها بأسلوب يختلف تماما عن أسلوب القصة.
وكثيرا ما يأتي التدخل "الكهنوتي" معكرا لصفو الأسلوب القصصي ومشوّها له في الروايات "اليهوية" و "الإلوهيمية".
وهناك شبه إجماع بين أهل الاختصاص على أن صاحب أو أصحاب التقليد "الكهنوتي" هم الذين قاموا بجمع الروايات "اليهوية" و "الإلوهيمية" في أسفار "التكوين" و "الخروج" و "العدد" أوّل الأمر, فأضافوا إليها ما أضافوا من تقليدهم.
وربما كان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد.
ويعتبر سفر "اللاويين" سفرا "كهنوتيا" صرفا, علما بان هذا السفر يقتصر على الأمور الطقسية والتشريعية, وهو السفر الوحيد بين الأسفار الخمسة الأولى من التوراة الذي لا يأتي على أية رواية قصصية.
بالإضافة إلى هذه التقاليد الثلاثة , "اليهوي" و "الإلوهيمي" و "الكهنوتي", يلاحظ وجود تقليد رابع لا اثر له في أسفار "التكوين" و "الخروج" و "العدد" ولا في سفر "اللاويين", وهو التقليد المتمثل بنص سفر التثنية دون غيره من الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.
ويتميز تقليد "التثنية" هذا بتشديده على مكانة بني إسرائيل كشعب خاص بالرب "يهوه" وعلى دور الرب "يهوه" الأساسي في تاريخ هذا الشعب.
ويسود الاعتقاد بان أصحاب تقليد "التثنية" هذا هم الذين قاموا بتدوين سفر "يشوع", وسفر "القضاة", وسفري "صموئيل" الأول والثاني, وسفري "الملوك" الأول والثاني, من بين الأسفار التوراتية التي تتناول تاريخ بني إسرائيل.
ويلاحظ أن هؤلاء "التثنويّين" كانت لديهم مصادر تاريخية استقوا منها المعلومات وصاغوا منها روايتهم "التثنوية" لتاريخ بني إسرائيل.


المهم في الأمر أن الأسفار الخمسة الأولى من التوراة, وهي الأسفار التي يطلق عليها أساسا اسم "التوراة", لم تكتب أصلا بقلم واحد.
وما هذه الأسفار إلا مجموعات من الأقاصيص الصادرة أصلا عن تقاليد مختلفة ربما كان بعضها مكتوبا, وقد تم جمعها وتنسيقها في وقت متأخر نسبيا, وأضيف إليها ما أضيف, فصارت جزءا لا يتجزأ من تصور بني إسرائيل لبداياتهم التاريخية.
هناك, بالطبع, نظريات أخرى بالنسبة إلى التركيب النصي للتوراة..
منه النظرية التي تشدد على أهمية المقابلة بين مضمون القصص التوراتية من جهة, ومضمون المدونات العراقية والشامية والمصرية القديمة من جهة أخرى, وعلى أهمية الربط بين روايات التوراة والمكتشفات الأثرية ما بين الفرات والنيل.
هذه النظرية مرفوضة مني بطبيعة الحال, علما باني لا اعتبر أن هناك أي علاقة حقيقية بين التوراة وتلك البلاد.
استثني من ذلك, طبعا, المدونات المصرية والعراقية القديمة التي تتحدث عن جزيرة العرب, وهي كثيرة.
وقد أسيء فهم مضمونها حتى الآن من قبل الباحثين, فاعتبرت أنها تتحدث عن فلسطين وبلاد الشام.


على الباحث في القصص التي ترويها أسفار "التكوين" و "الخروج" و "العدد" أن يأخذ كل قصة على حدة, فيحلل العناصر المختلفة التي تتكون منها لكي يقف على حقيقة أمرها.
وجل ما في الأمر أني سآخذ كل قصة من هذه القصص كما هي مروية في نصّها التوراتي بالأصل العبري, فأعيد قراءة هذا النص بأحرفه الساكنة دون الالتفات إلى تحريكها المسوري (أي التقليدي), وأحلل عناصرها على هذا الأساس في ضوء جغرافية جزيرة العرب, أي في ضوء ما اعتبره إطارها الجغرافي الصحيح.
وهذا ما سأفعله بعد ذلك بشان قصة النبي يونان.
وأهم ما في الأمر أن القصص التوراتية التي سأقوم بتحليلها في هذا الكتاب قد مُحّص فيها من قبل بناء على أن موقعها هو في بلاد ما بين الفرات والنيل فلم يتضح سرها على هذا الأساس.
وقفا ت على ما ذهب اليه انظر قوله بنصه يقول
التوراة جاءت من جزيرة العرب: كان هذاعنوان كتابي السابق حول الجغرافيا التاريخية للتوراة, وهو يختصر القناعة التيتوصّلت إليها في هذا الشأن, أكثر ما يكون عن طريق المقابلة اللغوية بين أسماءالأماكن الواردة في التوراة, وتلك التي موجودة في جنوبي الحجاز وبلاد عسير.
وقدحاولت في ذلك الكتاب إقامة البرهان, بمجموعة من الأمثلة, على أن مضمون التوراة لايستقيم إلا إذا أعيد النظر فيه جغرافيا على هذا الأساس.
وعبثا حاول ويحاول علماءالتوراة فهم مضمونها, من الناحية التاريخية, باعتبار أنها جاءت من فلسطين, حسبالمفهوم التقليدي لجغرافيتها. فالأكثرية الساحقة من أسماء الأماكن التوراتية لاوجود لها في فلسطين. والأقلية الموجودة منها هناك لا تتطابق من ناحية الحدث مع تلكالمذكورة بالأسماء ذاتها في التوراة.
وما زال علماء الآثار يبحثون في فلسطين عندليل واحد قاطع على أن البلاد التوراتية كانت هناك, فلا يجدونه.
والأمر ذاتهينطبق على العراق والشام وسيناء ومصر, أي على الأرض "من النيل إلى الفرات" التييفترض بان التاريخ التوراتي كان له شان مباشر بها.
هذا ما فصلته في كتابيالسابق.
هذا كلام نختصر الرد فيه عليه بنقاط من قبلنا
اولا لايمكن الركون في تحقيق تا ريخ مجيء الكتب السما وية من أي مكا ن كا ن بالقنا عا ت الشخصية او عن طريق المقا بله اللغوية بين اسما ء الاماكن سيما وان المؤرخ يجهل بتخريج وظبط الاسما ء التي اوردها لغويا وجغرا فيا وتا ريخيا كما لا يمكن الركون الى مثل هذه المقا بلات اللغوية في ظل وجود مرا جع ومصا د ر وكتب وجهود لم تشر جملة وتفصيلا الى ما ذهب اليه ومصدره هذا المقا بلات اللغوية مرفوض من وجهة البحث العلمي ولا يعتمد على المقابلات اللغوية في تحققيق اسما ء الامكنه او في وصول كتب معينه في ظل وجود ما اشرنا اليه
ويقول في درجة من تهميش التا ريخ والجغرا فيا
منه النظرية التي تشدد على أهمية المقابلة بين مضمون القصص التوراتية من جهة, ومضمون المدونات العراقية والشامية والمصرية القديمة من جهة أخرى, وعلى أهمية الربط بين روايات التوراة والمكتشفات الأثرية ما بين الفرات والنيل.
هذه النظرية مرفوضة مني بطبيعة الحال, علما باني لا اعتبر أن هناك أي علاقة حقيقية بين التوراة وتلك البلاد.
استثني من ذلك, طبعا, المدونات المصرية والعراقية القديمة التي تتحدث عن جزيرة العرب, وهي كثيرة.
وقد أسيء فهم مضمونها حتى الآن من قبل الباحثين, فاعتبرت أنها تتحدث عن فلسطين وبلاد الشام.
الحَلقَة السَّكَنْدَرِية
عرض/زياد منى
بعد مرور عقدين من الزمن على إطلاق كمال الصليبي موضوعته عن "أرض التوراة" في عسير، تنهض مجددا، لكن هذه المرة في شكل رواية، بوليسية مثيرة، بقلم الكاتب الأميركي المعروف ستيف بِري.
فمن المعروف أن كمال الصليبي، أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة الأميركية ببيروت المتقاعد حاليا، طرح موضوعته المثيرة للجدل في كتاب "التوراة جاءت من جزيرة العرب" الذي صدرت ترجمته العربية ببيروت عام 1985.
- الكتاب: الحلقة السكندرية
- المؤلف: ستيف بري
- عدد الصفحات: 462
- الناشر: بلانتينز بوكس، نيويورك
- الطبعة: الأولى/2007
ملخص الموضوعة، التي كانت صدرت أولا بالألمانية، في مجلة "دير شبيغل" الألمانية المرموقة حينئذ، تحت عنوان "الكتاب المقدس جاء من عسير"، ثم صدرت كتابا، باللغة الألمانية، وبعدها باللغة الإنجليزية، وأخيرا بالعربية، هي أن "العهد القديم" تسجيل لتجربة بني إسرائيل التاريخية، ليس في فلسطين وجوارها، وإنما في جنوب غربي جزيرة العرب، أي بلاد عسير الممتدة من جنوب مدينة الطائف إلى اليمن.
الموضوعة أثارت في حينها زلزالا علميا على الصعيد العالمي، وعاصفة إعلامية لم تندثر، مما يعكس برأي البعض آثارها السياسية المعاصرة.
"علماء التوراة" الغربيون رفضوا الموضوعة، لكنهم لم يتمكنوا من دحضها علميا. وكتاب عرب كثر، لا يحمل أي منهم مؤهلا أكاديميا للتعامل معها على أسس علمية رفضوها، من نفس منطلق الحكومة السعودية التي شنت حملة شعواء عليها وعلى مؤلفها.
المنطلق هو أن هذه الموضوعة تمنح أرضية "شرعية" لليهود للمطالبة بأراضي غربي جزيرة العرب.
كمال الصليبي وغيره رفضوا ذلك المنطق من باب أنه يضفي شرعية تاريخية ودينية على اغتصاب اليهود لفلسطين. لكن كتابا عربا آخرين "ثمّنوا" الموضوعة، ولكن وبكل أسف، من الموقع السياسي ذاته، بينما ثمة حاجة ماسة للتعامل مع التاريخ على أسس علمية محض.
لم ينشر عن المسألة أي عمل علمي متزن يدحضها، بأي لغة كانت، وصاحبها كمال الصليبي لم ينظر بعين إيجابية إلى ما نشر عنها باستثناء مؤلفَين: أولهما بالعربية والثاني نشر أخيرا باللغة الإنجليزية.
وكمال الصليبي الذي عاد أخيرا إلى بيروت حيث يعيش الآن بعد انتهائه من عمله مديرا للمعهد الملكي للدراسات الدينية في العاصمة الأردنية، لم يتوقف عن الكتابة عن موضوعته، حيث نشر بعدها كتبا أخرى عنها بالعربية وبغير العربية. وقريبا سيصدر له كتاب جديد باللغة العربية عن المسألة.
المؤلف
ستيف بري روائي أميركي معروف سبق له نشر روايات عدة مثيرة تجمع التاريخ بالحاضر، منها على سبيل المثال "السر الثالث" و"نبوءة رومانوف" و"غرفة الكهرمان" و"إرث فرسان المعبد" التي دخلت قائمة أفضل المبيعات لصحيفة نيويورك تايمز، وهي كما نعرف صهيونية الهوى بامتياز.
"
الموضوعة هي أن العهد القديم تسجيل لتجربة بني إسرائيل التاريخية، ليس في فلسطين وجوارها، وإنما في جنوب غربي جزيرة العرب، أي بلاد عسير الممتدة من جنوب مدينة الطائف إلى اليمن
"
العنوان
المقصود بعنوان الرواية "مكتبة الإسكندرية" التاريخية الشهيرة التي تأسست في القرن الثاني قبل الميلاد بأمر الحاكم الإغريقي بطليموس الثاني. وقد عرفت بعض المعلومات عنها، مع أن كثيرا من الوقائع التاريخية، وكما هو متوقع، امتزجت بالخيال.
لكن لا شك في أنها كانت الحاضنة العلمية الأولى في تلك العصور حيث ضمت، على ما يقال، سبعمائة ألف كتاب منها أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو. كما روي أن بطليموس الثاني أمر بنسخ كل كتاب يعثر عليه في أي سفينة تمر بمدينة الإسكندرية ووضعه فيها.
المكتبة هذه اختفت من الوجود، وثمة العديد من الروايات عن مصيرها المبهم. أقدم الروايات هي احتراقها إبان المعارك التي اندلعت بين القوات الرومانية بقيادة يوليوس قيصر وحاكم مصر الإغريقي بطليموس الثالث عشر في عام 48 ق م.
والرواية الثانية تلقي باللوم في حرقها على قدماء المسيحيين في عام 272 أول مرة، وللمرة الثانية عام 391، بهدف تخليص البلاد من المواد "الملحدة".
والرواية الثالثة، وهي الأكثر انتشارا في الغرب تدعي أن العرب المسلمين الفاتحين أحرقوها بأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث استخدموا المخطوطات لتدفئة الحمامات. وهذه الرواية لا تصمد أمام النقد لأن جلد الغزال الذي كان يستخدم لكتابة المخطوطات لا يولد طاقة كافية لتسخين أي شيء.
الاحتمال الأقوى هو أنها تعرضت للدمار المرافق للحروب والنزاعات والكوارث الكثيرة التي ألمت بالمنطقة إلى أن فقدت أهميتها وأهملها الحكام. وربما ساعدت الزلازل والكوارث الطبيعية التي فتكت بالمدينة في القضاء على كل أثر لها، من دون انتفاء إمكانية العثور على آثارها في البحر قبالة مدينة الإسكندرية.
"اختفاء" ذلك الصرح العلمي الإنساني العظيم قاد إلى ظهور روايات عديدة خيالية، ومنها روايتنا هذه.
الرواية
المؤلف لا يخفي أبدا أن الشخص الرئيس في الرواية ومركزها هما كل من كمال الصليبي وموضوعته عن "أرض التوراة" في عسير.
تبدأ الأحداث في فلسطين عشية النكبة 1948 برجل غامض يبحث عن "مُتَسَلِّم للسر" اسمه كمال حداد، اختارته إحدى الأخويات السرية لتسلمه معلومات سرية، ملخصها أن العرب ليسوا بحاجة إلى السلاح لهزيمة إسرائيل.
بعد ذلك تنتقل الأحداث الغامضة والدموية بعض الشيء إلى العاصمة الدانماركية كوبنهاغن في أيامنا هذه حيث يعيش بطل الرواية الأميركي كتن مالون الذي يدير مكتبته المختصة بالكتب النادرة بعد تقاعده من عمله في وزارة العدل الأميركية حيث كان يعمل في برنامج سري للحكومة الأميركية.
يفاجأ كتن بزيارة مطلقته التي تبلغه عبر البريد الإلكتروني أن ابنهما مخطوف وأن لديه 72 ساعة فقط لمقايضته بمعلومة عن "الحلقة".
يتوجه كتن إلى صديقه هنرِك ثرفالدسن طالبا مساعدته في الأزمة التي ألمت به، ويلاحظ أن شخصا غامضا اسمه دومنيك سابر يراقب تحركاته كلها.
كما يتصل كتن برفيقته السابقة في العمل، ستيفاني التي تحاول هي ورئيسها، عبر لَري ديلي الذي على اتصال مباشر بالبيت الأبيض، مساعدته، لكنها تكتشف أيضا أن ثمة خرقا لسرية برنامج كانا يعملان فيه إبان عملهما المشترك في وزارة العدل الأميركية، ويحوي المعلومات التي يطالب بها الخاطفون.
"
كل ما حصل في الرواية من خطف وتحرير وقتل خطط له تكتل صناعي سري أوروبي مقره النمسا اسمه "أخوية الصوف الذهبي"، يهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط ونفطه
"
لكن ستيفاني ورئيسها وكتن يكتشفون أن العثور على "الحلقة" ما هو إلا محطة، من وجهة نظر البيت الأبيض، في الصراع للسيطرة على الشرق الأوسط.
تعمل ستيفاني على الاتصال بكتُن عبر عميل في الدانمارك، لكنه يُقتل قبل أن يتمكن من مساعدته. وفي نهاية المطاف، يتمكن كتن من ملاحقة الخاطفين وقتلهم وتحرير ابنه.
في الوقت نفسه، يكتشف كتن أن كل ما حصل من خطف وتحرير وقتل خطط له تكتل صناعي سري أوروبي مقره النمسا، اسمه "أخوية الصوف الذهبي" يهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط ونفطه.
بعدها يتوجه كتن إلى أكسفورد للقاء جورج حداد الذي يخطره بأن ترجمات "العهد القديم" المعمول بها غير دقيقة وأنه يعمل على إعادة ترجمته، وتحديد جغرافيتها الصحيحة.
وهنا تدخل الاستخبارات الإسرائيلية على الخط وتبدأ بملاحقة كتن وجورج حداد في بريطانيا، وكذلك ستيفاني بواشنطن.
وهنا تظهر لبطل القصة أن ثمة جهات تحاول معرفة محتوى "الحلْقة"، والترجمة الدقيقة للعهد القديم، اعتمادا على كتب في "مكتبة الإسكندرية" المفقودة وصل إليها جورج حداد، بينما تحاول جهات أخرى منع آخرين من الوصول إلى تلك المعرفة.
عندها تبدأ مختلف جوانب الرواية في التداخل لتتحول، كما في سابقاتها التي ألفها ستيف بِري، إلى سرد يحوي كل مكونات الإثارة، من تنظيمات وأخويات سرية، وتجمعات تآمر وخطط ومؤامرات، محبوكة على نحو محكم، ضمن سياق ينتهل، ككل رواياته السابقة، من التاريخ ملهما للأحداث.
والمؤلف يمتلك أدوات هذا النمط من الكتابة وهو ما أهله ليتبوأ مركزا مهما في عالم الرواية الإثارية البوليسية حيث ترجمت مؤلفاته السابقة إلى 35 لغة.
ردود الفعل
القارئ يذكر ربما رواية دان براون "شفرة دافنشي" التي أثارت احتجاجات الكنيسة والمتدينين، حين رأى البعض أنها تمس بأسس المعتقد المسيحي، بل إن دولة الفاتيكان خصصت موقعا خاصا على الإنترنت للرد على ما يرد فيها من فرضيات وادعاءات.
وقد كان من الممكن أن يمر نشر تلك الرواية بكل هدوء لولا أن مؤلفها طرح موضوعاته على أنها حقائق تاريخية، وأيضا لولا انفعال الكنيسة الزائد.
وإذ تمكن أهل الاختصاص لاحقا من دحض ما طرحته من حقائق وأعادوها إلى حجمها الحقيقي، فإن الضجة التي أثارتها ردود الفعل بالدرجة الأولى كانت كبيرة، وحققت للمؤلف المزيد من الشهرة، وأخرجت قصته لاحقا فيلما.
رواية ستيف بري تنتمي إلى النمط ذاته من الجنس الروائي الذي يجمع أحداثا تاريخية بالخيال، إضافة إلى فن السرد البوليسي والغموض.
لكنه، وعلى عكس دان براون، لا يقدم موضوعة كمال الصليبي على أنها حقيقة غير قابلة للنقض، بل ضمن إطار فن السرد الروائي المثير.
"
من المعروف وغير المثير للاستغراب أنه من المسموح به في الغرب للمرء التشكيك في كل الأمور وحتى في وجود الذات الإلهية، لكن من غير المغفور له إطلاقا التعرض بأي كلمة سلبية للصهيونية وأفعالها ضمن أي سياق حتى لو كان رواية خيالية
"
مع ذلك، أثارت الرواية هذه منذ صدورها في مطلع هذا العام ردود فعل عصبية حيث اتهم مؤلفها بالتهم إياها، أي العنصرية ومعاداة اليهود والسامية، حتى إن بعض غلاة التعصب اليهودي والصهيوني أطلقوا عليها مختلف النعوت، ومنهم من ذهب إلى حد عدها الشر بحد ذاته.
سبب ردود الفعل الانفعالية هذه ربما ليس لأن الرواية تذكر موضوعة كمال الصليبي على نحو إيجابي، وإنما بكل تأكيد لأنها تحوي معلومات تاريخية موثقة.
فعلى سبيل المثال، يتحدث المؤلف، في سياق السرد الروائي عن النكبة وعن مذابح الصهيونية بحق الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم وقراهم التي عاشوا فيها مئات السنين، وتآمر الاحتلال البريطاني مع الحركة الصهيونية عليهم.
باختصار، المؤلف يتحدث عن "النكبة" ويذكرها باسمها العربي، مرددا مرات عديدة الأحداث التاريخية بالخصوص، وهو يكون بذلك قد اقترب من "المحرمات" في عالم الغرب المعاصر.
ومن المعروف وغير المثير للاستغراب حقا أنه من المسموح به في الغرب للمرء التشكيك في كل الأمور، وحتى في وجود الذات الإلهية، لكن من غير المغفور له إطلاقا التعرض بأي كلمة سلبية للصهيونية وأفعالها، ضمن أي سياق، حتى لو كان رواية خيالية.
وبينما لم يتمكن بعض غلاة الصهاينة المهووسين من السكوت عنها، فقد اتبعت الغالبية العظمى أسلوب "القتل" الأنجع، وهو الصمت. فقد تعلموا سابقا من أزمة رواية "شفرة دافنشي" فقرروا أن أفضل أسلوب لمحاربتها هو تجاهلها، مع أنها تحوي كما كبيرا من عناصر الإثارة الإعلامية وعلى رأسها التعرض للمحرمات الحداثية.
لم نشأ سؤال المؤلف عن ردة فعله على تجاهل معظم وسائل الإعلام الغربية لروايته هذه، لكننا عرفنا منه أنه لم يزر مكتبة الإسكندرية الجديدة ولا أي بلد عربي.
وعندما سألنا كمال الصليبي عن رأيه في الرواية التي تدور حوله وحول موضوعته "التوراتية"، أجابنا بأنه استمتع بقراءتها، لكن أمرا واحدا لم يعجبه فيها، على القارئ اكتشافه.


والجاما للصليبي ومن سايره ووافقه على نظريا ته المزعومه نكتفي برد علامة الجزيرة العربية العلامة حمد الجا سر أغاليط الدكتور الصليبي الجغرافية ،، حمد الجاسر
________________________________________
الدكتور كمال سليمان الصليبي باحث لبناني معروف، وهو أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية ورئيس قسم التاريخ فيها، وقد ألف كتاباً حاول فيه أن يطبق النصوص التي وردت في التوراة على مواضع في بلادنا في جنوب الجزيرة.
ولقد كانت آراؤه لما فيها من الطرافة والخرافة ذات أصداء واسعة، وتناولتها كثير من الصحف العربية بأكثر مما تستحق.
وقديماً كانت الخرافة ولا تزال مبعث تكرار وترداد.
وكنت حين حدثني أحد الإخوة بطرف من آراء ذلك المؤرخ حكيت له طُرْفَةٌ ساقها الفاكهي مؤرخ مكة بمعرض التندر، فقد روى في كتاب ((مكة وأخبارها)) عن الأصمعي قال: قال رجل من أهل مكة: ما سمعت بأكْذَبَ من بني تميم، زعموا أن قول القائل:
بيتٌ زرارةُ محتَبٍ بِفنَائه
ومجاشعٌ وأبو الفوارس نَهْشَلُ
في رجال منهم. فقيل له: ما تقول انت؟ قال: البيت بيت الله الحرام، والزُّرَارة الحَجَبِيُّ، فقيل له: فَمُجَاشِع. قال: زَمْزَم جشعَتْ بالماء. قيل فأبو الفوارس؟ قال: أبو قُبَيْس، قيل: فنهشل؟ ففكر طويلاً ثم قال: ونَهْشَل أَشَدُّهُ. ثم قال: نهشل مفتاح الكعبة طويل أسود!!.
وكان الأخ الدكتور زاهر الألمعي ذكر لي أنه يريد أن يكتب ردًّا على الصليبي فأوضحت له بأن آراءه – حسب ما اتضح لي – أضعف وأوهى من أن يشتغل هو أو غيره بكتابة الرد عليها.
ثم كثر إلحاح بعض الأصدقاء بأن أبين ما أراه حيالها، فاتصل بي الأستاذ الكريم محمد بن عبدالله الحُمَيِّد – رئيس النادي الأدبي في أبها – وحدثني بأنه أثناء مقال له نشرته جريدة ((الشرق الأوسط)) في 9/4/1405هـ – في الموضوع ذكر إسمي في سياق ذكر مَنْ رغب منهم التصدِّي للرد على الصليبي.
والأستاذ محمد ذُو دَالَّة عليَّ، أقدرها حق قدرها، فوالده الأستاذ عبدالله بن علي الحُمَيِّد – رحمه الله – من أعز أصدقائي – طيلة ثلاثين عاماً – وابنه الكريم ممن أحمل له في نفسي من الإكبار والتقدير ما هو أهلٌ له، لفضله، ولأدبه، ولحفاظه على رعاية ما لأصدقاء أبيه من حقوق.
وخاطبني بالهاتف مدير مكتب جريدة ((الشرق)) في الرياض برغبة الأستاذ هشام حافظ أحد صاحبي الجريدة بـأن أتحدَّثَ إلى قرائها برأيي، فأوضحت له بأنني لم أُلِمَّ بالموضوع من جميع نواحيه، ولم اطلع على آراء الدكتور الصليبي اطلاعاً يمكَنني من تناولها من جميع جوانبها بما أراه حيالها.
فوعد بأنه سيتصل بإدارة الجريدة للحصول على ما رغبت الاطلاع عليه مما فيه إيضاح وافٍ لتلك الآراء.
ثم أكْرمني أحد تلاميذي البررة وهو الأستاذ إبراهيم بن عبدالعزيز السويلم بمقالات نشرت في صحف مختلفة في الكويت وفي اليمن وفي بلادنا كلها تتعلق بنقض آراء الصليبي – وحَبَّذَ الابنُ الكريم الأستاذ إبراهيم الكتابة في الموضوع، فلما تصفحت تلك المقالات رأيت في أحدها أن اسمي قد زُجَّ به زجًّا لا أدري ما حقيقته، فقد جاء في مقال الأستاذ فيصل السماك في جريدة ((الشرق الأوسط)) – ع2226 تاريخ 10/4/1405هـ ما نصه: (أَيُّ صدفة تلك التي جعلت الدكتور الصليبي يعثر على المعجم الذي فيه أسماء المدن والقرى اليهودية في منطقة عسير؟).
وأين عثر الدكتور الصليبي على هذا المعجم وفي أيِّ مكتبة.. وأي بلد..؟ وما اسم هذا المعجم، ومن هو مؤلفه؟
وليسمح لنا الدكتور الصليبي أن نوفر عليه مشقة الإجابة، وأن نكشف الحقيقة كما استطعنا التوصل إليها وهي:
أن الصدفة التي يدعيها الصليبي في حصوله على المعجم ليست صحيحة، وهو يعرف ذلك تماماً..!!
إن اسم المعجم الذي افتعل حوله كل هذا الضجيج هو ((المعجم الجغرافي التاريخي للبلاد العربية السعودية)) ومؤلفه هو علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، ومقدمة هذا المعجم في ثلاثة أجزاء. وقد حصل عليه الصليبي من مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت، وبالتحديد منذ عامين وأربعة شهور، وكان هذا المعجم قد وزع على جميع مكتبات الجامعات في لبنان.
وباستطاعة الصليبي الحصول على نسخة جديدة من هذا المعجم من مكتبة (الرسالة الإسلامية) ساعة يشاء..!!).
بل سمعت ما هو أعجب وأغرب، فقد حدثني أستاذ جليل بأنه قد جرى في مجلس عميد في إحدى جامعاتنا الحديث في الموضوع، فتطرق إلى ذكر كتاب ((المعجم الجغرافي)) فاتخذ أحد الحاضرين ممن يحلو له (الاصطياد في الماء العكر) من ذكر اسم الكتاب ذريعةٌ لتناوله وتناول مؤلفه بما عرف عنه من خلق.
كما زُجَّ باسم أخي الأستاذ عبدالله بن خميس أيضاً في كلام منسوب للدكتور الصليبي، نشرته جريدة ((القبس)) الكويتية – في العدد 4489 الصادر بتاريخ 18/2/1405هـ (12/11/1984م).
كان الدكتور الصليبي قد دُعِي لحضور المؤتمر الثاني لتاريخ الجزيرة العربية الذي عقدته (جامعة الملك سعود) في الرياض عام 1399هـ (1979م) بصفته (رئيس إدارة الآثار والتاريخ في الجامعة الأمريكية) فذكر أنه اجتمع أثناء انعقاد ذلك المؤتمر بالأستاذ عبدالله، الذي قدم له نسخة من كتاب ((معجم اليمامة)) حين جرى البحث في أصل كلمة (حضرموت) وأنه وجد في ((المعجم)) اسم (خضرمات) وهو جمع مؤنث سالم الاسم (خضرمة) وحاول الربط بين (خضرمات) و(حضرموت). وأنه لما عاد إلى بيروت بدأ في البحث عن أسماء الأماكن العربية، فاتضحت له الصلة بين كثير من الأسماء الواردة في التوراة وبين أسماء بعض المواضع في منطقة عسير، وما يليها شرقاً وغرباً، فاتجه إلى دراسة تاريخ التوراة، وخرج من ذلك بكتابه عن المواضع الواردة فيها.


يتبع



المصدر

http://www.ebnmaryam.com/vb/t87613.html