الفارس المبدع "أسامة الحموي"
أرى من خلال محاولاتي لمتابعة ردودك الدسمة.. مقدرتك للدخول في دهاليز عميقة تدور حول الموضوع بطريقة عمودية ومطولة, ربما لن تجد من يفهمها جيدا إلا نسبة 25% من القراء تقريبا ولنقل النخبة حصرا.. هل أنت تتوجه إليهم فقط فعلا؟ أم هي تميز يخصك ولا فكاك منه؟ هل لنا أن نتعرف على ظروفك الأكاديمية والحياتية التي وجهتك نحو هذا الدرب؟ وهل يأخذ جل وقتك حتى لتقتطع من حصة عائلتك لأجل اهتماماتك هذا وعملك؟ فكل ربح مقابله خسارة، وكل غنيمة مقابلها غرم ..الخ.. هي سنة الحياة وحكمتها.. هل تسمح لي إذن بالولوج لهذا الأمر الودي الخالص؟ (ياجماعة وبكل محبة لماذا الجدية الزائدة في الحوارات؟ أليس الأستاذ أسامه صار فارسا من الفرسان؟ هل لدى أحدكم طرفة فلسفية؟ وسامحونا)
الإجابة
أسعدني لقاؤك مرة أخرى يا "أسامة"، بداية فإن ما تحدثت عنه فيما يتعلق بأسلوبي في الكتابة وفي المعالجة، ليس خيارا، بل هو طبع لا أستطيع الفكاك عنه، وهو قد يكون "سلبية" وليس "ميزة" كما ذكرتَ. فأن لا تَفهمَ لغتَك وطريقتَك في المعالجة الفكرية، إلا النخبة القليلة، هو نوع من الضعف. فميزة الأسلوب الجذاب، وصياغة العبارات الجزلة، والمقدرة في الكتابة النخبوية – هذا إذا كانت كتابتي فيها شيء من هذا - تقابلها سلبيات "الانحصار"، و"عدم الانتشار" و"الوصول إلى الجميع". لاحظ كيف أن "جملي طويلة" ما يضطرني إلى الإكثار من "الجمل المعترضة"، والعودة بعد إطالة الجملة لتذكير القارئ خشية أن يكون قد تاه معي، بالإكثار من استخدام "نقول..".. إلخ. وهذا النوع من الجمل متعب للقارئ ويتطلب منه جهدا في القراءة، وبالتالي فإنه لا ينجذب إلى الموضوع إلا إذا كان شيقا بقدر يتفوق على سلبيات صعوبة الأسلوب. فادعو الله معي أن يجعلني قادرا على الكتابة بذلك الأسلوب الذي يطلق عليه "السهل الممتنع" في سياق مدح مستخدميه والقادرين عليه. يبدو أن الكتابة السهلة الممتنعة موهبة لا أمتلكها. ولقد سبق أن سألتني الأستاذة "ريمة الخاني" سؤالا حول الترجمة، جرتني الإجابة عليه إلى معالجة موضوع الكتابة النخبوية، طارحا فكرةً من الواضح أنها لم تعجبها كثيرا، لكن فيها إشارة إلى إحساسي بمشكلة "النخبوية" في أسلوب الكتابة وطريقة معالجة الأفكار والتعاطي معها، ربما كان مفيدا لو رجعتَ إليها.أما بخصوص كل من ظروفي الأكاديمية والحياتية، فقد ذكرت الأولى مفصلة في أول سؤال أجبت عليه في هذا اللقاء الحواري الجميل عندما طُلِبَت مني سيرتي الذاتية، فيما ذكرت الثانية بوضوح في إجابتي على سؤال مطابق لسؤالك من فارسة ذكية، تصورَت ما تصورتَه أنت من مَغْرَمٍ وخسارة على صعيد العائلة والحياة الخاصة.. إلخ. لكني أؤكد لك ولها – مرة أخرى هنا – أن من لديه النية لترتيب أموره بحيث يخفف حدة طغيان أمر على أمر، فلن يعدم الوسيلة. كما أن مقدرات وطبائع الناس في هذا الشأن تختلف، بمعنى أن القدرات الخاصة الموهوبة منها والمكتسبة منها بالممارسة، لها دور كبير في الأمر. فلقد توصلت – بموجب ما تعودت عليه منذ الصغر – إلى تحقيق إنجازات في مقدرتي على القراءة والكتابة. وأرجو ألا تصدم، إذا قلت لك أنني أستطيع قراءة "ثلاثة كتب" في اليوم، لا يقل مجموع صفحاتها عن 500 صفحة. ولكن طريقتي في القراءة مختلفة، لأن ما يهمني من القراءة هو الاستفادة من الكتاب بأقصى ما يمكن في أقل وقت ممكن. ولقد تمكنت من الوصول إلى طريقة في القراءة تحقق هذا الغرض. ولكي لا تندفع وتسألني عن الطريقة، أقول لك أنها لا توصف ولا تُدَرَّس ولا تُعَلَّم. إنها خبرة متراكمة في التعامل مع الكتب بروح استحلاب أفضل ما فيها دون إضاعة الوقت في قراءة كل التفاصيل التي قد لا تضيف شيئا مهما إلى الحصيلة. فإذا كنت قادرا على استحلاب 100 صفحة من كل عصارتها المفيدة في ساعة، فلماذا أتنطع وأضيع وقتي في قراءة كل التفاصيل في مدة 4 ساعات، لا تزيد إلى الحصيلة التي أريدها شيئا ذا بال؟!كما أن قدرتي المكتسبة على استخدام الكمبيوتر لتوظيف التكنولوجيا لهدفي البحثي والفكري، ومنذ وقت مبكر، جعلتني أختصر الوقت اللازم للإنجاز. فأنا استخدم الكمبيوتر الشخصي منذ مطلع التسعينيات، عندما كان الكثيرون ما يزالون يستخدمون الآلة الراقمة. وأخيرا فإن كل ذلك انعكس على مقدرتي في الكتابة من حيث السرعة، فلقد وصلت إلى مرحلة - عندما تكون الأفكار العامة للموضوع واضحة في ذهني بنسبة معقولة - أكتب مقالا من 1,500 كلمة في أقل من ساعة.حاولت أن أفرحك باستحضار نكتة فلسفية، لكن لم تحضرني أي نكتة في هذا السياق، فعندما فكرت في الموضوع أضحكني طلبُك، لأنه هُيِّئَ لي أن "النكتة" كي تكون "فلسفية" يجب أن تتعلق إما بـ "المرأة"، أو بـ "المجنون".. عندئذ تذكرت قول "سقراط": "اصبر على المرأة المُتعبة، فإنها قادرة على جعلك فيلسوفا، إن فشلت في جعلك مجنونا"؟!أنا في انتظار أن تُخَطِّئَ تصوُّري هذا بأن تفاجئني بنكتة من القبيل المذكور!
لك أخي أسامة بالغ شكري وتقديري