أما بالنسبة لسؤال الأستاذة ريمة وهو..
مادمنا نعرف صميم المشكلة..كيف الخروج منها برأيك إذن؟ بل كيف سنقدم الهام من خلال القناة التي نحن بحاجة إليها؟ ومن هم الذين تقع على عاتقهم من المفكرين الملتزمين بقضايا امتهم ان يتكاتفوا مع من يجعل للعقل مرتبة عالية في العطاء؟ كيف يجب ان نكون او كيف يجب ان تكون عليه الأمور؟ فمن غير المعقول ان نحلل ونتوقف فقط!
الإجابة
لست مع منهج "قل كلمتك وامشي"، وأخشى ما أخشاه أن تنطبق علينا الآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".الناس في تعارض أقوالهم مع أفعالهم نوعان.. نوع يقول شيئا ويفعل بخلافه، فيناقض نفسه، ويقع في أخطر المحظور. وهذا النوع على وجه التخصيص هو الذي قصدت إليه الآية الكريمة – على ما أفهم من سياقها الذي وردت فيه – ونوع يقول شيئا لا يفعله، وإن لم يفعل ما يناقضه، وهو إن لم يناقض نفسه كما فعل سابقه، إلا أنه أهان وعيَه، لأن أرقى مراتب الوعي عند الإنسان تتجسَّد في أن يتناغمَ المرءُ معه بأن يتحمل المسؤولية المترتبة عليه سلوكيا وحركيا ودعويا، جراء ذلك الوعي.وإذن فالخطوة الأولى للخروج من مشكلة ندرة مرجعيات "إسلام نبوة العقل"، هي أن تقوم هذه القلة بالعمل الدؤوب على إظهار هذا الإسلام وتأصيله وشرحه وتوضيحه، وتنمية مؤسساته، وتحمُّل الأخطار والمعاناة لأجل ذلك. فالفئة الأخرى التي تمثل مرجعية "إسلام نبوة الوحي" من القوة والنفوذ والتأثير على العوام من الناس، بحيث أنها لا تسكت أمام أي تنامٍ في مساحات تأثير مرجعيات "إسلام نبوة العقل". من هنا فهي قد تلجأ إلى استخدام أساليب وأدوات عديدة لقمع هذه المرجعيات ومنع تأثيرها من التمدد، بدءا من تسفيه الرأي والاتهام بمعاداة تاريخ الأمة وإجماعها ومرجعياتها العلمية المحترمة وإهانة كل ذلك والاستهتار به، والخروج على ما قرره السلف والصحابة، مرورا بالتشهير وتوجيه التهم بخدمة الأجندات المعادية للإسلام والمسلمي، وانتهاء بالإيذاء الجسدي الذي قد يصل إلى حد القتل والتصفية.ولدينا من واقع الصراع والتنافس بين هاتين المرجعيتين على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة، ما يثبت صحة ادعائنا. فبعض من تم تصنيفهم على أنهم مرجعيات "إسلام نبوة العقل"، قُتلوا غدرا، وآخرون حوكموا ونزعت عنهم صفة الإسلام واتهموا بالردة والكفر، وطردوا من بلادهم، أو أنهم اضطروا للهرب نجاة بأنفسهم من التصفية أو الملاحقة القانونية، وآخرون شُهِّرَ بهم وتم وسمهم بأنبى الصفات وأقذعها.. إلخ. وليس هذا المقام مقام استعراض لنماذج المواجهة المختلفة بين الفريقين. ويكفينا أن أدركنا أن هناك معركة حقيقية على الصعيد الفكري والفلسفي من جهة أولى، وعلى الصعيد المؤسسي والتنظيمي من جهة ثانية، وعلى الصعيد الإعلامي والدعوي من جهة ثالثة، بل وعلى الصعيد السياسي من جهة رابعة بين هذين الفريقين.وبالتالي فليس أمامنا إلا أن نؤكد على ضرورة أن يعي أنصار "إسلام نبوة العقل" – بوصفهم وريثا شرعيا وموضوعيا ومنطقيا لـ "إسلام نبوة الوحي" بعد أن حققت هذه الأخيرة مهمتها التاريخية في تمهيد الطريق لـ "إسلام نبوة العقل" - طبيعةَ رسالتهم ومهمتهم، وأن يعلموا علم اليقين، أنها مهمة كبيرة وخطيرة ولا تقل أهمية ولا خطورة ولا مصيرية عن مهمات الأنبياء والرسل الذين كانوا يُبعثون حينما يبعثون كي يُحدثوا انقلابات في واقع مجتمعاتهم يقوم على هدم معظم إن لم يكل كل الأسس التي تقوم عليها تلك المجتمعات، لإعادة بنائها من جديد على أسس جديدة.من المؤكد سيكون هناك ضحايا في الطريق. لكنها سُنَّة الكون الذي خلقه الله على هذا النحو، وعلينا أن نتعامل معها كما هي، وألا نحاول التنصل من رسالتنا ومسؤولياتنا بحجة وجود هذا العداء وهذه المواجهة. ولكي أكون أكثر وضوحا وتحديدا، أستطيع أن ألخص ما على أنصار ومرجعيات "إسلام نبوة العقل" أن يفعلوه، في ما يلي..
1 – إيجاد الأطر التنظيمية ذات الطابع المؤسسي لفكرهم ولتوجهاتهم الثقافية التجديدية والعقلانية، والتي ستكون في الغالب مؤسسات ثقافية وعلمية ودعوية. مع استغلال الشبكة العنكبوتية لتحقيق ذلك بأقصى ما يمكن الاستغلال، فهي أنسب مكان لإنشاء مثل هذه البُنى التنظيمية الفعالة، والقادرة على الوصول إلى أكبر قطاعات من المثقفين والمهتمين، على الأقل في المراحل الأولى.
2 – دعم نشر وترويج وتوزيع وترجمة كل الأعمال الفكرية "الفلسفية، والاقتصادية، والسياسية، والتاريخية، والإعلامية، والاجتماعية، والأنثروبولوجية، والنفسية، والأدبية"، التي تُعَدُّ تجسيدا لـ "إسلام نبوة العقل"، سواء من خلال الكتاب المقروء، أو الكتاب الرقمي أو غيرهما إن وجد "الصحيفة، المجلة، الدورية، النشرة.. إلخ".
3 – إنتاج الأعمال الفنية "الإذاعية، والمسرحية، والتلفزيونية، والسينمائية"، التي تجسد النموذج المستهدف وهو "إسلام نبوة العقل". وما لا شك فيه أن تشكيل عناصر الفن القادر على تجسيد هذه الصورة للإسلام، أمر ممكن ومتاح وليس بالمستحيل.4 – العمل على إنتاج البرامج والأفلام الوثائقية التلفزيونية والبرامج الإذاعية التي تُجَسِّد "إسلام نبوة العقل"، بشتى أنواع التوثيق والبرمجة الممكنتين تلفزيونيا وإذاعيا.
5 – استخدام الإعلام بأكفإ استخدام ممكن، للترويج لـ "إسلام نبوة العقل"، عبر إنشاء محطات إذاعية تنتشر حيث يلزم، لبث هذا الفكر الجديد، وعبر الحرص على امتلاك قناة تلفزيونية ناطقة بالعربية لهذا الغرض تبث عبر الأقمار الصناعية لكل مناطق الوطن العربي، ولا مانع لاحقا من امتلاك قناة تبث بلغات أجنبية لإيصال هذا الفكر الإسلامي العقلاني الجديد إلى العالم.
6 – عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل لمناقشة القضايا التي يثيرها العالم المعاصر وكيفية معالجتها في ضوء "إسلام نبوة العقل". وهو الأمر الذي سيشكل فرصة حقيقية لتلاقح الأفكار والفلسفات والمناهج والرؤى المختلفة ضمن إطار "إسلام نبوة العقل".
7 – توحيد صفوف العاملين في حقل نشر "إسلام نبوة العقل" والترويج له، عبر إنشاء مؤسسة تنظيمية مركزية الإدارة على مستوى العالم، وذات فروع على مستوى الوطن العربي والإسلامي، تضم في صفوفها جميع من يمكنهم أن يندرجوا بسبب فكرهم أو مواقفهم في إطار المناصرة بـ "إسلام نبوة العقل"، على أن تتابع هذه المؤسسة العالمية، شؤون هذا التيار التجديدي وترعى منتجات أفراده، وتشجعهم وتقويهم وتدافع عنهم، وتتيح لهم ولمنتجاتهم فرص التفاعل والانتشار.. إلخ.
8 – أي أمور أخرى قد تساعد بشكل أو بآخر على تحقيق الإستراتيجية العامة التي من شأنها تفعيل "إسلام نبوة العقل" على كل الصعد، مما لم يذكر سابقا.هذا ما يفعله كل من يرى نفسه يمثل اتجاها فكريا أو ثقافيا جديدا أيا كان، ويريد له أن ينتشر ويؤثر في الإنسانية أو في قطاع منها على الأقل.
مع بالغ تحياتي