السؤال مازال حاضرا
ماذا على الصعيد العملي والحياتي, ومن خلال المرجعيات البشرية التي نعاني نقصا من طرفها في قيادة الحياة الدينية لو جاز التعبير؟ أم هناك تكاملا ناقصا نراه بيننا؟
أستاذة ريمة:
بعد التحية والاحترام:
طوت البشرية الصفحة الأولى من حضارتها، عندما انتهت مرحلة الإسلام الذي أنجزته "نبوة الوحي" برحيل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، لتفتحَ صفحةً جديدةً من صفحات حضارتها، تحتاج فيها إلى الإسلام الذي تنجزُة "نبوة العقل". إن مسيرة نبوات الوحي التي بدأت مع بواكير الوعي الإنساني المهزوز والمضطرب والمرتبك، وانتهت باستكمال مبررات ثقة الوعي الإنساني بقدرته على المعرفة بدون مساندةٍ من نبوات الوحي، هي التي مهدت الطريق، لبروز العقل كنبي آخير ودائم وأبدي. وبالتالي فهي التي مهدت الطريق وعَبَّدَتْها أمام ولادة "إسلام نبوة العقل"، من قلب ورحم "إسلام نبوة الوحي". لقد كانت هذه المسيرة تَغُذُّ السيرَ بالإنسان وهي تُعِدَّه لاحتضان تلك اللحظة الحضارية الفارقة من تاريخه، لحظة العبور إلى البدايات الأولى لـ "نبوة العقل"، من النهايات الأخيرة لـ "نبوة الوحي"، كما يعبر الزمن من الليل إلى النهار، ومن النهار إلى الليل.إن نبوتا "الوحي" و"العقل" تتداخلان وتتمازجان وتتتابعان زمانيا، على النحو نفسه الذي يتداخل ويتمازج ويتتابع به الليل والنهار. عندما يقترب النهار من طيِّ صفحته، لفتح الطريق أمام الليل، في رحلة تبادلِ مواقعِ السيادة على الزمن، فإنه يبدأ بـ "التَّلَيُّل" إن صح التعبير، أي أنه يبدأ يفقد "نهاريتَه" لصالح "ليليَّة" الليل القادم، إلى أن يختفي تماما ولا يبقى سوى الليل. وهذا الأمر نفسه يحدث لنبوتا "الوحي" و"العقل" وهما تتبادلان مواقع السيادة على الحضارة وعلى التاريخ. "نبوة وحي" تَتَعَقْلَن تدريجيا إلى أن تفقد وَحْيَوِيَّتِها لصالح "نبوة العقل" القادمة، إلى أن تختفي "نبوة الوحي" هذه تماما، مُبْقِيَة فقط على "نبوة العقل" سيدةً للكون وللحضارة وللتاريخ.إن مستوى التباين - في المحتوى والمضمون – بين "نبوة الوحي" و"نبوة العقل"، يقتضي مستوىً في التباين شبيها به، بين "إسلام نبوة الوحي" و"إسلام نبوة العقل". فالإسلام الأول هو إفراز النبوة الأولى، والإسلام الثاني هو إفراز النبوة الثانية. ولأن النبوتين مختلفتان قطعا وبشكل جوهري، فكان لابد أن يختلف الإسلامان الأول والثاني بشكل جوهري أيضا. ولأن "إسلام نبوة العقل" هو – في الواقع – إسلامٌ قيد التَّشَكُّل، وما يزال يمرُّ بمرحلته الجنينية، فقد كان من الطبيعي ألا تكون له مرجعياتٌ على قدرٍ من الكثرة والتونع والانتشار، شبيهٍ بقَدْرِ كثرةِ وتنوعِ وانتشارِ مرجعياتِ "إسلام نبوة الوحي".من هنا لم يكن غريبا ولا مستهجنا، أن نرى بين كلِّ ألفِ مرجعٍ من المرجعيات التي تُصَنَّف على أنها مرجعياتٌ تُعْنى بالشأن الديني الإسلامي على صعيد الفكر والفلسفة والدعوة، مرجعا واحدا أو مرجعين فقط يمثلان في منتجاتهما الفكرية والفلسفية والدعوية، "إسلام نبوة العقل"، بينما من السهل والميسور، أن نرى باقي الألف يمثلون مرجعيات لـ "إسلام نبوة الوحي". وهذه الظاهرة – ظاهرة النُّدْرَة في مرجعيات "إسلام نبوة العقل" – طبيعية لكنها مؤقتة وإلى زوال. وبالتالي فهناك ما يشبه المعركة على سيادة وإدارة وتوجيه "عقل المسلم"، سعيا من أحد طرفي هذه المعركة لجعله ينسلخُ من خضوعه لـ "إسلام نبوة الوحي"، ويتماهى مع "إسلام نبوة العقل"، وسعيا من طرفها الآخر إلى الضدِّ المثمثل في البقاء داخل أطر التفكير والحركة التي يتيحها ويسمح بها ويشرعنها "إسلام نبوة الوحي".ومع كل خطوة يخطوها "إسلام نبوة العقل" باتجاه التربع على عرش السيادة المعرفية الدينية الإسلامية، تزداد المرجعيات التي تمثله تعدادا ونوعا، على حساب التراجع في المرجعيات المُمَثِّلَة لـ "إسلام نبوة الوحي"، تعدادا ونوعا أيضا، وبهذا الازدياد تبدأ عناصر التكامل المؤسسي في منظومة "إسلام نبوة العقل" يتجلى للعيان، متيحا لهذا الإسلام من ثمَّ اتخاذ المواقع الأكثر تأثيرا والأكثر قدرة على الانتشار والحظوة بالقبول الإنساني على الصعيد العالمي.مع رجاء أن أكون قد لامست بعضا من فضاءات سؤالك القيِّم سيدتي
أسامة عكنان