أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"5"
سبحان من يغر ولا يتغير،نقولها في كل وقت،ونرددها هنا،ونحن نرى الفارق بين (الدعاء على الإنجليزي) بالموت من قبل الأطفال – وهو سلوك غير إسلامي بالمناسبة – والمكانة العالية التي أصبحت له بعد ذلك!! وكأننا لا نتوسط أبدا!! نواصل السياحة مع هذه السيدة التي عرفت .. ( منظر الخليج بكل أحواله وألوانه المتغيرة من أيام الصيف الحارة الساكنة سكون الأموات،حيث يصبح البحر والسماء بلا لون،إلى عواصف الشتاء العنيفة حيث تدفع الريح الأمواج العالية لتتكسر ويتطاير رذاذها على سور المرفأ. (..) بالنسبة للكثير من الكويتيين في ذلك الوقت كان منظر أي غريب يرتدي ملابس أوربية يجعلهم يستديرون ويحملقون.وعندما كنا نقود سيارتنا كنا نمر بسرعة حتى لا نجتذب الانتباه ولكن عندما كنت أذهب إلى السوق ويتوقف السائق لكي أدخل إلى الحوانيت كان الناس يتجمهرون حول السيارة ويعلقون بصوت مرتفع على السيارة وعليّ أنا،وكانت هذه التجمعات تضم بينها أطفالا كثيرين يحملقون في الأجنبي فاغرين أفواههم،وكانت وجوه الأطفال الأصغر سنا دائما مسودة من الذباب الذي يغطيها والذي يحتشد بشكل أكثر كثافة حول عيونهم وقد كان الأطفال معتادين على ذلك إلى حد أنهم لم يحاولوا أبدا أن يرفعوا أيديهم ليبعدوا الذباب. (وكان الذباب من أحد الأسباب الرئيسية لمرض العيون في ذلك الوقت). وكان هناك منظر آخر في منطقة الحوانيت في تلك الأيام وهو مشهد العديد من المجانين من الرجال والنساء يحملون القيود ويتجولون سائلين الطعام والصدقة.وعندما كنا نمر أنا وهارولد في شوارع المدينة ممتطين خيولنا كان الأطفال يتوقفون عن اللعب ويغنون أغنية شعبية شائعة في ذلك الوقت وهي :عنكرزي بو تيله عساه يموت الليله. { في الهامش : "كان الأطفال في الكويت في الأربعينات وما قبلها عندما يشاهدون رجلا أجنبيا يرتدي البدلة ويضع على رأسه القبعة يصيحون به قائلين : (عنكريزي بو تيله عساه يموت الليله) وكان الأجانب في ذلك الوقت من الإنكليز بالدرجة الأولى. فلهذا كانوا يطلقون على كل أجنبي اسم عنكريزي – إنكليزي" .. (سيف الشملان)} ولكن على الرغم من أن أشياء كهذه أظهرت بين الناس العاديين شكا وعدم ثقة في الأجنبي كنا في كل الأوقات نقابل بطيبة لا تنضب من قبل العائلة الحاكمة والمواطنين البارزين والتجار. وخلال الفترة التي قضيناها في بيكانير بالهند كنت أستمتع بالحياة الاجتماعية النشطة كمقابلة الشخصيات المهمة،والحفلات الرياضية،ومسابقات الرماية،مما جعلني آسفة لرحيلي إلى بوشهر. وقد وجدنا في بوشهر أيضا الكثير من الأوربيين الذين استمتعنا بصحبتهم. ولكن عندما أتينا إلى الكويت كان من الواضح أن حياتنا فيها ستكون شبيهة إلى حد كبير بحياتنا في الحلة بالعراق. لقد كان هناك أحد عشر أوربيا فقط في الكويت (..) سرعان ما اتخذ هارولد لنفسه أصدقاء من العرب،شعر معهم بالألفة إلى حد أنه لم يشعر أبدا بحاجة إلى دائرة أوسع من الأصدقاء الأوربيين.(..) لم تكن هناك طرق معبدة في بلدة الكويت بل مجرد الطرق الرملية الطبيعية فقط،وكانت حركة المرور في الشوارع تتكون في معظمها من الناس والحيوانات،وقد أدخلت السيارات القليلة الأولى إلى الكويت منذ وقت قريب. وكانت معظمها سيارات من طراز فورد موديل 1928 التي اشتهرت بكونها سيارة تصمد للظروف المناخية الصعبة. وكان لدينا نحن سيارة موريس كويلي،أحضرناها معنا من بوشهر وكان هارولد يقوم بصيانتها بنفسه وبمساعدة سائق هندي إنجليزي. {في الهامش : "أحضرت السيارات إلى الكويت منذ عام 1911م للشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك. وبعد ذلك اقتنى السيارات عدد من الشيوخ والتجار. فأول تاجر اقتنى سيارة خارج الكويت سنة 1919م في البصرة هو حمد بن عبد الله الصفر من الشخصيات البارزة وأكبر تاجر في الكويت. وأول تاجر اقتنى سيارة في الكويت سنة 1923 هو شملان بن علي آل سيف من الشخصيات البارزة ومن أكبر تجار اللؤلؤ في الكويت". .. (سيف الشملان)} ..){ص 136 - 139}.وهذه إطلالة على مشتريات"أم سعود" .. (كان البائعون في هذه الحوانيت يجلسون على الأرض،وكانوا أميين في الغالب وكان يبدو أنه ليس لديهم حسابات مكتوبة ولكن كان لديهم ذاكرة حادة لكل صفقاتهم التجارية. وقد كنت معتادة على الشراء من حانوت على الحساب،وكنت أشعر بالقلق أحيانا عندما أنسى المبلغ الذي أدين له به ولكني لو مررت بالحانوت وتوقفت قائلة"رشيد"بكم أنا مدينة لك؟ (فإنه كان سيرد في الحال ويخبرني من ذاكرته المبلغ المستحق بالضبط حتى آخر آنة { في الهامش : "آنة جزء من الروبية. وتتكون الروبية من ست عشرة آنة والآنة تتكون من أربع بيزات" .. (سيف الشملان)} إنها الحقيقة أن الأميين لهم ذاكرة مدربة على الاحتفاظ بالحقائق بطريقة معنية تفشل حالما يتعلم الإنسان كتابة الأشياء.كان السوق في تلك الأيام على الرغم من احتوائه الكثير من السلع العربية الرائعة،لم يكن به أي بضاعة غربية تقريبا للبيع،فيما عدا الأقمشة. وحالما بدأت أعرف ما يتوافر في السوق وما لا يتوافر اعتدت على أن أطلب تموين السنة بأكملها من البضائع من (هارودز) عندما كنت في لندن في الصيف وكانت معظم البضائع التي اطلبها عبارة عن معلبات البقالة،ولكن كان هناك الكثير من المستلزمات الأخرى التي يجب أن تطلب من لندن. وكانت هذه الأشياء تشحن إلى الهند أولا ومن ثم تأتي عبر الخليج العربي على سفينة البريد البطيئة. (..) بعد كل السنين التي قضاها هارولد في الخارج جرب قواعد المحافظة على الصحة والسعادة في الظروف المناخية الاستوائية الصعبة،وكانت إحدى هذه القواعد هي إصراره على النوم بعد الظهر في الجو الحار،وكان هذا هو الشيء الوحيد الذي يعقل فعله حيث يساعدنا على قطع أكثر ساعات النهار حرارة ثم نصحوا منتعشين لنخرج فيما بعد طلبا للترويح.(..) وكنا نحاول الحفاظ على العادات الإنجليزية التقليدية للأطفال بأن نستعمل غصنا من شجرة الطرفاء وهي الوحيدة التي تنمو في الكويت ونزينها ونعلق عليها الهدايا. وكان الضابط الطبيب بالمعتمدية الدكتور جرينوي الذي كان أبا لطفلين صغيرين،كان يلعب دور (بابا نويل) في حفلة أطفالنا.){ص 139 - 142}.وبدأت المؤلفة تتعرف على الصحراء .. (كان هارولد قد ألف صحراء شبه الجزيرة العربية والبدو الرحل منذ زيارته الأولى إلى الهفوف في يناير سنة 1920 قبل زواجنا،وقد قابل هناك ابن سعود وكثيرا من زعماء القبائل العظماء في شبه جزيرة العرب.وتشكل لديه إعجاب عميق أبدي بعرب الصحراء الذين راقت له أفكارهم عن الفروسية والشرف كثيرا. وبالنسبة لي كانت عملية معرفتي بالصحراء وأهلها طويلة وبطيئة وقد مضى وقت قبل أن أشعر بالراحة في هذا المحيط.لقد أدركت بعد اليوم الأول الطويل حسب ظني،الذي قضيناه في جولة الصحراء كضيوف على الشيخ نفسه،أن الصحراء ليست كما كنت أتخيلها سهلا رمليا منبسطا ولكنها حديقة حيوان طبيعية مفتوحة بديعة تضم طرائد وغزلانا،وتغطيها الزهور بعد سقوط المطر كما قيل لي. وتنتشر فيها برك الأمطار في المنخفضات. وبمرور السنين ازدادت معرفتنا بالصحراء وتوطدت صداقتنا مع البدو. ومنذ أيامنا الأولى في الكويت كانت تجول بخاطر هارولد فكرة نشر كتاب في يوم من الأيام يسجل فيه كل أوجه الحياة البدوية،وكانت أسعد أوقاته عندما يكون بين البدو يسألهم عن تاريخهم وأسلوب حياتهم،وعن كل شيء في خيامهم وعن قطعان أغنامهم وإبلهم. (..) وعندما دعينا في عام 1930 لزيارة عائلة معينة،وهي عائلة المزين،في الصحراء لضرب خيامنا بجانب خيامهم السوداء. كانت تلك فرصة رائعة لمعرفتهم أكثر. (..) كان قضاء الليل خارجا في الصحراء تجربة جديدة،وقد أحسسنا بالخطر في البداية عندما استيقظنا على نباح كلاب المخيم المسعورة. وقد تساءلنا ماذا في الأمر. ربما جاء غريب إلى المضارب؟ وربما كانت هناك ذئاب،وفي الصباح التالي قيل لنا أن تلك الكلاب نبحت على الذئاب وكانت ثلاثة منها قد اختطفت أحد الخراف. (..) وقد مكننا بقاؤنا مع العرب ليلا ونهارا من معرفة النشاطات اليومية للعائلة البدوية،وكنا نراقبهم من الفجر حتى غروب الشمس وهم يؤدون أعمالهم،وكنا نمشي مع نساء المخيم عندما يخرجن لجمع الحطب للنار أو ليملأن قربهن من البئر. وكنا نجلس مع الرجال ونشاهد التقاليد اللازمة لإعداد القهوة. ونرى كيف تخرج الجمال والأغنام إلى المرعى كل يوم. وتعود إلى الخيام في المساء. وقد تمكنت من مساعدة هارولد في تقصيه للحقائق بالذهاب إلى مضارب النساء المنعزلة ومشاهدتهن وهن يطبخن. ومعرفة تفاصيل الحياة الخاصة للمرأة البدوية.وكنا أنا وهارولد نستمتع بالرسم وقد قضينا الكثير من الوقت في رسم الأدوات المنزلية التي تؤثث بها الخيمة،كما رسم هارولد اسكيتشا بالألوان المائية لمنظر المخيم والصحراء المحيطة به. (..) وكان هارولد بتفهمه الغريزي لشعور العرب يحرص على عدم التهكم على أي من عاداتهم وكان دائما يصر على أن أطلق شعري لأن الشعر القصير بالنسبة للنساء كان مستهجنا عند العرب،وقد كنا نرتدي ملابس إنجليزية عندما عسكرنا مع المزين،ولكني كنت دائما أرتدي أردية ذات أكمام طويلة ورقبة عالية تغطي الصدر جيدا. وعندما كان هارولد يجلس مع الرجال حول النار في المساء كان يسألهم عن أحوالهم. وعندما يتعبون من الحديث كان هو يسليهم بحكاياته وكانت موهبته كمحدث بارع تحببه للبدو الذين لا يحبون شيئا قدر حبهم لسماع قصة جديدة عن مغامرة وكان معين هارولد لا ينضب.){ص 143 - 146}. هنا وقفة تبين الفارق بيننا وبينهم .. بين عقيلة بعضنا التي تسخر من العلم التجريبي،بعبارة مثل (خد علمه وحطه في قارورة)!! وبين عقلية تسعى للبحث عن كل جديد،وضعه في إطار علمي .. تقول "أم سعود" نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وكانت عمشة أيضا تخرج معنا وكان من حسن حظي أنني وجدت فيها امرأة بدوية ذات معرفة بالنباتات البرية. لقد كنت دائما مهتمة بالزهور البرية وقد أخبرتني عمشة بأسمائها العربية وشرحت لي الاستعمالات الكثيرة لأنواع مختلفة من النباتات عند البدو. وكبداية كنت أتعلم هذه المعلومات لأجل نفسي ولكن كانت هناك فكرة في خلفية عقلي وهي أن أجمع مجموعة من هذه النباتات البرية من أجل متحف كيو للنباتات لأن الكويت كانت إحدى المناطق التي ترسل إليه منها أي عينات .. وعندما كنت أقضي إجازتي في لند ذات صيف اتصلت بالسيد هوروود بمتحف كيو وقد زودني بمكبس وبطاقات معنوية {هكذا} لعيناتي وأخبرني الإجراءات الصحيحة {هكذا} لعمل مجموعة علمية.وفي الربيع التالي كان لزيارتي للصحراء غرض آخر،وقد جمعت في نظام عينات من كل النباتات التي كنت أجدها حول مضاربنا. وقد هناك واحدة بالذات وهي نبتة "حليبية"أرجوانية،ليست نادرة جدا،كانت عمشة تسميها"خزامة"وهي كلمة تعني بالعربية الحلق الذي يوضع في أنف المرأة. وقد سميت النبتة بهذا الاسم بسبب شكل غلاف بذرتها. وعندما بعثت بأولى عيناتي المجففة إلى متحف كيو في عام 1932م ظهر أن نبات الخزامة كان جديدا على العلم. وقد ابتهجت عندما أعطي هذا النبات الاسم العلمي هورووديا ديكوسنيا (على اسم العائلة واسم مدير المتحف ..).. ){ص 147 - 148}. أزعجونا بالاسم (العلمي) .. الاسم (العلمي) .. وهم يضعون أسماء عوائلهم .. أو اسم من اكتشف شيئا ما!! وهنا ... ربما لا نحتاج إلى لفت الأنظار إلى تكامل العملية بين (الباحث) – أو الباحثة في هذه الحالة – وبين المتحف .. الذي زودها بالطاقات .. ودربها على كيفية أخذ العينات،وكيفية عمل (مجموعة علمية) ... فاليد الواحدة .. ماذا؟!! وتكمل المؤلفة حديثها .. (ولكن لم تكن النباتات هي الشيء الوحيد الذي أثار اهتمامنا في الصحراء فعندما زار الدكتور يوفاروف عالم الحيوانات الشهير وخبير الجراد الكويت في عام 1932م اقترح أن يجمع له بعض عينات من حشرات الصحراء وخاصة الجنادب حيث كان هذا المجال أيضا لم تطرقه الأبحاث من قبل في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية. وعندما عاد إلى لندن أرسل إلينا شباك صيد،وزجاجات تحنيط وأدوات أخرى لتمكننا من معالجة عيناتنا بالطريقة السليمة.كان جمع الجنادب عملا يستطيع الأطفال المشاركة فيه بحرارة،فكنا نقضي الساعات بين شجرات (العرفج) نصطاد الجندب بالشباك،وقد كان الصبيان العرب الصغار يساعدوننا أيضا وعلى الرغم من أنهم ليس لديهم شباك إلا أنهم كانوا يصطادون الجندب بنفس كفاءتنا في اصطياده بالشباك وذلك بإلقاء كوفياتهم عليه.{براءة اختراع} (..) وبعد موتها نضعها في زجاجة (كربون السانيد) كانت هذه الجنادب تجف ويصبح بمقدورنا إرسالها إلى لندن مغلفة بالورق ومعبأة في علب صفيح خاصة. وقد اكتشف أن عينة من عينات الجنادب التي كنا نرسلها كانت جديدة على العلم أيضا. وهي الجنادب الكبيرة الشائعة جدا والتي كنا نجدها حول مخيمنا. وقد سماها الدكتور يوفاروف باسم UTIBIUS ZAHRAHمشتقا اسمها العلمي من اسم قبيلة عتيبة التي يقال أنها قد استقرت في الكويت منذ القدم،أما الاسم الخاص فقد اشتقه من اسم ابنتي زهرة التي كانت أكثر الصبية نشاطا في جمع الجنادب،وقد عثرنا أيضا على خنفسة صحراوية سميت على اسم عائلتنا. ){ص 148 - 149}. من هنا من الصفحة (149) سوف نقفز قفزة كبيرة ... لنبين جزء من الصورة ... أو تكريم من (يعملون) .. (في شهر مارس 1965 كان لدي سبب هام بشكل خاص يدعوني للذهاب إلى لندن. وقد طرت إلى هناك يوم السادس عشر وحضرت يوم الثالث والعشرين حفلة تقليد في قصر بكنجهام حيث قلدتني الملكة شارة الوسام العسكري للإمبراطورية البريطانية. وقد رافقتني إلى القصر ابنتي زهرة وحفيدتي بنيلوب التي كانت في الثامنة من عمرها.){ص 366}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com