7- الاختِصاصُ
الاختصاصُ: نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ: (أَخصُّ، أو أعْني). ولا يكونُ هذا الاسمُ ضميرٍ لبيان المرادِ منه، وقَصرِ الحكمِ الذي للضمير عليه، نحو: (نحنُ - العرَبَ - نُكرِمُ الضّيفَ). ويُسمّى الاسمَ المُختصّ.
(فنحن: مبتدأ، وجملة نكرم الضيف: خبره. والعربَ: منصوب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره: (أخصّ). وجملة الفعل المحذوف معترضة بين المبتدأ وخبره. وليس المراد الإخبار عن (نحن) بالعرب، بل المراد أن إكرام الضيف مختص بالعرب ومقصور عليهم.
فإن ذُكرَ الاسمُ بعد الضمير للإخبار به عنه، لا لبيان المراد منه، فهو مرفوع لأنه يكون حينئذ خبراً للمبتدأ. كأن تقول: (نحنُ المجتهدون) أو (نحن السابقون).
ومن النصب على الاختصاص قولُ الناس: (نحنُ - الواضعين أسماءنا أدناه - نشهد بكذا وكذا). فنحن: مبتدأ، خبره جملة (نشهد) والواضعين: مفعول به لفعل محذوف تقديره: (نخصّ، أو نعني)).
ويجبُ أن يكونَ مُعرّفاً بأل، نحو: (نحنُ - العربَ - أوفى الناسِ بالعُهود)، أو مضافاً لمعرفةٍ، كحديث: (نحنُ - مَعاشرَ الأنبياء - لا نورثُ ما تركناهُ صدَقةٌ)، أو عَلَماً، وهو قليلٌ، كقول الراجز: (بنا - تَميماً - يُكشَفُ الضَّبابُ). أما المضافُ إلى العَلَمِ فيكونَ على غيرِ قِلّةٍ، كقولهِ: (نحنُ - بَني ضَبَّةَ أصحابَ الجَمَل). ولا يكونُ نكرةً ولا ضميراً ولا اسمَ إشارة ولا اسمَ موصولٍ.
وأكثرُ الأسماءِ دخولاً في هذا البابِ (بنو فلان، ومعشر (مضافاً)، وأهلُ البيتِ، وآلُ فلانٍ).
واعلمْ أن الأكثر في المختصِّ أن يَلي ضميرَ المتكلِّمِ، كما رأيتَ. وقد يلي ضميرَ الخطاب، نحو: (بكَ - اللهَ. أرجو نجاحَ القصدِ) و (سُبحانَكَ - اللهَ – العظيمَ). ولا يكون بعدَ ضميرِ غيبة.
وقد يكون الاختصاصُ بلَفظ (أَيُّها وأَيَّتُها)، فيُستعملان كما يستعملان في النّداءِ، فيبنيان على الضمِّ، ويكونانِ في محلِّ نصبٍ بأخُص محذوفاً وجوباً، ويكونُ ما بعدَهما اسماُ مُحَلًّى بألْ، لازمَ الرفعِ على أنه صفةٌ لِلَفظهما، أو بدلٌ منه، أو عطفُ بيانٍ لهُ. ولا يجوزُ نصبه على أنه تابعٌ لمحلّهما من الإعراب. وذلك نحو: (أَنا أفعلُ الخيرَ، أيُّها الرجلُ، ونحن نفعلُ المعروفَ، أيُّها القومُ). ومنه قولهم: (أَللهمَّ اغفر لنا، أَيَّتُها العَصابةُ).
(ويراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص، وإن كان ظاهره النداء. والمعنى: (أنا أفعل الخير مخصوصاً من بين الرجال، ونحن نفعل المعروف مخصوصين من بين القوم, واللهمّ اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب). ولم ترد بالرجل إلا نفسك: ولم يريدوا بالرجال والعصابة إلا أنفسهم. وجملة (أخص) المقدّرة بعد (أيها رأيتها) في محل نصب على الحال).
8- الاشتغالُ
الاشتغالُ: أن يَتقدَّمَ اسمٌ على من حقِّهِ أن يَنصِبَه، لولا اشتغالهُ عنه بالعمل في ضميرهِ، نحو: (خالدٌ أَكرمتُهُ).
(إذا قلت: (خالداً أكرمتُ)، فخالداً: مفعول به لأكرمَ. فان قلتَ: (خالدٌ أكرمته)، فخالدٌ حقه أن يكون مفعولاً به لأكرم أيضاً، لكنّ الفعلَ هنا اشتغل عن العمل في ضميره، وهو الهاء. وهذا هو معنى الاشتغال).
والأفضلُ في الاسم المتقدمِ الرفعُ على الابتداء، كما رأيتَ. الجملةُ بعدَهُ خبرهُ. ويجوز نصبُهُ نحو: (خالداً رأيتهُ).
[خالداً: مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وتقديره: (رأيت) وجملة (رأيته): مفسرة للجملة المقدرة، ولا محل لها من الإعراب]
وناصبُهُ فعلٌ وجوباً، فلا يجوزُ إظهارهُ. ويُقدَّرُ المحذوفُ من لفظِ المذكور. إلا أن يكونَ المذكورُ فعلاً لازماً متعدياً بحرف الجر، نحو: (العاجزَ أخذتُ بيدهِ) و (بيروتَ مررتُ بها)، فَيُقدّرُ من معناهُ.
(فتقدير المحذوف: (رأيت). في نحو (خالداً رأيته). وتقديره: (أعنت، أو ساعدت، في نحو: (العاجزَ أخذت بيده). وتقديره: (جاوزت) في نحو: (بيروتَ مررت بها)).
وقد يَعرِضُ للاسمِ المُشتَغَلِ عنه ما يوجبُ نصبَهُ أو يُرَجّحُهُ، وما يوجبُ رفعَهُ أو يُرَجّحُهُ.
فيجبُ نصبُهُ إذا وقعَ بعدَ أدواتِ التّحضيضِ والشرطِ والاستفهامِ غير الهمزةِ، نحو: (هلاّ الخيرَ فعلتَهُ. إنْ علياً لقيتَهُ فسَلّمْ عليهِ, هل خالداً أَكرمتَهُ؟).
(غير أن الاشتغال بعد أدوات الاستفهام والشرط لا يكون إلا في الشعر. إلا أن تكون أداة الشرط (أن) والفعل بعدها ماض، أو (إذا) مطلقاً، نحو: (إذا عليّاً لقيته، أو تلقاه فسلم عليه). وفي حكم (إذا).
في جواز الاشتغال بعدها في النثر، (لو ولولا).
ويُرجَّحُ نصبُهُ في خمسِ صُوَر:
1- أن يقعَ بعد الاسمِ أمرٌ، نحو: (خالداً أَكرِمْهُ) و (عليّاً لِيُكرِمْهُ سعيدٌ).
2- أن يقعَ بعدَهُ نهيٌ، نحو: (الكريمَ لا تُهِنهُ).
3- أن يقعَ بعدَهُ فعلُ دُعائي، نحو: (اللهمَّ أمرِيَ يَسّرّهُ، وعَمَلي لا تُعَسّرْهُ). وقد يكونُ الدعاءُ بصورةِ الخبرِ، نحو: (سليماً غفرَ اللهُ لهُ، وخالداً هداهُ اللهُ)
(فالكلام هنا خبري لفظاً، إنشائي دعائي معنى. لأنّ المعنى: اغفر اللهم لسليم، واهدِ خالداً. وإنما ترجح النصب في هذه الصور لأنك إن رفعت الاسم كان خبره جملة إنشائية طلبية، والجملة الطلبية يضعف الإخبار بها).
4- أن يقعَ الإسمُ بعدَ همزة الاستفهام، كقوله تعالى: {أَبشَراً مِنّا واحداً نَتَّبعُهُ؟}.
(وانما ترجح النصب بعدها لأن الغالب ان يليها فعلٌ، ونصبُ الاسم يوجبُ تقديرَ فعل بعدها).
5- أن يقعَ جواباً لمُستفهَمٍ عنه منصوبٍ، كقولك: (عليّاً أَكرمتُهُ)، في جواب من قال: (مَنْ أَكرمتَ؟).
(وإنما ترجح النصب لأنّ الكلام في الحقيقة مبنيّ على ما قبله من الاستفهام).
ويجبُ رفعُهُ في ثلاثة مواضعَ:
1- أن يقعَ بعدَ (إذا الفجائيَّةِ) نحو: (خرجت فإذا الجوُّ يَملَؤُهُ الضَّبابُ).
(وذلك لأن (إذا) هذه لم يؤوّلها العربُ إلا مبتدأ، كقوله تعالى: {ونزعَ يده فإذا هي بيضاء للناظرين}، أو خبراً، كقوله سبحانه: {فإذا لهم مكرٌ في آياتنا}. فلو نُصب الاسمُ بعدها، لكان على تقدير فعل بعدها، وهي لا تدخل على الأفعال).
2- أن يقعَ بعدَ واو الحال، نحو: (جئتُ والفرسُ يَركبُهُ أَخوكَ).
3- أن يقعَ قبلَ أدوات الاستفهام، أو الشرط، أو التحضيص، أو ما النافية، أو لامِ الابتداء، أو ما التَّعجبيةِ، أو كم الخبرية، أو (إنَّ) وأَخواتها، نحو: (زُهيرٌ هل أَكرمتَهُ؟، سعيدٌ فأكرِمه، خالدٌ هلاَّ دعوتهُ، الشرُّ ما فعلتُهُ، الخيرُ لأنا أَفعلُهُ، الخلُق الحَسَنُ ما أَطيبَهُ!، زُهيرٌ كم أكرمتُهُ!، أُسامةُ إني أَحِبُّهُ).
(فالاسم في ذلك كله مبتدأ. والجملة بعده خبره. وإنما لم يجز نصبه بفعل محذوف مفسر بالمذكور. لأن ما بعد هذه الأدوات لا يعمل فيما قبلها. وما لا يعمل لا يفسر عاملاً).
ويُرَجَّحُ الرفعُ، إذا لم يكن ما يوجبُ نصبَهُ، أو يرَجِّحُه، أو يوجبُ رفعَه، نحو: "خالدٌ أكرمتُهُ". لأنهُ
إذا دار الأمر بينَ التقديرِ وعدَمِهِ فتركهُ أولى.