9ـ العَطْفُ على أسماء هذهِ الأَحرُف

إذا عطفتَ على أسماء الأحرف المشبَّهة بالفعل، عطفت بالنصب، سواءٌ أوقعَ المعطوفُ قبلَ الخبر أم بعدَهُ، فالأول نحو: (إنَّ سعيداً وخالداً مسافرانِ)، والثاني نحو: (إنَّ سعيداً مُسافرٌ وخالداً).


وقد يُرفعُ ما بعدَ حرف العطف، بعدَ استكمالِ الخبر، على انهُ مبتدأٌ محذوفُ الخبر، وذلك بعد (إنَّ وأنَّ ولكنَّ) فقطْ، فمثالُ (إنَّ) (إنَّ سعيداً مسافرٌ وخالدٌ).

[خالد: مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير وخالد مسافرٌ أيضاً]
ومنهُ قولُ الشاعر:

فَمَنْ يَكُ لم يُنْجِبْ أَبُوهُ وأُمُّهُ

فَإنَّ لَنا الأُمَّ النَّجيةَ، والأَبُ
[الأب: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: (ولنا الأب النجيب أيضاً).]
وقول الآخر:

إنَّ الخِلافَة والمُروءَةَ فيهمُ

والمَكْرُماتُ وسادةٌ أطهارُ


ومثالُ (أنَّ) قوله تعالى: {وأذان من الله ورسولهِ الى الناس يومَ الحجِّ الأكبر أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركينَ، ورسولهُ}.


ومثالُ (لكنَّ) قولُ الشاعر:


وما زِلتُ سَبَّاقاً إلى كُلِّ غايةٍ

بها يُبْتَغَى في النَّاس مَجدٌ وإِجلالُ
وما قَصَّرَتْ بِي في التَّسامي خُؤُولةٌ
ولكنَّ عمِّي الطَّيِّبُ الأَصلِ والخالُ
[أي: والحال الطيب الأصل أيضاً و(الخؤولة جمع خال)، كالعمومة جمع عم أو هي المصدر للخال. و(الطيب): خبر لكن، أي: لكن عمي هو الأصل، والخال كذلك]

وقد يُرفعُ ما بعدَ العاطف قبل استكمالِ الخبر، لغرضٍ معنوي، على أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر فتكونُ جُملتُهُ مُعترِضةً بينَ اسمِ (إنّ) وخبرِها، كقول الشاعر:


فَمَنْ يَكُ أَمسَى بالمدينَةِ رَحْلُهُ

فإنِّي، وقَيَّارٌ، بِها لَغَريبُ

(غريب: خبر عن اسم، (إن)، وقيار: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: وقيار غريب بها أيضا. وقيار اسم فرسه أو جمله. وإنما قدمه واعترض بجملته بين اسم إن وخبرها لغرض أن هذا الفرس أو الجمل استوحش في هذا البلد، وهو حيوان، فما بالك بي، فلو نصب بالعطف على اسم (ان) فقال: (فإني وقياراً بها لغريبان)، لم يكن من ورائه شدة تصوير الاستيحاش الذي يعطيه الرفع في هذا المقام).


ومنهُ قولهُ تعالى: {(إنَّ) الذينَ آمنوا والذينَ هادُوا، والصابئون، والنصارى، مَن آمنَ منهم باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً، فلا خَوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون}.


فالصابئون: مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير: والصابئون كذلك، أي: لهم حكم الذين آمنوا والنصارى واليهود. والجملة معترضة بين اسم (إن) وخبرها، وخبر (إن): هو جملة الجواب والشرط، والغرض من رفع (الصابئون) وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الجواب والشرط، والغرض من رفع (الصابئون) وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الصابئون، مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها، يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان، واعتصموا بالعمل الصالح، فغيرهم ممن هو على دين سماوي وكتاب منزل، أولى بذلك).



10ـ إنَّ المكسورةُ، وأَنَّ المفتوحة

يجبُ أن تُكسرَ همزةُ (إنَّ) حيث لا يصحُّ أن يقومَ مقامَها ومقام معمولَيها مصدرٌ.

ويجبُ فتحُها حيثُ يجبُ أن يقوم مصدرٌ مقامَها ومقامَ معموليها.


ويجوزُ الأمران: الفتحُ والكسرُ، حيثُ يَصحُّ الاعتبارانِ.

(فإن وجب أن يؤول ما بعدها بمصدر مرفوع أو منصوب أو مجرور (بحيث تضطر الى تغيير تركيب الجملة)، فهمزتها مفتوحة وجوباً، نحو: (يعجبني أنك مجتهد)، والتأويل: (يعجبني اجتهادك) ونحو: (علمت أن الله رحيم)، والتأويل: (علمت رحمة الله)، ونحو: (شعرت بأنك قادم)، والتأويل (شعرت بقدومك). وإنما وجب تأويل ما بعد (أن) هنا بمصدر لأننا لو لم نؤوله، لكانت (يعجبني) بلا فاعل، (وعلمت) بلا مفعول، و (الباء) بلا مجرور فالمصدر المؤول: فاعل في المثال الأول، ومفعول في المثال الثاني، ومجرور بالباء في المثال الثالث.

وإن كان لا يصح أن يؤول ما بعدها بمصدر (بمعنى أنه لا يصح تغيير التركيب الذي هي فيه) وجب كسر همزتها على أنها هي وما بعدها جملة، نحو: (إن الله رحيم). وإنما لم يصح التأويل بالمصدر هنا لأنك لو قلت: (رحمة الله) لكان المعنى ناقصاً.


وان جاز تأويل ما بعدها بمصدر، وجاز ترك تأويله به، جاز الأمران، فتحها وكسرها نحو: (أحسن إليّ علي، أنه كريم)، فالكسر هنا على أنها مع ما بعدها جملة تعليلية، والفتح على تقدير لام الجر، فما بعدها مؤول بمصدر. والتأويل (أحسن إليه لكرمه).


وحيث جاز الأمران فالكسر أولى وأكثر لأنه الأصل، ولأنه لا يحتاج معه الى تكلف التأويل).


11ـ مَواضعُ (إِنَّ) المكسُورة الهمزة وجوباً

تُكسرُ همزةُ (إنَّ) وجوباً حيثُ لا يصحُّ أن يُؤَوّلَ ما بعدَها بمصدر، وذلك في اثنيْ عَشر موضعاً:


أ ـ أن تقعَ في ابتداءِ الكلام، إمَّا حقيقةً، كقوله تعالى: {إنا انزلناهُ في ليلة القَدْرِ}، أو حُكماً، كقوله عَزَّ وجلَّ: {ألا إنَّ اولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون}.


وإن وقعتْ بعدَ حرف تنبيه، كألا، اوِ استفتاحٍ، كألا وأمَا، او تحضيضٍ كهَلاً، أو رَدْعٍ، كَكَلاَّ، أو جوابٍ، كنَعْم ولا، فهي مكسورةُ الهمزةِ، لأنها في حكم الواقعة في الابتداء.

وكذا إن وقعت بعدَ (حتّى) الابتدائية، نحو: (مَرِضَ زيدٌ، حتى إنهم لا يَرجونه، وقَلَّ مالُه، حتى إنهم لا يُكلّمونه). والجملة بعدَها لا محلَّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيةٌ، او استئنافيّة.

ب ـ أن تقعَ بعد (حيث) نحو: (اجلِسْ حيث إنَّ العلم موجود).


ج ـ أن تقعَ بعد (إذْ) نحو: (جئتُكَ إذْ إنِّ الشمسَ تطلُعُ).


د ـ أن تقعَ صدرَ الواقعةِ صِلَةً للموصول، نحو: (جاء الذي إنه مجتهدٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وآتيناهُ من الكنوزِ ما إن مَفاتحَهُ لتَنوء بالعُصبةِ أولي القوَةِ}.


هـ ـ أن تقعَ ما بعدَها جواباً للقسَم، نحو: واللهِ، (إن العلمَ نورٌ)، ومنه قولهُ تعالى: {والقرْآنِ الحكيمِ، إنكَ لَمنَ المُرسلينَ}.


و ـ أن تقعَ بعد القولِ الذي لا يَتضمَّنُ معنى الظنِّ، كقوله تعالى: {قال إني عبدُ اللهِ}، فان تَضمَّنَ معناهُ فُتحت بعدهُ، لأنَّ ما بعدَها مَؤوَّلٌ حينئذٍ بالمفعول به، نحو: (أتقولُ أن عبدَ الله يَفعلُ هذا؟)، أي: (أتظنُّ أنهُ يَفعلهُ؟).


ز ـ أن تقعَ معَ ما بعدها حالاً، نحو: (جئتُ وإِنَّ الشمس تَغرُبُ)، ومنه قولهُ تعالى: {كما أخرجَكَ رَبُّكَ من بيتكَ بالحقِّ، وإنّ فريقاً منَ المُؤمنينَ لكارهون}.


ح ـ أن تقعَ معَ ما بعدَها صفةً لما قبلها، نحو: (جاءَ رجلٌ إنه فاضل).
ط ـ أن تقعَ صدرَ جملةٍ استئنافيَّةٍ، نحو: (يَزعُمُ فلانٌ أني أسأتُ إليه، إنه لكاذبٌ}. وهذهِ من الواقعة ابتداءً.


ي ـ أن تقعَ في خبرِها لامُ الابتداء نحو: (علمتُ إنكَ لمجتهدٌ). ومنه قولهُ تعالى: {واللهُ يَعلمُ إنكَ لرسولُه، واللهُ يشهدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذبون}.


ك ـ أن تقعَ مع ما بعدَها خبراً عن اسم عين، نحو: (خليلٌ إنه كريمٌ) ومنه قولهُ تعالى: {إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابِئينَ والنَّصارى والمجُوسَ والذينَ اشركوا، إنَّ اللهَ يَفصِلُ بينهم يومَ بالقيامة}.

[اسم العين: هو ما دل على ذات، أي شيء قائم بنفسه. ويقابله اسم المعنى، وهو ما دل على شيء قائم بغيره: كالعلم والشجاعة ونحوهما * وجملة (إن الله يفصل بينهم ) خبر عن (إن الذين آمنوا وما عُطف عليه]