4ـ تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف
لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الأحرف عليها، ولا على اسمها.
أما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، إن كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو: (إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ)، قال الشاعر:
فَلا تَلْحَني فيها، فإنَّ بِحُبِّها
أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ
(لا تلحني: لا تلمني، وهو بفتح الحاء، من لحاه يلحاه إذا لامه، ولحا العود: يعني أزال اللحاء عنه وقشره. البلابل: الهموم والوساوس)
ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو: (إنَّ في الدَّار زيداً)، ومنهُ قولهُ تعالى: {إنَّ فيها قوماً جبّارينَ}، وقولهُ: {إنَّ مع العُسرِ يُسراً}.
(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم، إذ لا يجوز تقديمه عليه، كما علمت، وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف، لأنهما متعلقان به).
ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً، في موضعين:
أ ـ أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ نحو:
(إنَّ في الدَّارصاحبَها).
(فلا يجوز أن يقال (إن صاحبها في الدار)، لأن (ها) عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأن معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ).
ب ـ أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد، كقوله تعالى: {وإنَّ لنا للآخرة والأولى}، وقولهِ: {إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ}.
أما تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالأول نحو: (إنكَ عندَنا مقيمٌ)، والثاني نحو: (إنكَ في المدرسة تتعلّمُ)، والثالث نحو: (إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ).
فائدة
متى جاء بعد (إن) أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً. فليتنبه الطالب الى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو: (إن عندك لخبراً)، ونحو: (لعل في سفرك خيراً).
5ـ لامُ التأْكيدِ بعدَ "إنَّ" المَكسورةِ الهمزة
تختصُّ (إنَّ)، المكسورةُ الهمزةِ، دونَ سائرِ أخواتها، بجوازِ دخولِ لامِ التأكيد،ِ، وهي التي يُسمونها (لامَ الابتداءِ) على اسمها، نحو: (إنَّ في السماءِ لخَبَراً، وإنَّ في الأرض لَعِبَراً)، وعلى خبرها نحو: (إنَّ الحقَّ لمنصورٌ)، وعلى معمول خبرها، نحو: (إنه للخيرَ يفعلُ)، وعلى ضمير الفصلِ نحو: (إنَّ المجتهدَ لَهُوَ الفائزُ).
6ـ شَروطُ ما تَصحَبُهُ لامُ التأكيد
أ ـ يُشترطُ في دخول لام التأكيد على اسم "إنَّ" أن تقع بعدَ ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ يتعلقان بخبرها المحذوف، نحو: (إن عندَك لخَيراً عظيماً، وإنَّ لك لخُلُقاً كريماً).
(فان وقع قبلهما لم يجز اقترانه باللام فلا يقال: (إن لخيراً عندك، وإن لخلقاً كريماً لك).
ب ـ يُشترط في دخولها على الخبر أن لا يقترنَ بأداةِ شرطٍ أو نفي، وأن لا يكون ماضياً مًتصرفاً مُجرَّداً من (قد). فان كان الخبرُ واحداً منها لم يَجُز دخولُ هذه اللام عليه. فمثالُ المستكملِ للشرط: {إن ربي لسميع الدُّعاء}. {وإنَّ رَبَّكَ لَيعلمُ}. {وإنَّا نحنُ نُحيي الموتى}.
ومتى استَوفى خبرُ (إنَّ) شروط اقترانه بِلام التأكيد، جاز دخولها عليه، لا فرقَ أن يكون مفرداً، مقترنٌ بقد، نحو: (إن الحق لمنصور)، أو جملة اسمية، نحو (إنَّ الحقَّ لصَوتُهُ مرتفعٌ، أو جملةً مضارعيّةً، نحو: (إنَّ ربّكَ ليَحكُمُ بينهم)، أو جملةً ماضيَةً فعلها جامدٌ، نحو: (إنك لَنِعْمَ الرجل)، أو متصرف مقترن بقد، نحو: (إن الفرجَ قد دنا).
وإذا حُذفَ الخبرُ، جازَ دخولُ هذهِ اللامِ على الظرف أو الجار المتعلّقينِ به، نحو: (إن أخاكَ لعندي، وإنَّ أباكَ لَفي الدّار)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وانك لَعَلى خُلُقٍ عظيم}.
ج ـ يُشترطُ في دخولها على مفعول الخبر شرطان، الأول: أن يتوسَّطَ بين اسمها وخبرها. والثاني أن يكونَ الخبرُ ممّا يَصلُحُ لدخول هذه اللامِ عليه، نحو: (إنَّ سليماً لفي حاجتك ساعٍ، وإنه لَيومَ الجمعةِ آتٍ، وإنهُ لأمرَكَ يُطيعُ).
د ـ أما ضميرُ الفصلِ، فلا يُشترطُ في دخولها عليه شيءٌ، كقوله تعالى: {إنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ}.
(وضمير الفصل: هو ما يؤتى به بين المبتدأ والخبر، أو بين ما أصله مبتدأ وخبر: للدلالة على أنه خبر لا صفة. وهو يفيد تأكيد اتصاف المسند إليه بالمسند. وهو حرف لا محل له من الإعراب، على الأصح من أقوال النحاة، وصورته كصورة الضمائر المنفصلة: وهو يتصرف تصرفها بحسب المسند إليه، إلا أنه ليس إياها.
ثم إن دخوله بين المبتدأ والخبر المنسوخين بكان وظن وأن واخواتهن تابع لدخوله بينهما قبل النسخ، نحو: (إن زهيراً هو الشاعر). وكان علي هو الخطيب وظننت عبد الله هو الكاتب).
(وضمير الفصل حرف كما قدمنا: وإنما سمي ضميراً لمشابهته الضمير في صورته. وسمي ضمير فصل لأنه يؤتى به الفصل بين ما هو خبر أو صفة، لأنك إن قلت: (زهير المجتهد)، جاز أنك تريد الإخبار وأنك تريد النعت. فان أردت أن تفصل بين الأمرين. وتبين أن مرادك الإخبار لا الصفة. أتيت بهذا الضمير للإعلان من أول الأمر بأن ما بعده خبر عما قبله لا نعت له، ثم انه يفيد تأكيد الحكم، لما فيه من زيادة الربط.
ومن العلماء من يسمي ضمير الفصل (عماداً) لاعتماد المتكلم أو السامع عليه في التفريق بين الخبر والصفة).