المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آداب عبد الهادي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ والصديق العزيز الدكتور عبد الرزاق أبو عامر المحترم
الأخوة الأفاضل
جميل أن يخصص ملتقانا المميز (فرسان الثقافة) هذه الكرسي لنتواصل عبرها ومن خلالها مع أعلام ومفكرين نستفيد منهم ومن خبراتهم وتجاربهم الكبيرة بما يفيدنا ويفيد الأمة
وهنا يمكننا استغلال الفرصة وتقديم الشكر الجزيل للأستاذة الفاضلة الأديبة الراقية ريمة الخاني وللأستاذة الغالية رغد بدعوتها للدكتور عبد الرزاق إلى هذه الكرسي لنستفيد منه قدر المستطاع وهو المعلم والمربي والمفكر الفذ من مفكري أمتنا الذين نفخر بهم ونكن لهم كل الاحترام والتقدير .
سيدي وأستاذي الفاضل الدكتور عبد الرزاق أمد الله في عمرك ووهبك الصحة والعافية: خطر في بالي أن أسالكم عن رأيكم في الأحزاب الدينية و(الإسلامية حصراً) ودورها في خدمة الأمة وتنميتها تنمية شاملة سيما وأننا بتنا نرى أن غالبية هذه الأحزاب تحولت إلى سياسية تحت ستار ديني ،وابتعدت عن هدفها الذي تأسست من أجله، وبدل من نشر الدعوة وتثقيف النشء أخذت طريقا آخر ، طريقا سياسيا بحتا لا علاقة له بالدين إطلاقاً، وتحولت إلى أحزاب سياسية جل همها الوصول إلى السلطة كيفما كان واتفق.
هل برأيك هذه الأحزاب تمثل التيارات الدينية الشعبية الحقيقية وتحقق مطالبها وآمالها وتلبي طموحاتها الإسلامية.
أشكرك جزيل الشكر وأشكر الغالية رغد
ودمت بألف خير
مع فائق احترامي وتقديري لشخصكم الكريم النبيل
أولا : لك الشكر الجزيل أستاذة آداب على نبل مشاعرك ورقيها
وصدق ترحيبك وكريم استضافتك
ثانيا : تشرفني مشاركتك في هذا اللقاء حيث أتيحت الفرصة لمفردات خطابك المتميز
أن يصيب منها هذا المتصفح الراقي فأنهل منها من جديد ، وأستمتع وأستفيد .
خطر في بالي أن أسالكم عن رأيكم في الأحزاب الدينية و(الإسلامية حصراً) ودورها في خدمة الأمة وتنميتها تنمية شاملة
الأحزاب الإسلامية لا تخلو إما أن تكون ذات مبدإ إسلامي يجسد مرجعيتها الإسلامية على وجه الحقيقة ،
وغاية شرعية تنزه مقاصدها عن الأعراض القريبة ، ومنهج شرعي واضح الانبثاق عن شريعة الإسلام ؛ فهي أحزاب تستحق الوجود والامتداد .
وإما أن يكون كل ذلك مجرد دعوى ؛ لا يتجاوز اللافتات والحناجر ،
فإنها حالها يؤول إلى ما تضمنه قوله تعالى : ( كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) الصف : 3 .
ويزيد ضررها وظلم أهلها لأنفسهم وللناس إذا اتخذت ذلك الانتماء المقدس مطية إلى بلوغ زعامة دنيوية ،
أو متاع دنيء ؛ كما قال تعالى : ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ ) التوبة 42 .
سيما وأننا بتنا نرى أن غالبية هذه الأحزاب تحولت إلى سياسية تحت ستار ديني
هذا صحيح ، فإن بعض الأحزاب الإسلامية خالفت مرجعيتها ، وضلت عن المنهاج الذي خطته لنفسها أول يوم ،
على نحو أفقد الناس الثقة في الإسلام ، فضلا عن المتحدثين باسمه .
غير أن قولك ( تحولت إلى سياسية تحت ستار ديني ) مشعر بأن السياسة ليست من الدين ،
أو يجب أن لا تجعلها الأحزاب الإسلامية ضمن برنامجها ، وهذا إنما يصح لو حصرنا مدلول السياسة في ( طلب السلطة ) ،
وإلا فإن مدلولها ليس كذلك ، لا سيما في الفقه الإسلامي الذي تعد ( السياسة الشرعية ) بابا كبيرا من أبوابه ،
وتشتمل على ما يلزم أن يسوس الراعي به رعيته ، وما يلزمها هي تجاهه من أحكام شرعية أصولها محكمة واضحة في شريعة الإسلام .
وليس من مفهوم ( السياسة الشرعية ) في الإسلام طلب الزعامة ، ولا تأسيس حركة أو حزب لأجل الحصول على الحكم ،
بل من أصول السياسة الشرعية عندنا قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح :
( إنا ، والله ! لا نولي على هذا العمل أحدا سأله . ولا أحدا حرص عليه) .
فالسياسة من دين الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام ؛ شرع لها أحكامها كما شرع لسائر الشعائر أحكامها ،
وأفرد مفهومها بخصائص تميزه عن مفهوم السياسة لدى الغرب ؛ المؤسس على قاعدة ( دع ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر ) .
ومجرد انتماء المثقف – أيا كان اختصاصه – إلى دين الإسلام
يجعل قاعدة تصوره وتصرفه شاملة لكل مناحي الحياة الإنسانية
كما في قوله تعالى :
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ ) الأنعام 162 – 163 .
فيصير له محراب طاعة في تربيته ، واجتماعه ، وسياسته ، واقتصاده ، وإدارته ، وشركته ، ومختبره ، ..
في علمه وعمله كالمحراب المعد للصلاة في المسجد سواء بسواء .
وقد تستدرك بعض الأنظمة السياسية على بعض الدعاة خلطهم الدين بالسياسة ،
وتنسى أو تتناسى حرصها على خلط السياسة بالدين وهي ( تنتقي )
من نصوص الشريعة ما يسوغ شرعية نشوئها وبقائها ، وصدها لمن يخالفها .
ولا يخفى أن خطاب الداعية الورع الحصيف عن السياسة لا يخرحه عن الحق والصواب
ما دام ناصحا أمينا للحاكم ، كما أن الحاكم جدير بتأييد العلماء ونصرتهم ما دام أمينا مقسطا ،
فتخالط السياسة الدين ، ويخالط الدين السياسة على النحو الأجمل الأرقى .
وتأملي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ،
ومنهم ( إمام عادل ) ، فهذا من أنفس النصوص الدينية الجامعة بين الدين والسياسة ، والسياسة والدين في كلمتين .
هل برأيك هذه الأحزاب تمثل التيارات الدينية الشعبية الحقيقية وتحقق مطالبها وآمالها وتلبي طموحاتها الإسلامية
هذا السؤال يعود بنا إلى أصل نشوء هذا الحزب الإسلامي أو ذاك ، وطبيعة الصلة القائمة بينه وبين القاعدة الشعبية التي انبثق عنها ،
وما عاهد عليه الجماهير التي صفقت له وهي تدعمه ، وتؤيده ، وترشحه لتمثيلها ..
ولا أرى أخطر من تحمل أمانة الجماهير ، ولا أثقل على كاهل صادق ورع منها ، والناس في ذلك بين حليم حفي ،
ومؤتمَن وفي ، وكاذب محتال خفي ، وقد صدق الطغرائي رحمه الله إذ قال :
قد رشجوك لأمر لو فظنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمَلِ