منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سورة "يوسف"

  1. #1

    سورة "يوسف"

    سورة "يوسف" آخر تحديث:الجمعة ,28/01/2011
    محمد حماد الاسم الوحيد لهذه السورة هو سورة يوسف، ووجه تسميتها ظاهر لأنها ذكرت قصة نبي الله يوسف كاملة دون غيرها من سور القرآن الكريم، ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذكرت قصة يوسف من الإطناب، ولم تذكر قصته في غيرها، وذكر فيها اسم نبي الله يوسف 25 مرة، ولم يذكر في غيرها إلا مرتين في سورة الأنعام وفي سورة غافر، وفي هذا الاسم تميز لها من بين السور المفتتحة بحروف (ألر)، وهي

    مكية كلها، وقال ابن عباس وقتادة: إلا أربع آيات منها، نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر، وهي السورة الثالثة والخمسون في ترتيب نزول السور على قول الجمهور، والثانية عشرة في ترتيب سور المصحف، وذكر في الأثر أن عمر كان يقرأ في الفجر سورة يوسف، وقال خالد بن معدان: سورة يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة، وقال عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها .

    محمد حمادروى الواحدي والطبري يزيد أحدهما على الآخر عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: أنزل القرآن فتلاه رسول الله على أصحابه زماناً، فقالوا (أي المسلمون بمكة): يا رسول الله لو قصصت علينا، فأنزل الله (الر تلك آيات الكتاب المبين . إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون . نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) .

    تثبيت المؤمنين

    قص الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم في سورة يوسف قصة أخ له كريم هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو يعاني صنوفاً من المحن والابتلاءات: محنة كيد الإخوة، ومحنة الجب والخوف والترويع فيه، ومحنة الرق وهو ينتقل كالسلعة من يد إلى يد على غير إرادة منه، ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله، ومحنة كيد امرأة العزيز والنسوة، ومحنة الإغراء والشهوة والفتنة، ومحنة السجن بعد رغد العيش وطراوته في قصر العزيز، ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق في يديه، وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم، وفي يديه لقمة الخبز التي تقوتهم، ومحنة المشاعر البشرية وهو يلقى بعد ذلك إخوته الذين ألقوه في الجب وكانوا السبب الظاهر لهذه المحن والابتلاءات، وفي لحظة الانتصار على المحن جميعاً، وفي لحظة لقاء أبويه ولمّ شمله، وفي لحظة تأويل رؤياه وتحققها كما رآها (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) (سورة يوسف: 4)، كان توجه يوسف هو التوجه المخلص المتجرد المنيب إلى ربه، منخلعاً من هذا كله بكليته، وكان طلبه الأخير - بعد ذلك كله وهو في غمرة السلطان والرخاء ولمة الشمل - أن يتوفاه ربه مسلماً، وأن يلحقه بالصالحين، فلا عجب أن تكون هذه السورة، بما احتوته من قصة ذلك النبي الكريم، ومن التعقيبات عليها بعد ذلك، مما يتنزل على رسول الله والجماعة المسلمة معه في مكة في تلك الفترة بالذات، تسلية وتسرية، وتطميناً كذلك وتثبيتاً للمؤمنين .

    وفي القصة ذلك الإيحاء البعيد بالإخراج من مكة إلى دار أخرى يكون فيها النصر والتمكين، مهما بدا أن الخروج كان إكراهاً تحت التهديد، كما أخرج يوسف من حضن أبيه، ليواجه هذه الابتلاءات كلها، ثم لينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين: (وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء . نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) (سورة يوسف: 56)، ولقد كان ذلك وهو يضع أقدامه في مصر في قصر العزيز، حتى وهو لا يزال فتى يباع بين الرقيق .

    طابع خاص

    وكما لاحظ صاحب الظلال فإن السورة ذات طابع منفرد في احتوائها على قصة يوسف كاملة، فالقصص القرآني غير قصة يوسف يرد حلقات، تناسب كل حلقة منها أو مجموعة حلقات موضوع السورة واتجاهها وجوّها، وحتى القصص الذي ورد كاملاً في سورة واحدة كقصص هود وصالح ولوط وشعيب ورد مختصراً مجملاً، أما قصة يوسف فوردت بتمامها وبطولها في سورة واحدة، وهو طابع متفرد في السور القرآنية جميعاً، وهذا الطابع الخاص يتناسب مع طبيعة القصة، ذلك لأنها تبدأ برؤيا يوسف، وتنتهي بتأويلها، بحيث لا يناسبها أن تكون حلقة منها أو جملة حلقات في سورة وتكون بقيتها في سورة أخرى، وهذا الطابع كفل لها الأداء الكامل في جميع الوجوه، فوق تحقيقه للهدف الأصيل الذي من أجله سيقت القصة، والتعقيبات التي تلتها .

    وكما يؤكد صاحب الظلال فإن قصة يوسف كما جاءت في هذه السورة تمثل الأنموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة، بقدر ما تمثل الأنموذج الكامل لهذا المنهج في الأداء النفسي والعقيدي والتربوي والحركي أيضاً، ومع أن المنهج القرآني واحد في موضوعه وفي أدائه، إلا أن قصة يوسف تبدو كأنها المتخصصة في عرض هذا المنهج من الناحية الفنية للأداء .

    واشتملت قصة يوسف على كل عناصر القصة الأدبية وعلى الكثير من المشاهد التصويرية بحيث تجعل القارئ يرى فعلا ما حدث كأنه ماثل أمام ناظريه . وللسورة أسلوب فذ فريد في ألفاظها وتعبيرها وأدائها وفي قصصها الممتع اللطيف وتسري مع النفس سريان الدم في العروق وجريان الروح في الجسد، ومع أن السور المكية تحمل في الغالب طابع الإنذار والتهديد إلا أن سورة يوسف اختلفت عن هذا الأسلوب فجاءت ندية في أسلوب ممتع رقيق يحمل جو الأنس والرحمة .

    صبر يوسف

    ابتدأت السورة بحلم (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(4) وانتهت بتفسير الحلم (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدًا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) (100)

    وتسير أحداث القصة بشكل مدهش، فالأصل أن تكون محبة الأب لابنه شيئاً جميلاً لكن مع يوسف تسبب هذا الحب في أن يلقيه إخوته في البئر، ثم إن الوجود في البئر أمر سيئ لكن الله تعالى ينجي يوسف بأن التقطه بعض السيارة، ثم أن وجوده في بيت عزيز مصر كان من المفروض أن يكون أمراً حسناً لولا ما همت به امرأة العزيز، كما أن السجن تجربة قاسية، لكن الله تعالى ينجيه منه ويجعله على خزائن الأرض ثم يصبح عزيز مصر .

    وقد أسهبت السورة في ذكر صبر يوسف على محنته بدءاً من حسد إخوته له وكيدهم ثم رميه في الجب ومحنة تعلق امرأة العزيز به ومراودته عن نفسه، ثم محنة السجن بعد الرغد الذي عاشه في بيت العزيز . ولما صبر على الأذى في سبيل العقيدة وصبر على الضر والبلاء نقله الله تعالى من السجن إلى القصر وجعله عزيز مصر وملكه خزائن الأرض وجعله السيد المطاع والعزيز المكرم .

    وهكذا يفعل الله تعالى بأوليائه ومن يصبر على البلاء فلا بد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقتدي بمن سبقه من المرسلين ويوطد نفسه على تحمل البلاء (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (سورة الأحقاف: 35)، كأنما قصة يوسف مشابهة نوعاً ما لما حصل مع رسولنا، فيوسف لاقى الأذى من إخوته والرسول صلى الله عليه وسلم لاقاه من أقرب الناس إليه، من أقاربه وعشيرته، ويوسف هاجر من بلده إلى مصر وفيها أكرمه الله بجعله عزيز مصر، وفي هذا إشارة للنبي بأنه بهجرته إلى المدينة ستكون له النصرة والمنعة ويحقق الله تعالى له النصر على من آذوه وأخرجوه من مكة .

    وقد تحدثت الآيات كثيراً عن عدم اليأس في سورة يوسف فالأمل والصبر موجودان دائماً عند المؤمن مهما بلغت به المحن والبلايا (يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (آية: 87)، و(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين) (آية: 110)

    ولننظر إلى نهاية القصة، فبعد كل ما أعطاه الله تعالى إياه من ملك مصر وجمعه بأهله جميعاً ماذا طلب من ربه بعد هذا كله، قال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليّي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)( آية: 101)، وهذا هو الذي يبقى للمؤمن الصالح .

  2. #2

    رد: سورة "يوسف"

    جزاك الله خيرا وتفسير واف كاف
    ينقل لقسم التفاسيروصدق الله العظيم
    وجزيل الشكر للكاتب والناقل
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: سورة "يوسف"

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه المرة أرى اهتماماً واضحاً بقضية التوثيق ونسبة الأقوال لأصحابها , وأشكرك على ما نقلت لنا حول هذه السورة الكريمة التي تناولت قصة سيدنا يوسف بتفصيل واف , لكن الملفت للنظر فيها عفّة هذا النبي الكريم عليه السلام وترفعه عن الفاحشة وهذا بحد ذاته دستور لشباب الأمة لكي يلتزموه طواعية وتأسياً بسيدنا يوسف وسيدنا محمد صلى الله عليهما وسلم , فحبذا لو فصّلت الحديث في هذا القضية , نظراً لشدة الحاجة إليها في وقت يعاني فيه شباب الأمة من عنت الفاحشة . شكراً , لك محبتي واحترامي .
    وما بكم من نعمة فمن الله

المواضيع المتشابهه

  1. "يوسف السباعي" و"بائع الجهل"..
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-18-2018, 02:40 PM
  2. تشويه لأقطاب السلفية.. صورة "الدولة" في "دابق" .. "لايُسأَل عما يفعل وهم يُسألون‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-02-2015, 08:46 AM
  3. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 09:36 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 07:03 AM
  5. تقاء "يوسف رزقة" مع "نتان زاخ"
    بواسطة د. فايز أبو شمالة في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-16-2012, 08:33 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •