نصرة النبي صلى الله عليه وسلم فكراً وسلوكاً

[أسعد الأطرش]

توطئة : إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلّم صفوة الإنسانية,بل خلاصة الخلق قاطبة,به ختم الله النبوة والرسالة,وبشرعته ختم شرائع السماء.إنه الخاتم الرباني الّذي مهرت به الرسالات السماوية من مبدئها إلى فجر بعثته.رسالته صلى الله عليه وسلّم سماتها البارزة الجمال والكمال , والإعجاز.صالحة لكل زمان ومكان,لكل جيل,لكل أمة.إنه رسول البشرية على الإطلاق,ورسالته رسالة علمية عالمية وهو القائل : ( إنما بعثت معلّماً . ) جاهد في سبيل الله, نصرة للدين الخاتم الّذي بعث به مبلغاً عن الله داعياً إلى الإيمان بالله الواحد الأحد على خطى من سبقه من الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين.قال الحق تبارك وتعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ألله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب . )
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم جزء من عقيدة المسلمين من المبدأ إلى المنتهى : علينا أن ندرك جميعاً أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم,عقيدة متجذرة في قلب كل مسلم منذ أن بعثه الله بدعوة الحق إلى يوم القيامة.فأول من منّ عليه بالنصرة رب العزة تبارك وتعالى وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين , ) فالله عز وجل أيد رسوله عليه الصلاة والسلام بالنصر على كل القوى المناوئة لدعوة الحق والهداية,وقد أمضى جل حياته المباركة مجاهداً في سبيل الله ناصراً دعوة الحق مبلغاً رسالة الله ينتقل من نصر إلى نصر.أن الله تعالى إذاً لمّا أيد نبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر إنّما يأمر الجماعة المؤمنة بما فعل سبحانه وتعالى,وأول من نهض لنصرته أصحابه الكرام رضي الله عنهم حيث التفوا حوله ناصرين له مؤمنين بما جاء به من الدين عن الله عز وجل,قدّموا لنصرته كل غال ونفيس من المال والنفس والولد.أبو بكر الصدّيق قدّم كل ماله نصرة لله ورسوله ثم نهضت أسرته بكاملها في تعبئة شاملة نصرة له يوم الهجرة أبو بكر أعدّ الراحلتين,وابنه ينقل أخبار مكة, وراعيه يريح الأغنام عند الغار, ماحياً الأثر الّذي يدل عليهما ويسقيهما اللبن,وابنته أسماء رضي الله عنها تأتيهما بالطعام,والصديق يسد ثقوب الغار بالخرق حتى لا يلدغ النبي صلى الله عليه وسلم.ولما انقطع الطلب وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار تابع الصديق معه رحلة الهجرة المباركة فكان يمشي أمامه حيناً وخلفه حيناً آخر وعن يمينه وشماله مثل ذلك , سأله : لم تفعل ذلك يا أبا بكر؟ قال : يا رسول أن جاءك الطلب من أمامك أو من خلفك عن يمينك أو شمالك فأنا اتقيه, إن قتلت أنا يا رسول الله فإنما أنا رجل واحد أما إن قتلي أنت هلكت الأمة.وما فعله علي رضي الله عنه من البيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم نصرة , وأي نصرة. وإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذاته نصر,وقد تبرّع بنصف ماله نصرة للنبي والدين.وعثمان رضي الله عنه جهز معظم جيش العسرة من ماله الخاص. ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم . ) نال هذا الثناء لما نثر الدراهم في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخذ يقلبها بيده الشريفة. وكذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه آية في النصرة بالنفس والمال. حتى الصحابيات رضي الله عنهن كن قدمن حليهن نصرة للنبي عليه الصلاة والسلام وحملن السيف في ساحات الجهاد أمثال أم عمارة والربيع بنت معوّذ, والخنساء ألتي دفعت بأبنائها الأربعة إلى ميادين القتال ليزفوا شهداء إلى عالم الخلود.ونعلم كلنا أن أول شهيد في الإسلام امرأة , سمية بنت الخياط رضي الله عنها , وأول من ركب البحر نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها. هذه بوارق فقط من نصرة المؤمنين له في حياته عملياً وحركياً على أرض الواقع.وتتابع مواكب النصرة بزخم واستمرار عبر الأجيال والعصور ماضية نحو الكمال الأمثل.
أبعاد جديدة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم : وأمّا نصرة الرسول صلى الله عليه وسلّم في جانبها الفكري والسلوكي فإنّا نجدها بصورة مشرقة ماثلة في منهج صحبه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً.فمن ملامح النصرة الفكرية للنبي صلى الله عليه وسلم شهودهم مجالس العلم حيث حفظ القرآن الكريم في الصدور وظل هكذا طيلة حياة النبي المباركة عليه الصلاة والسلام على أن بعضهم كان يدوّن ما يسمع من القرآن خشية النسيان. كما أنهم كانوا يهرعون لتلقف الكلمات المضيئة التي يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بآذان صاغية ويعون ما يقول ويحفظونه بعناية وانطلقوا يروون حديث النبي صلوات الله عليه وسلامه ما بين مكثر ومقل ورعاً وخشية , أحوالهم ماثلة فيها معالم السير العطرة, سلوكهم الحركي والتعاملي في علاقاتهم الاجتماعية على تشعبها في البيوت والتجارات والأسواق والتوصل مع الآخرين كلها تحت شعار قرآني راق ( فاستقم كما أمرت ) . الصدق شعارهم والمروءة سمتهم, وخشية الله ملء قلوبهم , والكرم والجود والسخاء , العفة والطهر والنقاء , التعاون والإيثار ونصرة المظلوم فضائل راقية تمثلوها على وجهها الأتم . وهكذا يمضي موكب النصرة النبوية المظفر عبر الأجيال المتلاحقة في العصور التالية يرفع راية الدعوة للإسلام عقيدة وفكراً وسلوكاً علماً وعملاً.وعلى سبيل المثال فإن ما قام به محمد بن شهاب الزهري رحمه الله تعالى من تتبع الحديث النبوي من حفاظه وتدوين السنة الشريفة بأمر من الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وانطلاق حركة التدوين وظهور موسوعات الحديث الشريف ككتب الصحاح والمسانيد على أيدي أعلام الأئمة المشهود لهم بالصدق والعدالة والضبط والإتقان كالبخاري ومسلم وبقية أعلام الحديث لهو نصرة فكرية شكلت سبيلاً إلى نصرة سلوكية تطبيقية.
وقائع من نصرة الصحابة والتابعين : هنا نعرض شواهد واقعية من الثوابت التاريخية لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ندلل من خلالها على نصرة الأمة الإسلامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه : بلغ من شدة نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم , أن كان إماماً للمهاجرين من مكة إلى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء.وكان حجة في كتاب الله , حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتعلموا منه.لقد كان شعلة خير متوقدة نصرة لله ورسوله مما جعل الرسول صلوات الله عليه يقول له : ( الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك . ) .
2- العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وقف موقفاً رجولياً شجاعاً نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فكان صوته وحماسه من أروع مظاهر السكينة والاستبسال لما فاجأ المشركون المسلمين بهجوم خاطف وانفض المسلمون من حول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت معه إلا قلة منهم العباس رضي الله عنه.
3- أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها هي الأخرى أخذت مكاناً عالياً بين الرجال , لما رأت ذهول المسلمين وارتباكهم , ركبت جمل زوجها أبي طلحة وهرولت به نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما تحرك جنينها في بطنها خلعت بردها وشدت بها على بطنها في حزام وثيق , وانتهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجراً في يمينها ابتسم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أم سليم ؟ قالت: " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ..أقتل هؤلاء الّذين ينهزمون عنك , كما تقتل الّذين يقاتلونك , فإنهم لذلك أهل . " وازدادت السمة ألقاً على وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال لها : " إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم . "
4- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : "والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط , فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا . قالوا إنا نخشاهم عليك , إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال: دعوني فإن الله سيمنعني . فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى , وقريش في أنديتها , فقام عند المقام ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , الرحمن . علّم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان. الشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان ...فتأملوه قائلين :
ماذا يقول ابن أم عبد ؟ إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد...فقاموا إليه يضربون وجهه وهو ماض في تلاوته ثم عاد إلى أصحابه مصاباً في وجهه.
5- سعد بن الربيع رضي الله عنه تعايش من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يحقق معنى الأخوة كما أرادها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بسلوكه التميز الراقي . حيث عرض على أخيه عبد الرحمن بن عوف لما قدم المدينة أن يقاسمه ماله ويزوجه إحدى امرأتيه بعد أن يطلقها وتحل, لكن عبد الرحمن تعفف وانطلق يعمل بهمة المؤمن وبارك الله له في ماله , وأضحى من أغنياء الصحابة .
6- على بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه : قال مروان بن الحكم شهدت علياً وثمان بين مكة والمدينة وثمان ينهى عن المتعة,الجمع بين الحج والعمرة فلما رأى علي رضي الله عنه ذلك أهل بهما جميعاً , فقال لبيك بجح وعمرة معاً,فقال عثمان تراني أنهى الناس عن شيء وأنت تفعله ! فقال : ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس .
هذه ومضات خاطفة , بل شواهد رائعة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم فكراً وسلوكاً في جوانب منوعة من عالم الحياة,صدرت عن أعلام كبار من الصحابة رضي الله عنهم . ومع شواهد أخرى من عصر التابعين ومن بعدهم, نمضي في هذا الموضوع الهام والّذي أجزم أنه موضوع الساعة نظراً لما أفرزه الغرب من حقد تفور به القلوب على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ظهر على الملأ من خلال تلك الرسوم المسيئة لشخصه الكريم والتي رسمها صحفي دانمركي حاقد وقد سبقه آخرون من قبل من اليهود حيث ظهرت بعض الرسوم في إسرائيل .
ومضات من نصرة التابعين ومن بعدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- سعيد بن المسيّب رضي الله عنه : سيد أجلة التابعين ومن أولي النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم , وقد كان يفتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد : نهى عن بيعتين,وذلك بشأن الإمامة العامة للمسلمين,الإمارة.ووقف بصلابة وحزم عند هذا دونما مجاملة,ذلك في خلافة عبد الملك بن مروان حيث أراد الخليفة أن يأخذ البيعة لولديه الوليد وسليمان من بعده,وجامله الناس وبايعوا لهما,أما سعيد رضي الله عنه فأبى أن يبايع نصرة للحق الذي حمله ومن ثم للنبي صلى الله عليه وسلم.فسلك الخليفة مسلك الترغيب حيناً والترهيب حيناً ولم يجد ذلك, فأمر بجلده وسجنه وأخذ إلى ساحة العقاب وجلد بعد أن جرّد من ثيابه والدّم ينزف من ظهره,في هذا الظرف هرع واحد من العلماء وهو مكحول قائلاً : دعوة فإني أريد أن أسأله عن مسائل واقترب منه وأخذ يسأله ويجاوبه حتى فرغ من مسائله.ولما سمع الخليفة بجلده أنكر ذلك وعاقب من جلده.ومضى على موقفه الثابت ناصراً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- الإمام أحمد بن حنبل رحمه تعالى:لقد ثبت على الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لما ابتلي بمسألة القول بخلق القرآن التي تبناها المأمون وحمل عليها العلماء بالقوة والرهبة,ولم يثبت غير اثنين محمد بن نوح وأحمد ابن حنبل رحمهما الله تعالى,حتى حملا إلى المأمون في خراسان حيث توفي محمد بن نوح في الطريق,وأما أحمد فوصل وقد توفي المأمون, وولي الأمر أخوه المعتصم الذي سلك معه أسلوب الترغيب والترهيب.والسجن والتعذيب لكنه لا يزداد إلا صلابة في موقفه, هدد بالضرب ,الجلاد يضربه وهو يقول هاتوا آية أو حديثاً ,خلع كتفه وتمزق لحمه وسال منه الدّم وأشرف على الموت , لكن خاف الخليفة من ثورة الناس إذا مات فرفع عنه الضرب وسلمه لأهله ,كان يقال له : هي كلمة قلها وأنقذ نفسك . وهو يقول : هاتوا آية أو حديثاً. ولم يخرج من المجلس حتى سامح المعتصم وكل من شهد ضربه.وبقي مختفياً طوال مدة حكم المعتصم والواثق.وبقيت كتفه مخلوعة حتى مات رحمه الله تعالى.
هذين النموذجين فيهما كفاية لمن وعى وتأمل في نهج السلف الصالح ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.ثبات على المنهج النبوي,وتشبث عجيب بأهداب الحق
***نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في عصرنا الحاضر***: بالمطلق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته إلى يوم القيامة, لا تتحقق إلاّ بأمرين :
الأول : الاقتداء : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً . "
الثاني : الإتباع : " قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . "
وكل ما سبق وقلناه إنما هو امتداد لهذين الأمرين.فالنصرة بلا ريب مدارها وقطب رحاها على هاتين القاعدتين.وقد لمسنا دلائل ذلك ووقائعه من خلال الشواهد الحية التي سقنا لكم.لكن لابد أن ندرك بوضوح أن قافلة التطور تمضي بالناس,فتجد فيهم من له من النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أيامنا هذه نصيب وافر من الاقتداء والإتباع.ومنهم من له نصيب أدنى وهكذا...ولكن تجد من يدعي النصرة للمصطفى صلوات الله عليه وسلامه, وهو للصلاة تارك أو مقصّر,وآخر يفطر في رمضان جهرة , وغيره مانع للزكاة,ومن مات ولم يحج مع توفر الاستطاعة.ناهيك عمن عق والديه وآذى جاره وغش في تعامله.وأكل المال الحرام من ربا ورشوة وسرقة, وظلم أبناءه فأعطى هذا وحرم تلك.ومثل ذلك من كذب واغتاب ومشى بالنميمة وحسد وهجر وفار قلبه بالحقد والكراهية لمن حوله, أقول : أي نصرة عند هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ نعم هم من أهل النصرة , لكن نصرتهم مجرد عاطفة متأججة أضرارها التي تصيب الأمة أكثر من منافعها لكنها تسفر عن فائدة تصب في دعم الرأي العام على امتداد العالم الإسلامي.وهذا له أثر ربما يكون ذا فاعلية في الحد من أسباب بروز هذا المصطلح الذي ما غاب لحظة واحدة عن واقع الأمة حيث كانت نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تبسط سلطانها في كل مناحي الحياة الاجتماعية, متألق وهجها على الدوام,لكن ثمة دواع بل أسباب كادت أن تحجم مفهوم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في إطار محدد هو :
" المظاهرات التي تنطلق هنا أو هناك في بقاع العالم الإسلامي , وتسيطر عليها الفوضى والهياج حيث تخلّف آثاراً سلبية في مقدّمتها التخريب تكسيراً وتحطيماً لمنشآت أنفقت على بنائها أموال طائلة ونفقاتها من أموال المسلمين وثرواتهم . لقد أتى الهياج على سفارات ومنشآت لدول أجنبية كلّفت إعادة ترميمها نفقات ليست بقليلة.وحصلت اشتباكات من عدة أطراف أدت إلى سقوط قتلى وجرحى ."
*** ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا المنحى ليطفو على السطح ويغيّب المناحي الأخرى الأكثر نفعاً وأقرب تمثلاً لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
إنهما سببان : * الأول : الفاتيكان ممثلاً بهيئة التي يرأسها البابا بنديكتوس السادس عشر من خلال التصريحات التي تسيء للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم وآخرها ما صدر عن البابا من أن رسالة محمد تدعو إلى العنف وسفك الدماء بينما رسالة المسيح رسالة سلام ومحبة,هذا ما نشر على موقع فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على شبكة الانترنت وناقشه فضيلة الشيخ بعمق وروية مبيناً أن الإسلام هو دين سلام ومحبة وتواصل بين الأمم والشعوب,ودعا قداسة البابا لإعادة النظر في كلامه هذا حتى لا تقع الكنيسة في منزلق بث الفرقة بين الشعوب وهي تنحوا منحى التعايش السلمي الهادئ.


الثاني : ظهور الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم,والبداية تمثلت بدفاع دانيال بايبس الأمريكي عن امرأة إسرائيلية نشرت عام 1997 رسماً مهيناً للمسلمين يصور رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة خنزير يقف على القرآن,وقال بايبس يومها :" إن المرأة التي وضعت الملصقات كانت تمارس ما تعتبره الولايات المتحدة محمياً,وعلى حكومتنا أن تدافع عن حق نشر مواد مكتوبة بشكل سلمي مهما كانت تستاء من مضمونها . "
فليمنغ روز: طلب من أربعين رسّاماً أن يرسموا صوراً مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم,ليس على علاقة مع بايبس فقط بل هو يحمل أفكار بايبس , وقد نشر مقالاً في جريدته ( جيلاند – بوستن ) بتاريخ 29/ 4/ 2004 م امتدح فيها بايبس, وأقرّ أنه زار بايبس في منتدى الشرق الأوسط في بنسلفانيا , غير معروف العنوان ولا لافتة له تدل عليه فلا يمكن الوصول إليه إلاّ بناء على دعوة مسبقة.وقال روز مادحاً : إن بايبس معتدل وطالما حذر من المسلمين وتبنى فكرة طرد المسلمين من أوربة الذين سيشكلون الغالبية في غضون عقود وقال فيلمنغ روز :" إن بايبس مستغرب من عدم تنبه أوربة للخطر الذي يمثله المسلمون مع الأخذ بالاعتبار انخفاض معدل الولادات عند الأوربيين ..المسلمون القادمون من بلدانهم إلى أوربة لديهم طموح ثقافي أكبر مما لدى الأوربيين هذا يحيرني كأمريكي ".
إن ما جرى جزء من مهمة وليس مجرد سوء تقدير, وإلا لبادروا بالاعتذار فوراً وبدلاً من ذلك أثيرت قضية المهاجرين,وبالرغم مت تمسك فيلمنغ روز بحرية التعبير ( حرية الشتيمة والتحدي ) فإنه قال : " لن أنشر رسماً لآرييل شارون يخنق طفلاً فلسطينياً . " على الرغم من تمسكه بأنه لا حدود لحرية التعبير.
واستمرت موجة الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان آخرها ما رسمه الصحفي الدانمركي من رسوم أثارت هياجاً غير مسبوق على امتداد العالم بين أبناء الأمة العربية والإسلامية, خلّف من الآثار ما خلّف.
ما هو المنهج الواجب اعتماده لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم فكراً وسلوكاً ؟
هذا المنهج رسمه لنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه المبين وبينه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الستة المطهرة . وينهض قوام هذا النهج على قواعد ثلاث :
الأولى : الإتباع .. الثانية : الاقتداء ..الثالثة : الحب الخالص المبرأ من كل شائبة. أما الأولى والثالثة ففيهما قوله تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وأما الثانية ففيها قوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ..." وأما السنة المطهرة فقد جاء فيها ما يؤكد ذلك في أحاديث صحيحة ومن ذلك :
قوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ."
وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار . " تلك هي أصول المنهج الّذي وضعه الله ورسوله وأوجبا علينا العمل به . إذاً كيف نطبق المنهج ؟
أمثل طريقة لتطبيق المنهج : التدرّج على حلقات : - ابدأ بنفسك واحفظ ولو حديثين أو ثلاثة كل أسبوع واعمل بها فيما يتعلق بمجريات حياتك اليومية آداب الطعام والشراب واللباس وقضاء الحاجة والتلاقي مع الناس والفضائل الأخلاقية كالصدق والوفاء والمروءة.. والاستغفار ..وكذلك فيما ورد في عملك من أحاديث أياً كنت تاجراً أو معلماً أو مزارعاً أو عاملاً أو موظفاً.
- انتقل إلى زوجتك وأبنائك وعلمهم ما حفظت,وحضهم على امتثاله فخير أب من علم عياله ما يصلح أمرهم .
-ومن ثم أصحابك وجيرانك ومن تلقاهم في أماكن وجودك أينما كنت حتى في موقع عملك,في وسائط النقل عندما تسافر إلى بلد ما علم من يرافقك في سفرك ولو حديثاً واحداً يحفظه ويعمل به .
- عندما ترى من يرتكب معصية ذكره بحديث تحفظه , لعلك ترى من يقدم على الغش فقل له : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من غش فليس منا ) أو ترى من يتكلم بفاحش الكلام فقل له ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولابذيء) وليكن هذا دأبك برفق ولين وبسرية ما أمكن فذلك أحفظ لمشاعر الآخرين .
- احرص على النوافل التي كان يواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم : السنن الراتبة مع الصلوات الخمس,وسنن الوضوء وتحية المسجد والضحى وركعتي الشكر والتوبة والتهجد وقيام الليل.ونوافل الصوم كست من شوال عقب رمضان أو الأيام البيض من كل شهر أو الاثنين والخميس. ولا تنس الصدقة عندما تلوح لك فرصة .
- تول النصح لكل مسلم وأحب لإخوانك ما تحب لنفسك من الخير ولا تسلك طريقاً تجلب لهم ضرراً أو أذى .

وتذكّر أن حب الله عز وجل وحب النبي صلى الله عليه وسلم هو روح ذلك كله , وخير عون لك على تطبيق المنهج الذي تعين المضي عليه لنكون ممن يرقون إلى شرف نصرة النبي صلى الله عليه وسلم فكراً وسلوكاً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

[ريمه الخاني]

أبعاد جديدة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم : وأمّا نصرة الرسول صلى الله عليه وسلّم في جانبها الفكري والسلوكي فإنّا نجدها بصورة مشرقة ماثلة في منهج صحبه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً.فمن ملامح النصرة الفكرية للنبي صلى الله عليه وسلم شهودهم مجالس العلم حيث حفظ القرآن الكريم في الصدور وظل هكذا طيلة حياة النبي المباركة عليه الصلاة والسلام على أن بعضهم كان يدوّن ما يسمع من القرآن خشية النسيان. كما أنهم كانوا يهرعون لتلقف الكلمات المضيئة التي يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بآذان صاغية ويعون ما يقول ويحفظونه بعناية وانطلقوا يروون حديث النبي صلوات الله عليه وسلامه ما بين مكثر ومقل ورعاً وخشية , أحوالهم ماثلة فيها معالم السير العطرة, سلوكهم الحركي والتعاملي في علاقاتهم الاجتماعية على تشعبها في البيوت والتجارات والأسواق والتوصل مع الآخرين كلها تحت شعار قرآني راق ( فاستقم كما أمرت ) . الصدق شعارهم والمروءة سمتهم, وخشية الله ملء قلوبهم , والكرم والجود والسخاء , العفة والطهر والنقاء , التعاون والإيثار ونصرة المظلوم فضائل راقية تمثلوها على وجهها الأتم . وهكذا يمضي موكب النصرة النبوية المظفر عبر الأجيال المتلاحقة في العصور التالية يرفع راية الدعوة للإسلام عقيدة وفكراً وسلوكاً علماً وعملاً.وعلى سبيل المثال فإن ما قام به محمد بن شهاب الزهري رحمه الله تعالى من تتبع الحديث النبوي من حفاظه وتدوين السنة الشريفة بأمر من الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وانطلاق حركة التدوين وظهور موسوعات الحديث الشريف ككتب الصحاح والمسانيد على أيدي أعلام الأئمة المشهود لهم بالصدق والعدالة والضبط والإتقان كالبخاري ومسلم وبقية أعلام الحديث لهو نصرة فكرية شكلت سبيلاً إلى نصرة سلوكية تطبيقية.

هناك فكرة ربما خفت عن بعضهم وهي مامن احد خاول ان يعاكس تيار النبوة إلا وحاول معرفة الاسلام عن قرب ومعضم هؤلاء دخلوا الاسلام من ابوابه العريضة فما ذا يعني هذا؟
نموذج الصحابة الذي لو طبقناه او بحثنا مماثلا له لا ولن نجد وربما نوادر ..
ماذا تعني تلك النقطتين؟
يا جلتنا من تقصيرنا حقيقة في الدعوة وفي السلوك
تحيتي وتقديري

[أسعد الأطرش]

- بسم الله الرحمن الرحيم -
السيدة الفاضلة أم فراس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,ردّ راق أفخر به وقد دل على قراءة واعية للموضوع يتفهم وعمق وقد جاء سؤالك في العمق أيضاً .إن أؤلئك الذين اداروا ظهورهم للنبوة وعاكسوا مفاهيمها ثم دخلوا الإسلام وامتثلوه قولاً وعملاً هؤلاء أنما فعلوا ذلك بعد دراسات معمقة للأديان والفسلفات وعقدوا مقارنات دقيقة رائدهم فيها العقل الواعي مما قادهم للاعتقاد أن الإسلام هو الدين الحق ونبيه صلى الله عليه وسلم جاء بالحق. ذلك هو معنى ما سألت عنه , لك أعطر التحية واسمى التقدير . جزاك الله خيراً