القدس... مضمون التضامن ومعركة السُطوح

بقلم الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
سجن أوهلي كيدار – بئر السبع
3-5-2010

تواجه القدس اليوم بصدرها العاري إلا من سكانها المخلصين أشرس هجمة إستيطانية تهويدية منذ وقوعها في قبضة الإحتلال الصهيوني، وتتسارع العمليات الكولينيالية الإحلالية في كل أحيائها بشكل طردي مع تزايد الصمت العربي والدولي إزاء ما تتعرض له المدينة المقدسة من إعتداءات يومية تشوه معالمها الجغرافية التاريخية، والديمغرافية الأصيلة، فقد باتت المؤسسات الإسرائيلية بكافة فروعها تدرك وهي مطمئنة أن هذا الصمت لاينكسر إلا خجلاً بإصدرا بعض بيانات الشجب والإستنكار التي لا تُغير من الواقع شيئاً، وعلى الصعيد السياسي يمكن لإسرائيل ان تحتملها خاصة وأنها لاتكلفها أدنى ثمن يذكر.

ولكي لا نبقى نكرر كلاماً محجوجاً في هذا الشأن، ونصل إلى وضع نطلب فيه أثراً بعد عين إذا ما استمر الحال كما هو عليه، يجب علينا أن نغادر مرحلة التخطيط والأمنيات التي تمثل إلا العجز والقنوط، ونقتحم فوراً ودونما تأجيل مرحلة المبادرة والتنفيذ، وفي هذه الأثناء من المفترض أن نكون مستعدين لدفع الثمن، كلُ حسب طاقته وإمكانياته. والإنتصار للقدس في هذه المعركة لايمكن أن يتبلورإلا إذا كان طليعته المقدسيون أنفسهم، وتساندهم في ذلك كل قوى الشعب وفعالياته، وعلى كافة التيارات الوطنية والإسلامية المقدسية أن تنفض عن كاهلها غبار التواكل والإنتظار، وتتقدم الصفوف ببرامج نضالية وكفاحية ترتقي إلى مستوى الخطر المحدق بعاصمة دولتنا العتيدة وتتوائم مع ظروف المقدسيين واوضاعهم، وفي ذات الوقت على السلطة الوطنية الفلسطينية أن ترعى وتتكلف سياسياً ومالياً وقانونياً كل إفرازات ونتائج هذه المواجهة على المستويين الفردي والجماعي.

وقبل الولوج إلى ساحة الصدام على المجتمع المقدسي أن يتوحد في القضاء على بعض الظواهر والآفات السياسية والإجتماعية التي تعترض طريقه، ويقف على راسها في بعض الأحيان قلة من المرتزقة أو الجهلة الذي حملتهم الصدفة إلى تولي بعض المسؤوليات، وقادتهم عقلياتهم الموتورة إلى إساءة إستعمالها، والإنجرار وراء التصنيفات الإسرائيلية وإعتبار أن المقدسيين هم فقط من يحملون بطاقات الهوية الزرقاء، وبالتالي التخلي عن نصف سكان محافظة القدس تقريباً والبالغ تعدادها قرابة أل (470) ألف نسمة، حيث تعد ثاني أكبر المحافظات الفلسطينية بعد محافظة الخليل، وسواءً أكانوا مدركين أو غير مدركين لمثل هذه الخطوات التي تساهم في زرع بذور الشرذمة والإحباط، وتقود إلى إطفاء جذوة التضحية في صفوف الجماهير يجب التصدي لها وطنياً ووضع حد لمهاتراتهم، هذا الكلام لا يعني عدم مضاعفة الإهتمام على كل المستويات بالمواطنين حملة الهوية الزرقاء في الجوانب الخاصة بهم حيث اصبحوا بفعل الأمر الواقع وفق معادلة الصراع يشكلون جزءاً أساسياً من أجزاء هذه المعركة، ومن أولويات العمل الوطني دعم صمودهم بأوسع أشكال الدعم وتعزيز وجودهم على كل شبر أرض بما لايلغي الحق المعنوي والوطني على الأقل للآخرين في مدينتهم وهذا سياسياً، أما إجتماعياً فكل الجهود يجب أن تنصب وتتكاتف لوأد إنتشار آفة المخدرات التي بدأت تنهش بالجسد المقدسي الشاب وبرعاية الجهات الأمنية الإسرائيلية، وعلى المؤسسات المتخصصة في هذا المجال أن توسع من نطاق نشاطاتها لتغطي كل أرجاء المحافظة، وعلى الجهات الرسمية والمسؤولة أن توفر كل قنوات الدعم والإسناد لهذه المؤسسات حتى تتمكن من تأدية واجباتها، في الوقت الذي ندعو في كافة المؤسسات التعليمية إلى أخذ دورها في رفع مستوى التوعية والتثقيف المجتمعي حول مضار ومصائب هذه الآفة والقيام ببرامج ونشاطات ممنهجة تبدأ في الصفوف الإبتدائية في تحصين الإنسان وتنتهي بالدخول إلى كل بيت الذي يجب أن تقرع فيه أجراس القلق حتى لا يستهتر أحد بحجم هذه المشكلة ويعتقد أن الحديث عنها ولو لوهلة خاضع للتأثر بنظرية المؤامرة، فكل المؤشرات الميدانية الواردة من الجهات ذات الإختصاص تنذر بعواقب وخيمة على المجتمع والأسره إن لم نتدارك المساندة باسرع وقت ممكن.

وبما أن عشرات الآلاف من المقدسيين حملة الهوية الزراقاء باتوا مهددين بفقدان حق إقامتهم في داخل حدود المدينة التي رسمها جدار الفصل العنصري لأنهم يقطنون خارجه، نجد أن تعامل الإحتلال الإسرائيلي مع التواجد السكاني الفلسطيني داخل المدينة أصبح هدفاً مركزياً من أهدافه، كما أنه يسعى من خلال هذه الهجمة إلى تغيير معالم القدس الجغرافية والسكانية والتاريخية والحضارية، ويحاول جاهداً أن يخدع الرأي العام العالمي ويوهمه بأنه لايمارس فيها وضد أهلها إلا إجراءات قانونية.

وحتى نحمي يبوس الهوية والإنسان، ونمنع أنفسنا من تسيد الشعور داخلها بتحطم قيم التضامن الوطني والإنساني، فعلى كل المجتمع المقدسي أن تتظافر جهوده كمقدمة اساسية على طريق تمتين أسباب الصمود في ظل أزمة السكن التي تختنق بها المدينة حالياً بالنظر إلى عدم السماح لمواطنيها بالبناء، الأمر الذي قذف كرهاً بجمهرة كبيرة منهم إلى العيش خارج حدود ما يسمى ببلدية القدس، وأمسوا مطاردين بقرارات التهجير القسري التي تلاحقهم بسبب فقدان الماوى، ولنتمكن من تفويت الفرصة على الإحتلال، نستطيع أن نتبع الإجراءات الإحترازية التالية:
أولاً: يمكننا الإستعانة بنصب آلاف الخيام على سطوح المنازل والبنايات في القدس لإستيعاب أكبر عدد ممكن من العائلات المقدسية المهددة بفقدان هويتها، وهناك أنواع جيدة من الخيام التي تصلح للسكن في المناخين الصيفي والشتوي، وعلى السلطة الوطنية وصندوق القدس توفير هذه المعدات لمن يستعد بتقديم سطح منزله لعائلة مقدسية، وبهذه الطريقة نتمكن من إعادة أبناء المدينة إلى أحضانها ونمنع سلطات الإحتلال من تهجيرهم أو أن تقدم على هدم هذه الخيام حيث أنها لاتخالف قانونهم المزعوم. وبالتالي نصنع نموذجا نضالياً متميزاً مبني على أرضية التكافل نخاطب من خلاله العالم، وهنا أدعو ابناء بلدتنا الحبيبة في جبل المكبر إلى الشروع بتطبيق هذه المبادرة وتشكيل لجنة محلية فرعية لدراسة خطة التنفيذ.
ثانياً: على أصحاب العقارات في القدس مراعاة هذه الظروف السياسية والإقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعيشها العائلات المقدسية والإعلان عن تخفيض الإيجارات إلى مستويات معقولة تتوافق ومدخولات المواطنين بدلاً من تلك المبالغ الخيالية المطلوبة والتي وإن كانت تدر أرباحاً مالية على الأفراد مؤقتاً، إلا أنها تؤذي القدس على المدى البعيد.

ثالثاً: على الأوقاف الإسلامية والمسيحية في المدينة، ووفق شروط وإجراءات قانونية معينة أن تفتح أبواب كافةالعقارات السكنية التي تمتلكها وأسكان المواطنين فيها وعدم الإنتظار حتى تقع الكارثة ونبدأ لحظتها بالبحث عن حلول، لأنه من الواضح أن الإحتلال موغل في تطبيق مخططاته.

رابعاً: حان الوقت بأن لايبقى موضوع القدس مجرد شعار جميل يرفع كلما دعت المناسبة احتقالية إلى ذلك، فها هي مؤسسات القدس الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والمدنية بشكل عام تتهاوى الواحدة تلو الأخرى ولا تجد من ينتشلها من أزمتها التي هي في أغلب الأحيان "أزمة مالية". فمن لايقدر على توفير المال لحماية القدس، وصبه من خلال القنوات الأمنية عليه وعلى المدينة المقدسة لن يقدر على تحرير شبر واحد من ترابها العزيز، فلو رصدت النفقات التي تصرف على المؤتمرات الدولية في العالمين –العربي والإسلامي- بهدف دعم القدس، أقول :لو رصدت هذه الأموال مثلاً لمواجهة الإستيطان في زهرة المدائن لتمكنا على الأقل الحد منه وإعاقته.

خامساً: كيف سيقرأ المواطن المقدسي التقصير السياسي القائم بحق اسراه؟ فبدلاً من أن تشجعه الرعاية السياسية والإنسانية على الإستمرار في المقاومة والإستعداد للتضحية، يجبره العجز الرسمي والوطني على العزوف عن النضال في إطار الجماعة السياسية المنظمة، ويحصره في زاوية المبادرة الفردية في أفضل الحالات، وخلافاً لتفجير الطاقات الوطنية الكامنة في المجتمع، يساهم هذا الإهمال في دفنها، لذلك على القيادة السياسية أن تصر على أن يتضمن أي إفراج قادم عن الأسرى عدداً لابأس به من الأسرى المقدسيين حملة الهوية الزرقاء، للخروج من أزمة الإحباط هذه، نرجو من الكل الوطني الإلتفاف حول الحالة النضالية المميزة التي يقودها المناضل المقدسي (حاتم عبدالقادر) وإعتباره عنواناً جامعاً لما يمتاز به الرجل من تاريخ مشرف ومصداقية وطنية وتفاني في سبيل القدس.

سادساً: لجنة المتابعة العربية، وصندوق القدس، يقع على عاتقيهما حشد كل وسائل الدعم السياسية والمادية اللازمة وتجنديها في تنفيذ مشروع "الخيمة المقدسية"، وذلك من خلال إنشاء صندوق وطني مقدسي يكون قادر على تلبية إحتياجات المحافظة والسكان، وهذا الصندوق يخضع بشكل مباشر لمفوضية القدس في اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف ويتناغم مع المبادرة التي أطلقها مؤخراً الأخ أحمد قريع والداعية إلى توحيد جهود كافة المؤسسات الناشطة في مجال العمل المقدسي في إطار واحد، ولكي أكون أكثر عملية أقترح أن يتكون مجلس إدارته من الشخصيات الوطنية والمقدسية التالية (حاتم عبدالقار، عبداللطيف غيث، هاني العيساوي، فضيلة الشيخ محمد حسين، نيافة المطران الأب عطاالله حنا، الأخت النائب جهاد أبوزنيد، الأخت رنا النشاشيبي، سعيد يقين، جمال لافي، عبدالحليم عياد). ولاأعتقد بأن هناك من يعارضني في الحركة الأسيرة إذا ما تجرأت وقلت بأن يبدأ رأسمال هذا الصندوق بتبرع راتب شهر كامل من كافة اسرى فصائل منظمة التحرير إلى جانب أجرة يوم عمل واحد يخصم على كافة موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية.

سابعاً: إن قيامنا بمسؤولياتنا تجاه القدس، يعني دعوتنا للمجتمعين العربي والدولي القيام بواجبهما والوقوف أمام تعهداتهما السياسية والإقتصادية لحماية مدينتنا من وحش التهويد والأسر له.

وها نحن معشر الأسرى، نرقب من عتمة زنزانتنا عبر وسائل الإعلام المتاحة لنا، وحشرجة الألم والدمع يخنقان صدورنا مما يدور على أرضنا الحبيبة من كارثة داخلية أخلاقية، تصادر منا حصانة الوحدة الوطنية التي شيدناها بدماء الشهداء المجبولة بتراب الوطن، وتشوه صور نضالنا الحضارية المشرفة وتوصد في وجه شعبنا أبواب المستقبل القائمة على الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية في دولة فلسطينية مستقلة نتوق إليها جميعاً، وفي هذا الوقت الحرج بالذات لانمتلك إلا سلاح الصراخ، نستصرخ الإخلاص الوطني في كل ضمير من ضمائر شعبنا الفلسطيني المعطاء على إختلاف شرائحهم الإجتماعية، وولاءاتهم الدينية وإنتماءاتهم السياسية، بأن الواجب الديني والوطني والإنساني، يدعوهم جميعاً رحمة بنا وبقضيتنا الوطنية العادلة، وتخفيضاً من معاناة شعبنا الصابر المرابط بأننا كلنا مطالبون إذا لم نستطع أن نزيد من اسباب الوحدة، فعلينا أن نقلل من اسباب الشقاق، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بالعودة عن نتائج الإنقلاب الأسود والتوقيع على ورقة المصالحة المصرية، أما المفاوض الفلسطيني فنقول له: إن أي إنجاز آخر مع تأجيل موضوع القدس أو التراخي فيه لايعدو عن كونه خدعة، فالقدس هي بمثابة القلب للجسم، بدونها يعني إغتيال القضية.