وتنازل السمك عن الوليمة!!
"قصة واقعية"

وبريشة فنان متمرس كان يقوم بطلاء الجدار في منزل خيري بك وقد ارتفع قميصه دون أن يشعر فكشف عن ظهره المتآكل، ظهره الذي فيه من التضاريس العجب العجاب مع تباخل الجلد في كساء أسفل الظهر فبرز العظم واضحا للعيان. نظر إليه صاحب الدار متعجبا مندهشا، وبعد أن انتهى من عمله قال له:
أريد أن أسألك سؤالا ولكنني خجل منك ولا أعرف كيف أبدأّ
قال له الدهان: لقد عرفت سؤالك، يبدو أنك شاهدت ظهري.
قال نعم:
إن قصتي طويلة وعجيبة ولكن قبل أن أبدأ حديثي أريد فنجانا كبيرا من الشاي الساخن، من بعد إذنك.
قال خيري بك: حاضر.
رشف الدهان رشفة ثم تنهد وقال:
كلما أذكر ما حدث لي وقتئذ أشعر بالخدر يسري في أوصالي....ثم رفع ناظريه إلى سقف الغرفة وتابع:
قررت أن أهاجر وأهجر البلد إلى غير رجعة, ركبنا الباخرة بصحبة عشرين نفرا بنيّة الهجرة غير الشرعية ‘يعني تهريب‘ ودفعنا كل ما توفر لدينا من المال الذي جمعناه من الأهل والأصدقاء ومما ادخرناه وعند وصولنا إلى نقطة معينة قال الربان " هيا إلى البحر" وانتقلنا إلى زورق حُشرنا فيه حشرا ومعظمنا لا يجيد السباحة، وكان حب المغامرة والمستقبل الموعود يشجعنا ولو أننا نعترف في قرارة أنفسنا بأننا ماضون إلى المجهول وقبل أن ندخل المياه الإقليمية هبت عاصفة قلبت المركب وتكسرت ألواحه وغرق من غرق، وكل واحد ”اللهم إني أسألك نفسي" وما أذكره أنني تمسكت بلوح من الخشب وفقدت الوعي ثم استيقظت على السمك الذي بدأ يقفز على جسدي وينهشني وكلما سال دمي كلما تكاثر عدد السمك المتهافت عليّ ومرة أخرى فقدت الوعي ولم أدر ما حدث لي وأخيرا تم العثور على جيفتي مرمية على الشاطئ.

كم لبثت ممسكا بلوح الخشب طافيا على سطح البحر لست أدري، كيف توقف السمك عن نهش جسدي إلى أن قذفتني الأمواج على الشاطئ لست أدري، كيف تخلى ملاك الموت عن قبضي في آخر لحظة لست أدري، لقد بقيت في غيبوبة طويلة، وعندما استيقظت وجدت نفسي على سرير في مستشفى.
سألت الأطباء فقالوا لي:
لقد أحضروك وأنت فاقد الوعي ولبثت عندنا عشرة أيام ولم يسأل عنك أحد وأجرينا لك عدة عمليات ولم نستطع ترميم الجزء السفلي من الظهر لأن السمك قد أكل الجلد واللحم فبقي العظم مكشوفا، ثم استأنف أحد الأطباء ضاحكا: إنك ولله الحمد رجل محظوظ لأن سمك القرش رفض ,,بل لم يتنازل أن يأكل ما تبقى منك أو أن لحمك مر، الله أعلم!!

الآن وقد استيقظت سيأتي المحقق ليسألك عن سر قصتك. جاء المحقق واستجوبني فأخبرته بحقيقة ما حدث لي، وقامت السلطات المختصة بتهيئة الإجراءات اللازمة لتسفيري وعدت إلى بلدي، بلدي الذي استقبلني وقد أنكرته وأهلي الذين أظهروا لي من الحب والحنان الشيء الكثير وقد تركتهم مما جعلني أخجل من نفسي. وهاأنا ذا أعمل دهانا وأكسب مالا حلالا ولن أترك بلدي ما حييت.
كتبتها سنا الخاني