الحياة اللغوية
في إيران قبل الإسلام
الفصل الأول
الـلغة الـمادية
ضياء الدين ظاظا

ينتسب شعبها إلى القبائل طوائف آرية يحتمل قدومهم إلى شمال إيران عن طريق القوقاز في الآلاف الأولى قبل الميلاد ،وسمنوا المناطق الواقعة جنوب أذربيجان ونواحي همدان ،وذكر هيرودوت ست طوائف تشّكل منها الشعب المادي ،هم : البوس ، الباراتكن ، ستروخات ، آريستات ، بوديان والمغ ، وكانت كل هذه الطوائف لها حياتها الاجتماعية والسياسية المستقلة ،ثم أسسوا دولة حكمت جزء من إيران في الفترة ما بين أواخر القرن السابع ومنتصف القرن السادس قبل الميلاد .
ويبدأ تاريخ ايران الفعلي بدولة ماد ،تلك الدولة التي خلف الأكمينيون ،وكانت عاصمتها " اكباتانا " ( همدان الحالية ) التي ذكرتها النقوش الفارسية القديمة باسم " هكمتانة " ،ويذكر المستشرق الإنكليزي إدوارد بروان :" أن رقعة هذه الدولة كانت تحدها من الطرف الشمالي جبال آذربيجان التي كانت تسمى قديماً " آتروباتن"( Atropatene ) ومن الجنوب شوش وخوزستان ،ومن الشرق جبال زاجروس ممتدة حتى طهران وأصفهان وقسم من مازندان ،أي ما يعرف حديثاً المنطقة التي تشمل بلاد كردستان ولورستان والجزء الشمالي من خوزستان ، والجزء الغربي من العراق العجمي وجنوب آذربيجان .
وتمكن ديوكوس من تاسيس دولة ماد في سنة 701 أو 708 ق.م واستمرت مائة وخمسين عاماً وقضى عليها كورش الكبير في سنة 550 ق.م وذكر هيرودت ملوك الدولة المادية الأربعة ، وهم :
1_ ديوكس حكم من 708 حتى 655 ق.م
2_فرورتيس حكم من 655 حتى 633 ق.م
3_هو وخشتر حكم من 633 حتى 585 ق.م
4_آستاجس حكم من 585 حتى 550 ق.م
وطبقاً لما ذكره هيرودوت فإن دولة ماد تعد أول دولة آرية حكمت في إيران ،كما تذكر المصادر الأكمينية أن الدولة المادية في عصر " هووخشتر " ثالث الملوك الماديين كانت قوية ومستقرة ،وهذا يعني أن دولة آشور وبابل أصبحت ضعيفة ،وأن هذا الملك المادي فرض سيطرته على أرمينيا وآسيا الصغرى حتى نهر هاليس ،وأن بلاد عيلام وفارس وهيركانى
(جرجان ) وطبرستان وباكترى ( بلخ ) قدمت فروض الطاعة للدولة المادية ،كما أجادت الحكومةو المادية إرسال قواعد أصول إدارة الطوائف المتحدة وعرفت فنون القتال الحديثة ،وقد أعجب كورش الكبير مؤسس الدولة الأكمينية بمدينة همدان عاصمة الدولة المادية ،واتخذها مركز دولته ،كما اقتبس كثيراً من آداب ورسوم وطراز ملابس الماديين .
التحليل اللغوي لكلمة " ماد " :
وردت كلمة " ماد " في الفارسية القديمة Mada وفي اللغة العيلادية " ماتابه " Mata_pe ،وفي اللغة الآشورية " مادي " و " وماتاي " Matai وفي اللغة الأرمنية القديمة " مار _ ك " Mar_k ،وفي اللغة العبرية القديمة Matai وفي اللغة اليونانية القديمة " ميديو " MedoiK ، وفي اللغة البارتية ( البهلوية الأشكانية ) وما بعدها "ماي" و " ماه ".
ورد في التوراة ذكر لدولة ماد في سفر أرميا ،الأصحاح الخامس والعشرين ،الفقرة 35 ،وأيضاً في سفر دانيال في كل من الأصحاح الخامس ،الفقرة 31، والأصحاح السادس ، والفقرة 12، والأصحاح الحادي عشر ،الفقرة الأولى .
أما في المصادر اليونانية القديمة ففيها ذكر لدولة ماد وشعبها بوفرة ووضوح ،خاصة هيرودوت ،وكتزياس ، وقد ذكر هيرودوت أن شعب ماد كان يتبع الدولة الآشورية ،وانه استقل في سنة 700ق.م بعد 520 عاماً من ارتباطهم بالدولة الآشورية ، وأن ديوكس Diocus ( 708_ 655ق.م ) جلس على عرش ماد بعد انفصالها عن الدولة الآشورية بسنة واحدة أو سنتين ،وذكر هيرودوت الملوك الأربعة الذين تربعوا على العرش المادي ،وكان أولهم ديوكوس ،كما ذكر في أخبار الملك كياجزارس Kyaxares ،واسمه في اللغة المادية " وهووخشتر " الذي اعتلى على العرش المادي سنة 625 ق.م أنه شن حملة على مملكة بابل في سنة 607 ق.م وحطّم مدينة نينوى عامة البابليين ،وأن آخر ملوكهم "آستياجس " Astyages ( 584_ 550 ق.م ) قد تغلّب عليه كورش الأكميني وهزمه في سنة 550 ق.م وانتهت بذلك دولة ماد ، وانتقل الحكم من أكباتانا إلى فارس في جنوب غرب إيران .
وترجع أهمية الدولة المادية في تاريخ الشرق القديم إلى أنها أول دولة كبيرة تشكلت في إيران من أصل آريائي ،وأنهت سيطرة العنصر السامي بقضائها على دولة آشور التي استمرت 1200 سنة، كما كانت سبب في تأسيس دولة آرية كبيرة عي الدولة الآكمينة ،حتى أن كثيراً من المؤلفين والباحثين يشيرون إلى أن الدولة الأكمينية هي استمرار لدولة ماد .
اللغة المادية:
وبعد هذا العرض التاريخي الموجز لدولة ماد
الإيراني محمد تقي بهار – ملك الشعراء إلى أن جاتات زرادشت ،التي هي أقدم نماذج اللغة الإيرانية القديمة مدّونة باللغة المادية ،وأن التي كانت متداولة في عصر الدولة المادية هي لغة من أصل " هندي_ إيراني " وقريبة الشبه باللغة الفارسية القديمة ،وأن الفرق بين اللغتين يرجع إلى طبيعة الأقليم المتداولة فيه ،فاللغة المادية هي لغة المنطقة الشمالية الغربية (آذربيجان ) والتي كانت قديماً تسمى ( أتروباتن ) واتخذوا اكباتانا ( همدان ) عاصمة لهم وكانت قديماً تسمى ( هكمتانه) أما الفارسية القديمة فهي لهجة إقليم فارس ( بارس ) موطن الأكمينين ،وكانت عاصمتهم في باسارجاد وبرسيوليس ،ولا شك أن الفرق بين اللهجتين كان كبيراً في ذلك الوقت ولا يزال ،وقد وجددت بعض الكلمات الرسمية والإدارية المادية ضمن نقوش دارا الكبير المدونّة باللغة الفارسية القديمة .
مراجع الفصل الأول
اللغة المادية
1_ إدوارد جـ . بروان :تاريخ ادبي إيران ،الجزء الأول ،ترجمة علي باشا صالح ،الطبعة الثانية ،نشر مكتبة ( ابن سينا ،طهران 1335 هش .، ص 21.
2_أبو ريحان البيروني،كتاب الجماهير إلى معرفة الجواهر،طبع حيدر آباد الدكن،ص 21 .
3_ حسن بيرنيا _ مشير الدولة ،إيران باستان ،الجزء الأول وعنوانه تاريخ مشرق قديم ، نشر مكتبة ابن سينا ،طهران ،1344 هش ، ص207 .
4_دياكوف ،تاريخ ماد ،ترجمة كريم كشاورز ، طهران ،1345 هش ، ص 741،حاشية 13.
………………………………………………………..

الفصل الثاني
اللغة الأفستائية
ويذكر العلامة "أندرياس " Andereas أن كلمة " أوستا " الفارسية ( ونطقها العربية الأفستا ) ،وكلمة " أوبستاك " البهلوية مشتقتان من كلمة " اوبستا " بمعنى الأساس والمصدر والبنيان المحكم ،وأنها وردت في اللغة الأرمنية على شكل " آبستن " بمعنى الاعتماد ،أما العالم الهندي الزرادشتي "دالا " Dhalla فيرى أن أصل كلمة " اوستا " مشتق من المصدر " ويد " بمعنى المعرفة .
وتعتبر اللغة الافستائية إحدى اللغتين الباقيتين من اللغات الإيرانية القديمة ،ولها خط خاص بها يسمى الخط الأفستائي ،يكتب من اليمين إلى اليسار ،ومن ناحية قواعد اللغة فإنها تنقسم إلى لهجتين ،اللهجة التي كتب بها زرادشت الجاثات ، ،واللهجة الأخرى كتببها بقية أقسام الأفستا ،ويسمون اللهجة الأولى " بلهجة الجاثات " أو اللهجة القديمة ،واللهجة الثانية يسمونها "اللهجة الجديدة" ،ولم تصل اللغة الأفستائية بشكليها السابق ذكرهما ،بل كانت محفوظة في صدور رجال الدين ،أو مدونة على الورق والجلد ،وأن الذي وصل منهما قليل جداً ،حتى لم يبق منها سوى 83.000 كلمة أفستائية خالصة في كتاب الأفستا المشتمل على 345700 كلمة ،وقد وصلت إلينا بخطها الأصلي القديم وبنفس الترتيب والتراكيب القديمة في الكتاب الديني الإيراني .
وقد توصل العالم الأمريكي الأستاذ وليم جاكسون ProfessorA.v.WILLIAM JACSON
إلى نتائج عن اللغة الأفستائية بعد إجراء أبحاث عن زرادشت وديانته نجملها فيما يلي :
1_أن زرادشت شخصية تاريخية ،وأنه من طائفة المغ ،إحدى طوائف الماديين الستة ،الذين يسمون بالمجوس .
2_أنه عاش تقريباً في أواسط القرن السابع قبل الميلاد ،أي قبل ظهور الماديين ،وتوفي سنة 583 ق.م ،وله من العمر 77 عاماً .
3_أن زرادشت من غرب إيران ،إما من " أتروباتن " ATROPATEN (ماد الصغرى وحالياً آذربيجان ) أو ماد ،وأول انتصاراته كانت في بلخ عندما اعتنق مذهبه الملك ويشتاسب ( كشتاسب ) .
4_تعتبر الجاثات ،وهي أقدم أجزاء الأفستا ،جوهر مواعظه التي قالها في بلخ ،حيث تنعكس فيها الأمانة والصدق .
5_أن عقيدة زرادشت انتشرت أولاً في بلخ ،وأن اللغة الأفستائية كانت مستخدمة في بلخ القديمة (باكتريا ) ،وأن اللغة الباكتيرية كانت لغة تعاليمه ،ولم يكتب بها سوى كتاب الأفستا . أما الأهازيج القديمة المسماه بالجاثات فإنها نظمت بلهجة أخرى ،وأن اللغة الأفستائية لها حروف خاصة بها مستخرجة من الخط البهلوي ،واللغة الأفستائية لها مزايا عدة.
ويلاحظ أيضاً أنه ذكر مدينة "هكمتانة " ( حمدان ) التي كانت عاصمة إيران في القرن السابع قيل الميلاد ،وكانت تعتبر من المدن الشهيرة في العالم القديم حتى قبل الميلاد ،حتى قبل أن تكون عاصمة الماديين ،كذلك أشارت الأفستا إلى مدينة بابل حيث وردت عللا شكل " بواراى" Bawray أما الشعب الذي تحدث عنه كتاب الأفستا فمذكور أنه شعب بسيط للغاية ،وله نفس صفات الحياة البدائية للآريين القدماء .
الجاثات :
الحاثات من كلا م زرادشت نبي الإيرانيين نفسه ،نظمها في حدود أوائل الألف الأول قبل الميلاد ،أما الأقسام الأخرى للأفستا فهي من اتباع زرادشت ،ألفّت في الفترة مابين القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي .
والأفستا الحالية تشكل حوالي ثلث أفستا العصر الساساني ،وكما ورد في كتاب " دين كرد" في الفصليين الثامن والتاسع كانت تحتوي أفستا العصر الساساني على واحد وعشريين نسكاً ،أي جزءاً ،تنقسم إلى الأقسام الثلاثة التالية :
1_ كَاسانيك: يعني قسم الجاثات ،وهي أغاني دينية منسوبة إلى زرادشت نفسه ،تشمل على مدح الإله آهورمزدا ومراتب الأدعية والمناجاة .
2_ هاتك مانسريك :وهذا القسم مزيج من الموضوعات الأخلاقية والقوانين والأحكام الدينية .
3_ داتيك : وهذا القسم عبارة عن الفقه والأحكام والمعاملات ،أما الأفستا الحالية فتنقسم إلى خمسة أقسام على النحو التالي :
1) يسنا : ومعناه المدح ،وهي أدعية وأوراد ،ويتكون من اثنين وسبعين " هائيتي " (HAIITI)
أي فصل ،والجاثات جزء منها وتشكل سبعة عشر هائيتي من الاثنين والسبعين هائيتي التي تشكل إليسنا . ويقسم البارسيس ،وهم الزرادشتيون المقيمون في الهند ،إليسنا إلى جزئين كبيرين ،الأول من الرقم الأول حتى الرقم السابع والعشرين ،والجزء الثاني يتكوّن من الهائيتين الثامن والعشرين حتى الهائيتي الأخير ،أما الفصلان رقماً 28 و 72 منهما فيتعلقان بالجاثات ،وهي أقدم جزء في الأفستا .
2) ويسبرد : لا يعتبر الويسبرد كتاباً مستقلاً ،بل هو من ملحقات إليسنا وتعني " العبادات لكافة المؤمنين " ،لاشتماله على مجموعة من الطقوس الدينية ،خاصة ما يتعلق منها بالأعياد الدينية الستة القديمة ،وكل فصل منه يسمى " كرده " ،وتعني هذه الكلمة في اللغة الأفستائية الباب أو الفصل ،ويقسّم العلامة اشبيجل Spiegel الويسبرد إلى 27 كرده ،أما العلامة وسترجاد فيقسمه إلى 23 كرده ،وإن كان الويسبرد المطبوع في بومباي قد جاء في 25 كرده .
3) ونديداد : وهذه الكلمة تعني الأدعية والأوراد ضد الشياطين ،وهي كلمة أفستائية مركبة من ثلاث كلمات : " وي " بمعنى ضد ، و" دئوه " بمعنى الشيطان ،ووردت في الفارسية الحديثة على شكل " ديو " و " داته " بمعنى " القانون ضد الشيطان " ، والونداديد لا تشتمل على مراسم أو طقوس دينية ،بل فصول مختلفة تحتوي على معلومات وموضوعات متعددة غير متشابهة ،كل فصل منها يسمى " فرجرد " ( فركَرد) ،ومجموع الونديداد اثنان وعشرون فرجردا ،يشمل الفرجرد الأول على خلق العالم ،وهو شبيه بسفر التكوين في التوراة ،والثاني قصة جم ( جمشيد ) ،والثالث الأشياء الطيبة والأشياء غير الطيبة في الدنيا ،ومن القسم الرابع حتى الحادي والعشرين فتشمل القوانين المذهبية والأحكام الدينية الزردشتية ،مثل :القَسَم والعهد والنظافة والاغتسال واجتذاب الزلل والخسّة والتوبة والتفكير وعلم الطب ،كما يشمل على شرح واف عن الديك الذي يؤذن كل فجر ليوقظ الناس لعبارة الخالق وتسبيحه ،وأيضاً حديث عن خصائص الكلاب ومعزّتها.أما الفرجرد الثاني والعشرين فيتعلق بالأشياء السيئة التي جلبها أهريمن ( الشيطان )
وعددها 99999 سيئة والأشياء الطيبة التي أمر بها الخالق وعددها 99999 .
4) يشتات : جمع يشت ،وهي كلمة أفستائية تعني الفدية وشكر الخالق واحترام الملائكة ،أي " العبادة والتمجيد " واليشتات الحالية هي كلام موزون وإن لم ترد شعراً ،بل وردت بأسلوب شاعري في عبارات رقيقة وخيالات سامية ،وتشمل إلى واحد وعشرين يشتاً (فصلاً ) ،بعضها قصير لا يتجاوز سطراً واحداً ،والآخر طويل يشتمل على عدة صفحات ،وهي :
1ً_ هرمزيشت 12ً_ رشن يشت
2ً_ هفت امشسبند يشت 13ً_ فروردين يشت
3ً_ أرديبهشت يشت 14ً_ بهرام يشت
4ً_ خرداد يشت 15ً_ رام يشت
5ً_ آبان يشت 16ً_ دين يشت
6ً_ خورشيد يشت 17ً_ ارد يشت
7ً_ ماه يشت 18ً_ اشتاد يشت
8ً_ تير يشت 19ً_ زامياد يشت
9ً_ كَوش يشت 20ً_ هوم يشت
10_ مريشت 21ً_ وننديشت .
11_ سروش يشت
وذكر أبو ريحان البيروني في كتابه " الجماهر إلى معرفة الجواهر " مايلي : " كان للأكاسرة ( أي الملوك الساسانيون ) سبحة عدد حباتها واحد وعشرين حبة مثبتة في خيط ،وطبقاً لما ذكره حمزة الأصفهاني أن الزمزمة على السبحة تسمى " نسك شمارى " لأنها بعدد نسك كتابهم المعروف باسم " أبستا " ويذكر ابراهيم بوردداود أن من بين اليشتات أرقام 19.17.14.13.10.8.5.قديمة جداً ،وطبقاً لما ورد في كتاب دينكرد ،كان " هادخت اسم النسك العشرين من الأفستا في العصر الساساني ،وهو غير موجود حالياً ،اللهم بضع قطع منه لا تزال باقية يطلق عليها " سروش يشت هادخت " .
5) خرده أفستا : وترد في اللغة البهلوية الساسانية " خرتك أبستاك " Xurtak Apistak وفي اللغة الفارسية الدرية " خرده أوستا " ،أي الأفستا الصغيرة أو المختصرة ،ودوّن هذا الكتاب الموبدان موبد آذربد مهر اسبند في عهد الملك الساساني شابور الثاني (310_379م) ،وموضوعاته تشمل على الصلاة والأدعية والأوقات المباركة في اليوم ،والأيام المباركة في الشهر ،والأعياد الدينية السنوية ،وأوقات السعادة والكدورة التي تواجه الإنسان في حياته اليومية ،مثل لبس الصديري للزرادشتيين وارتداء الزنار للصغار ،وطهارة الأطفال ومراسم الزواج والمأتم ،وأمثال هذه الموضوعات الاجتماعية التي يتعرض لها الزرادشتي في حياته اليومية العادية .
هذا وموضوعات خرده أفستا وأدعيتها مستخرجة من الأفستا الكبيرة ،وإن كان قد تصّرف فيها بإضافته أشياء كبيرة منه بلغة " بازند " أي البهلوية الساسانية ومتعلقة بأزمنة متأخرة ،ويطلق على قسم واحد من دعاء وصلوات خرده أفستا اسم " نيايش " وعددها خمسة : (1) خورشيد نيايش
(2) مهر نيايش
(3) ماه نيايش
(4) ارد ويسور نيايش
(5) آتشي بهرام نيايش
وبعض هذه الأدعية مندرجة في أقسام خورشيد يشت ومهر يشت وماه يشت وآبان يشت وبهرام يشت .
ويسمى قسم آخر من هذا الكتاب " سيروزه " وهو قسمان :كبير وصغير ،وكل قطعة من السيروزة تخص أحد الملائكة للثلاثين يوماً في الشهر ، وتتلى في مناسبة نفس اليوم
الأبجدية الأفستائية :
دونّت اللغة الأفستائية بخط أفستائي ،أطلق عليه المؤرخون الإسلاميون " دين دبيره " و " "دفيره " و " دفتري " وذكر المسعودي في كتابه " مروج الذهب " : .. .. .. أن حروف الأبجدية الأفستائية التي تعرف بدين دبيري تشمل على ستين حرفاً ،وأنها أهملت وتركت منذ العصر الساساني عندما دوّن الكتاب المقدس الزردشتي بالخط البهلوي مما أدى إلى تركه الخط واللغة الأفستائية وإهمالها .
وتوجد في الأبجدية الأفستائية علامة خاصة لكل صوت من أصوات اللغة الأفستائية وتكتب من اليمين إلى اليسار ،أما الأبجدية الأفستائية الحالية فهي تشمل على أربعة وأربعين حرفاً ،وهي بسيطة وسهلة ،ويمكن استيعابها بعد بضع ساعات من دراستها .
المستشرقون ودراسة اللغة الوسيطة :
بدأ المستشرقون في دراسة اللغة البهلوية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وكانت أول محاولة ،بل وأساس تلك الدراسات هي ما بدأها المستشرق الفرنسي "أنكيتا دي بيرون " Anquuetil Du Perron خلال إقامته في الهند فيما بين السنوات 1755_ 1726م. وقد ذكر ملخصاً لرحلته وما صاحبها من مصاعب جمة ملخصها أنه استقل المركب في 7 فبراير 1755 م ،ووصل ميناء بوندشيرى بالهند في 10أغسطس من نفس العام ،وانه لاقى مصاعب أثناء إقامته إلى أن وصل إلى مدينة سورات في سنة 1758 ،وأقام فيها حتى سنة 1761 م. حيث قام بمصاحبة الدستور الزردشتي داراب الذي درس على يديه اللغة الأفستائية والكتاب المقدس الزردشتي واللغة البهلوية .ووفّق دي بيرون ،في النهاية إلى ترجمة الأفستا إلى اللغة الفرنسية ،كما ترجم كتباً أخرى نذكر منها " بندهشن" وعندما عاد إلى باريس اصطحب معه مجموعة من النسخ المخطوطة مدوّنة بمختلف اللغات الشرقية ،وكان من بينها كتاب " فرهنكَ أو بيم " وأخرى " فرهنَك بهلويك " مكّنتاه من دراسة النصوص البهلوية ،بل ودراستها بطريقة سليمة .
تلي تلك المرحلة التمهيدية أو الأولى من دراسة هذه اللغة ،مرحلو جديدة تطورت فيها معرفة اللغة البهلوية ،حيث جُمعت فيها الكتب الدينية وغير الدينية المدونة بهذه اللغة مما كان يخفيه علماء الدين الزردشتي " البارسيس " طوال قرون عديدة ، حتى أصبح هناك علم جديد يعرف بتاريخ الأدب البهلوي ،ومن أهم من قاموا بتلك الدراسات المستشرق " مولر" M.j Muller الذي استطاع أن يوفق إلى قراءة وتصحيح نسخة من الأفستا ،تلك التي جلبها معه المستشرق الفرنسي ،أنكيتل دي بيرون من الهند ،هذا على حين تمكن بعض المستشرقين منهم مولر ووست وهوج وآندرياس FR.muller,West,M.houng,Andereas ففي نفس الفترة من دراسة النقوش الساسانية وإخراج بجوث قيمة عن اللغة البهلوية .
………………………………………………………………
الفصل الثالث
اللغة البارتية
اللغتين مع لغتين الشعب الفارسي والمادي ،وذابوا جميعاً في الثقافة الإيرانية ،وابتعد الشعب البارتي تماماً عن مفردات اللغة السكائي ،حتى جاءت فترة امتزاج فيها لغات الشعوب الثلاثة : السكائي والفارسي والمادي ،وطبقاً لما ذكره استرابون strabon أن سكانى الدولة الأشكانية تكلموا جميعاً بلغة واحدة .
ونسمى اللغة البارتية التي عي لغة شعب بارت اللغة البهلوية الأشكانية .
كما تسمى "بهلوك" مقابل " بارسيك " وهي اللغة الفارسية الوسيطة ( البهلوية الساسانية التي كانت متداولة في العصر الساساني نسبة إلى إقليم بارس ( فارس ) الواقع في الجنوب الغربي من إبران وقد وردت كلمة " بارت " في اللغة الفارسية القديمة على شكل Parthava ، وكان إقليماً من أقاليم الدولة الأكمينية ،أما كلمة " بهلوي " فلم يكن لها وجود في العصر القديم ،وتبدلت كلمة " بارتاو " Partav ، أو " بارثاو" Parthava إلى " بهلو" Pahlau ،ورغم أن البارتيين كانوا يعيشون في شرق إيران (خراسان ) ،إلاّ أن علماء اللغات عرّفوا اللغة البارتية على أساس الخصائص اللغوية أنها من مجموعة " لغات شمال غرب إيران " .

……………………………………………………………

الفصل الرابع
اللغة الفارسية الوسيطة
كتابات الزرادشتيين وتنقسم إلى ثلاث أقسام على النحو التالي :
1ً_ تفسير وترجمة الأفستا باللغة الفارسية الوسيطة ويطلق عليها " زند " والزند هو أقسام مختلفة من الأفستا الحالية ،ولم يبق منها حالياً سوى زند اليشتات " وهي غير موجودة .
2ً_ الكتون الدينية باللغة الفارسية الوسيطة
ومع أن انتصار اللغة العربية على اللغة البهلوية كان حقيقة ملموسة ،إلاّ أن اللغة العربية لم تقو على الانتصار الكامل ومحو اللغة البهلوية من الوجود ،كما فعلت مع اللغة القبطية في مصر ، والآرامية في سورية ،وذلك أسباب منها :
1_ أن الشعب العربي لم يكن آنذاك أرقى حضارة من الشعب الإيراني .
2_ قلة عدد أفراد الجالية العربية في المدن الإيرانية وأقاليمها الواسعة .
3_ ضعف امتزاج العرب الذين استقروا في إيران بالسكان الأصليين لتمسكهم بالبداوة وتصرّفهم كمنتصرين ،وتعلقهم بالسكنى في الفلوات وخارج المدن ،علاوة على تعالي العربي المنتصر على الإيراني المنهزم الذين أصبحوا موالى .
4_ انتماء اللغتين المتصارعتين في المعركة اللغوية إلى أسرتين لغويتين مختلفتين ،فاللغة العربية تنتمي إلى مجموعة اللغات السامية ،واللغة الفارسية الوسيطة تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندو_ أوروبية .
تعريب الدواوين الإيرانية كلف بهذا العمل أحد الإيرانيين وهو مردانشاه بن زدان فُّرخ ،فنقل الديوان من البهلوية إلى العربية وترجم المصطلحات الفارسية إلى اللغة العربية . ورغم إسقاط اللغة الفارسية الوسيطة والخط البهلوي الساساني من الديوان والمصالح الحكومية ، فإن اللغة البهلوية الساسانية استمرت بضعة قرون بعد ذلك يتعامل بها الإيرانيون سواء من أسلم منهم أو لم يسلم .
ومما عجّل بسقوط اللغة الفارسية الوسيطة أن المسلمين الإيرانيين الجدد اضطروا إلى تعلم اللغة العربية لفهم معاني كلام الله المجيب وتدبّره ،بعد أن وثق القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين بين الدين واللغة العربية ،لكون الصلاة بها فرضاً على كل مسلم ومسلمة وانتهى الأمر أن سار شعور كل مسلم إيراني أن يُقبل على تعلّم اللغة العربية ،واعتبروا ذلك جزئاً لا يتجزأ عن حقيقة الإسلام .
وحينما أحب الإيرانيون الإسلام كدين والعرب كأمة ،أحبوا بالتبعية لغتهم وأهملوا اللغة البهلوية الساسانية ،وينطبق ذلك على مجموعات من الإيرانيين الذين اعتنقوا الإسلام وخالطوا العرب ، أما سواد الشعب الإيراني سواء في المدن أو القرى ،فرغم دخولهم في الإسلام استمروا متمسكين بلغتهم الفارسية الوسيطة ،ولا يعرفون كلمة عربية واحدة .
…………………………………………………………. يتبع

ضياء الدين ظاظا
منتديات العز القسم الثقافي