تجليات عاشق كنعاني


اعذريني فأنا المكبل من يداي ، العاشق للأرض ولا أحد سواي .... أنا من عرفته الليالي المعتمة وحيدا يبحث عن ضوء القمر ، اعذريني إن تبلد السمع عندي وأدمنت حنجرتي الأغاني الحزينة ، واعذري قلبي إن تعثرت دقاته بعد أن أنهكه السفر ، سامحيني إن تلعثم الشعر في صدري ، وغادرت من شفتاي مراكب الفرح بعيدا ... بعيدا ، دعيني ابحث في حنايا الذاكرة عن قمر هاجر دروبنا دون وداع ، ومضى حزينا يرقب من وراء الغيم دفاتر النسيان ، ينهمر الدمع من مآقينا ، هي لحظة للغناء أو للرثاء ، تمضي كما يمضى الوقت وينتحر الزمان ، خذي من كبرياءك ما أردت ، واتركي هم القلب المتعب للحظة صمت أو هذيان ، فالعشق يا سيدتي ليس مرسوم رئاسي نقرأه في جريدة ، أو تذكرة عبور لشارع يمتد نحو الوطن ، وغاب عنا في رحلة المجهول ، يحضر فينا عندما تسكننا لحظات الوجع السري ، نقلب صفحاته الجميلة صفحة وراء صفحة ، وننشر ابتسامات الشوق من جديد دون ارتياب ، هو الحب لن يغادر قلوب المغرمين ، هو الجرح الذي يفتك فينا منذ أن باعدوا بيننا ... مسورة أمانينا بالدموع التي فاضت من مآقي الثكالى والأنين ، وان طال الغياب . هو القلب الذي لا يحمل سوى رائحة الزعتر وخبز أمي ، ونسيم الوطن العليل ... هي لحظة التجلي وعبق الانتماء .
عندما يتسلل ضوء القمر من خلف النوافذ الحزينة ، ليطبع قبلة المساء على جباه الرجال الذين رحلوا ، وتركوا أثارهم حكايا من حنين وتعب ، تبدأ رحلة التحدي ، وترنو العيون ليوم الخلاص والولادة من جديد .
يا عاشق الخيال متى تحط مراكب الذكريات في ساحة اللقيا بعد كل عذابات الانتظار...؟!!.
متى تعود عصافير الحب التي هاجرت ربوعنا احتراقا دون وداع...؟!!.
متى ننقي بالطهارة قلوبنا التي استوطنتها الظلمة وليالي الفوضى والانكسار ، لتسكن فينا الأماني من جديد والضياء ...؟!!.
متى تجوب سماءنا الزرقاء الصافية طيور النورس و اليمام ...؟!!.
متى نخلع الحقد من قلوبنا التي لونها السواد، وتخفق رايات الطيب عاليا والرجاء ...؟!!.
متى نعيد لسنابل القمح فرحتها وتصدح في الوطن البلابل، ويغيب الرصاص، ويردد العاشقون أغاني (الدلعونا و الميجنا... ظريف الطول... بالهنا يم الهنا...) ....؟!!.
متى نقول وداعا لحزن استوطن فينا والى الأبد ... يا زمن الكره والاحتراب بين الأخوة الأعداء ...؟!!.
هي امتداد الحزن الموشى بالفرح لحظة انبعاث الروح عندما تنهض من رماد الذكريات ، ونبضات قلب قد أضناه الوله ، فتسمر عند محرابك قديسا ... وضاع في حقائب النسيان .
هي أمنيات عاشق كنعاني أتعبته المنافي، فعاد لينهض من تحت الرماد كطائر الفينيق ، فتحول في زمن الحضارة والتمدن إلى حجر وبندقية ، يقرب عقارب الزمن من رحلة العودة والانتصار 0