كتب مصطفى بونيف

يا أمي الناموس على الباب !

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


سألني صديقي الذي ضربته الشمس ،( أيهما أفضل ، الصيف أم الشتاء ؟ ) ، فأجبته وأنا أغز بأسناني ( عاجبك العرق والحر والعطش والحشرات العجيبة التي تلتصق بنا ، الشتاء طبعا أفضل وأفضل بكثير !)...، وأكثر ما يضايقني في فصل الصيف هو الناموس ..أعوذ بالله من شر ما خلق ...
يخرج الناموس في مظاهرة مهولة عند بداية فصل الصيف ، بل ومن شدة قلقي من هذه الظاهرة الصيفية ، أصبحت أفكر في تأليف فيلم رعب تحت عنوان ( الناموس مصاص الدماء ) بدلا من رواية ألفرد هيتشكوك ( الطيور ) .
أشعر بأن الناموس تعيش في مجتمع منظم . في شكل عصابات .
يقف رئيس العصابة على مقلب زبالة ، ويخطب في جماهير الناموس .
( أيها القوم ، اليوم يومكم ، أريدكم أن تقهروا الإنسان ، أن تمتصوا دماءهم ، طيروا النوم من أعينهم ...هجووووم )...ويهجم الناموس تماما مثل جيش التتار.
زززززز..ززززززز ...تحوم الناموسة فوق رأسي مثل طائرة البي 52 الأميركية ...فأتكلم من تحت الشرشف ( يوووه ارحميني يا توتو ، هذا ذراعي خذي منه الدم الذي تعوزينه ولكن أوقفي هذا الموتور ..أرجوك ).
زززززززززز تستمر الناموسة توتو في الزن عند أذني .
أقوم مسرعا من سريري ، وأنا أتوعدها ( إذن هكذا ، تريدينها حربا لا هوادة فيها ، وأنا من الصبح أقول حرام يا موس ، ولا أريد أن أغضب منظمة حقوق الحشرات ...) ، أرش المبيد الحشري على الغرفة ، وأتباهى بسلاح الردع ، كأنني من كوريا الشمالية أو إيران ....وفجأة يتوقف صوت الزن ، وأرتمي على سريري ...(الحمد لله أن وكالة الطاقة الذرية لا تعتبر المبيدات الحشرية سلاحا محظورا ، وإلا لكانوا قد اتهموني بالإبادة الجماعية لجنس الناموس ، وأعدموني في صبيحة العيد الأضحى ) .
وفجأة ...ززززززززز ، زززززز ، عادت توتو إلى الزن مرة أخرى .
أتكلم بصوت خافت مبحوح بعد أن تمكن مني النعاس ( حتى المبيد الحشري تغشونه ، أعوذ بالله من هذه بلد ، يبدو أن الناموس هذه الأيام لا تنفع معه المبيدات الحشرية وإنما غاز الأعصاب ..) .
زززززز ، ززززززز ،
- ( يا توتو ، لقد وضعت لك فنجان من دمي هناك على المائدة ، اشربي منه أنت و عائلتك كلها ، لكن أرجوك أوقفي هذا الموتور ) .
لا فائدة !
فجأة ...أصرخ ( أي ! ) ، لأكتشف أن توتو المنحرفة ، غرست إبرتها بين أصابع قدمي ، وتركت المكان متورما وبه حكة شديدة ...
أنتفض من سريري ...وأنا أتوعدها بليلة سوداء .
أقفل باب الغرفة بإحكام ، وأبلل فوطة ، وأدخل في حرب مع هذه الناموسة المزعجة ، أطاردها من جدار إلى جدار ، ( طاخ ، طوخ ، طيخ ).
- والله والله لن أتركك تعيشين لحظة واحدة بعد الآن ، تمصين دمي من بين أصابع قدمي ...
ولم أضع الفوطة حتى تأكدت بأنني قتلها ، ومن فرحتي تمنيت لو أن خبر مقتلها يذاع في خبر عاجل على قناة الجزيرة . ( هل الذين أعلن مقتلهم في قناة الجزيرة أفضل منها ، كله إرهاب وكله ناموس ؟) .... .
استلقيت على سريري مرة أخرى ، كأنني محارب انتصر في معركة خطيرة ومهمة . وبينما كنت بين النوم واليقظة ..جائني طيف الناموسة توتو ، بشكل ناموسة كبيرة ، صوتها رقيق تماما مثل صوت العجائز اللاتي تجاوزن التسعيين (
قتلتني يا موس ؟ ، لأنني مخلوق ضعيف يتغذى على دمك الشريف ، مع أن هناك من يمص دمك ليل نهار بغير حق ، رئاسة الجمهورية ، الحكومة ، الوزارات ، المجالس المحلية والبرلمان بغرفيته ، رجال الأعمال الفاسدين ، الضباط غير الأحرار ، التجار غير الشرفاء ، النقابات بأنواعها ، كلهم يمصون دمك ، وأنت تصفق لهم ، أما أنا الحشرة الضعيفة ..تقتلني وتيتم عيالي ).
وفجأة..صرخت ( أي!)
استيقظت ووجدتها قد لسعتني في مكان ... لا أعرف كيف وصلت إليه !


مصطفى بونيف