القرآن الكريم يبرئ يهودياً !

المبادئ الأساسية هي بمثابة الاستراتيجيات باللغة العسكرية أي هي أمور ثابتة لا تفريط فيها ولا تهاون في أمرها، فهذه ثوابت الدين الرباني الذي ندين الله به ونعتقده وتصطبغ به حياتنا.

فالمساواة حقيقة راسخة بين البشر أجمعين من الأصول والعناصر والعروق والأنساب، فأصل الجميع واحد؛ الأب واحد والأم واحدة، وجميع الخلق تتسلل أصولهم وأنسابهم لتنتهي إلى عنصر واحد هو التراب، فلماذا يتوهمون التفاضل فيما بينهم في الأصول وفي العناصر والأنساب؟

إن الإسلام لا يحابي أحداً ولا يداهن لأحد، ولذلك اسمع إلى القرآن الكريم ماذا يقول:
( إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً. وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً . وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. هَا أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) سورة النساء: 105.

القرآن الكريم يبرئ يهودياً لأنه ظُلم، قال تفسير ابن عاشور (ت 1393 هـ) في التحرير والتنوير:

" وجمهور المفسّرين على أنّ هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها:
أنّ أخوةً ثلاثة يقال لهم: بِشر وبَشير ومُبشّر، أبناء أبَيْرِق، وقيل: أبناء طُعْمَةَ بن أبيرق، وقيل: إنّما كان بشير أحدهم يكنى أبا طُعمة، وهم من بني ظَفَر من أهل المدينة، وكان بشير شرّهم، وكان منافقاً يهجو المسلمين بشعر يشيعه وينسبه إلى غيره، وكان هؤلاء الإخوة في فاقة، وكانوا جيرة لرفاعة بن زيد، وكانت عِير قد أقبلت من الشام بدَرْمَكٍ ـ وهو دقيق الحُوّارَى أي السميذ ـ فابتاع منها رفاعة بن زيد حِملا من دَرْمك لطعامه، وكان أهل المدينة يأكلون دقيق الشعير، فإذا جاء الدرمك ابتاع منه سيّد المنزل شيئاً لطعامه فجَعل الدرمك في مشربة له وفيها سلاح، فعدَى بنو أبيرق عليه فنقبوا مشربته وسرقوا الدقيق والسلاح، فلمّا أصبح رفاعة ووجد مشربته قد سرقت، أخبر ابن أخيه قتادة بن النعمان بذلك، فجعل يتحسّس، فأنبىء بأنّ بني أبيرق استوقدُوا في تلك الليلة ناراً، ولعلّه على بعض طعام رفاعة، فلمّا افتضح بنو أبيرق طرحوا المسروق في دار أبي مُليل الأنصاري.

وقيل: في دار يهودي اسمه زيد بن السمين.

وقيل: لبيد بنُ سهل.

وجاء بعض بني ظَفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكوا إليه أنّ رفاعة وابن أخيه اتَّهَما بالسرقة أهلَ بيت إيمان وصلاح، قال قتادة: فأتَيت رسول الله، فقال لي " عمدت إلى أهل بيت إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة على غير بيّنة " وأشاعوا في الناس أنّ المسروق في دار أبي مُليل أو دار اليهودي. فما لبث أن نزلت هذه الآية، وأطْلَعَ الله رسولَه على جِليّة الأمر، معجزة له، حتى لا يطمع أحد في أن يروّج على الرسول باطلاً.
هذا هو الصحيح في سَوق هذا الخبر.

ووقع في «كتاب أسباب النزول» للواحدي، وفي بعض روايات الطبري سوق القصة ببعض مخالفة لما ذكرتُه: وأنّ بني ظَفر سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجادل عن أصحابهم كي لا يفتضحوا ويبرأ اليهودي، وأنّ رسول الله هَمّ بذلك، فنزلت الآية.

وفي بعض الروايات أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لام اليهودي وبَرّأ المتّهم، وهذه الرواية واهية، وهذه الزيادة خطأ بيِّنٌ من أهل القَصص دون علم ولا تبصّر بمعاني القرآن".