28 قصة صوتية للأطفال المكفوفين في 50 مكتبة عامة

من الملصق الترويجي لإطلاق القصص الصوتية
يوسف حاج علي


(زقزقة عصافير)
كانت تسكن في حديقة للحيوان فراشة كبيرة رائعة الجمال، فاتنة الألوان، أنيقة المظهر، لافتة للأنظار. وكان زائرو الحديقة يقفون أمامها طويلاً مندهشين، يتأملون تناسق الألوان وأناقة الخطوط التي وضعها الخالق في أجنحة هذه الفراشة حتى بدت على هذه الصورة من الحسن والجمال.
(موسيقى)
خاطبت الفراشة نفسها ذات مرة قائلة: «لماذا الناس ينظرون إلي بإعجاب ولا يعيرون رفيقاتي من الفراشات وسواها من الطيور أي انتباه يذكر؟ أأستحق هذا الإعجاب؟ حسناً سوف أرى».
راحت الفراشة تطير متبخترة من غصن إلى آخر حتى أسدلت جناحيها وحطت على غصن شجرة تدلى فوق البحيرة (خرير ماء)، ورأت روعة جمالها عكسته أشعة الشمس على صفحة الماء. فبهرت مما رأت وخاطبت نفسها باعتزاز فقالت: «الآن عرفت سر التفات الناس إلي. فأنا أجمل من أقراني. بل أنا الأجمل في هذه الحديقة وعلي من الآن وصاعداً ألا أتكلم مع أحد لأن مقامي أرفع من الجميع».
(موسيقى)
ومنذ ذلك الحين، أخذت الفراشة تتعالى وتتكبر على رفيقاتها مزهوة بجمالها فلا تكلمها إلا تكلفاً وازدراء. وفعلت الفعل نفسه مع أصدقائها وجيرانها، فانفض الجميع من حولها وقاطعوها. فلا يكلمها أحد، ولا يسأل عنها أحد، حتى باتت في كآبة لا تطاق. وأصبحت تهرب من وجه زائري الحديقة. فتنأى بنفسها إلى الأغصان العالية لأنها شعرت أن التعاسة قد سلبت منها كل جمالها وأناقتها، وألا قيمة للحياة بدون حب وتواصل مع الآخرين.
(موسيقى)
وبينما هي غارقة في تفكيرها وتأملاتها وحزنها، مرّت بطة من أمامها (بطبطة بطة) فنادتها قائلة: «يا بطتي العزيزة تمهلي قليلاً، أريد التحدث إليك لو سمحت». فلم تستجب البطة لها وتابعت سيرها نحو البحيرة.
(موسيقى)
فنادت على أرنب كان ينط في الجوار متسلقاً ربوة صغيرة. وكلّمته برجاء أن يتوقف ويأتي للتحدث إليها. فالتفت نحوها الأرنب وقال لها: «ماذا تريدين مني أيتها الفراشة المغرورة، المزهوة بحسنها وجمالها؟».
أجابته: «أنا تعيسة جداً بعدما عاداني الجميع، فقاطعوني ولم يعودوا يتكلمون معي. ماذا أفعل كي أصلح هذه العلاقة بيني وبين رفاقي وأصدقائي وجيراني فنعود كسابق عهدنا متحابين متآلفين؟». اقترب منها الأرنب، وهمس في أذنها قائلاً: «عودي عن غرورك وزهوك بنفسك ولا تتعالي ولا تتكبري. احفظي لسانك وأحبي لغيرك ما تحبينه لنفسك. وإني أضمن لك حب الجميع. ولن تشعري بالوحدة والتعاسة بعدها أبدا».
[[[
قصة «الفراشة المغرورة» السالفة الذكر للمؤلفة ليلى ابراهيم هي واحدة من 28 قصة تم تسجيلها صوتياً ليستفيد منها الأطفال المكفوفون من عمر أربع إلى ثماني سنوات. وهذه القصص تتوجّه إلى خمسين مكتبة عامة من مختلف المناطق، وهي من ضمن مشروع الكتب الصوتية الذي هو نتاج تعاون ما بين مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت و«مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل»، ويأتي ضمن فعاليات بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009.
تشرح مسؤولة قسم المكتبات في مؤسسة «الهادي» ومنسقة المشروع فاطمة شاهين لـ«السفير» أن فكرة المشروع تأتي في سياق رسالة المؤسسة وأهدافها بإيصال المعلومات لذوي الحاجات الإضافية، «ما يتوافق مع أهداف اليونسكو».
وتشير شاهين إلى أن هناك دور نشر توزّع أشرطة كاسيت وأقراصاً مدمجة مع القصص التي تنشرها، «إلا أن عدد دور النشر هذه معدود»، لافتة إلى أنه تم اختيار القصص الثماني والعشرين من قبل لجنة مشتركة من مكتب اليونسكو ومؤسسة «الهادي» تشكلت من منسقي لغة عربية للأطفال واختصاصيين باحتياجات المكفوفين.
واستمر العمل في المشروع خمسة أشهر (دام التسجيل وحده خمسة أسابيع في استديوهات «إذاعة البشائر»)، وبلغت كلفته أكثر من عشرة آلاف دولار أميركي. وتم تمويله من «لجنة بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وتعاونت مع المشروع دور «العلم للملايين»، «أصالة»، «الحدائق»، «الخياط الصغير»، «سامر»، «مؤسسة تالة»، والمؤلفة ليلى ابراهيم.
ولفتت شاهين إلى أن حق الملكية الفكرية لهذه القصص هو ملك لدور النشر التي تنشرها، وقد أعارت هذا الحق للمسؤولين عن المشروع خلال فترة التحضير له: «وعندما تستلم المكتبات العامة الخمسون موادها، تنتهي حقوقنا مع القصص».
وتدوم أطول قصة من بين القصص الـ28، لمدة 11 دقيقة من الوقت. وترافق القراءة مؤثرات صوتية خاصة تتضمن أصواتاً من الطبيعة (خرير مياه، زقزقة عصافير، ...) وموسيقى، ما يساهم باستمتاع الأطفال المكفوفين بهذه القصص، وتنمية خيالهم.
والقصص هي لكل من محمد علي شمس الدين، د. نجلاء نصير بشور، حنان دقة، زكريا تامر، قسم التأليف التربوي في «دار العلم للملايين»، نبيهة محيدلي، سلمى بدوي، سمر محفوظ براج، وفاء الحسيني، رانيا زبيب ضاهر، منى محيدلي، سمير مالطي، رانيا زغير، أروى خمّيس، فاطمة شرف الدين، وحنين يحيى حمودة. وتولى التنفيذ والإخراج واختيار القراء المخرج محمد بلوط.
وقد تمّ حفل إطلاق «قصص صوتية للمكفوفين في المكتبات العامة»، أمس الأول، في مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت. وعلى الرغم من أن المكتبات العامة الخمسين قد دعيت إليه، إلا أن أقل من نصفها بقليل تقريباً قد تخلّف عن المجيء لاستلام مواده المجانية من كتب وأقراص مدمجة (حضر ممثلو 28 مكتبة عامة من أصل 50 مكتبة مدعوة). ما يطرح سؤالاً حول مدى اهتمام هذه المكتبات العامة بفئة المكفوفين من القراء، ولا سيما الأطفال من بينهم.
مع العلم أن راعي الإطلاق، وزير الثقافة سليم وردة، أكد في كلمته أن «في لبنان نسبة 0.6 في المئة من عدد السكان من المكفوفين، ما يعني أن ما يناهز 31000 مواطن يحتاجون منا إلى رعاية وعناية خاصة، ليندمجوا مع المواطنين في كل القطاعات، ويكونوا مساهمين في المجتمع كطاقة منتجة وفعالة».
وتتولى مؤسسة «الهادي» لاحقاً توزيع المواد على المكتبات العامة التي لم تحضر لاستلامها.
وكان قد تخلل حفل الإطلاق كلمات لكل من مدير مؤسسة «الهادي» اسماعيل الزين، ومسؤول مكتب اليونسكو الإقليمي بالإنابة د. سليمان سليمان، والمسؤول الإعلامي في المكتب جورج عوض.



عن جريدة السفير
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1450&articleId=2852&Channel Id=33636&Author=يوسف%20حاج%20علي