ثالثا : الأوضاع الاقتصادية :
لعل مقارنة حجم الملكية الزراعية لكل من العرب واليهود قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها تكشف لنا عن الوضع الحقيقي الذي يحيا في ظله الفلاح الفلسطيني فبعد نزوح عدد كبير من الفلسطينيين من الأراضي المحتلة ارتفعت ملكية اليهود من5.6 % من مجموع أراضي فلسطين إلي 77% إذ استولوا علي 1.300.000 دونم من الأراضي الصالحة للزراعة تعود ملكيتها إلي فلسطينيين نازحين كما صادروا جزءا كبيرا من الأراضي الخصبة التي تخص مزارعين عربا بقوا في فلسطين كذلك سيطروا علي جميع الأراضي التي ترجع ملكيتها للدولة هذا في الوقت الذي كان حجم ملكية اليهود وبالذات في عام 1945 حوالي 1.176.645 دونما أي 12.8% من مجموع المساحة المرزوعة في فلسطين بينما كان العرب يملكون 84.2% منها وعلي أية حال فإن مقارنة الأوضاع المادية والمعيشية لكل من العربي واليهودي لا تظهر بجلاء طبيعة التمييز الذي تتجه السلطات الإسرائيلية في علاقتها بالعرب الفلسطينيين. فمن اللافت أن نسبة الوظائف التي يشغلها العرب في إسرائيل 1.5% وهم في هذه المناصب التي يشغلونها في البلاد لا يرتقون إلي المناصب العليا،بالرغم من توفر الكفاءات التي تؤهل بعضهم لذلك وبالرغم من أن نسبتهم العددية تساوي 12% من مجموع سكان إسرائيل وعلي سبيل الدقة فإن عدد الموظفين العرب برتب عالية في الدوائر الرسمية بلغ بموجب إحصائيات أجريت بعد عام 1967 أربعة موظفين عرب فقط .)
وحيث أن الاحتواء الاقتصادي فتح أمام العمال العرب باب انتساب محدود للهستدروت يمنحهم عضوية ثابتة وفر لهم بعض الخدمات الاجتماعية ، وفي عام 1959 سمح للعمال العرب بعضوية الهستدروت وأصبحت تلك المؤسسة إحدى الأدوات الهامة في تنفيذ السياسة الإسرائيلية . فقد شجعت السلطات الإسرائيلية على الهجرة الداخلية العربية من القرى إلى المدن ، ففي المدن يندمج العمل العربي في الاقتصاد الإسرائيلي بدرجة أكبر وفي فترة زمنية قصيرة ، أما بقاء القرية مركزاً رئيسياً للتجمع العربي فكان يحمل في طياته خطر تحول القرى إلى وحدات اقتصادية واجتماعية وثقافية يصعب اختراقها ويصعب التأثير في عملية تنشئة الأجيال العربية الجديدة داخلها ، أما الهجرة إلى المدن فيقترن بها اكتساب القدرة على التكلم بالعبرية والعمل في إطار المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية والتعرض بدرجة أكبر عن ذي قبل لتأثير أدوات الإعلام الصهيونية ، ونشوء الأجيال الجديدة أقل تأثراً بقيم ومفاهيم المجتمع العربي بكل ما يترتب على هذا من إضعاف تماسك هذا المجتمع ككل في النهاية وازدياد إمكانية تذويب أعضائه في إطار الكيان الصهيوني. وفي معرض تحقيق أهداف هذه السياسة لجأت السلطات إلى نموذجين للمعاملة التفضيلية أولهما على أساس طائفي إزاء الدروز ، وثانيهما على أساس سياسى تجاه عدد من الوجهاء والمثقفين قبلوا أن يكونوا بمثابة الواجهة العربية للأحزاب الصهيونية السائدة في هذا الكيان .
وفي موازنات التطوير تحصل المناطق العربية علي مبالغ ضئيلة أيضا مقارنة بالمناطق اليهودية التي تشهد تطويرا مستمرا لمرافقها الأساسية فلم يحظ العرب بأي مشروع إسكاني منذ قيام الدولة العربية و حتى عام 1985 وقد اعتمد المواطنون العرب طوال هذه الفترة علي الجهود الذاتية لإقامة مساكن ومرافق وقد وصل التمييز في مجال الإسكان إلي حد تحجيم مساحات المدن العربية مقابل توسيع المدن اليهودية المجاورة وعلي سبيل المثال لم يتجاوز مسطح مدينة الناصرة 7500 دونم(يقطنها 50 ألف نسمة) بينما وصل مسطح مدينة الناصرة العليا اليهودية إلي الضعف رغم أن سكانها أقل من نصف سكان الناصرة العربية .
أيضا في مجال السياسة الزراعية هناك تمييزا واضحا في إطار سعي هذه السياسات للحيلولة دون وجود تجمع عربي موحد فقد أنشأت السلطات الإسرائيلية مستعمرة الناصرة العليا بالجليل العربي الذي يتركز فيه 60% من العرب كما أقامت مزرعة يهودية في منطقة المثلث الذي يتركز فيه 20% من السكان العرب وقصدت السياسة الزراعية تخفيض المياه المخصصة للأراضي العربية مما جعل عائد الدونم الواحد منخفضا قياسيا بالأراضي اليهودية وقد وصل الفارق بينهما 289% لصالح الدونم اليهودي خلال الفترة من 1920إلي 1970 وذكرت دراسة أجراها هنري روز عالم الأجناس البشرية والمحاضر في الجامعة العبرية أن سياسة الري الإسرائيلية المنحازة للأراضي اليهودية قد أدت إلي نزوح الشباب العربي من قراه وعدم قدرة العمال العرب علي العودة إلي قراهم والاستقرار فيها .
أيضا يمكن القول إن التمييز يعود أساسا إلي الانتماء القومي غير اليهودي سواء كان عربي أو غير عربي ومما يؤكد هذه الحقيقة أن مجموعة من الجنود الدروز المسرحين من الجيش الإسرائيلي كانوا يعانون من أزمة سكن عام 1989 وطالبوا بالحصول علي قطعة أرض هجرها اليهود في إحدى القرى لكنهم فوجئوا برفض طلبهم لأن الوكالة اليهودية هي التي تقوم بالإشراف علي سكان المنطقة والدروز ليسوا يهودا.
والعرب يعانون من إهمال متعمد (خصوصا المثقفون منهم)في مجالات التشغيل الحكومي ففي عام 1961 مثلا كان الموظفون العرب 500 موظفا من بين 48792 موظفا حكوميا أي بنسبة 1% وجدير بالذكر أن أول عربي يعين في وظيفة قاض كان في عام 1957 واحتاج الأمر بعدها عشر سنوات أخرى لكي يتم تعيين قاض عربي في المحكمة العليا ولم ينفذ هذا الوعد ويعانون أيضا من الحصار في الجامعات فعلي سبيل المثال قدم الوزير جدعون اقتراحا تبنته حكومة الليكود في 17مايو 1987 نص علي التمييز بين الطالب الذي أدي الخدمة في الجيش والذي لم يؤديها و يذكر أن الجامعات لا تعترف باللجان الطلابية العربية
وبخصوص إفساح الفرصة للمهجرين اليهود إلي إسرائيل والتي تزداد معها الممارسات التمييزية ضد العرب تؤكد الدلائل علي أن السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الجماهير العربية علي أنها البطن الرخو الذي تستطيع من خلاله فتح منافذ لأماكن سكن وفرص عمل للمهاجرين الجدد وعلي سبيل المثال ما تحدثت عنه صحيفة الإتحاد في عددها الصادر في 30 يناير 1990 عن حالات رفض إعطاء رسائل الموافقة للعمال العرب من جانب السلطات الإسرائيلية وعلى هؤلاء العمال أن يجدوا أماكن عمل بأنفسهم والتي كان يجب الحصول عليها من مكتب العمل المحلي وقد أخبروا بأن الأولوية للقادمين الجديد وكان يوشي بيلين نائب وزير المالية آنذاك أكثر صراحة عندما قال إن هناك مائة وثلاثين ألف عامل من سكان المناطق (يقصد العرب) يعملون في إسرائيل ومن الممكن طردهم لتوفير عمل للمهاجرين وقد أعلن "شلومو لاحظ"رئيس بلدية تل أبيب إسكان مئات العائلات المهاجرة في مدينة يافا (التي يقطنها نحو 16ألف عربي)وذلك ضمن مخطط لتهويد المدينة وفي رده علي المعارضة العربية ذكر "لاحظ" أن دولة إسرائيل ذات أكثرية يهودية تماما وبمثل ما أؤيد توطين اليهود في الجليل والنقب يجب ذلك علي يافا ، ومن الجدير بالذكر أن انتخاب مجالس عمالية في القرى العربية لم يبدأ إلا عام 1984 بقرار أصدرته اللجنة التنفيذية للهستدروت عير أن ذلك لم يحقق الهدف كاملا فبقاء السيطرة اليهودية علي تلك اللجنة وعلي القطاعات الأهم حرم العرب من الفوز بمساواة واقعية،
-------------------------------
رابعاً : الأوضاع الثقافية والتعليمية :
يتبع