نشاط (الأنا) في ال (نحن) متى يصعد ومتى يهبط؟

كل فرد من أفراد البشر يمثل (ذات) في مجموعة أو مجموعات هائلة تضيق وتتسع حسب سعة الأفق الفكري الذي يسير بموجبه الفرد. وغالباً ما تتقدم مصلحة الذات على مصلحة المجموعة ويتحدد على ضوئها اندفاع الفرد في الدفاع عن المجموعة وخدمتها.


والذات الفردية تكون (أنا) بشكل عام عندما يتم إسقاط التفكير الشخصي في تناول القضايا الموضوعية المحيطة بتلك الذات، وتكون (هُوَ) عندما يتناول باحث اجتماعي نموذج الفرد وموقعه وكيفية أداؤه بين أفراد مجموعته، وستكون فكرة الأنا أو الهو مقدمة في رسم (الهوية) الفردية، وعندما يتم تناول المجموعة سيكون الحديث عن هوية جماعية تتطرق للجنس والمهنة والديانة والعمر وغيرها، وهي معلومات تدون في البطاقة الشخصية (الهوية) في مسائل تعريف المواطنين أمام إطارهم التعريفي الخاص بانتمائهم لدولة.

كل هذا معلوم ومعروف، وكان ضرورياً لصنع مقاربة مع العنوان المتعلق بنشاط الفرد الصاعد أحياناً في سبيل مجموعته والهابط أحياناً مهملاً أولوية ذلك النشاط.

أشكال الهوية

يقسم علماء الاجتماع الهوية الى قسمين (جماعاتية وتطويعية) في حين يقسم السياسيون الهوية الى (طبيعية ومصطنعة). وفي التدقيق بين التقسيمين وما يعنيان على وجه الدقة، لا نرى خلافاً كبيراً. فابن العراق هو طبيعي في حدود دولته التي يقر الجميع بحدودها، وهو تطويعي إن حاول قسم من أبنائها الانفصال وأجبرتهم سلطة (النحن: الممثلة بالدولة) على البقاء داخل حدود هوية (الجماعة).

والمستخدم في الجيش هو ابن جماعة طبيعية في حالة انخراطه الطبيعي، وهو ابن جماعة تطويعية إذا تم اقتياده بموجب أوامر أو لوائح قانونية، بالرغم من عدم رغبته في ذلك.

ظهور أزمة الهوية في الأسرة

يتفق رواد السياسة وعلم الاجتماع، على أن الأسرة هي أصغر جماعة طبيعية وأكثرها أصالة، ولكن ذلك ليس شرطاً في أن يبقى الفرد فيها عضواً ملتصقاً بجماعتها بشكل أزلي. فقد يتم رمي الوليد منذ اليوم الأول من ولادته ليصبح لقيطا وبلا معرفة لهويته الأسرية، وقد يُطرد من الأسرة لتكرار سوء سلوكه في أي مرحلة من مراحل عمره، وبغض النظر عن الدوافع التي يسوقها (هو) عن عدم مساواة رب الأسرة بين أفرادها، أو التي يسوقها رب الأسرة بوصفه ضالا وشاذا وغير نافع، وبصرف النظر عن الأعراف والتقاليد والتراث الذي تنتمي إليه تلك الأسرة، فإن عضوية الفرد بالأسرة تكون هي الأخرى مهددة بالانتهاء في كثير من الظروف.

ظهور أزمة الهوية في مكان العمل

مكان العمل، هو إطار لجماعة مصطنعة طارئة (سياسيا واجتماعيا) وأعضائها قد يكونوا أعضاء من صفة (الجماعاتية) الذين يختارون عضويتهم طوعاً في حالة تأسيس الشركات الجماعية. أو من صفة (التطويعيين) الذين تجبرهم الظروف أو القوانين على الالتزام والانضباط في مكان عمل ما.

في حالة (الجماعاتية) يكون من المتيسر للأفراد أن ينهوا انتمائهم للجماعة، إذا أحسوا بعبثية بقائهم في تلك المجموعة. أما في حالة الإجبار، فقد يُطرد الفرد المستخدم أو الأجير، أو يعاقب إذا فكر أو حاول الخروج من الجماعة، كحالة العمال الوافدين أو حالة عمال (المياومة).

ظهور أزمة الهوية في المواطنة

كل فرد من أفراد ومواطني أي دولة، يعيش عدة مستويات من الحالات الجماعية، ولا يقدم مستوى على آخر من حيث تركيز نشاطه إلا في ظهور معالم أزمة ما في ذلك المستوى.


فقد تظهر أزمة صنف من المهنيين في البلاد، فإن كان الفرد محامياً، فإنه سيلتصق بجماعته في تلك الأزمة مؤجلاً بحث مشاكله الأخرى في المستويات المتعددة. ويعيش حالة استنفار مع المحامين لتنتهي تلك الأزمة. وكذلك يفعل عمال البناء أو الممرضون الخ.

وعندما تظهر أزمة على هامش انتمائه العرقي أو الطائفي أو الوطني، وتظهر حدة تلك الأزمة، فإنه سيؤجل أو يتناسى تفاصيل حياته اليومية ويوجه كل أحاسيسه وقدراته نحو تلك المشكلة (ما حدث في جنوب لبنان أو غزة). وما يظهر في جنوب السودان أو دارفور أو العراق.

كثرة الأزمات الحادة تثبط قدرة الفرد على التعامل مع النحن، حتى يبدو وكأن عنوان (النحن) قد ضاع، فلا تشفع أعداد المسلمين لهم في القول نحن (تعدادنا ملياراً ونصف) ولن يشفع للعرب عددهم عندما يقول أحدهم نحن نعد (ثلث مليار) من المواطنين العرب، فماذا يعني ذلك؟

إن ربط المواطنين في (نحنوات) متخصصة تضمن لهم الفائدة من ذلك الربط، وربط تلك (النحنوات) فيما بينها فيما يشكل في النهاية الدولة أو الشعب أو الأمة، هو وحده الكفيل في وصف ذلك الشعب أو الأمة بأنها أمة مزدهرة، وهو وحده الكفيل برفع درجة همة المواطنين في تصعيد دفاعهم عن هويتهم، وبعكسه فإن حالة التفكك والتقوقع نحو (غلاف) الذات ستكون النتيجة الحتمية.