(تابع مبادئ في علم مصطلح الحديث)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مظلّ له ومن يظلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
ثم أما بعد ،

فهذه هي المحاضرة الثانية من محاضرات الحديث في المستوى الأول لمعهد علوم القرآن وهو أيضا الدرس الأخير في مدخل إلى علوم الحديث. فهذه المحاضرة والمحاضرة التي كانت قبلها هما بمتابعة المقدمة التي اشتملت على بعض مبادئ علم الحديث أو مصطلح الحديث .
ونبدأ المحاضرة القادمة بإذن الله سبحانه وتعالى في شرح أول حديث من أحاديث الأربعين النووية.
نراجع على ما سبق في الدرس الماضي ،
ذكرنا أن هذه المقدمة ستشمل على 18 عنصر
1. أولها المصطلح ومعناه وذكرنا معنى المصطلح ومعنى قول العلماء " لا مشاحة في الاصطلاح ". وذكرنا أن الألفاظ قد تختلف معانيها من علم إلى علم بل قد تختلف معاني الألفاظ في العلم الواحد بحسب الزمان والمكان ومنهج المتكلم في هذا اللفظ .

2. كذلك ثانيا تكلمنا عن طرفا المُصطَلح وطرفا المُصطَلِح. الأول إما أن يكون في معناه والآخر الأحكام المترتبة على هذا المصطلح .
3. كذلك تكلمنا ثالثا عن سبل تفسير المصطلح وأن الاصطلاحات إنما يعرفها العلماء بالتتبع والاستقراء ، كذلك تعرف بالسياق الذي سيقت فيه وضربنا لذلك مثال قول الترمذي رحمه الله تعالى .
4. كذلك تكلمنا رابعا عن وظيفة المحدث وأن المحدث تتحقق وظيفته من كون بحثه في الإسناد والمتن. فإن المحدثين عليهم رحمه الله مهما تكلموا وفرّعوا فكلّ كلامهم يدور في فلك الإسناد والمتن .

5. ثم تكلمنا خامسا عن مبادئ علم الحديث ، حد هذا العلم وتعريفه وموضوعه والمقصود منه ووضعه وحكم تعلمه ونسبته لغيره من العلوم …
6. ثم تكلمنا سادسا عن السند والمتن وتعريف السند وتعريف المتن وأنواع السند .
7. كذلك تكلمنا في العنصر السابع عن أسماء المتون. فتكلمنا عن الحديث وتعريف الحديث والفرق بينه وبين الخبر و الأثر والمسند والإسرائيليات .
8. ثم تكلمنا ثامنا عن المتواتر والآحاد وأن الأخبار مهما تكن فإنها إما أن تكون متواتر وإما أن تكون آحاد ، والخبر المتواتر والآحاد ذكرنا أيضا تقسيم المتواتر إلى لفظي ومعنوي وكذلك ذكرنا الخبر الآحاد أنه ينقسم إلى مشهور وعزيز وغريب .
9. ثم تكلمنا أيضا في العنصر التاسع عن المقبول من الآحاد وأنواعه. وأنه لابد أن تتوفر فيه خمسة شروط أن يرويه عدل تام الضبط بالسند المتصل لا يكون الحديث فيه علة ولا يكون فيه شذوذ .
10. ثم ذكرنا عاشرا الحديث الصحيح وأنه هو الحديث الذي تحصلت فيه هذه الشرائط الخمسة وأن لفظ الصحة عند المحدثين قد تكون صحة مطلقة وقد تكون صحة نسبية. ونستفيد من هذا أنه ليس كل ما يصح من جهة المعنى لابد وأبدا أن يكون صحيحا من حيث الرواية . توقفنا عند هذا الحد في الدرس الماضي ونكمل بإذن الله هذه المقدمة



العنصر الحادي عشر : الحديث الحسن :
بعد أن تكلمنا عن الحديث الصحيح نتكلم عن الحديث الحسن
الحديث الحسن عندما نتكلم عنه نتكلم في نقطتين اثنتين :
• الأول معنى قول المحدثين هذا حديث حسن .
• النقطة الثانية هو مدى الاحتجاج بالحديث الحسن .

فالنقطة الأولى وهو معنى قول المحدثين هذا حديث حسن ، كلمة حسن عند علماء الحديث عليهم رحمة الله تطلق على معان متعددة. جماعها أن كل ما يُستحسن في الرواية بشيء له علاقة بثبوت الحديث أو ليس له علاقة بثبوت الحديث. فإنهم يطلقون عليه وصف الحسن أي أن هذا الحديث قد وجدت فيه صفة تدعو إلى استحسانه بصرف النظر عن كون هذه الصفة لها تأثير في ثبوت الحديث أو ليس لها تأثير …
ولهذا وجدنا بعض العلماء أو بعض أهل العلم أطلق اسم الحسن على ما هو صحيح مما قد خرّجه البخاري ومسلم ومما قد تلقّته الأمة بالقبول ومع ذلك قالوا أن هذا حديث حسن. ووجد ذلك في استعمال الإمام الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل العلم ..

ووجدنا أيضا الأئمة يستعملون اسم الحسن على كل ما هو داخل في نطاق الحجة. يعني أي حديث حجة يقولوا أنه حديث حسن. وإن لم يكن في أعلى درجات القبول. لان أعلى درجات القبول هو الحديث المتواتر الذي تواتر سنده وتوفرت فيه شروط القبول وتوفرت فيه شروط الصحة. ومع ذلك فإنهم قد يطلقون عليه اسم الحسن .
كذلك وجدنا الأئمة يستعملون اسم الحسن على كل ما هو داخل في نطاق الحجة وإن لم يكن في أعلى درجات القبول. ويطلقونه أيضا على ما هو أقل درجات القبول .

كذلك أطلق أيضا الحسن على الحديث الضعيف الذي انضمت إليه قرينة أو انضمت إليه رواية أو أكثر فارتقى بها إلى مرتبة الحجة وهذا الذي يسميه المتأخرون بـ " الحسن لغيره " كما سيأتي في معنى الحديث الحسن لغيره أن أصل الحديث ضعيف ولكن انضمت إليه بعض الشواهد أو المتتبعات التي ارتفعت بدرجة معنى هذا الحديث إلى الحسن .
كذلك وجد استعمال المحدثين لكلمة حسن في عكس ذلك تماما ، فقد استعملوا الحسن على الغريب و المنكر بل وعلى الموضوع من الأحاديث. وذلك راجع إلى شيء استحسنوه في الحديث وإن لم يكن راجعا إلى قبوله بل هو راجع إلى رده وعدم الاعتداد به. فقد يستحسنون الإسناد لاشتماله على لطيفة من لطائف الأسانيد. كأن يكون مشتمل على رواية الأقران بعضهم عن بعض أو رواية الأكابر عن الأصاغر كما هو معروف في كتب علوم الحديث ..
هذا بالنسبة لمعنى قول المحدثين حديث حسن. أما الاحتجاج بالحديث الحسن فقد ذكرنا أن الحديث الحسن يُطلق على أنواع كثيرة من الأحاديث. وذكرنا أن معرفتنا للمعاني المختلفة للمصطلح الواحد يساعدنا على معرفة الأحكام المترتبة على هذه المصطلحات ..
وعلى ضوء هذا فإذا وجدنا إماما من الأئمة أطلق مصطلح حسن على حديث من الأحاديث فلا بد أن نفهم مراده من كلمة الحسن في هذا الموضع، أما العلماء المتأخرون كابن حجر مثلا فحين يُطلق الحسن على الحديث فالغالب أنهم يقصدون الحديث الحُجّة بينما إذا قال ذلك الحكم إمام متقدم فلا بد وأن نفهم مراده، فالحسن لذاته وشرائط الحسن لذاته.
وصفه العلماء بأنه الحديث الذي اجتمعت فيه كل شرائط الحديث الصحيح. بأن يكون سنده متصل برواية عدل ضابط وأن يكون هذا الحديث خال من الشذوذ وخال من العلة سوى شرط واحد فقط ، هذا الشرط لم يختل بالكلية ولكنه نزل من أعلى درجاته إلى أدناها وهو شرط ضبط الراوي ..فالحديث الصحيح لا بد أن يكون راويه تام الضبط أما الحديث الحسن فيكون راويه خفيف الضبط ليس ضبطه نفس درجة ضبط راوي الحديث الصحيح ..

ففي الحديث الحسن راوي من جملة الثقات إلا أن ضبطه وإتقانه وتثبته لم يبلغ إلى أعلى مراتب الثقات كما وصل إلى ذلك راوي الحديث الصحيح .
فإذا تحقّق ذلك كان الحديث حسنا وحجة بلا شك .

أما الحسن لغيره وشرائط الحسن لغيره :
فالحسن إنما جاء بهذا النوع من الأحاديث أو الحُسن إنما جاء لهذا النوع من الأحاديث من اجتماع روايات بعضها ببعض وليس باعتبار رواية معية - يعني باعتبار رواية واحدة -
وصورة هذا النوع من الأحاديث أن يكون هناك حديث ضعيف قد وجد فيه سبب يوجب ردّه وعدم الاحتجاج به. فهذا الحديث الذي وجد فيه هذا السبب لا يُحتجّ به. ولكن مع ذلك فإن هذا الحديث إذا انضمت إليه روايات أخرى ومتابعات وشواهد تشهد له يصير هذا المعنى الذي تضمنته هذه الروايات كلها معنا محتجّا به .. معنا ثابتا صالحا للاحتجاج به وإن لم تصح به رواية بعينها وإنما الحجة تثبت باجتماع هذه الروايات بعضها إلى بعض .
أما الشرائط الواجب توفرها في الرواية حتى تكون حسنة بالمجموع - يعني حسنة بغيرها - ، إذا انضم إليها غيرها مما هو مثلها : لا بد أن تكون الرواية التي ستنضم إليها مثلها أو أقوى منها كما هو واضح من كلام الترمذي الذي ذكرناه الدرس الماضي. فذكر الترمذي رحمه الله ثلاثة شروط من أجل أن يكون الحديث الحسن بمعنى أنه حسن لغيره يعني هو في حد ذاته ليس بحسن هو ضعيف ولكن يُرتقى به من درجة الضعف إلى الحُسن إذا توفرت فيه ثلاثة شروط :

1. أن يكون الحديث سالما من المتهمين بالكذب أو الضعيف جدا ، لا يكون الحديث فيه كذاب ولا يكون فيه راوي ضعيف جدا .
2. أن تكون هذه الرواية سالمة من الشذوذ ، يعني مخالفة الأحاديث الصحيحة الثابتة أو الشذوذ في السند. فالشاذ والمنكر لا يصلحان للاعتبار. يعني لا يصلحان أن يكون شاهدا أو يكون تابع للحديث الضعيف
3. لا بد أن يُروى هذا المعنى من طريق آخر له نفس القوة للطريق الأول أو أقوى منه ولا يُشترط أن يكون مرفوعا بل قد يكون صحيحا موقوفا .
كذلك الحديث الذي يُراد تحسينه ، إذا هذه الشروط هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الحديث الذي لابدّ أن يُحسّن ، إذا أردت أن تُحَسِّنها وأن تحكم عليها بالحُسن لابد أن تتوفر فيها هذه الشروط ..

الحديث الذي يُراد تحسينه - نخلص من هذا - أنه لا يكون شاذ أو منكر ، لا يكون فيه راوي كذاب أو شديد الضعف لكن قد يكون مرسل أو سيء الحفظ يعني قد يكون هذا الراوي يرسل الحديث أو قد يكون سيء الحفظ. فقد يحفظ أو لا يحفظ ويحكم على الحديث بالضعف .
ما هي الأمور التي تتعلق بالرواية الأخرى التي تعبّر بها الرواية الأولى وتكون هي الشاهد أو المتابع؟
1. أن يكون نحو الأول في القوة لا يكون أقل منه
2. أن يكون سالم من حيث الرواة لا يكون فيه كذاب أيضا ولا يشترط الرفع بل قد يكون موقوف صحيح.


العنصر الثاني عشر : معنى قول الترمذي رحمه الله " هذا حديث حسن صحيح":
هل هناك تعارض بين الحُسن والصحّة ؟ بعد أن ذكرنا أن الحديث الحسن قد يُطلق على الحديث الصحيح وقد يطلق الحسن على الضعيف وقد يُطلق الحسن على الموضوع وقد يُطلق الحسن على غير هذه الأحاديث .. فهل هناك تعارض بين كون الحديث حسن وصحيح ؟ فما معنى قول الترمذي رحمه الله " حديث حسن صحيح " ، " حديث حسن غريب " ، " حديث حسن صحيح غريب " لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
لا بد أن نعلم أن المراد من قول الترمذي : لا يكون في الإسناد من يُتهم بالكذب ..
عندما يقول الترمذي رحمه الله أنه يشترط في الحديث الحسن ألا يكون فيه من هو متهم بالكذب ، ما معنى هذا الكلام ؟ معناه أن الحديث الحسن قد يكون فيه الثقة وقد يكون فيه الضعيف - كما تقدم معنا - فيكون فيهم الثقات وأهل الصدق وإن لم يكونوا من أهل الضبط وأن يكون فيهم الضعفاء الذين لم يبلغوا بضعفهم أن يكونوا متهمين بالكذب .. إذا علمنا هذا فإنه يسهل علينا أن نجمع بين درجة الحسن والصحة مع أنهما متفاوتان. فمعنى الحديث الحسن عند الترمذي أن تكون هذه الرواية سليمة من التهمة بالكذب أو رواة هذا الحديث لم يتهموا بالكذب ، أن يكون الحديث سالم من الشذوذ ، أن هذا الحديث قد روي نحوه من وجه آخر أو أكثر .

وعلى هذا سيكون هذا الحديث الذي أطلق عليه الترمذي حديث حسن صحيح ، حسن باعتبار تحقق شرائط الحُسن يعني أنه ليس فيه كذاب ورواته من أهل الثقات ومن أهل الصدق والعدالة وأنه جاء من وجه آخر لا يقل درجته عن درجة الأول ..
ويكون الحديث صحيح باعتبار أن رواته ثقات .

إذا توفرت فيه شروط الحسن عند الترمذي وتوفرت أيضا فيه شروط الصحة ، باعتبار أن الحديث الصحيح أيضا قد تحقّقت فيه في حالة كون الراوي ثقة .
وكذلك يتبين معنى قوله " حسن غريب ". بمعنى توافر شروط الحُسن أيضا ولكن الشواهد التي انضمت إليه قد وافقته في المعنى ولم توافقه في اللفظ أو تفرد الراوي بهذا الإسناد مع أن هذا الراوي ثقة ولم يُتهم بالكذب ولكنه تفرّد. فيطلق عليه غريب لأنه جاء من رواية واحدة وأيضا يُطلق عليه أنه حسن لأنه ليس هذا الراوي متهم بالكذب.

كذلك قول الترمذي " حسن صحيح غريب " فيكون صحيح وغريب يعني أنه جاء من رواية واحدة. جاء من طريق واحد ولكنه طريق صحيح. مع أنه طريق فرد طريق غريب. ولكنه هذه الغرابة وهذا التفرد احتفت به القرائن أن يكون هذا التفرد ليس خطأ ولكن هذا التفرد مقبول كما في حديث إنما الأعمال بالنيات، هو حديث غريب صحيح أو صحيح غريب. كذلك معنى حسن غريب أيضا هو واضح أن الحديث جاء من طريق واحد ولكنه حسن وليس في الرواية أحد الكذابين. فلابد أن نفهم أنه ليس معنى قول الترمذي " حسن صحيح " أنه فيه تعارض ، كذلك لا ينبغي أن نقول أن الترمذي متساهل في التحسين أو التصحيح لأنه قد بيّن ما الذي يقصده بكلمة " حسن " وما الذي يقصده بكلمة " حسن صحيح " أو " حسن غريب " وهذا الكلام هو ملخص ما ذكره الإمام الحافظ بن رجب الحنبلي في كتاب " شرح الأنام"
العنصر الثالث عشر : المردود من الآحاد وأنواعه:
الحديث المردود هو الذي اختل فيه شرط من شروط القبول كاتصال السند - عدالة الراوي - أو ضبط الرواة - سلامة الحديث من الشذوذ وسلامته من العلة
موجبات الرد :
ترجع إلى اختلال شرط أو أكثر من هذه الشروط وهي ثلاثة :
1. إذا حدث سقط في الإسناد. فمن شروط القبول أن يكون السند متصل فإذا حدث سقط في الإسناد فقد اختل هذا الشرط وهذا ما يعنيه العلماء بعلم المراسيل ويُعلم بهذا العلم المتصل من غير المتصل .
2. إذا اختل شرط عدالة الرواة أو ضبط الرواة فهذا معناه أن هناك طعن في عدالة الراوي أو ضبطه وهذا ما يختص بعلم الجرح والتعديل .
3. إذا اختل شرط سلامة الحديث من الشذوذ والعلة. فهذا ما يسميه العلماء بالطعن في الرواية من شذوذ أو علة وهو ما يسمى بعلم علل الحديث .

إذا موجبات الرد راجع إلى اختلال شرط أو أكثر من شروط القبول .. اتصال السند يقابله سقط في الإسناد وهو ما يسمى بعلم المراسيل ، عدالة الرواة وضبط الرواة يقابل ذلك طعن في عدالة الراوي أو ضبطه وهذا ما يسمى بعلم الجرح والتعديل ، إذا اختل شرط سلامة الحديث من الشذوذ والعلة فإن هذا معناه أن هناك طعن في الرواية من شذوذ أو علة وهو ما يختص بعلم علل الحديث .
العنصر الرابع عشر :أنواع السقط فى الإسناد :
نأخذ أول هذه الموجبات التي ترد الحديث وهو السقط ، أنواع السقط في الإسناد :
ينقسم السقط في الإسناد من حيث المكان ومن حيث العدد وهو أربعة أنواع :
من حيث المكان : السقط إما يكون في أول السند وإما أن يكون في آخر السند وإما أن يكون أثناء السند .

كذلك السقط من حيث العدد ، قد يسقط راوي واحد أو يسقط رجلان أو أكثر على التوالي أو على غير توالي .. قد يكون السقط في أول السند يعني من جهة المصنف ، من جهة البخاري مثلا عندما يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا معناه أنه اسقط الإسناد من جهته .
قد يكون السقط من جهة المتن أو من جهة حكاية الحديث إن صحّ هذا القول فإنه قد يقول حسن مثلا أو أحد الرواة منهم الحسن قال رسول الله فهذا سقط في آخر الإسناد . قد يكون السقط في أثناء الإسناد وهو ما يسمى بالحديث المنقطع .
السقط في الإسناد أربعة : المعلق والمرسل والمنقطع والمعضل
– المعلق هو ما كان السقط فيه من مبدأ السند ومن تصرف المصنف. سواء أكان الساقط واحد أو أكثر ، لذلك فإنه توجد معلقات كثيرة في البخاري بمعنى أن البخاري يأتي بحديث ويقول قال رسول صلى الله عليه وسلم أو روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا معناه أن البخاري رحمه الله قد أسقط الإسناد من ناحيته وذكر ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة .
كذلك نجد أن هناك معلّقات كثيرة في البخاري. أما صحيح مسلم فنجد أن المعلقات في مواضع ..
كذلك ما علّقه البخاري بصيغة الجزم يعني أنه " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه صيغة جزم معناه صحّة إسناد هذا الحديث عند البخاري . كذلك ما علّقه البخاري بصيغة التمريض كـ" روي" فإنه يُشير إلى عدم صحّته إلى من علّقه عنه . كذلك المعلّق الضعيف في البخاري قد عرف بالاستقراء أنه لا يسقط بالمرة ولا يكون باطلا أو منكر بل غالبا ما يكون له أصل أو شاهد أو متابع .

- المرسل هو ما كان السقط فيه من جهة التابعي فيرفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عكس الحديث المعلق. فالمعلق يكون السقط فيه من أول السند أما المرسل فيكون السقط فيه من آخر السند. وليس المرسل كما هو مشهور عند بعض العلماء هو ما سقط من إسناده صحابي لأننا لو علمنا يقينا أن الساقط في الإسناد هو الصحابي فإن الصحابة كلهم عدول ولا يكذبون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلّما يخطئون وأنهم تحمّلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين فإننا لو علما وتيقنا أن هؤلاء صحابة فإننا نجزم بصحّة هذا الحديث أو قد نجزم بصحة هذا الحديث ..
لذلك فقد أخطأ صاحب البيقونية عندما قال :
ومرسل - يعني الحديث المرسل - منه الصحابي سقط
فعندما نقول أن الحديث المرسل ما سقط منه الصحابي فهذا ليس بالصحيح بل الصحيح أن الحديث المرسل هو ما سقط فيه من فوق التابعي فيرفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أو أن نقول أن المرسل هو ما سقط فيه من جهة التابعي فقد يسقط فيه الصحابة وقد يسقط فيه التابعون .. قد يرسله التابعي عن تابعي ، قد يكون الساقط في الإسناد التابعي قبل الصحابي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .

الحديث المرسل يحتجّ به العلماء وهو حُجّة بشروط ، هناك شروط خاصة بالرواية المرسلة نفسها وهناك شروط خاصة بالأمور التي تُعضَّد بها هذه الرواية المرسلة التي يُحتج بها ..
الاحتجاج بالحديث المرسل :
الرواية المرسلة لابد أن تتوفر فيها شروط أو هناك أمور أخرى لابد أن تتوفر من أجل أن يُعضَّد بها هذه الرواية المرسلة بعيدة عن هذه الرواية المرسلة .
الذي ينبغي أن يتحقق في الرواية المرسلة :
صحّة سندها إلى مرسلها ، فيكون السند صحيح إلى المُرسِل ، يعني إلى التابعي مثلا .

كذلك ألا يعرف هذا التابعي أو هذا المرسل بالرواية عن المجروحين وأن يكون ثقة في نفسه لا يخالف الحفاظ ، أن يكون من كبار التابعين لا من صغارهم . كذلك الشروط أو القرائن أو الأمور التي تُعضِّد هذه الرواية المرسلة التي توافرت فيها هذه الشروط مجتمعة ، أن تأتي رواية أخرى تُعضِّد هذا المعنى فيصح معنى هذه الرواية المرسلة أو لفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم. أو يوجد مرسل آخر في نفس قوته أو أقوى غير معروف بالرواية عن شيوخ تابعي المرسل الأول ولا عن التابعي نفسه حتى لا يرجع إلى نفس الرواية .
كذلك أن يوافقه كلام الصحابة الثابت الصحيح عنهم أو يوافقه كلام عامة أهل العلم . أي من هذه الأمور إذا وجدت فإنه يعضد بها الرواية المرسلة ، بشرط توفر هذه الشروط فيها ، أن تكون صحة السند إلى مرسلها - ألا يعرف بالرواية عن المجروحين - أن يكون ثقة في نفسه لا يخالف الحفاظ - أن يكون من كبار التابعين لا من صغارهم .

- المنقطع - تكلمنا عن المعلق والمرسل ، أما المنقطع فهو أن يسقط من الإسناد راوي في أثناء السند لا من أوله ولا من آخره وإن كان أكثر فلا يُتوالى فإن توالى كان المعضل وهو أن يسقط من السند على التوالي رجلان كالراوي وشيخه ، كالتابعي والصحابي أو التابعي وتابعي التابعي ..
فإن سلم الحديث من هذه الأنواع الأربعة سمّي متصل أو موصولا أو مؤتصل.

بقي أن نعلم وسائل السقط في السند ..
وسائل السقط في الإسناد إما أن تكون بالتدليس أو بالإرسال الخفي ، وبعض العلماء لا يُفرِّق بين التدليس والإرسال الخفي

التدليس ينقسم إلى ثلاثة أنواع :
تدليس الإسناد وهو ما يسمّيه العلماء بتدليس السماع :
ومعناه هو أن يروي الراوي الذي عرف بالتدليس عن شيخه الذي سمع منه في الجملة ، يعني هو سمع منه لكن لم يسمع منه هذا الحديث بعينه أو لقيه ولم يسمع منه أو عاصره وهذه الثانية ما سمّاه ابن حجر بالإرسال الخفي ..
روى عنه حديث لم يسمعه منه لكن هو أصلا يسمع منه ، لكن ليس شرط أن يسمع منه كل الأحاديث فيروي عنه أحاديث لم يسمعها منه بل أخذه عن رجل آخر أو أكثر عن هذا الشيخ ثم إذا ما روى الحديث يّسقط هذا الراوي الذي هو عبارة عن واسطة بينه وبين شيخه الذي له منه سماع في الجملة ثم يرتقي بهذا الحديث لشيخه بدون تصريح بالسماع لأنه لو صرّح بالسماع يكون كذاب ولكنه يذكر لفظا يوهم السماع ولا يقتضيه مثل قال فلان ولم يقل سمعت أو حدثنا أو أخبرنا أو عن فلان أو أن فلانا قال ..

مثال ليتضح الأمر : أن سفيان ابن عيينة كان يروي أحاديث عن الزهري ، سفيان ابن عيينة معروف بالتدليس وليس هذا طعنا فيه بل إن التدليس يعني ذكر العلماء أن الرواة الذين يدلّسون وهم ثقات فإن هذا يرجع إلى أمور كثيرة ليس محلّها الآن لأن المعرض في الكلام مختصر ، فيجيء مثلا سفيان ابن عيينة وهو يروي أحاديث عن الزهري أصلا - يعني الزهري من شيوخه - ولكن ليس كل ما يرويه سفيان يكون عن الزهري. فلما قيل له أسمعت هذا عن الزهري قال لا سمعتها من فلان عن الزهري ، إذا هو اسقط شيخه ثم أرسله إلى الزهري مباشرة ومن فلان وفلان عن الزهري .. إذا بينه وبين الزهري ، إذا هو يروي عن الزهري ويروي عن شيخ عن الزهري ويروي عن أكثر من شيخ عن الزهري فأحيانا عندما يقول " عن الزهري أو قال الزهري " فهذا قد يكون سفيان سمعه منه وقد يكون لم يسمعه منه بل يكون سمعه من شيخ عن الزهري .
كذلك مثال آخر : وهو أن يرويه عن شيخه ثم بعد ذلك ، هو سمعه من شيخ آخر بوسيلة فيسقط هذه الوسيلة فيرويه عن الشيخ مباشرة كما تقدم هنا .

- تدليس التسوية أو التجويد والتحسين لأنه يجوّد في الإسناد ويُحسِّن فيه لأن الراوي يجوِّد روايته ويحسّنها بأن يحذف ما فيه من الضعفاء ويبقي الثقات فحسب .
مثال : كأن يرويه عن شيخه ويُصرِّح بالسماع منه ثم يسقط شيخ شيخه الضعيف ويسوق الحديث بلفظ محتمل إلى الشيخ الثالث فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل وهذا نوع من التدليس غامض جدا ودقيق وآفته عظيمة ولكن أئمة الحديث لا تخفى عليهم مثل هذه الأفاعيل .
مثال عملي : ما رواه هيثم بن بشار عن يحي بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن عبد الله بن الحنفية عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تحريم لحوم الحمر الأهلية ..
قال العلماء أن يحي بن سعيد الأنصاري لم يسمع هذا الحديث من الزهري ، لكن يحي بن سعيد الأنصاري يسمع من الزهري أصلا لكنه لم يسمع هذا الحديث من الزهري ..
طيب إذا هناك سقط بين سعيد الأنصاري والزهري إنما أخذه مالك عن الزهري إذا فالذي سقط بين يحي بن سعيد والزهري هو مالك والذي أسقطه هو هيثم بن بشار الذي روى عن يحي بن سعيد ومعلوم أن يحي الأنصاري له سماع من الزهري في الجملة ..
فالحاصل أن حديث علي بن أبي طالب رضي اله عنه في تحريم لحوم الحمر الأهلية عندما يرويه هيثم بن بشار يرويه عن شيخه الثقة كذلك يرويه عن مالك وهو ثقة ولكن اسقط الإمام مالك ويرويه عن الزهري ..
طيب ، لماذا سمي هذا تدليس ؟ لان يحي بن سعيد الأنصاري يروي عن الزهري ، أحيانا يروي عن مالك عن الزهري وأحيانا يروي عن الزهري فقط فعندما تسقط مالك فإنه بذلك يوهم أن السند متصل وهو ليس كذلك ، فقد يكون هذا الراوي الذي أسقطه رجل ضعيف وتكون آفة الحديث منه فيظهر الإسناد بعد حذفه كأنه صحيح وهذا نوع من التدليس هو أفحش أنواع التدليس وشرّها مطلقا حتى أن بعض أهل العلم يعتبر الذي يفعل هذا الفعل قادح فيه لاسيما إذا كان من يسقطه ضعيفا يريد تعمية ضعفه عن السامعين. كذلك قد يقع التدليس من بعض الثقات خطأ أو غفلة أو تساهل كما جاء عن العلماء

- تدليس أسماء الشيوخ كأن يسمي شيخه الضعيف باسم شخص آخر وهذا الشخص الآخر ثقة فيتوهم السامع أن هذا الشيخ ثقة وهو ليس كذلك ..
مثال : عطية العوفي كنّى محمد بن السائب الكلبي سماه أبا سعيد ، محمد بن السائب الكلبي متروك ، الكلبي كان يروي أحاديث مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة - يعني الكلبي يجيء فيقول " قال صلى الله عليه وسلم " أو " عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيعمد عطية هذا إلى هذه الأحاديث المرسلة عندما يرويها عن الكلبي تكون مرسلة فكيف يتوهم السامع أنه مسندة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ عندما يكنّي عطية العوفي محمد بن السائب الكلبي بأبي سعيد فيتوهم السامع أن أبا سعيد هذا هو أبو سعيد الخذري وهو ليس كذلك بل هو الكلبي الذي يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
طيب ، لماذا يتوهم ؟ لأن عطية العوفي نفسه كان يسمع من ابي سعيد الخذري فلما مات سمع من الكلبي. فيتوهم السامع أن عطية العوفي يسمع من ابي سعيد وهو يكني محمد بن السائب الكلبي . والحاصل أن حكم هذه الأحاديث التي يقع فيها التدليس فإنها تعامل معاملة المسروق من حيث عدم الاعتداد بها ولا يعتبر بها ولا يدفع بها تفرد ولا يصحح بها حديث ولا تصح أن تكون شاهد ولا تصح أن تكون متابعة لأحاديث أخرى .

العنصر السادس عشر : أقسام الطعن :
ينقسم الطعن إلى قسمين أساسيين وكل منهما ينقسم إلى ثلاثة أقسام : إما أن يكون الطعن في الراوي أو يكون الطعن في الرواية. الطعن في الراوي قد يقدح وقد لا يقدح وقد يستلزم الطعن في الراوي الطعن في الرواية .. كذلك الطعن في الرواية قد يقدح وقد لا يقدح وقد يستلزم الطعن في الرواية الطعن في الراوي لذلك .
العنصر السابع عشر : الطعن في الراوي :

يطعن في الراوي بأحد أمرين : إما في عدالته وإما في ضبطه ، والعدالة - كما تقدم معنا - أي هو الراوي الذي لا يشتهر بالكبائر ويتقي في الغالب الصغائر والطعن في الضبط هو الإتقان والحفظ
والضبط ضبطان; الصدر والكتابة - كما تقدم معنا أيضا في الدرس الماضي -
وهناك أمور هامة تتعلق بالعدالة والضبط ، أن الكافر والفاسق كلاهما ساقط العدالة ويجب أن يكون عند روايته للحديث مسلم وإن لم يكن كذلك وقت تحمّله يعني قد يتحمل الحديث وهو كافر لكن عندما يرويه يكون مسلم ، لكن يشترط لما يرويه يكون مسلم ولا يشترط عند تحمله أن يكون مسلم كحديث هرقل وأبي سفيان
ففي صحيح البخاري أن هرقل يسأل أبا سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه قبل أن يسلم ، فأبا سفيان تحمّل هذا الحديث وهو كافر ولكن عندما رواه رواه وهو مسلم فيقبل منه . كذلك العدالة لا يطعن فيها إلا مع معصيته وفسقه وخوارم متفق عليها لأن هناك خوارم للمروءة غير متفق عليها يعني مثلا قد يكون هناك خارم للمروءة في زماننا أو في زمان بعض الرواة لا يكون خارم للمروءة في زماننا. فنجد مثلا الجلوس في الطريق هل هو من خوارم للمروءة في بلدنا مثلا إذا قلنا أننا في الرياض أو إذا قلنا أننا في أي بلد من البلاد المدنية التي تسمى المدن ، إذا جلس إنسان وفرش سجادة أو حصيرة في الطريق ها يعد هذا من خوارم للمروءة ؟ نعم لأنه يجلس في الطريق ويتصدر للنساء وهكذا .. لكن في القرى إذا جلس الرجل على نهر بجوار حقله وفرش سجادة ودعى الناس للطعام والشراب هل يعد ذلك من خوارم المروءة ؟ لا يعد لأن هذه عادتهم بل من لم يفعل ذلك فإنه يعد بخيلا لأنه لا يريد أن يجلس الناس معه .. هكذا نجد أن خوارم المروءة لابد أن يكون متفق عليها أن تكون خوارم للمروءة .

كذلك يعرف ضبط الراوي بتتبع رواياته ، كيف يُعرف ضبط الراوي ؟ بتتبع رواياته وعرضها على روايات الثقات المعروفين . وكذلك المصر على الخطأ إن لم يكن ليس متيقن ، أو تيقن سيكون كذابا . كذلك الأخطاء التي يستدل بها على ضعف الراوي وعدم ضبطه بحسب نسبة الأخطاء للصواب ونوع الخطأ . كذلك الراوي الذي اتصف بالعدالة والضبط يسمى عند المحدثين القدامى بالثقة وهم مراتب أعلاها الحفاظ ثم الشيوخ ثم إن اسم الثقة قد يطلق أحيانا على من كان عدلا فقط وإن لم يكن ضابطا ، أما عند المتأخرين فإنها تكون أوسع من ذلك .

العنصر الثامن عشر : الطعن في الرواية :
هو العنصر الأخير في هذه المقدمة : الطعن في الرواية
فبعد أن تكلمنا عن الطعن في الراوي نتكلم عن الطعن في الرواية وهو ما يسمى عند العلماء بعلل الحديث. يقصد بهذا الفصل بالدرجة الأولى الرواية السالمة من الطعن في أحد رواتها ، فالرواة ثقات ولكن اعترى الرواية خطأ وهذا ما يسميه العلماء بالحديث المعلول. هذا الباب هو ما يتضمنه مبحث علم علل الحديث وهو من أدق مباحث الحديث وأعمقها وأنه لم يتكلم فيه إلا أفراد قليلون من الأئمة الحفاظ .. وهذا الفصل أو هذا العنصر هو محاولة لتلخيص القول في علل الحديث في عدة نقاط بحيث من ألمّ بها كان على بصيرة ومعرفة بهذا العلم وتصير هذه النقاط كالمفتاح لطالب العلم يعينه على الدخول فيه .

هناك ثلاثة نقاط أساسية في هذا الفصل :
_موجبات رد الرواية
- أنواع علل الحديث
- المصطلحات التي يكثر استعمالها في هذا الباب .

موجبات الرد هي العلة والأسباب التي وجدت في الرواية كانت هذه الأسباب سببا للحكم عليها بأنها خطأ. صورة هذا الخطأ قد تقع في تقديم وتأخير ، زيادة في نقصان. كذلك المصطلحات ، مصطلحات العلة هي الألفاظ التي يعبّر بها الأئمة عن الخطأ في الرواية مثل قولهم : حديث منكر ، شاذ ، باطل ، لا أصل له .
موجبات الطعن في الرواية : متى يطعن في الرواية ؟ بأحد أمرين : بالتفرد أو بالمخالفة. التفرد وليس كل تفرد يطعن في الرواية بل التفرد مع قرينة تدل على كونها خطأ . وكذلك ليست كل مخالفة ، فالمخالفة التي تطعن في الرواية هي المخالفة المصحوبة بالقرينة الدالة على الخطأ .
أما أنواع العلل ، فأنواع علل الحديث :
- الزيادة المطلقة التي ليس لها أصل مروي
- زيادة لها اصل مروي ولكن في حديث آخر
- زيادة صحيحة في حديث آخر وليس في حديث هذا الصحابي
- إبدال شيء بشيء أو تقديم أو تاخير سواء أكان في السند أو في المتن .
المصطلحات التي يطلقها أئمة الحديث تعبر عن الخطأ الذي وقع في الرواية بغض النظر عن نوع هذا الخطأ .. فمثلا مصطلح " باطل " و " لا اصل له " و " موضوع " هو لم يذكر نوع الخطأ بل هذه الألفاظ كلّها تأييد أن هناك خطأ ، لكن ماهو نوع هذا الخطأ ؟ لم يذكره ، هل هذا الخطأ تقديم .. تأخير .. زيادة .. نقصان .. كذلك مما سبق يتبين أن الحديث المقلوب ممكن ايضا أن نقول عنه حديث منكر ، حديث شاذ .

السبيل إلى إدراك العلة هو عملية البحث عن تابع أو شاهد وهو ما يسميه العلماء بالاعتبار ولا يكتفي فيه العلماء بالمرفوعات فحسب بل ينظرون من الموقوفات التي تروى في الباب .
المتابع والشاهد
المتابعة هو أن يروي الحديث راوي آخر فيوافق الراوي الأول في الحديث من شيخه فصاعدا ، يوافقه في شيخه أو شيخ شيخه إلى أن ينتهي الإسناد ، أو يوافقه في المتن وهذا ما يسمى بالمتابعة التامة .. أما إذا كانت الموافقة في بعض الإسناد فتكون المتابعة قاصرة. أما الشاهد فهو أن يجيء متن آخر في الباب يروى عن صحابي آخر بسند آخر يتضمن المعنى الذي وجد في الرواية المشهود لها فحينئذ تكون الرواية الثانية شهيدة للأولى أي بالمعنى .. فإذا لم تكن الرواية قد وجد لها متابعة ولا شاهد فهي حينئذ رواية غريبة غرابة مطلقة إسنادا ومتنا . هذا الاعتبار عند الأئمة له معنيان : إما البحث عن الشاهد والمتابع وإما أن يراد بالاعتبار الاختبار بصرف النظر عن حال الراوي. علماء الأحاديث يكتبون أحاديث الراوي لينظروا فيها هل هي أحاديث مستقيمة أم غير مستقيمة

كذلك ذكر العلماء أنواع العلل كما تقدم معنا أنهم ذكروا ألفاظا يعبّرون بها عن الخطأ ولكن لم يعبّروا بها عن نوع الخطأ. ولكن هناك بعض الألفاظ الأصل فيها أنها تعبّر عن بعض أنواع الأخطاء كـالقول هو تغيير شيء بإبداله بشيء آخر سواء كان في السند أو في المتن أو فيهما معا.. كذلك الإدراج أن يكون الراوي قد قال كلاما من قبله إما في أول الحديث أو في أثناءه وهذا كله يعرف بالقرائن . وأسباب هذا الخطأ في الروايات الاعتماد على كتاب غير مصحح وغير مقابل أو الرواية بالمعنى والمصطلحات أو الألفاظ التي تدل على هذه العلل : المنكر والشاذ والباطل والساقط ولا أصل له والمتروك والمطروح والموضوع .. كل هذه الألفاظ تدل على وجود خطأ أو تدل على وجود علة في الحديث.

هذا هو آخر ما أردت أن أذكره لكم في هذه المقدمة المباركة بإذن الله سبحانه وتعالى ونعمد إلى إجابة بعض الأسئلة :
س 1 : هل يوجد كتاب يمكن أن نجد فيه المادة باستفاضة أكثر من الموجودة ؟
ج 1 : الحقيقة أن هناك كتاب وهو كتاب " المدخل " للشيخ طارق بن عوض الله وكذلك كتاب " شرح لغة المحدث " بإمكانكم أن ترجعوا لهذا الكتاب ، وهذا هو المقرر .

س 2 : ما معنى يقدح في التدليس؟
ج 2 : التدليس يقبح في الرواية لأن هذا التدليس معناه وجود خطأ وهذا الخطأ يشبه السرقة ، يعني معنى التدليس أنه يسمي الإنسان بغير اسمه أو أنه يسقطه ويروي عن شيخ شيخه فهذا معناه أنه يقبح في الرواية ، يعني كيف تقبل رواية فيها هذا الخطأ ؟

س 2 : هل معنى قبول حديث مرسل بهذه الشروط التي تفضلتم بذكرها يعني أن المرسل في هذه الحالة يكون في منزلة الحديث الصحيح ؟
ج 3 : ليس في منزلة الحديث الصحيح بمعنى الدرجة ، يعني الحديث الصحيح أعلى درجات القبول والحديث الحسن أقل منه لكن يكون في مقام الحجة ، فيكون كالحديث الصحيح من جهة الحجة لكن ليس كالحديث الصحيح من جهة الدرجة كالمتواتر مثلا والآحاد ، الآحاد منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف ، فهل الحديث المتواتر كالحديث الصحيح ؟ ليس كذلك


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الكلام حجة لنا لا علينا ونعوذ بالله أن نذكّر به وننساه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
انتهت المحاضرة
منقول عن معهد الفرقان الشرعي فمن لديه التتمة فلايبخل