متحف معرة النعمان.. الفسيفساء تتكلَّم المصدر : آنا البني 28/08/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعييقع متحف معرة النعمان -وهو خان مراد باشا- في منتصف مدينة معرة النعمان الشرقي، وسط شارع أبي العلاء. ويجاوره من الجنوب خان أسعد باشا العظم، حيث يفصل بينهما حديقة بسيطة يتقدَّمها تمثال نصفي لأبي العلاء، ومن جهاته الأخرى عدة دوائر رسمية.



ومتحف المعرة كان خاناً عثمانياً ومحطة استراحة على طريق قافلة الحج القادمة من اسطنبول إلى الديار المقدسة والمسماة بقافلة الحج الشامي. وفي عام 1987، تحوَّل إلى متحف يضمُّ اللقى الأثرية من منطقة معرة النعمان الغنية بعنصر زخرفي مهم جداً، حيث يأتي متحف المعرة في طليعة المتاحف المتخصصة بالموزاييك على مستوى العالم، إذ تُعرض فيه حالياً 1600م2 من الموزاييك، وثمة 400م2 أخرى موجودة في المستودعات.

قصة الخان:
بنى (خان مراد باشا) مراد جلبي أمين الخزائن السلطانية، وذلك بُعيد دخول العثمانيين إلى سورية، وذلك عام 974هـ/1595م. وكانت الغاية من المبنى أن يكون محطة استراحة وفندقاً وتكية لإطعام المسافرين وأبناء السبيل وغيرهم. المبنى بناءٌ محكم الصنع ومتقنٌ للغاية، حتى ليحسبه الزائر من حجر واحد، وكأنَّ بانيه قد فرغ من بنائه لتوّه. وقد بقي خان باشا مستمراً للغاية المُنشأ من أجلها حتى أوائل القرن العشرين، حيث ضعفت وارداته، فضُمَّ إلى أوقاف الجامع الكبير في المعرة وبدأ بتأجيره كأقسام لغايات مختلفة، الأمر الذي أضرَّ بالمبنى وأضعف عناصره الإنشائية نتيجة الإهمال الذي لحقة من المستأجرين، فسارعت وزارة الثقافة (المديرية العامة للآثار والمتاحف) إلى استصدار المرسوم الجمهوري رقم 144 لعام 1982، الذي يقضي بترميم هذه الآبدة، ومن ثمَّ تحويلها إلى متحف محلي. وفعلاً بدأت ورشات الترميم عملها في مطلع عام 1983، ودشّن كمتحف في نيسان عام 1987، وكاد يكون مختصاً لعرض اللوحات الفسيفسائية المكتشفة في منطقة المعرة وما حولها لولا عرض بعض القطع الأثرية ضمن خزائن زجاجية.

وصف المبنى
يتألف متحف المعرة (خان مراد باشا) من أربعة أجنحة. ويبلغ طول الواجهة الرئيسة للخان 70م، بعمق 80م، ويرتفع نحو سبعة أمتار. وقد شيّد من حجارة كلسية كبيرة الحجم منحوتة، ويبلغ عرض الجناح خمسة عشر متراً، ويفصل بين كلّ جناحين معبر يؤدي إلى مرافق خدمية يضمُّ أربع غرف متقابلة ماعدا المعبر الشمالي الذي يؤدي إلى دورة المياه. وتحيط الأروقة بباحة مكشوفة واسعة، يتوسطها بناء التكية، ويحوي بداخلها فسيقة ماء، ويقوم بناؤها على أعمدة أسطوانية وأقواس مدببة، وسقفها يضمُّ قبة مستطيلة. ويتقدَّم التكية من الجنوب بناء المسجد، وله قبة نصف كروية. أما المرافق الخدمية التابعة لبناء الخان، فهي سوق تجارية واقتصادية مؤلفة من ستة مخازن متقابلة، وحمام التكية بطرازها المعروف (البراني والوسطاني والجواني)، وغرفة القمين. وهذه المرافق، تلاصق بناء الخان من الجهة الغربية. وشمالي الحمام يوجد الفرن ومستودعات للغلال وغرفة مدار لتوزيع الماء بواسطة حلاقيم فخارية متصلة من البئر إلى خزان أرضي بجانب المسجد من الغرب. ويتربَّع مبنى الخان، مع ملحقاته، على مساحة من الأرض قدرها سبعة دونمات.

أجنحة المعرض..

ويضمُّ الجناح الأول من المتحف لوحتين تدعيان «فركيا»، حيث تتحدَّث اللوحة الأولى عن الأخوين روميو وروميلوس وذئبة ترضع الطفلين، وهي حكاية معروفة في المصادر اللاتينية القديمة، ويعود تاريخها الى القرن التاسع قبل الميلاد. ويعود تاريخ اللوحة إلى سنة 910م. أما اللوحة المقابلة لها فتعود إلى أرضية غرفة في كنيسة مؤرخة سنة 510م. ويضمُّ الجناح الثاني‏ لوحتين أيضاً، تسمى الأولى لوحة أم حارتين، والثانية لوحة الهواة مؤرخة عام 567م ترمز إلى القديس سيرجيوس. وثمَّة لوحة مشابهة لها موجودة في متحف استنبول. أما الجناح الثالث‏ فيضمُّ عدة لوحات، أهمها لوحة (كفرطاب)، عثر عليها في قرية تحمل الاسم نفسه، وتقع غرب خان شيخون. وقد ورد ذكرها في المصادر التاريخية، وفي شعر أبي العلاء المعري.‏.‏
أما الجناح الرابع، فيضمُّ لوحة هرقل، التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، أي إلى الفترة الرومانية. وتحكي اللوحة قصة تأسيس الإمبراطورية اليونانية. وفي اللوحة ما يصوّر ولادة هرقل، ثم تحكي في سبعة أجزاء عن بطولاته ومطارداته وأعماله الأسطورية.


تقع مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، وتعلو عن سطح البحر 496 م. ومما أعطى مدينة المعرة الأهمية، هو ما تتمتَّع به من مناخ لطيف وموقع استراتيجي، لاسيما مجاورتها لـ(إيبلا)، ووقوعها أيضاً بين مملكتين مهمتين هما أفاميا في الجنوب الغربي وشاليسيس قنسرين إلى الشمال منها، فضلاً عن السهول الخصبة والطبيعة الجيولوجية التي امتازت بها أيضاً.
ومعرة النعمان من المدن السورية المغرقة في القدم، شهدت حروباً دامية من غزاة الفراعنة والآشوريين واليونانيين والبيزنطيين والفرس والرومان.