الكتابة بين الحريّة و النّمطيّة


نكتب كثيرا ، و في مواضيع مختلفة و متناقضة منها ما هو فلسفيّ

و منها ما هو أدبيّ أو إجتماعي أو سياسي ....و لكننا في مختلف

كتاباتنا نطبق مناهج متعددة و نخضع أفكارنا لضوابط نحاول قدر الإمكان

عدم الخروج عنها ، فإذا كنّا من أنصار الفلسفة الليبيرالية فإننا نحلل

طبيعة مجتمعاتنا وفقا لهذه الفلسفة ، أمّا إذا كنّا من أتباع الفلسفة

الإشتراكية فإننا نحلل المجتمع وفق هذه الفلسفة أيضا ، و هكذا

يكون الأمر مع الفكر القومي و الفكر الإسلامي ... و تنعكس هذه

المناهج التي نتعلمها في المدارس و الجامعات على تحليلنا لمختلف

النصوص و الخطابات . ففي مجال الأدب قد نحلل النصّ بمنهج العلوم

الإجتماعية و قد نحلله تحليلا نفسيا أو تاريخيّا أو بنيويا . و هذه

المناهج تؤثر بحكم تعوّدنا على استخدامها و التعامل معها على

سلوكنا و على تعاملنا مع محيطنا الإجتماعي . و يضاف إلى هذه

المناهج جملة المبادئ و القيم و السلوك الذي يطبع شخصيتنا

بحكم التربية و التعليم و بحكم ما تلقيناه من المجتمع أثناء إحتكاكنا به

و تعاملنا معه . و بهذا فإننا لا نكتب ما نريد كتابته فعلا و لا نعبر عن

حقيقة مشاعرنا ، و لكننا نعبّر عن وجهة نظر المجتمع بصورة غير مباشرة ،

و نخضع أنفسنا لضوابط في حين أننا نتوهم أننا أحرار و أننا نقول ما

نريد قوله . لكننا إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى نرى أننا لا يمكن

عند الكتابة أو التعبير عموما أن ننطلق من فراغ ، فالموضوع يحكمنا

و يفرض علينا التقيد به ، و لتحليله ينبغي أن نسلك منهجا و خطة

نستطيع من خلالها إبراز آرائنا للآخرين ، و لو تخلينا عن هذا التخطيط

و هذا المنهج لكان كلامنا عبثيا و غير مفهوم . و إذا كان كلامنا غير مفهوم

و لا يخضع للمناهج و الضوابط التي اعتاد الناس استعمالها في خطاباتهم

سواء المكتوبة أو المنطوقة فمن المستحسن أن نصمت و إلا فإننا

سنتهم بالجنون و العبثية أو سنتهم بالتعالي على لغة الخطاب اليومي

إبرازا للذات و حبّا للتميّز .

إنّ للمجتمع قانونه و سلطته التي تخضع الأفراد لمشيئته ، و بالتالي فإنّ

حظ الإبداع يقلّ نتيجة البحث عن النمطية في أشكال التعبير و مضامين القول .

فهل نعبّر عن آرائنا و مشاعرنا و رؤانا حسب الطريقة التي توافق المجتمع

و بالتالي نفكر أثناء الكتابة في المتقبل و مدى فهمه لطبيعة الخطاب ؟

أم أننا نكتب للتعبير عن ذواتنا سواء فهم المتقبل خطابنا أو لم يفهمه ؟

و هل نحدد لأنفسنا منهجا و تخطيطا لتحليل المواضيع التي نريد التعبير عنها ؟

أم أننا نترك العنان لقلمنا ليخطّ بحرية ما يشعر به و نفسح المجال لفكرنا ليعبر

عن ذاته كما يريد لا كما يريد الآخرون ؟ . و هل الإبداع في الكتابة مشروط

بعدم إتباع المناهج المعمول بها و التي يفرزها المجتمع حسب مراحل تطوره ؟

أم أنّ الإبداع شهادة يمنحها المجتمع للذين يتبعون نواميسه و يسيرون

وفق ضوابطه ؟


الهادي الزغيدي