أسباب الفقر وظواهره في المجتمع
مساهمات القراء

تألمت كثيرا عندما قرأت تحقيقا بعنوان "إستفحال ظاهرة عمالة الأطفال" للأنسة ميس بركات لما يعرض من آفة إجتماعية تتزايد يوما بعد يوم. ولكن ما أثلج صدري هو تعليقات القراء الذي إن دل على شيء فهو يدل على وعي معظم المعلقين لأسباب هذه الظاهرة.


حيث كانت نسبة الذين عزوا تلك الظاهرة لسببها الرئيسي ألا وهو الفقر والفساد حوالي 62%. أما الذين عزوا تلك الظاهرة لسبب الإنفجار السكاني كانت 17%. والباقي 21% من المعلقين لم يبدوا آرائهم الحقيقية.
وهذه نتيجة منطقية لأن علاقة المال والبنون هي علاقة "رياضية" عكسية تماما وقد وصفها الله عز وجل في محكم آياته على أنها "زينة الحياة الدنيا". فالمال هو المتغير والبنون هو التابع. وكلما زاد المال قل الأولاد والعكس صحيح. ورغم وجود بعض الحالات الخاصة ككثرة المال والأولاد معا أو إنعدامهما تماما، يبقى الشكل العام لهذه العلاقة عكسيا. والأدلة على ذلك كثيرة. فحبّ اليهود للذهب والفضة والمال جعلهم أقلية في هذا العالم. وكما نعلم أن هناك بعض الدول الأوربية تعاني من نقص عدد سكانها والسبب هو الرفاهية التي يعيشونها في بلادهم لذا فإنهم يفتحون الأبواب أحيانا للهجرة وإعطاء الجنسية لتجنب قلة العدد أو الإنقراض.
لهذا فإن المنادون بتحديد النسل ومنع الإنفجار السكاني ووضع قوانين صارمة يحاولون تغيير الشكل الطبيعي لمعادلة هذا الكون ويتناسون معالجة السبب الرئيسي لهذا الإنفجار ألا وهو الفقر. ورغم أنني أؤيد الدعوة لتوعية المجتمع بشأن تحديد النسل في ظل هذه الظروف التي نعيشها ولكنني أؤيد أكثر محاربة الفقر. فالإنفجار السكاني هو ظاهرة من ظواهر الفقر والعكس هنا ليس صحيح تماما بمعنى أنه ليس سببا من أسباب الفقر، ولذلك لا يمكن معالجة الفقر بتحديد النسل فقط. والدليل القرآني على ذلك هو منع قتل الأولاد خشية الإنفاق فالله يرزقهم وإيانا والله أعلم. وهنا يجب أن لا يفهم البعض أنه علينا بزيادة عدد الأولاد لزيادة رزقنا ؟؟!!
لست هنا بصدد التعريف بأسباب الفقر الرئيسية والتي أظنها معروفة عند معظم القراء ولكن أدعو نفسي وإياكم إلى وضع هذه الأسباب نصب أعيننا لمحاربتها وعدم الخلط بين أسباب الفقر وظواهره. وعذرا أيها السادة القراء أنني لا أريد ذكر إسمي لأنه ليس مهما بقدر ما أريد أن أحيطكم علما أنني كنت واحدا من هؤلاء الذين سعوا للعمل بسن مبكرة خلال عطلات الصيف فقد عملت بائعا "للهلاجوس" ضمن منطقة الكراجات بدمشق وكذلك بائعا متجولا للكاتو ثم عملت بعد حصولي على شهادة الكفاءة (التاسع) بمحل ضمن سوق "تفضلي" في منطقة الحريقة. وبعدها تعلمت مهنة التمديدات الصحية والتدفئة المركزية حيث عملت ضمن عدة "ورشات عمل" خلال مرحلة التعليم الثانوي ودراستي في الجامعة وبالإضافة لذلك عملت موظفا "حارسا ليليا" في مدرسة من مدارس دمشق خلال دراستي في الجامعة ثم تابعت دراسة الماجستير ومن بعدها الدكتوراة وتوظفت أخيرا لأجد نفسي غير قادر على تأمين معيشتي! فهل مشكلتي أتت من الإنفجار السكاني؟! وقد حدث منذ عدة شهور أن كنت أتناقش مع زوجتي لشراء بعض الحاجيات وكان طفلي ذو الخمسة أعوام يستمع لنا من حيث لا ندري وعندما سمع أنني قلت لها "ليس معي نقود" قال لي أنه يريد أن يجلب لي المال من خلال شراء الأغراض من عند البائع فيعطيه البائع النقود "المرتجعة". ظنن منه أن هذه هي وسيلة الحصول على المال. فقلت في نفسي أن الدنيا تعيد نفسها من الآباء للأبناء للأحفاد فربما سمعت تلك العبارة وأنا صغير من والدي الموظف ففكرت بالعمل وأنا صغير؟ والسؤال هنا هل كنت رقما ضمن إحصائيات المصادر الرسمية لعمالة الأطفال؟ هل سيكون ولدي –لاسمح الله- رقما آخر؟ الله أعلم، وأجارنا الله وإياكم.

http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=100058