هل تتوقع قيام الوحدة العربية ؟ كيف ومتى ؟



الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري



تمهيد


يشكل هدف الوحدة العربية والنهضة العربية المستندة على قيم ومبادئ الفكر الإسلامي ، هدفا استراتيجيا مصيريا بالنسبة للأمة العربية والمسلمين بشكل عام بسبب العلاقة الوثيقة التي تربط العرب والمسلمين ووجود قواسم مشتركة في تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم ، والكل يتمنى تحقيقه اليوم وليس غدا ، لكن الواقع الراهن المتسم بحالة الضعف العربي والانقسام والتفرقة والتشتت وفي ظل هيمنة القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية وسيطرتها على حركة الأحداث وتطوراتها وامتلاكها قدرات عسكرية واقتصادية وإعلامية ومعطيات أخرى كبيرة يجعل تحقيق هذا الهدف في هذه المرحلة صعبا لكنه ليس مستحيلا .. فكيف تنظر لهذا الموضوع من كافة جوانبه وما هي رؤيتك و توقعاتك المحتملة إزاءه ؟ هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بموضوع تحقيق الوحدة العربية ونهضة الأمة هو محور موضوعنا الذي ستكون مناقشته مفتوحة في محاولة لبلورة آراء وأفكار مشتركة قد تساعد في وضع الخطوة الأولى على هذا الطريق بعون الله ..


وفي بداية حوارنا هذا يستأذنكم الكاتب للتحدث باختصار شديد عن رؤيته الشخصية تاركا المناقشة والحوار للزميلات والزملاء والله يجزيكم خير الجزاء ..


رؤية الباحث لموضوع الوحدة العربية والنهضة العربية


بداية لابد من الإشارة إلى وجود أراء وأفكار ورؤى متباينة من مسالة الوحدة العربية وإقامة مشروع النهضة العربية وشروط تحققها ويرجع السبب في هذا الاختلاف إلى تباين نظرة الأحزاب والحركات والتجمعات والقوى السياسية الفاعلة والمحركة والمنتشرة على امتداد الساحة العربية بمختلف اتجاهاتها ونظراتها وإيديولوجياتها .. وان كنت شخصيا اعتبر هذه التعددية الحزبية والفكرية تشكل نقاط ضعف في فكر الأمة ومنهجها لإعادة وحدتها ونهضتها فكلما تقلص عدد الرؤى والآراء والإيديولوجيات كلما اقتربنا أكثر من الرؤية الموحدة الصحيحة والعكس هو الصحيح ، لكن هذا هو واقع الأمة المؤلم وهو نتيجة لإفرازات المراحل الاستعمارية التي مرت بها خلال عقود من الزمن والتي تعاقبت عليها أحداث وتطورات قاسية وضاغطة اســـتهدفت فكرها ووجودها وحضــارتها وقيمها ومبادئها ..


فهناك من يرى ضرورة التأكيد على العروبة كهويّةانتماء لكلِّ العرب أكثر من الحديث عن (القومية) بمضمونها السياسي المتعارف عليه فيالقرن العشرين، وما لحق هذا المضمون من تشويه فكري وممارسات سياسيةسيّئة ..


وحسب هذا البعض فان الأقطار العربية تحتاج اليوم إلى حسم هويتها العربية من خلال طرحفكري يجمع ولا يفرّق، يدعو إلى التكامل بين الخصوصيات العربية لا إلى إثارة المخاوفلدى المتشبثين بها ، هويّة عربية جامعة ترعى وتتكامل مع خصوصيات الوطن والدينوالمذهب والأصول العرقية والإثنية ..



والعرب أينما وُجدوا يحتاجون الآن إلىأطروحة فكرية تفصل بين العروبة كهوية انتماء ثقافي وحضاري، وبين المسائل الفكريةالأخرى ذات السمة الأيديولوجية أو الطبيعة الاقتصادية، فأساس النهضة العربيةالمنشودة هو إجماع العرب على هويتهم العربية بغضِّ النظر عن الخصوصيات أو التبايناتالفكرية والسياسية بين أبناء الأمّة الواحدة ..


ويضيف أصحاب هذا الرأي أن إعداد مشروع لنهضة عربيةشاملة هو أولوية مهمة في هذه المرحلة، لكن أولوية هذا المشروع هو حسم كيفية فهمالهوية العربية المشتركة ، فالهوية هي إطار جامع لمضامين مختلفة ومتعدّدة، ولا يجوزالخلط بين الحالتين، ولا يجب أن تكون الهوية القومية حالة مرادفة لمضامينأيديولوجية وسياسية وحزبية ..



وتنجح كل المحاولات التي جرت وتجري هنا وهناك من أجل نهضة عربيةشاملة، حينما تتمخّض الأفكار والرؤى والبرامج الفكرية عن حركة جامعة مبرمجة تؤدّي إلىإقناع المواطن العربي أينما كان بأنّ مستقبله ومصلحته وتقدّمه، يتوقّف أيٌّ منهاعلى تحقيق التكامل ين البلدان العربية وعلى دفع الحكومات نحو تبنّي أشكال ومضاميناتحادية تدريجية تســتفيد من سياق التجربة الأوروبية الاتحاديةالمعاصرة ..



وتفصل بين هذا التكامل وبين الخلافات السياسية الآنية التي تعطّلالآن أي خططٍ لمستقبل عربيّ أفضل، وبشكلٍ متوازٍ مع هذا الطرح المطلوب لمفهومالهوية المشتركة، فإنّ التأكيد على أولوية التحرّر من أي احتلال، وتعزيز الاستقلالالوطني، هما الأرض الصلبة المتوجّب توفّرها لبناء نهضة عربية شاملة تقوم على حرّيةالأرض والإرادة، حرّية الوطن والمواطن ..



إنّ معظم الطروحات الفكرية العربية،والممارسات العملية للبعض، لا تقيم التوازن السليم المطلوب بين ثلاثية الشعارات: الديمقراطية والتحرّر ومسألة الهوية العربية ، فالبعض يدعو للتحرّر ولمقاومةالاحتلال لكن من منابع فكرية فئوية أو من مواقع رافضة للهوية العربية ، وهناك فيالمنطقة العربية من يتمسّك بالهوية العربية وبشعار التحرّر من الاحتلال لكن في أطرأنظمة أو منظمات ترفض الممارسة الديمقراطية السليمة ..



بل هناك من يعتقد أنّوحدة الهوية العربية تعني بالضرورة أحادية الفكر والموقف السياسي فتمنع الرأي الآخرولا تتفق مع التعددية الفكرية والسياسية التي هي جوهر أي مجتمع ديمقراطي سليم ..


إنَّ حسم الهوية العربية كأساس لمشروع النهوض العربي لا يجب أن ينفصل عن المضمونالحضاري الإسلامي الذي ساهم به ويشترك فيه العرب من مختلف أصولهم الوطنية والدينيةوالمذهبية ..


إنَّ مشروع النهوض العربي يتطلب ضرورة الانطلاق من الخصوصياتالوطنية لكلِّ بلد عربي، وباعتماد البناء الديمقراطي السليم للتعامل بين أبناءالوطن في الداخل ومع الآخر العربي، وتحريم أسلوب العنف في العمل السياسي العربي وفيالعلاقات بين الدول العربية ..


إنَّ الأمة العربية تملك حتماً عوامل استنهاضكامنة في بلدانها وشعوبها لكنها عوامل تحتاج إلى عمل منظم ودؤوب لتحريكها وتطويرها، فالعناصر السلبية قائمة ومؤثرة داخل المجتمعات العربية بسبب سوء أوضاع الداخلوتوظيف الخارج لهذه الأوضاع، بينما تغيير ومواجهة هذه العناصر السلبية يحتاج إلىتحرّكٍ جادٍّ وإلى عملٍ عربيٍّ مشترك في أوسع نطاق ممكن وعلى المستويات كلّها،الرسمية والشعبية والمدنية، وبما يشمل أيضاً العرب المنتشرين خارج البلادالعربية ..



إنَّ المفكّرين والمثقفين والإعلاميين العرب معنيون الآن بهذهالعناصر المشار إليها وبوضع (مشروع نهضوي عربي مشترك) ليس فقط في التحليل السياسيللواقع الراهن ، وعسى أن يدرك ذلك كل المفكرين والباحثين والسياسيين ..


وهناك من يؤمن بمنهج يسعى إلى توحيد كافة الدول العربية من الشرق الأوسطوشمال إفريقيا إلى دولة عربية واحدة ذات نهج إسلامي ، وهناك من يعتقد بمنهج يسعى إلى إيجاد دولة إسلامية موحدة في الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى وجود حركة التوحيد العربي – كما يرى محللون ومختصون –والتي تسعى إلى إقامة حكومة علمانية، خلافا لغيرها من الحركات التي تسعى إلى إيجاد نظام يقوم على الشريعة الإسلامية..


نحن مع نهضة العرب ووحدتهم ولكن العرب لم ينهضوا إلا بالإسلام الذي وحدهم فكرا ومنهجا واستراتيجيات وأزاح عن عيونهم وقلوبهم خشاوة التخلف والفرقة والتناحر والاقتتال فيما بينهم وزرع في قلوبهم وعقولهم مسالة الإيمان والتوحد والتجمع كأسس سليمة لبناء القوة ودولة القوة ودولة الوحدة ..


فعندما نهض العرب بمجيء الإسلام أسسوا دولتهم في زمن الرسالة الإسلامية ومن بعدها في زمن الامويين والعباسيين وفق منهج واضح ومحدد اعتمد على بناء النهضة الفكرية والثقافية والعلمية مستندين على الفكر الإسلامي الشامل أولا وبالتزامن والترافق مع خلق وبناء مكونات الدولة القوية وهي الأرض والشعب والسيادة والفكر والمرتكزات الاقتصادية والفكرية والسياسية والعسكرية والعلمية....الخ واعتماد إستراتيجية واضحة في تنفيذها وتبنيها لهذه العناصر بعيدا عن أي مزايدات أو خلافات أو اجتهادات أنانية أو شخصية ، مما ساعد العرب على تخطي عناصر ضعفهم وتشتتهم وتجاوزها يحدوهم قيادة حكيمة قوية واعية مؤمنة رشيدة عاقلة ناضجة قادرة على توحيد الرؤى والمواقف المشتتة واحتوائها وبلورتها إلى مواقف واضحة ومحددة ومقبولة من الجميع مع وجود الإيمان المطلق بهذا المنهج من دون خوف أو تردد أو خنوع أو خشية من احد إلا الله سبحانه وتعالى ، قيادة حازمة قادرة على تحمل مسؤولية بناء الدولة بالاعتماد على تامين المرتكزات الأساسية المشار إليها في أعلاه مع وجود منظومة عسكرية قادرة على الدفاع عن مشروع بناء النهضة العربية وحماية مراحل تحقيق الوحدة ضد التهديات الداخلية والخارجية على حد سواء ، هذه المنظومة تعتمد على بناء نظام معركة عسكري شامل يتشكل من قيادات مهنية كفوءة واعية تتحمل المسؤولية مع وجود قدرات تسليحية وتدريبية وتجهيزية وعقيدة قتال واضحة ومحددة الأهداف والاستراتيجيات وتبني أفكار الردع الاستراتيجي عند الحاجة ..
الاستنتاج

فبمثل هذه المقومات والعناصر تتأسس مرتكزات بناء الوحدة العربية ونهضة الأمة ومن ثم السعي لتحقيقها على مراحل مدروسة ومخطط لها وحساب ردود الفعل المعادية لكل مرحلة وتحدياتها وكيفية مواجهتها لان الاستعمار والصهيونية وكل أعداء العرب والمسلمين لن يقبلوا بقيام دولة الوحدة وسيقفون ضدها بكل الوسائل وسيحاربونها بكل ما أوتوا من قوة ودهاء وخبث وتضليل ، لان قيام دولة الوحدة وقيام نهضة عربية يعني القضاء على كل مشاريعهم وخططهم للسيطرة على العرب وسلب إرادتهم وإخضاعهم ، ويكون هذا مترافقا أيضا مع النية الصادقة والإرادة للتخلص من عقدة الخوف من كل ما هو اكبر وأقوى وفك الارتباط نهائيا بالأجنبي والتبعية له ليكون القرار مستقلا والقرار موحدا وصائبا ولا يقبل التراجع أو الانثناء تحت أي ضغوط أو تهديدات وتغليب المصلحة العربية العليا على أي مصالح أنانية ضيقة والتخلص من حب الذات والخنوع والخضوع للأجنبي وبقرارات شجاعة ومسئولة وحاسمة كي يتم إعادة ترتيب بناء البيت العربي وفق الأسس التي أشرت إليها ، عندها نكون قد وضعنا الخطوة الأولى نحو قيام الوحدة العربية ....

ومع كل ما تعاني منه الأمة الآن من ضعف وتشتت فاني أرى وجود إمكانية لدى العرب - فكر وأصالة ومرتكزات إستراتيجية ومقومات نهضة كامنة وتاريخ وإرادة لدى الكثيرين منهم وتفهم جمعي لعناصر بناء دولة الوحدة والنهضة العربية والسعي للتخلص من عناصر التخلف والضعف وتعزيز عناصر القوة – إذا ما رجعوا إلى دينهم أولا والى قيمهم ومبادئهم العربية والإسلامية واتخذوها منهج عمل يؤمنون به إيمانا كاملا مقرونا بالصدق والجدية والحرص والإخلاص والمسؤولية التاريخية انطلاقا من إحساسهم بان مرحلة التخلف والضعف يجب أن تنتهي لتبدأ مرحلة النهوض والتوحد من جديد بالإستاد إلى العناصر والأسس التي اشرنا إليها في سياق الحديث ..
مع خالص تحياتي وتقديري ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العراق في 15/ 7/ 2009