ابن وردان الأمير المطمور تحت تراب النسيان المصدر : لينا هويان الحسن 08/05/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتنفسح الآفاق, و تنفلت البطاح لتؤثث الامتداد العتيق لبادية الشام الشهيرة. تغادر حماة شرقاً وشيئاً فشيئاً تميط تلك البقاع اللثام عن آفاقها البعيدة وتدرك أنك تذهب مباشرة إلى البادية التي ليست إلا الأخت الحميمة للصحراء, ويدهشك الطريق ويحيّرك الربيع كيف هو هناك. بين مئة متر ومئة متر أخرى، يتغير لون الورد من البنفسجي إلى الأصفر، ثم تذهلك شقائق النعمان وكأنها تقول لك : انظر كيف أبزغ هنا . .
.


الأراضي التي ستعبرها وأنت تتجه شرقاً وتنحرف قليلاً إلى الشمال الشرقي هي هضاب كورة « العلا « وبعد حوالي أربعين كيلومتراً ستعرف أنك تتاخم البادية تماماً و ابتداء من ناحية الحمراء التي كانت سابقاً ثكنة في عهد السلطان عبد الحميد، يربون فيها المهار المعدة لفرسان الجيش.
ومن الحمراء، تتجه إلى الشمال الشرقي، فيها منبسطات وتلال تلمح فيها نباتات البادية و تعبر خرائب وتلال صناعية لا تخفي أنها ليست إلا بقايا قلعة داثرة أو ربما مدينة بيزنطية أو رومانية وربما – في حال حدث تنقيب – سنعثر على آثار آرامية . .
و حين ينبثق في وجهك قصر ابن وردان، سيخطر في بالك أنه من المبكر على السراب أن يفعلها و يجترح قصراً مدهش البناء، طالما أننا على تخوم البادية بعد.
يذكر المؤرخ والباحث الراحل أحمد وصفي زكريا، الذي زار القصر في منتصف القرن السابق، أن أول من وصف قصر ابن وردان « موردتمان» في المجلة الأثرية الألمانية المطبوعة في النمسا سنة 1884م ثم عاد بعده غيره من السياح (اوستروب وهرتمان وفون ابنهايم وستريغوفسكي) فوصفوه ونشروا صوره، ويذكر كذلك أحمد وصفي زكريا أن ثمة وصفاً أدق وأشمل جاء موسعاً ومستوفى في القسم الثاني المطبوع في ليدن في هولندا سنة 1920 .
يتألف القصر من ثلاثة أبنية, لا تماثل- قط- بقية المباني التاريخية, في بلاد الشام, وتعزى مكانتها وفق ماقاله الأثريون, إلى أن بناءها, وخاصة امتزاج الأحجار وألواح الآجر، يختلف عن الطراز المعروف في فن البناء الشامي ويقترب من طراز المباني الملوكية في القسطنطينية في عهد (جوستنيانوس) ويرجحون أن بانيها المهندس (إيزدور ) و بعض الخبراء، شبّه بناء القصر من حيث التركيب ومزج المواد بما في قصر المشتى شرقي الأردن .
والأبنية الثلاثة, تشمل كنيسة كبيرة ثم قصراً كامل البناء تقريباً وثمة بناء – كما تظهر الصور، نصفه وربما أكثر مردوماً تحت التراب ينتظر من يتذكره ويتفضل ويزيح التراب عن حناياه؛ لتكتمل أبنية القصر الثلاثة. البناء الأول واسع الأركان ذو طابقين عاليين, في الأول أروقة طويلة كل منها مؤلف من صفين من الغرف, يتصل بعضها ببعض. وقد شيد هذا القصر ومثله بقية المباني بالحجارة الحرية السوداء , وبألواح من الآجر كبيرة صفراء غاية في الصلابة والجودة، و ثمة أحجار جيرية بيضاء وأعمدة من الرخام بنيت بها الأقسام الداخلية, و على عتبة أحد أبواب القصر, كتابة يونانية تاريخها 561 م و أخرى في موضع ثان تاريخها 564 م في عهد الإمبراطور جوستنيان . تداعت معظم جدران الطابق الثاني وأقسامه الداخلية و قبابه و ظلت النوافذ وحدها عارية منفتحة على الأفق . .
أما الكنيسة، فقد ظلت بقايا قبتها تؤرخ لجمالها الذي كان، وعن بعد تأسرك قنطرة القصر التي ما هي إلا بقايا قبة عظيمة .
ويصف أحمد وصفي زكريا بقايا ثكنة، حيث يتحدث عن سور وأعتاب وقباب لكن لا أثر لها حالياً ؟ ؟ ! كما أنه يؤكد أن ثمة حجارة كثيرة نقلت منه على مر السنين، حتى ظل على شكله الحالي .
يمكن للزائر أن يشاهد أرضيات الفسيفساء الواضحة للعيان والمهملة تماماً وفي الطابق السفلي من الكنيسة، تتكدس بقايا الأعمدة والحجارة وتتراكم بشكل فوضوي، كأن الزلزال أتى عليها لتوه. و في الخارج تبدو علائم الآثار المطمورة واضحة جداً، طبعاً دون أدنى عناية .
و يحكي لنا أبو خضر حارس القصر من قبل المديرية العامة للآثار عن الدهشة التي يراها في أعين الزوار الأجانب، و في حالات كثيرة يفضلون المبيت قربه لتجريب ليل البادية قرب مكان يعج بالذاكرة و الأبهة .


يستحق القصر بعثة تنقيب تخرج أجزاءه الغارقة في بطن الأرض، وطبعا سوف يكون ممنوناً لو أن أحداً يفطن إلى ترميمه وتنظيفه من الأعشاب الطفيلية وتجميله بعيداً عن الطريقة التي تم تعبيد الساحة أمامه التي كان يفترض أن تكون من الحجر الأسود، وأن تتم إنارته ليلاً بطريقة فنية تتلاءم مع جماله و ندرته .
هذا عدا أن القصر يتوسط عدة أمكنة أثرية مثل مدينة الأندرين وإسرية و قلعة شميميس و قصور وخرائب أخرى داثرة، لو تم نفض الغبار عنها والالتفات إليها سياحياً لكانت تلك المنطقة من أشهر أماكن السياحة في سورية. كل ذلك إضافة إلى كون تلك الآثار كلها تتاخم البادية و تجاورها مما يجذب الزوار و السائحين أكثر