تراتيل فصول التكون
بقلم: اسحق قومي


في البدءِ كان اللهُ ، وفي البدء كانت أُمي، كان صوتها يأتيني
أناشيد خالدة…

في البدءِ كانت الصباحاتُ ترتحل مع الندى…وهي تلامسُ خدود
الأزهار، وكانت التراتيلُ والأدعية تُناجي من عمق الزمن إلى لحظة
الفردوس والسماوات السبع…تُنادي أُمي…رسمت الشمسُ قرص وجهها
الملائكي…وعمدت شفتيها ياسمينة الصباحات .ورتبت جدائل شعرها
ليالي غربتي..

منذ البدء وحتى مولدي..يا اللهُ ما أروع قامة أُمي!!! وما أوسع
عيونها! وما أرحب صدرها الذي أرضعتني منهُ حليبا وأبجدية!.

كمْ أحنُّ إليهِ رغم ابتعاد الزمن وطفولتي ورغم المسافات؟ كمْ
صليتُ للهِ كي يحرسها ويحفظها من الأذى؟ وها أنا قدْ نذرتُ نفسي
ووجودي لسجون حريتها وكلمتها.لأنها أرحبُ عليَّ من مساحات البحار
والفيافي والعالم والوجود…

آهٍ يا أُمي …أشتاقُ إلى فصولك الأربعة التي تحولني دائما إلى
شاعر ومسافر ٍ يهوى الرحيل والوداعْ…

سامحيني يا أُماه..كلما اقترب قلبي إلى مرافىء بحار حبك…يستوقفني
زورق تائه ومن بعيدٍ أقولُ: هاهي أُمي..إنه حُبك أُمي…فأغدو
خجولا وتريني ارمي بنفسي بين ذراعيك وتمسحين جبهتي التي ازدحمت
بها قطرات عرق جبيني ….آهٍ ما أروع كفيك وأنعمها

تضعينها على كتفي ويأتيني صوتك الحنون قائلاً..لا ..لا تخجل
يا ولدي فأنا أُحبكَ…فأزدادُ خجلاً..وأتمنى لو لمْ أرتكب خطيئة
آدم..

وأنت أكبر من أن تحاسبي زلتي أو تنتقصي كرامة تخومي
وضياعي عنك …ويزيدني حبك حباً…

بين وبينك المسافات يا أُماه…وبين قلبي وقلبك عهد الأنبياء…أصرخُ
من خلف الزمن المسور بالعقم…

يا اللهُ ما أروع أُمي!!! أُعاهدك لن أقرأ كتابا إلاَّ كتابك…ولن
أتعمد بشمسٍ إلاَّ بشمسك وحبك الخالد…

أنا معك ..أقرأُ تاريخك وأمجادكِ…وأمرُّ على آلامك العظيمةْ…

ليّ أن أطلب منك يا أُماهُ أن تجمعيني مع أخوتي على طاولة طعامك
المقدس…أحباء أوفياء…

كمْ هوت نفسي أن نجتمع إلى مائدتك أطفالاً بقامات الرجال
الخالدين…؟ ..هل تعود أيامنا يا أُماهُ…

لقد نذرتُ نفسي وقلبي وجسدي جسرا لعبور أخوتي..

اجمعينا يا أُماه فصوتك ترتيل فصول التكون….واسلمي يا
أُماهُ…شمسا وقمرا..سماء وأرضاً وبشرا..حتى انتهاء الزمانْ
****

اسحق قومي
نيوجرسي أمريكا...1989م.أُذيعت في برنامج كروان بإذاعة ساوث
أورنج بنيوجرسي لنفس العام.قامت بتقديمها المذيعة الدكتورة علياء
جبارة.في برنامج لي بنفس الإذاعة بعد أن نلتقي...
اسحق قومي
شاعر وأديب سوري مقيم في ألمانيا