واجبنا تجاه التراث العربي القديم
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10139

لا بدّ أولا من النظر إلى الحضارات القديمة في المنطقة العربية على امتدادها الجغرافي الذي يصل غربا إلى شمال أفريقيا وشمالا إلى سوريا وجنوب أوروبا وشرقا إلى العراق والخليج العربي وفارس ثمّ جنوبا إلى اليمن وعمان، لا بدّ من النظر إليها على أنّها منطقة واحدة ذات خصائص مشتركة ارتبطت في أصولها العرقية واللغوية بجذور متشابكة ممتدّة في عصور التاريخ القديم، هذا الأصل يمكن أن يساعد بدرجة كبيرة على سدّ الثغرات التي تطرأ في حالة دراسة كلّ حضارة على حدة. وقد لاحظ بعض الباحثين من أمثال الباحث موسكاتي الوحدة العضوية للحضارات القديمة، وأقرّ بأنّ هذه الحضارات عاشت في مجال جغرافي كبير ولكنّه واحد، دون حروب إبادة أو عداوات قاطعة كما يفعل الغزاة الغرباء. وقد شكّلت هذه الوحدة عاملا أساسيّاً أدّى إلى عملية الانتشار والتبادل الثقافي بين أبناء الحضارات المختلفة في المنطقة العربية، وكشفت عن الأسس الثقافية الواحدة لجميع الحضارات، فليس غريبا أن نجد جميع الحضارات قد اهتمّت بالحديث عن ذات الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في مسيرة الإنسانية، فالسومريون قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد تحدّثوا عن فكرة بدء الخلق، بنفس الطريقة التي تناولها الأوغريتيون الذين جاءوا بعدهم بأكثر من ألف سنة، لذلك فإنّ لا بدّ من الاعتقاد بوحدة التراث في المنطقة العربية وبلاد اليونان، فإنّ ذلك سيساعد كثيرا على تقديم تصوّر مشترك للفكر القديم.
وبما أنّ الأسطورة هي الوعاء الفكري الأول لأشكال المعرفة عند الإنسان الأول، فقد أثبتت البحوث الآثارية أنّ الأساطير كانت إحدى مظاهر الحضارة التي بناها الموحّدون الأوائل على وجه الأرض، وبسبب الخصائص المشتركة التي جمعت بين أصحاب أساطير البلاد العربية في العراق وسوريا ومصر، يتبيّن لنا وحدة هذه الأمّة وأصالتها، ونجد أنفسنا مطالبين بفهم المعاني المختزنة عند آبائنا الأقدمين لكي نصل حاضرنا بماضينا العريق الذي لا يبدأ عند محطة إشراقة النور الخاتمي على يد سيد المرسلين محمد(ص) وإنّما يمتد مخترقا الزمان السحيق ليصل إلى الفصل الأول من مسيرة الإنسان، المسيرة التي ساهم في بنائها وتشييدها جميع الأنبياء والمرسلين مرشدين ومعلّمين، فليست المرحلة الإسلامية هي بداية تاريخ العرب، وليس المرحلة التي قبلها -كما يدّعون- تختصر في مجموعات قبلية بائسة تدمّر بعضها البعض، كما لم تكن هناك شعوب من الهند والقوقاز والنوبة نزحت إلى أراضي المنطقة العربية وأسست تلك الحضارات، وهل يمكن لشعب بلا تاريخ ولا أصول أن يؤسّس حضارة بلغت ذروة العطاء الإنساني وأكثره قوة وتقدّما في مختلف المجالات، وهل يمكن لمثل هذا الشعب أن يخرج فجأة من واقع القبلية والنزاعات والبدوية ليهيمن على رقعة كبيرة من العالم ناشرا ثقافته وفلسفته وعلومه.
فإن أردنا بالفعل أن نسجّل وفاء لذلك التراث فعلينا أن نتحمّل -نحن أصحاب المنطقة- دورنا المطلوب تجاه هذه الحضارات، فليس من اللائق أبدا للباحثين العرب أن يكرّروا ويردّدوا ما يقوله من سبقهم من الأجانب بدءا من الانطلاق من نطاق الأفكار الموسوم بها الفكر القديم كونه يعبد آلهة متعدّدة ويزخر بالخرافات والكائنات الأسطورية الخيالية، مرورا بالقبول بالترجمات إلى التسليم للتفسيرات، كما يتوجّب علينا التعرّف على اللغة العربية وربطها ضمن منظومة واحدة بكل لهجاتها السريانية والفينيقية والعربية العرباء وهي اللهجات التي كتبت بها الأساطير، وبالإضافة إلى ذلك علينا أن ندرس الآثار القديمة من قبور ومباني ونقوش ورسوم وأساطير وكنوز وغيرها بروح الباحث النزيه المريد للحقيقة، القادر على التدبّر واكتشاف ما بين السطور، ولن يكون ذلك للباحث إلا بعد أن يؤمن أولا بفكر أولئك الأوائل وعقلانيتهم ويُسلّم أنّ ما بين يديه هو صورة من نتاج الفكر الإنساني، ويعتقد ثانيا بأنّ الفكر الإنساني ذات طبيعة واحدة ويمتلك نظام صياغة واحدة وإن الاختلاف بين نتاجات الفكر الإنساني عبر العصور لم يكن إلا في أساليب التعبير وما تفرضه البيئة من أدوات وظروف، ثم عليه بعد ذلك أن يمضي في محاولة التوقّع بحدس الباحث للتعرّف على مراد ومقاصد الأوّلين التي ضمّنوها في أساطيرهم.
لقراءة المزيد راجع بحث "الأسطورة.. توثيق حضاري"
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي