سوسن البرغوتي
في الوقت الذي ينشغل فيه العرب والفلسطينيون في الوطن المحتل، بالبحث عن بدائل لحل “النزاع” وإحلال ما يُسمى السلام بين الشعبين، وطرح نظريات عقيمة، إضافة في البحث لإيجاد حلول لترتيب الأوضاع الداخلية في القطاع والضفة، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الجامعة الحقيقية لكل الشعب الفلسطيني. فإن “إسرائيل” تخطط لتبرير توسعها بعد استحالة تحقيق حل الدولتين، ووسيلتها مقولة المفاوضات إلى ما لا نهاية، وتتجه الأنظار إلى ضربة محتملة لإيران، إلا أن التجهيز لها، يحتم فتح ممرات التفافية ضيقة، تقضي على العوائق، لإحكام السيطرة حسب مقاييس عقيدة الحرب وإستراتيجية توسيع رقعة الدمار والقتل، ثم إعادة الإعمار لاحقًا بتحكم شركات غربية أغلبها صهيونية، وتوزيع الحصص حسب قوة الخصوم والأصدقاء.
إن إعادة تشكيل الخارطة السياسية العربية، تضمن بقاء الوجود “الإسرائيلي”، هذا أهم ما يجب الالتفات إليه، فبعد ابتلاع معظم أراضي الضفة بتوسيع المستوطنات وزيادتها، وبناء الجدار العازل، وتهويد القدس، سيتم ترحيل أكبر عدد من فلسطينيي الداخل بالتدريج، وهم المشكلة الحقيقية التي تواجه الإعلان رسميًا عن (الدولة اليهودية) بعد تشكيل الحكومة القادمة.
إذن لا بد من إيجاد بديل، فلا أراضي القطاع تحتمل ضغوط سكانية أكثر، وليس من المعقول تهجير عرب الداخل إلى القطاع المقاوم المزدحم أصلاً، ليصبح أكثر خطورة على الكيان الصهيوني، وبركان قابل للانفجار في أي لحظة.
كما أن الأراضي المتبقية في الضفة لا تسمح بمزيد من المرحّلين من فلسطين المحتلة عام 1948، لذلك فإن الحل المتاح الذي تفكر فيه “إسرائيل” هو الأردن!.
فاتفاقيات السلام هي المدخل والمقدمة لشراء أراضي عربية، والتغلغل للتحكم بالقرار السياسي العربي من خلال التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية وافتتاح سفارات.
التوسع شرقًا بتجهيز سيناريوهات لتحقيق ما يخطط له الاحتلال، ناهيك عن مشروع التوطين الذي تنادي به “إسرائيل” في كل مناسبة.
وعلينا أن نحذر ونراقب وندرك بأن الكيان الصهيوني يبحث عن طرق للتوسع، وإقامة دولة يهودية عنصرية صافية، وأمامه الأردن لتهجير الفلسطينيين إليه.
إن أخطر ما سيواجهه الفلسطينيون والأردنيون، يكمن في حل الوطن البديل، فتصريحات الجنرال يائير نافيه، الذي قال: إن الملك عبد الله الثاني قد يكون آخر ملوك الأردن، لم يأتِ من فراغ، ولا زوبعة في فنجان، وقد طرح هذا التوجه أيضًا روبرت كاغان ودلل على إستراتيجيات عدة بخصوص الدول العربية، معتبرًا الأردن “أراضي فلسطينية”، فقد قال: (الأردن يضم أغلبية فلسطينية ومن الطبيعي حين نتحدث عن الديمقراطية أن تحكم الأغلبية في بلدها، وبالتالي لن يكون هناك حاجة لدولة أخرى لأنها بالفعل موجودة وهي قائمة ويمكن للعائلة الهاشمية أن تبقى في الملك إن أراد الشعب الفلسطيني ذلك)!، لكنه نفي تلك التصريحات بعد ذلك.
إن الجيش “الإسرائيلي” لم يعد يملك القدرة لاحتلال أراضي عربية أخرى، بعد الانتصارين في الجنوب اللبناني والجنوب الفلسطيني، رغم تحييد مصر وإخراجها من دائرة الصراع كوسيط محايد، لصالحه، إلا أن مخططات السياسة “الإسرائيلية”، ستعتمد أساليب متعددة دون الخوض في معارك مواجهة، وقد تكون أحد تلك الوسائل، الإشراف على تنفيذ تغيير جذري للنظام الأردني ليصبح جمهوريًا (ديمقراطيًا)، ولا شك في أنه مخطط خبيث وخطير ومرفوض عربيًا، أما أبعاد هذا المخطط فتتمثل في:
ـ زيادة الانشقاقات في الصف العربي، وخلق صدامات بين الشعوب العربية، وإشعال حروب أهلية.
ـ تصفية القضية الفلسطينية على حساب دولة الأردن، وتصدير مشكلة الكيان الصهيوني لطرد الفلسطينيين، والقضاء على حق عودة اللاجئين، وبذلك يتم توطين الشعب الفلسطيني.
ـ استحالة تطبيق حل الدولتين، والرد على ذلك، بالمجازر المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة وحتى زوال الكيان. لذلك فسلطة أوسلو، ومن يدعمها في عداد منتهية الصلاحية، بعد القبول بالشراكة، والتنازلات، ليثبت الكيان الصهيوني، عبثية المفاوضات وأنها لم تكن إلا مجرد تخدير موضعي، يهدف إلى أبعد من حدود فلسطين التاريخية.
ـ إعلان ومواصلة الحرب على مخيمات اللجوء بأساليب متجددة، كما حدث في مخيم نهر البارد وقبله في صبرا وشاتيلا.
ـ التسلل إلى ممر أوسع اقتصاديًا في منطقة الخليج العربي، فالتطبيع مدخل للهيمنة الكاملة.
إن مشهد الرمال المتحركة، يشي بوقوع كارثة استنساخ تجربة السادات فعلاً قياديًا لا قولاً وبوجوه وأشكال مختلفة، لتصبح كل البلاد العربية مكشوفة بالكامل، وتضيف مزيدًا من أراضي مدمّرة، وشعوب منكوبة، وعودة القبائلية البدائية لصراعات عربية- عربية وداخلية، فالقضية خرجت من مفهوم “يوم قُتل الثور الأبيض” ثم الأحمر والأسود، والمطلوب “إسرائيلياً”، الجمل بما حمل.
في المقابل، وكمشروع عربي فالحل الواقعي والموضوعي، يكمن باعتراف الفلسطينيين والعرب والعالم، بأن “إسرائيل” تحتل كل الأرض الفلسطينية، وتلزمها مسؤوليات المحتل، أما موضوعة استحضار قوات دولية فهو بمثابة إنقاذ لـ”إسرائيل”، وليس حماية للشعب ولا حتى لسلطة مفرغة من معناها، وهذه القوات عادة تفصل بين دول، ومن ثم تلغي شرعية النضال. أما النضال ضد الاضطهاد العنصري، أو ما يسميه البعض نظام (ابرتهايد) على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا، لا ينسحب على الاحتلال الاستيطاني، الذي لم يكن دولة قبل اغتصاب الأرض، والعصابات لم تكن جيش لتلك الدولة، أما الاحتلال فهو خليط لا يملك وحدة القومية واللغة الواحدة، ويسعى بمحاولات دؤوبة لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني. وعلى الأنظمة العربية بكل أطيافها وألوانها أن تدعم المقاومة الفلسطينية، لأنها السد المنيع أمام حل الوطن البديل والممرات “الإسرائيلية” وصولاً إلى الرأس، الذي نوه عنه بوش سابقًا، فالسلطة المحلية في رام الله ما هي إلا وسيلة وتغطية لمشروع أخطر من القطاع والضفة معًا. والشعب الفلسطيني لا يخوض أزمة، وإن كان قد تحول نضاله من مشروع تحرير وطني إلى حالة مشروع سلطة في وطن محتل، بقدر ما يخوض مسألة وجود، وكذلك كافة الشعوب العربية، لذلك فإن مواجهة المشروع الصهيوني بأرض المعركة، هو الحل الأول والأخير، ولا بديل عنه بأي حال.
إن التخلص من اتفاقيات التطبيع هو مخرج مطلوب لإيقاف شهوة التوسع “الإسرائيلي” خاصة إن دستور الكيان الصهيوني لا يضع حدودًا لمشروع الدولة اليهودية، وموضوع “الوطن البديل” مرفوض بالكامل، لأنه بوضوح مشروع استعماري، يهدف إلى ضرب وحدة الشعب العربي في الأقطار العربية، ويخلص إلى إلغاء وشطب فلسطين بالكامل، واعتماد “إسرائيل” دولة مشاركة في الوطن العربي، ليصبح منطقة “عرب ئيل”!.

19/02/2009

كتب بواسطة محرر الموقع في أقلام الوطن, سوسن البرغوتي