معلولا ... مدينة التاريخ الديني.. والجبال البيضاء ... المصدر : بلدنا 30/01/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتقع بلدة معولا على بعد 50 كم من العاصمة دمشق، وتحديداً في الشمال الغربي. وتتبع مناطقياً إلى مجموعة بلدات القلمون, أمّا أسمها فنابعٌ من خصائصها الجغرافية, حيث يعني "المكان المرتفع ذا الهواء العليل"، حسب اللغة السريانية. وهنا نشير إلى كونها ترتفع عن سطح البحر بما يقرب من 1500 متر.



أمّا من حيث تقسيماتها الطبوغرافية, فهي تشتهر بوجود معالم مسيحية مقدسة, إلى جانب مجموعة أخرى متنوعة وغنية من المعالم التاريخية المهمة. أمّا تاريخ المدينة فيعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد. هذا التاريخ العريق ترك بصمته في روح سكانها وعاداتهم, إذ إنهم، على اختلاف مذاهبهم من مسيحيين ومسلمين, ما زالوا يتكلمون اللغة الآرامية, والتي هي لغة السيد المسيح, إلى جانب اللغة العربية. كذلك يمكننا تلمس أثر البعد التاريخي في الحياة اليومية لسكان المدينة, إذ تشتهر معلولا باحتفالاتها الدينية والاجتماعية, ونذكر من أبرزها احتفالات "عيد الصليب", والذي يصادف الرابع عشر من أيلول, حيث تزدحم معلولا وأديرتها وكنائسها بآلاف الزائرين والمحتفلين. ومثله عيد القديس "سركيس". بعيداً عن الواقع الاجتماعي, ينبهر الزائر لمدينة معلولا بالصمت الذي تختزنه جبالها البيضاء التي تحيط بها، وتنهض فوقها البيوت, حتى إننا ننجد بعض الأضرحة البيزنطية المنحوتة في الصخر في قلب الجبل, وهو واحد من المعالم التاريخية المتفردة التي تشتهر بها مدينة معلولا, ومن أهمها الأديرة والأضرحة والكنائس والممرات الصخرية, إلى جانب الأثار المسيحية القديمة والمهمة في تاريخ المسيحية, ومنها كنيسة بيزنطية قديمة. كما يوجد فيها "دير مار تقلا" البطريركي. من جهة ثانية تتميز بيوت بلدة معلولا بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات، بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد، لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى أروقة ومعابر إلى ما فوقها من بيوت لتكون ذات طابع متميز. أما الأوابد والأحجار الضخمة والكهوف والمغارات المحفورة في الصخر التي سكنها الإنسان القديم فتحكي قصة تاريخ عمره آلاف السنين، منذ العهد الآرامي الذي كانت فيه معلولا تتبع مملكة حمص، إلى العهد الروماني الذي سميت فيه معلولا سليوكوبوليس، وإلى العهد البيزنطي الذي لعبت فيه دوراً دينياً مهماً عندما أصبحت بدءاً من القرن الرابع مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر.


دير "مار تقلا"

يضم دير مار تقلا رفات القديسة "تقلا"، وهي ابنة أحد الأمراء السلوقيين، وتلميذة القديس "بولس", أمّا الدير فيقع في مكان بارز من القرية، ويطل من جوف الكهف الصخري الذي عاشت فيه الأميرة "تقلا" بعد هربها من أهل السوء, حيث لا يزال هذا الكهف ظاهراً حتى اليوم، وفي رحابه بني دير مار تقلا، الذي بقي حتى الآن رمزاً للقداسة وحياة القديسين. وتعيش اليوم في دير مار تقلا رهبنة نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه، الذين يأتون إليه من كل صوب ومن كافة أنحاء العالم للتبرك وللزيارة. وإذا أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة شاهد القلالي؛ أي غرف الانفراد المحفورة في الصخر، التي كانت خلوات للمتوحدين الرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل والتقشف والزهد، ما يدل على أنّ معلولا كانت مدينة رهبانية مقدسة.


الفج الصخري
تمتاز معلولا بما يسمّى فجّ مار تقلا، وهو شق في الجبل يحدث ممراً ضيقاً من طرف الجبل إلى طرفه المقابل، وفي هذا الشق ساقية ماء تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم يتقاطر عليها الناس من كل مكان ليرشفوا من مياه بركاتها وينالوا نعمة الشفاء من المرض والطهارة والنقاوة. يقسم الفج القرية إلى شطرين، ونشأ حين أراد المسيح حماية مار تقلا التي هربت من حكم الموت، الذي صدر بحقها، فكانت العجيبة التي أبقت الفتاة الهاربة في شطر والجنود الرومان في الشطر الآخر بحسب الروايات، ويتميز هذا الفج من بدايته حتى أعلى الجبل بوجود الغرف والخلوات المحفورة في الصخر، وعلى مستويات مختلفة، إنها من عجائب الطبيعة والإنسان تراها هنا.

دير "سركيس"

بني الدير في القرن الرابع الميلادي على أنقاض معبد وثني, وصمم على نمط الكنائس الشهيدية المظهر, أمّا اسمه فيعود إلى القديس "سركيس", وهو أحد الفرسان السوريين الذين قتلوا في عهد الملك "مكسيمانوس" عام 297 م. ويتميز الدير بمحافظته على صلابته وجمالياته إلى يومنا هذا.