تجارة تبيع «الوهم» وتبتزّ الأموال.. يتسابق عليها تيار كبير في الغرب لا يؤمن بالموت ولا بيوم القيامة!
«كريونيكس»..حفظ الجثث بالتجميد انتظاراً لعودة الحياة مرة أخرى!!
ديمة الجابر

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
غرفة العملياتنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي$ّقّالٍوا مّا هٌيّ إلاَّ حّيّاتٍنّا پدٍَنًيّا نّمٍوتٍ $ّنّحًيّا $ّمّا يٍهًلٌكٍنّا إلاَّ پدَّهًرٍ $ّمّا لّهٍم بٌذّلٌكّ مٌنً عٌلًمُ إنً هٍمً إلاَّ يّظٍنٍَونّ >24<نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي (الجاثية)
ليس ما سيُطرح هنا شطحاتِ قاصٍّ أو خيالاتِ كاتب؛ بل إنه مناقشةٌ لآخر صيحات المادِّية الهوجاء.. صيحة أُقيمت لأجلها الصروح والمنظّمات التي تعمل بجدٍّ، وهدفها اصطياد أكبر عدد من بني البشر الذين تزعزع إيمانهم وصارت الدنيا جُلَّ همهم ومبلغ علمهم، فقرّروا أن يبقوا فيها لا يغادروها، مغلَّفين معلَّقين داخل حاويات «النيتروجين»، عسى إن أحاط علم الإنسان يوماً بمفاتيح الحياة فُتِح ـ على أولئك المنتظرِين سُدىً ـ حاوياتُهم؛ فقاموا من موتهم الذي سمَّوْه «معلَّقاً»!الحقيقة، أن اطّلاعي على هذا الأمر كان بمثابة الفاجعة التي نقلتني من عالم الأدب والكتابة الخيالية إلى عالمٍ لا يقلُّ خيالاً! ولكن الفرق بين العالمَيْن كبير.. ففي الوقت الذي لا يزعم فيه كاتب القصة صِدْقَ أحداث ما يروي، يقتات العالم الآخر على مشاعر البشر التي باتت مادّيةً لا تؤمن إلا بما ترى، وتتشبّث بالحياة، ولو اقتضى الأمر الخضوع إلى تجاربَ عبثيةٍ تتحدّى القوانين الإلهية والدساتير الكونية وكلَّ الشرائع السماوية لتطيل أمدَ بقاءٍ كُتِب في اللوح المحفوظ بيد الخالق جلَّ وعلا، وبقدرته منذ بدء الخليقة، ولِمَنْ خَلَقَ ما أعطى متى أراد، وله ما أخذ متى يشاء.
مصيبة الموت

لا شكَّ أن الموت مصيبة، الصبر عليها أفضل طريقة للتعامل مع هولها؛ وأما الجزع منها فهو حلٌّ مؤقّت يشلُّ الجسد ويعمي البصيرة لفترة؛ ليوقظها على واقع استحالة العودة، والبقاء في دار الفناء.
منذ فترة ليست بالبعيدة، ذهبتُ لتعزية صديقة لي في وفاة ابنها الوحيد (يرحمه الله) إثر حادث سيارة.. حين وصلتُ إلى المستشفى كانت صديقتي في غرفة «تبريد الجثث»، ممّا اضطرَّني إلى الدخول إليها لأرى المتوفَّى مسجَّىً على السرير، وكأنه في حال نوم عميق.. كانت صديقتي في حالٍ يُرثى لها، فموت الفجاءة قاسٍ استعاذ منه خاتم الأنبياء محمد [.. سألناها أن تحتسب ولدها عند الله، وذكّرناها بالصبر عند نزول البلاء، وأجبرناها على الخروج من الغرفة.
ومرت الأيام تباعاً.. بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على الحادث، كنتُ في زيارة لصديقتي التي فقدتْ الكثير من وزنها، وزاد شحوبها، وإن احتفظتْ باتّزان كلامها الذي عهدتُه فيها.. تجاذبنا أطراف الحديث، وحاولتُ قدر الإمكان ألاّ أعرِّج على ما مضى؛ حفاظاً على مشاعرها.. ففي كلِّ مرّة كانت تعيدني لتلك الساعة منذ ثلاثةِ أشهرٍ خَلَت، كنتُ أدفعها وبقوة إلى الأمام محاوِلةً أن أُسدِل ستاراً حديدياً على تلك الذاكرة؛ ولكنها كانت محاولةً غير ناجحة!
إن فَقْد الغالي حدث لا يُنسى، ولا يُسدل ستاره أبداً، بل هو قصّة يتجدّد أساها.. كلما طُويت من كتاب الأيام صفحة نُحيلها لجزء بعيد من الذاكرة، ولكنه موجود.. يخبو نور ذلك الجزء ويعود ليشتعل.. يقاوم فينا ـ رغم قِدَمه ـ قدرتنا على النسيان ويتحدّاها، ومادام في القلب شيء من وفاء فإن تلك القدرة تظل حِياله ضعيفة يَنْدُر أن تقوى.
لكنّ عزاءَنا..!
حين «اسودت عينا يعقوب من الحزن»، وحين صرنا «محزونين» على «فراق إبراهيم» أنْ كنّا وإياهم صابرين ننتظر البشرى، لا ننسى.. وإن سكن القلبَ شيءٌ من الأسى ففي جعبتنا زاد القوة «حسبي الله ونعم الوكيل»، و« إنا لله وإنا إليه راجعون» يقوّينا، ويوقظنا، ويشعل نور الإيمان فينا كي نستمرّ في بناء الحياة بعد الموت؛ فلا نجزع أو ننكر.
ولنا في رسول الله [ وصحبه رضوان الله عليهم أسوةٌ حسنة، فهم لم ينقلبوا على أعقابهم، حين قضى الله جلَّ وعلا أمراً كان مفعولاً فقَبَضَ خيرَ البرايا محمداً [؛ بل بلغوا أقاصيَ الدنيا فاتحين مبشِّرين، لقضاء الله مستسلمين.
مفاجأة غير متوقَّعة!

«أتعلمين؟ ربّما تعجّلنا بدفنه.. كان يجب أن نتأكّد من موته أكثر قبل أن ندفنه.. كان يجب أن نمنحه فرصةً أخرى للحياة؛ فالعلم تقدّم، ولم نكن نعلم ذلك مِنْ قَبْلُ، وها نحن اليوم نقرأ ذلك معاً»!!
للحظةٍ ظننتُ أن ما سمعتُ صدى أفكاري عاد مضطرباً، أو نسجاً من خيالي مشوَّهاً، إلى أن تعلّقتْ صديقتي بذراعي ثم أخذتْ تهزّني وهي تبكي بشكل هستيري مفاجئ، وتعيد ما قالتْه لي عن تعجيل الدفن والتأكُّد من الموت، وغير ذلك من الأمور المذهلة التي لا تشبه شيئاً سوى هذيان المحموم.. هولُ ما سمعتُه من صديقتي أصابني بشيء من الصدمة التي عقدت لساني، وجعلتني أتسمَّر في مكاني، ولكنها إذ شدّتْ ذراعي أركبتني ـ رغما عنّي ـ في قطار أفكارها الذي انحرف في تلك اللحظة عن طريق الإيمان وجادّة الصواب والمنطق، متجاهلاً علاماتِ الصبر والاحتساب، متّجهاً صوب الشكّ والجزع، وربما انتهى به الأمر إلى الهاوية!
خيّم شيء من الصمت على مجلسنا.. صمتٌ يعقب الصدمة، حتى قالت: «آسفة»، ثم انسابت من عينيها دمعة!
وانقضى اليوم! وكنت أظنه لا ينقضي.. كنت أتحدّث معها وكأنّنا نتحدّث في حلم، وكأنّ ما يحصل بيننا شيء كالسراب.. حدّثتُها عن الصبر والاحتساب، وكيف أن الأمر مصيره إلى الفرج بعد الشدّة، وكيف أن في التناسي والانشغال ببناء الحياة مخرجاً يُعين على اجتياز مرحلة ما بعد الصدمة.. بصراحة، أحسستُ ـ في تلك اللحظة ـ بأنني (آلة) تحدِّث (آلة)، فما قالته صديقتي بطريقتها وحالها تلك كان بالنسبة لي أمراً يفوق تصوّري؛ لأني أعلم جيّداً مدى منطقيتها وعقلانيتها.
من الخيال إلى الواقع!

قطعاً.. ما اعترى صديقتي لم يأتِ في حقيقة الأمر من فراغ؛ بل كان ردة فعل غير متوقَّعة أبداً لفكرة قرأنا عنها معاً في معرض عملنا على تحليل قصة قصيرة للكاتب الأمريكي «جاك لندن».. القصة القصـيرة عنوانها «آلاف الميتات»، أو «A Thousand Deaths»، وهي تتحدّث عن أب مهووس بعلم الأحياء، ويصل به هوسه لأن يُخضِع ابنه لتجارب إعادة الحياة بعد الموت لجسد الإنسان، وذلك بتعريض ابنه لحالات موت مختلفة ناتجة مرة عن التسمُّم ومرة أخرى عن الاختناق، ومن ثَمَّ إخضاع جسد ابنه لحالة تجميد أو تبريد تمنع وصول التلف لخلايا الجسم وبخاصة الدماغ؛ ليُعيد حقن الجسد فيما بعد بموادَّ ومركباتٍ كيميائيةٍ أخرى تُعيد الحياة للخلايا التي ماتت وتُنشِّط تلك المتجمدة، ويُعيد الابن كله للحياة بعد أن يكون قد مات علمياً لمدة أربعة أيام أو أكثر أو أقل!! وتنتهي القصة عندما يتوصّل الابن لطريقة يتخلص فيها من أبيه وخادمَيْه، وذلك بتحليل أجسادهم إلى غازات غير مرئية، فيتحرَّر الابن ويتحلَّل الأب، وتُحال تلك المفاتيح الغامضة إلى لعبة في يد الابن!
حين بدأتُ قراءة القصة لم أكن أتصوّر البتّة أن يهزّ البحث فيها إيمانَ مسلمٍ يقرأ نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيحّتَّى إذّا جّاءّ أّحّدّهٍمٍ پًمّوًتٍ قّالّ رّبٌَ ارًجٌعٍونٌ >99< لّعّلٌَي أّعًمّلٍ صّالٌحْا فٌيمّا تّرّكًتٍ كّلاَّ إنَّهّا كّلٌمّةِ هٍوّ قّائٌلٍهّا $ّمٌن $ّرّائٌهٌم بّرًزّخِ إلّى يّوًمٌ يٍبًعّثٍون>100<نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(المؤمنون).. ولم أتصوّر ولو للحظة واحدة أن ما كتبه «لندن» منذ مائة عام ليس يُدرَّس اليوم من باب السرد القصصي فحسب، بكل ما في ذلك النسج من فبركة وخيال يُطرح على أنه فكرة علمية سبّاقة نرى نتاجها اليوم قائماً على أرض الواقع!
أجل.. فميتات «جاك لندن» الألف صارت قيد التنفيذ اليوم عبر عملية تجميد جثث البشر (كما في الحيوانات والدواب)، على أمل أن يصل العلم يوماً إلى طريقة لإحياء الأموات(!!) وعلاج الأمراض التي ماتوا بسببها، ليُذاب الثلج عن تلك الجثث فتعود «مسوخاً» تعيش بين ظهراني الأحياء من البشر مرة أخرى؛ وليصبح الموت أمراً اختيارياً.. فالراغب في التجميد بعد الموت يعود يوماً للحياة بتقدُّم العلوم، أما الذي يرفضه فسيموت حقاً، ويخسر فرصة الحياة الأبدية التي سيتيحها تقدُّم العلم عبْر عملية «حفظ الجثث بالتجميد» أو .(Cryonics).
هذه العملية التي استنكرها بداهةً الداعية الإسلامي الأمريكي «حمزة يوسف» في معرض حديثه خلال مقابلة معه نُشرِت في موقع (Islam For Today) ، مشيراً إلى أن الجنون التكنولوجي الذي يسعى إلى إطالة الحياة عبر «حفظها» ناتج عن تحوُّل الكثيرين (وحتى المسلمين) إلى أشخاص مادِّيين ينصبُّ تركيزهم على الاهتمام بأمور الظاهر؛ مقابل إغفالٍ كبيرٍ لجوانبَ تتعلّق بجهاد النفس والزهد في الحياة الدنيا (1).
وهي عملية صارت موجودة تُرسَل المعلومات عنها لِمَنْ يطلبها ومَنْ لا يطلبها عبْر المجموعات البريدية المختلفة، ويضطلع بالترويج لها مراكزُ ومعاملُ خاصّة لها مبانٍ على أرض الواقع، ومواقعُ على شبكة «الإنترنت»!
ومع كل إيماننا كمسلمين بأن الموت حق، وأن البعث بعده حق، وأن الجنة حق والنار حق، وبأننا إذا خرجنا من هذه الدنيا فلسنا لها بعائدين، إلا أننا يجب ألا نتجاهل ما يحدث في العالم حولنا، وقد أحالت شبكة «الإنترنت» والأقمار الصناعية أبعد البلدان إلى بيوت جيران، وأكاد بعد ما حصل معي أن أُجْزِم بأن أحداً من المسلمين قد يقرّر اليوم الاتجاه لواحدة من تلك «المجمِّدات البشرية» طمعاً في أن يحيا حياة أبدية خاصة.. وإذا علمنا أن دراسات التجميد ـ كما سيأتي ذكره ـ لا تُغفِل المسلمين؛ بل هم مرشَّحون لدعاوى التجميد وإطالة الحياة المزعومة، وقد أفلحوا في جعل الملاكم الأمريكي العالمي المسلم «محمد علي كلاي» من ضمن المسجَّلين بقوائم الراغبين في التحوّل إلى جثة مجمَّدة!(2).
ما المقصود بالـ«كريونيكس» (Cryonics)؟ وما هدف تجميد الجثث؟
يمكن تعريب كلمة (Cryonics) على أنها «حفظ الجثث بالتجميد»، ويُقصد بذلك علمياً حفظ البشر والحيوانات الذين عجز الطب الحالي عن إبقائهم أحياءً (بعد أن سُمّوا قانونياً بالأموات) في درجة حرارة منخفضة جداً تبلغ 196 درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجة غليان «النيتروجين» المُسال، وذلك على أمل أن تصبح عملية إحياء الأموات (البعث) ممكنةً في المستقبل!!
وحتى لا يتكوّن الثلج داخل الأوعية الدموية مسبِّباً لها التلف والموت، فإن العاملين في مجال تجميد جثث البشر يقومون باستخدام (Cryoprotectants) أو محاليل مقاوِمة للتجمُّد، تُدار في الأوعية الدموية لتستبدِل الماء المكوِّن للدم بموادَّ كيميائية مانعةٍ للتجمّد، تتحوّل لمادّة قوية تشبه الزجاج دون أن تكوِّن شوائبَ ثلجيةً مميتة؛ ممّا يقلِّل الأضرار الناجمة عن شدّة التبريد، ولكن طبعاً دون أن يضمن ذلك كله إيقاف تلك الأضرار بشكل كامل (3).
ويعترف علماء «الحفظ الثلجي» بأن تلك العملية غير مضمونة النتائج.. وعلى الرغم من أنها قد تقلِّل التشوّه والضرر الذي يلحَق بباقي خلايا الجسم بعد توقُّف القلب وإعلان موت المريض قانونياً، إلا أنها تسبِّب ضرراً إضافياً لا يمكن تقدير حجمه، وذلك بسبب ما تتعرّض له الجثّة من ضغط حراري وتسمُّم ثلجي وغير ذلك، كما أنهم لا يضمنون كيف ستكون الحالة البيولوجية والنفسية والاجتماعية للجثث بعد أن تعود للحياة(!)، وما إذا كان مرور الزمن عليها محفوظةً يؤدِّي إلى هِرَمها أكثر، أو إلى نفورها مستقبلاً من المجتمع الذي ستعود إليه، أو أنها ستتأقلم معه أصلاً!! لكنهم يصرُّون في الوقت نفسه على أن تقدُّم الطب سيمنح تلك «المسوخ» العائدة للحياة شباباً آخرَ، وصحةً لا تعرف مرضاً دون علاج!
ابتزاز مادّي

ورغم كل ما في هذا الأمر من تمرُّد عبثي على القوانين الإلهية، ورغم كون عملية تجميد الجثث لا تخلو من الابتزاز المادي؛ إذ يكلِّف تجميد الجثّة من 28 إلى 150 ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى الرسوم الشهرية والسنوية التي تتقاضاها شركات التأمين حتى يعود المجمَّدون للحياة، ورغم كل ما أثير ضدّ «مجمِّدي البشر» من أن عملهم يتنافي مع الدين والأخلاق.. إلا أن هناك الكثيرين من البشر ممَّن ينتسبون لهذه المنظمات التي صار لها فروع معلَنة في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة (بريطانيا)، وفرنسا، وروسيا، وربما غيرها من الدول!
مؤسّسة «آلكور»

وتُعَدُّ «مؤسّسة آلكور (ALCOR) لإطالة الحياة» المنشأَة عام 1972م إحدى أقوى منظّمات «التجميد»، وذلك لامتلاكها مختبراتٍ ضخمةً ومجموعةً لا بأس بها من العاملين المضلِّلين (بكسر اللام) والمضلَّلين (بفتح اللام) من المختصِّين في المجالات العلمية ومن الهواة العابثين.
تقع مؤسّسة «آلكور» في مدينة «سكوتسديل» بولاية «أريزونا» الأمريكية.. وتعرِّف «آلكور» نفسها قائلة: إنها «مؤسّسة غير ربحية تعمل على حفظ وحماية الحياة الهدية التي مُنِحت للإنسانية»، وتزعم أنها لا تحاول أن تُقيم أمواتاً من موتهم (!)، وإنما أن تحافظ على باقي خلايا الجسم بعد توقُّف القلب.. لذا فإن العاملين في المؤسّسة يُسمُّون البشر المجمَّدين بعد الموت «مرضى» لا «جثثاً»، فهم في نظر «آلكور» في حال توقُّف مؤقَّت عن الحياة.. ولهذا يُوجَد في «آلكور» أرشيف خاصّ بكل جثّة مجمَّدة تُحفَظ بها الرسائل المرسلَة لتلك الجثث المحفوظة في سائل نيتروجيني داخل الكبسولات، عسى أن تقوم تلك الجثث يوماً ما فتقرأ تلك الرسائل وبطاقات المعايدة وغيرها؛ لتعود وتتّصل بعالم غُيِّبت عنه قدراً لا يُعلَم من العقود!!
وبناءً على ذلك، فإنهم يَعرِضون على أعضائهم واحدةً من خدمتَيْن:
الأولى: تجميد الجثّة بالكامل.
والثانية: تجميد الرأس والدماغ فقط.. على أمل أنه حين يتمُّ التمكُّن من إعادة الحياة للمجمَّدين ستتمُّ إعادة تكوين أنسجة الجسم الأخرى حال عودة الدماغ للعمل. دصوتكاليف العملية يوضِّحها موقع «آلكور» على شبكة الإنترنت، فهي لكامل الجسد 150 ألف دولار، وللرأس والدماغ 50 ألف دولار، وذلك للمواطنين والمقيمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما مَنْ يقيمُ خارج أمريكا فيتحمَّل تكاليف نقل الجثّة، ناهيك عن تكاليف التجميد الإضافية، والتي تصل إلى حوالي 200 ألف دولار.
مراحل التجميد

كي تتجمّد أيّ جثّة «نيتروجينياً» لابدّ أن تمرّ بمراحل عدّة نذكرها ـ باختصار شديد ـ كما يلي:
< «التثبيت» (Stabilization): ويُوضَع فيها الميِّت في حمّام من الثلج؛ تمهيداً لتوصيله بأجهزة يُفترض أن تجدِّد الدورة الدموية.
< «النقل» (Transportation): حيث يتمّ نقل الجثّة إلى مكان يسمح بإجراء عملية التجميد الرسمية التي ترفض أغلب المستشفيات السماح بإجرائها.
< «ضخّ المواد المانِعة للتجمُّد» (Cryoprotectants profusion): ويتمّ فيها ضخّ موادَّ تمنع تجمُّد الدم، وبالتالي موت الدماغ.. وللتأكُّد من أن الدماغ بخير تُثقَب جمجمة الميِّت ثُقبَيْن، يتمُّ من خلالهما مراقبة أيّ تغيير قد يحدث للدماغ، ثم يُنقل المريض لغرفة أخرى مخصَّصة للتبريد.
< «التبريد» (Cooling): ويجب أن تتمّ هذه العملية بسرعة تمنع وصول السوائل المضخوخة لحالة التجمُّد، ثم يبقى الميِّت في تلك الغرفة لمدّة أسبوعيْن محفوظاً في درجة حرارة تبلغ 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم يُنقل بعدها للمرحلة الأخيرة.
< «العناية طويلة الأمد» (Long Term Care): وتوضع خلالها الجثّة في درجة حرارة 196 تحت الصفر في كبسولة من «الألمونيوم» مليئةٍ بغاز «النيتروجين» المُسال، ومفرَّغةٍ من الهواء.. ثم تُختَم الكبسولة، وتُوضَع داخل حاوية بشكل طولي؛ حيث تتّسع كل حاوية لأربع كبسولات بشرية مجمِّدة. ويُسدل بعدها ستار حديدي على تلك المسرحية، إلى أن يصل العلم إلى تقنية ظل ينتظرها الفراعنة مذ بدؤوا في «تحنيط» موتاهم؛ تاركين لهم الطعام في قبورهم بعد الموت، عسى إن قاموا أن يجدوا ما يأكلونه!
ماذا عن «الرُّوح»؟!

يواجِه العاملون في مجال «تجميد الجثث» سؤالاً يتعلّق بالمكان الذي تكون فيه الروح أثناء انتظارِ الجثّةِ «المجمَّدةِ» تقدُّمَ العلمِ لتُبَثَّ الحياةُ فيها من جديد.. والإجابة تكون بأن الأشخاص الذين يرغبون في «تجميد جثثهم» هم في أغلبهم لا يؤمنون بوجود الروح أو بالقيامة بعد الفناء، فهم يؤمنون بجسد يرونه، فإذا دُفِن أو أُحرِق (فلم يَعُدْ يُرَى) فلن يصبح بالإمكان أيضاً عودتُه للحياة مرة أخرى (!!)، فمجمَّدو المستقبل ينفرون تماماً من فكرة الدفن، أو الحرق كما يحصل لمعتنقي بعض المعتقدات.. أما الفئة الأخرى التي تؤمن بوجود «الرُّوح» فتقول: «إن الرُّوح تبقى في حال انتظار أو خمود في انتظار المجهول»!
عملية وهمية
في تعليق له لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يقول البروفيسور بجامعة «يورك» في المملكة المتحدة «دافيد بيج»: «حفظ الجثث بالتجميد عملية وهمية، لا تقوم على أيّ دليل أو قرينة، وتُقدَّم على أنها نشاط علمي، وهي ليست كذلك حتماً.. فأولئك الذين يجمِّدون البشر يأخذونهم جثّةً هامدة، ويجمِّدونهم بطريقة تؤدِّي إلى تدمير البناء المعقَّد لخلايا جسم الإنسان التي تكوِّن الأعضاء الداخلية المختلفة.. ولو افترضنا أنهم استطاعوا يوماً إيجاد طريقة لإعادة تلك الجثث إلى الحياة فعليهم أن يجدوا طريقة لعلاج الضرر الشديد الذي تُلحِقه عمليةُ التجميد بالأموات».. ثم يضيف قائلاً: «إن حفظ الجثث بالتجميد ما هو إلا نسخة محدَّثة لتحنيط المومياء الفرعونية؛ بهدف إعادة الحياة لها يوماً، بعد أن ماتت منذ آلاف السنين» (4).
وهل يعنينا هذا الأمر كمسلمين؟
نعم يعنينا كثيراً، فنحن جزء لا يتجزّأ من هذا العالم المتطوّر الذي تشغله المادّة والتطوّر المادّي المهتمّ بأمور الظاهر والحياة الدنيا كثيراً، فصرنا عُرضةً لأفكار قد تهزّ الإيمان في أبسط مُسلَّمات الحياة، ومنها أن الموت حقٌّ، وأن أجل الإنسان إذا جاء فلا يستأخر عنه ساعةً ولا يستقدم.. ثم إن وسائل الإعلام صارت تنقل لنا مجريات تلك الأمور بتفاصيلها الدقيقة.
وتجاهُلُنا وجودَ مثلِ تلك الأمور لا يخفيها، وإنما يُغيِّبنا نحن عن واقعٍ يجب أن نتصدّى له مبكِّراً(5).
إن المراجِع لأرشيف منظّمة مهمّة تعمل في مجال تجميد الجثث (6)، وهي منظّمة «كريونيت» (Cryonet) يجد أن هناك رسائلَ متبادلةً بين الأعضاء والمسؤولين تناقش الكيفية التي يجب عن طريقها تقديم فكرة «حفظ الجثث بالتجميد» للمسلمين «المتنوِّرين» (7)، بل ويزيد الأمرُ جديةً عندما تُطرَح فكرة تكوين جوٍّ يتناسب والتقاليدَ الإسلاميةَ المرتبطةَ بالموت، كحساسية المسلم من أن يكون في حاوية «نيتروجينية» مع غير مسلم (!!)، وكيف أن بعض المسلمين كغيرهم من أتباع الديانات الأخرى يهمّهم أن يعرفوا مَنِ الذي سيقوم بخدمتهم وهم في حال الانتظار المزعومة!! (8).
إن «حفظ الجثث بالتجميد» عملية تحتاج إلى النقاش من منظور إسلامي، فأفكار من هذا النوع تبدأ غريبةً مستنكَرة، ثم لا تلبث مع مرور الزمن أن تأخذ شكلاً طبيعياً بعد أن تُبرَّر علمياً، ثم تُمرَّر على يد جاهل ادّعى العلم بأمور الدين؛ لتصبح ـ يحفظنا الله ـ أمراً اختيارياً لا علاقةَ له بإيمان أو بغيره.
نعم.. إن العملية كلها عملُ شيطانٍ تعهَّدنا بالفقر؛ إذ «يأمرنا بالفحشاء»، ولن يَغفَل عنا أو ينسانا.. فماذا ننتظر؟!
نسأل الله أن يثبِّت إيماننا، وأن يرزقنا الرضا بالقضاء والقَدَر.>

*********************
ننتظر وجهة نظر الاطباء وبعلميه بحته