المسلمون بين الواقع والمرتجى
بقلم هلا حلاوي
24/01/2008
المسلمون أمة هداية وقيادة، اختارها الله عزَّ وجلّ لأقدس رسالاته وأنزل فيها أعظم كتبه، وبعث فيها أكرم رسله وخير أنبيائه وأصفيائه سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم. وهي أمة الشهادة، قال تعالى: )لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( [البقرة:143].
ولقد اجتباها الله تعالى فحملت الأمانة بصدق، وجاهدت في الله حق جهاده، فأكرمها وأعزّها، وجعلها خير أمة أُخرجت للناس ففتح لها أغلاق القلوب كما فتح أمامها المعاقل والحصون. وكانت لها السيادة في المعمورة لأمدٍ يَزيد على الثلاثة عشر قرناً من الزمن. ثم دالت دولتها حين زالت خلافتها، وتداعت عليها دول الكفر، كما يتداعى الأَكَلَة إلى القَصْعة، فمزقتها شرّ ممزَّق، وجعلت منها أمماً بعد أن كانت أمة واحدة كما أمرها ربُّها )إنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون( [الأنبياء: 92].



واقع المسلمين المؤلم

وها هي المصائب لا تزال تنصبّ على المسلمين، وهذه المحن تتتابع عليهم وتلاحقهم، وهذه البلايا والنوائب تترى كأنها لم تجد غير ديارهم داراً، ولا غير منازلهم منزلاً. هذا غير الفوضى السياسية، والفكرية والأخلاقية والاجتماعية التي عشعشت في ديارنا حتى غدونا وكأننا لسنا أبناء أولئك الأمجاد، وأصبح حالنا في أسفل درك وأسوء وضع: فانطبق علينا قول الشاعر:

يا كاشفَ الضُرِّ صفحاً عن جرائمنا

لقد أحاطت بنا يا رب بأساءُ

نشكو إليك خطوباً لا نُطيق لها

حملاً ونحن بها حقاً أحقّاءُ

أَيْ والله لقد صدق, إنّ الحالة المُهينة التي وصلنا إليها ما هي إلا نتاج أعمالنا وثمرة أوزارنا؛ فنظرة سريعة وخاطفة على مجتمعنا المتهالك تظهر لنا ما عمّ فيه وانتشر من تضييع للأمانة، وانتشار الفساد، والفحش في الأعمال والأقوال والسلوك، وشيوع الزنا والتساهل في أكل الربا، وتفشِّي الكوارث الاجتماعية من: عقوق الوالدين وقطع الرحم وسوء الجوار وهتك الأستار... كل هذا إضافة إلى كثرة الجهل وقلة العلم والعمل، وكثرة الموت والقتل، وتولّي السفهاء أمور العامّة، وتتابع الفتن ما ظهر منها وما بطن.



كلّ هذه الأمور ذكرها حبيبنا المصطفى r في أحاديث الفتن. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهr : «من أشراط الساعة أن يُرفَع العلم، ويَثْبت الجهل, وتُشرب الخمور، ويظهر الزنا» رواه البخاري، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في حديث طويل عن النبي r قال: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفُحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن ويخوّن الأمين» حديث صحيح رواه الإمام أحمد.



وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن علامات الساعة قول النبي r: «يتقارب الزمان، ويُقبض المال، وتظهر الفتن ويكثر الهَرْج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟، قال: «القتل، القتل».





سبب تردي وضع المسلمين

فكم يموت يومياً من المسلمين؟! العشرات بل أحياناً المئات ولا يهتز لأكثرنا جَفْن، حتى أصبح هذا الخبر طبيعياً مألوفاً، وكم تُنتهك من الحُرمات والمقدسات ولم يعد يُعبأ بها أو يُلقى لها بال؟!



ويتساءل المرء: ما سبب ذلك كله؟ ويأتي الجواب بعد طول تفكير وتأمل أنها سنّة ربانية خلق تعالى الكون عليها، فالأمة التي تسير على النهج وتمشي على درب الهداية، وتأخذ بمعاقد المجد والجِدّ وتلتزم بتقواها تصل إلى مبتغاها، وتنال مُناها، أما الأمة التي تسلك طريقاً إلى الشيطان يسلك الله تعالى بها طريقاً إلى الذل والمهانة والعناء والشقاء. وما أهون الخلق على الله إن هم أضاعوا أمره وفرّطوا في حُكْمِهِ ودينه.

فما صرنا إلى ما صرنا إليه من الفُرقة والشتات والذل والهوان والبلاء إلاّ بسبب الذنوب والمعاصي وترك الأوامر والنواهي. وهل عُذّبت أمة من الأمم في القديم والحديث إلا بذنوبها، فما نَزَلَ عذاب إلاّ بذنب ولا ارتفع إلاّ بتوبة؟!



فما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد، حتى ألقتهم صَرعى على وجه الأرض، كأنهم أعجازُ نخل خاوية؟ ولماذا أرسل الله تعالى على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن بَكْرة أبيهم؟ وما الذي أرسل على قوم شُعيب عذاب يوم الظُِّلّة، وأرسل عليهم سُحُب العذاب كالظلل، فلما صارت فوق رؤوسهم أمطرت عليهم ناراً تلظى، فأهلكهم الله بذنوبهم وبما كانوا يصنعون؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمّرها تدميراً كاملاً شاملاً غير المعاصي والذنوب؟ ذلك بما كسبت أيديهم ولا يظلم الله عزّ وجلّ أحدا.



إذن، إنها سنة الباري في كونه وخلقه، وهي علامة على اقتراب الساعة )يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم(، )يوم ترونها تَذْهَل كلُُّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلُّ ذاتِ حمْلٍ حملها وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكن عذاب الله شديد( [الحج: 2 ].



لقد وصف لنا رسول الله r المخرج مما نحن فيه حين قال: «يأتي على الناس زمان يُغربَلون فيه غربلة، قد مَرِجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا، وشبّك بين أصابعه، قالوا: يا رسول الله فما المخرج من ذلك؟، قال: «تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتُقبلون على أمر خاصّتكم وتدعون أمر عامتكم» رواه أحمد.



إذن فلا سبيل للنجاة إلاّ بالأخذ بعوامل الاستعداد والثبات، وهي:

أوّلها: الاستجابة لله ورسوله، قال تعالى: )لو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَّ تثبيتاً( [النساء: 66]. فالاستجابة لأمر الله عز وجل، والانتهاء عما نهى الله عز وجل عنه يقوِّي قلب المؤمن، فيكون أقدر على الثبات، وأكثر تمسكاً بالحق حتى الممات.



ثانياً: كثرة العبادات والطاعات ومخالطة الصالحين: فالرقيّ القلبي منوط بتوثيق الصِّلة بالله تعالى والاجتماع مع أهل الحق والصلاح والارتباط الروحي بهم، فمجالسة العلماء العاملين تزيد الإيمان وتثبّت الأقدام على طريق الرحمن.



ثالثاً: تعلّم العلم مع الثقة بنصر الله تعالى؛ لكشف زيف الباطل وفضحه ولمواجهة فتن الشهوات والشبهات.

وكما قال أحد الصالحين: (إذ أقبلت الفتنة عرفها كل عالم، فإذا أدبرت عرفها كل جاهل).



رابعاً: الدعاء؛ فإنه من أعظم أسباب الخير في الدنيا والآخرة، ودعاء المؤمن في شدّة الأزمات والشدائد غالباً ما يكون دعاء مضطّر إلى الله عز وجل ورحمته والله عزّ وجلّ يقول: )أمّّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلُكُم خلفاء الأرض، أَءِلهٌ مع الله؟ قليلاً ما تذكّرون( [النمل: 62].



خامساً: الدّعوة إلى الله عز وجل؛ فالداعي إلى الله تعالى متبع للنبي r كما قال تعالى: )قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني( [يوسف: 108]. والداعي إلى الله تَثْبُتُ في قلبه المعاني التي يدعو إليها ومنها الصبر والتوكل والثقة بنصر الله ومحبته والإخلاص له والدعوة إلى اتباع سنة نبيه r، فيوفّقه تعالى إلى مزيد من الاستعداد والتمسك بالحق والثبات عليه.

فهلمّوا – وأخواتنا – للتمسك بأسباب النجاة هذه لئلا نغرق مع الهالكين ولنستعيد الأمل بقُرب إيذان فجر جديد ومجدٍ تليد وما ذلك على الله بعزيز.