مقياس تربوي أخلاقي
عفاف لطف الله
في حديث لطيف للفنانة أصالة نصري أفادت بأنها تقدمت لامتحان الشهادة الثانوية ولم تكن قد حضرت تحضيراً كافياً لاجتياز هذا الامتحان بنجاح، اذ كانت تنوي القيام بعمليات غش في الامتحان لكي تنجح.. وعندما دخلت الى قاعة الامتحان فوجئت بتعاطف المراقبين معها، ولمست احترامهم لها ولفنها، كما شعرت بمحبتهم وثقتهم.. عندها أبت أن ترتكب عملية غش اذ اعتقدت جازمة أن ذلك يلوث مسيرتها الفنية والخلقية التي تعتز بها، ويسيء الى شخصيتها ويلحق بها وصمة تلازمها مدى الحياة..
أسوق هذه الحادثة التي عززت اعجابي بفنانتنا الراقية أصالة نصري وأكدت احترامي لها ولصوتها وفنها وعفويتها وصدقها.. أسوق هذه الحادثة وطلابنا ومعلمونا وأسرنا وأبناء مجتمعنا يعيشون أجواء الامتحانات العامة والجامعية التي يعد القلق والخوف والترقب والتوتر سيد الموقف فيها، لما للامتحانات من وزن وأهمية في مسيرة حياة الطالب الدراسية والعملية والأسرية والاجتماعية، فالامتحان هو الفصل والفيصل في تحديد مستقبل الطالب، وهو المقياس الوحيد الأوحد لفرز الطلبة الى نوع التعليم أو الاختصاص.. على كل حال لست بصدد الحديث عن الامتحان ، ما له وما عليه.
في هذا السياق، انما يصدد الحديث عن مسألة تثيرها الامتحانات ألا وهي ظاهرة الغش الذي اتخذ أشكالاً وألواناً وفنوناً مختلفة وجديدة.
إن الغش يعد ثغرة حقيقية كبيرة في البنيان النفسي التربوي الأخلاقي للطالب أو الانسان- أي انسان- وهو تعبير أكيد عن اخفاق ما ارتكبه المربي في تربية أبنائه سواء أكان المربي أباً أم معلماً أو غير ذلك، وهو أي الغش اخفاق ما في الوصول الى النتائج التربوية المتوخاة، فالتربية لا تقتصر في أهدافها ومضامينها على تقديم المعلومات والمعارف ونقل التراث الفكري من جيل الى جيل، أو من صفحات الكتب الى صفحات الذاكرة.. لا تقتصر التربية على تنمية الجانب المعرفي وبناء الجانب العقلي من الانسان باعتماد مواد درسية من علوم ورياضيات وآداب ومواد اجتماعية.. بل هي أشمل من ذلك بكثير، إنها تنمية المهارات العملية والمواقف الايجابية، والعواطف واكتساب القيم والأخلاق الفاضلة، والتي أبرزها الاستقامة والأمانة والصدق والحق والعدل.. اذ تشكل القيم أقانيم أساسية في التكوين الأخلاقي للانسان، وهي لا تولد فجأة، بل يكتسبها المرء بالممارسة والتدريب والتأثير والتأثر، وبالقدوة الحسنة إنها تغرس وتربى في الانسان منذ بداية حياته، وهي هدف مهم من أهداف التربية في المجتمع- أي مجتمع.. وعودة الى الغش في الامتحان، إنه مظهر يسيء الى الطالب، والى مدرسته وأسرته ومجتمعه، وهو أمر يدعو من يمارسه الى الخجل والاستحياء، وهو صفة مسيئة تلتصق بالمرء وتلازمه مدى حياته، اذ يصبح منهج حياة وأسلوب ممارسة يستخدمه صاحبه في تسيير شؤونه وعلاقاته مع الآخرين.
فالطالب الذي يغش في الامتحان للمرة الأولى، ويستفيد من هذا الغش في تحقيق «نجاح» ما- في نظره- يستمرىء الغش ويستسهله ويمارسه في اختبارات وامتحانات ومواقف أخرى وفق متوالية لا تنتهي، فيتأصل الغش والخداع والكذب في حياته ليصبح عادة ملازمة له وطريقة للتعامل مع الجميع، ومن يغش في الامتحان ويخدع ويكذب في حياته الأسرية والعملية والاجتماعية ولا يؤمن جانبه، فالمسألة تربوية أخلاقية.
وفي هذه المناسبة نلفت نظر أحبائنا الطلبة للابتعاد عن ممارسة الغش مهما كان بسيطاً لأنه يلحق الأذى الحقيقي بالطالب، والتلوث الخلقي بالمجتمع، وثمة دعوة الى المعلمين البنائين الذين يبنون الانسان، أثمن ثروات المجتمع، الذين يقدمون له نسغ الحياة الفاضلة، ولا شك في أنهم قادرون على توفير الأجواء النفسية التربوية الآمنة لأبنائنا الطلبة لاجتياز امتحاناتهم بيسر وارتياح بوسائل تربوية أخلاقية أبوية، إنها دعوة لعدم اتاحة فرص الغش.
ودعوة متجددة للتحلي بالأخلاق والقيم النبيلة في عصر العولمة، عصر أزمة الأخلاق وتآكل القيم.. نتمنى لأبنائنا الطلبة وسائر أبناء المجتمع النجاح والتفوق والصحة النفسية والتربوية والأخلاقية.

جريدة البعث/العدد: 13418 - تاريخ: 2008-05-25