ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية
أزمة اقتصادية.. أم أن للمسألة وجهاً آخر؟!

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

يجمع بعض المحللين والخبراء على أن شرارة الأزمة الغذائية الراهنة التي ألّمت بالعالم بأسره.... انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية حين قررت حكومتها قبل بضع سنوات دعم المزارعين الأمريكيين الذين يوجهون محاصيل الحبوب لإنتاج الإيثانول، وهو وقود بيولوجي يمكن مزجه بالبنزين.
ويشار إلى أن الوقود الحيوي يُنتج أساساً من حاصلات غذائية مثل الحبوب والبذور الزيتية والسكر، ويعتبره المؤيدون وسيلةً لزيادة أمن الطاقة وتقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، غير أن البعض يحملونه مسؤولية تزايد الطلب على الحبوب ورفع الأسعار في وقت يتعاظم فيه خطر نقص الأغذية في بعض أنحاء العالم فهناك 800 مليون جائع في العالم ويموت من الجوع سنوياً 5 ملايين طفل حتى إن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اعتبرت أن الوقود الحيوي أحد المحركات الرئيسة لتوقعات زيادة أسعار الغذاء بنسب تتراوح ما بين 20و50٪ في حلول عام 2016.
لقد استخرجت الولايات المتحدة الأمريكية من 24٪ من إنتاج الذرة ميثانول مع العلم بأن ملء خزان دبابة من الميثانول يكفي لإطعام شخص يعتمد على الذرة طوال العام، وأصدرت أوروبا قراراً بأن 10٪ من إنتاج الطاقة يجب أن تكون من الحبوب في عام 2020.
وحسب وحدة الأبحاث التابعة لأوبك فإن توقعات الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي للدول غير الأعضاء في أوبك كانت حسب التالي، غرب أوروبا في عام 2005 وصل إنتاجها من الوقود الحيوي إلى 100 ألف برميل يومياً ويتوقع أن يصل في عام 2020 إلى 40 ألفَ برميل يومياً، وفي عام 2015 إلى 500 ألف برميل يومياً، أما أمريكا اللاتينية فقد وصل إنتاجها في عام 2005 إلى 300 ألف برميل يومياً. ويُتوقع أن يصل إلى 400 ألف برميل يومياً عام 2010، وإلى 500 ألف برميل عام 2015، أما الشرق الأوسط فقد كانت النتيجة صفراً، وآسيا صفر في عام 2005 و2010 و100 ألف برميل يتوقع في عام 2015.
وبالنسبة للصين كانت النتيجة صفراً في عام 2005 وفي عام 2010 يتوقع أن يصل إلى 100 ألفَ برميل يومياً، وفي عام 2015 سيصل حسب التوقعات إلى 200 ألف برميل يومياً وسرعان ما حذت دول عديدة حذو الولايات المتحدة، فتحولت البرازيل من زراعة الغذاء لتصبح أكبر مصدر للوقود البيولوجي وقرر الاتحاد الاوروبي الحصول على 1٪ من وقود النقل الحيوي قبل نهاية 2020، وبدأت العديد من الدول الزراعية تتأهب للقيام بالخطوات نفسها، وأصبحت ألمانيا أكبر منتج للوقود الحيوي في أوروبا رافضةً على لسان مستشارتها «ميركل» الاتهامات التي توجهها لها الجماعات المدافعة عن البيئة والجماعات الإنسانية كونها المتسببة بارتفاع أسعار الحبوب ومنتجات الألبان، إذ أرجعت ميركل سبب ارتفاع الأسعار إلى تغيّر العادات الغذائية في الأسواق الناشئة ولاسيما الوجبة الهندية الثانية وكوب الحليب الصيني، قائلة: إن من يسافر إلى الهند هذه الأيام سيلاحظ أن النقاش الرئيس يدور حول الوجبة الثانية ومضت تقول: إن الناس يأكلون مرتين في اليوم، وإذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمة، يفعل ذلك فهؤلاء عددهم 300 مليون نسمة، وذلك يشكل جزءاً كبيراً من أوروبا الغربية، إذا استهلك الهنود فجأةً طعاماً يعادل ضعف ما كانوا يستهلكونه، وإذا بدأ 100 مليون صيني في شرب الحليب أيضاً فإن حصص الحليب لدينا ستقل كما أرجعت سبب ارتفاع الأسعار إلى قصور السياسات الزراعية في البلدان النامية.
لقد أدى تحوّل هذه الدول إلى إنتاج الوقود الحيوي من الحبوب إلى انخفاض إنتاج الحبوب المخصص للطعام بنحو الخمس في العالم، ولا سيما بعد ان ارتفع سعر الطاقة إلى 400٪ منذ عام /2003/، وهذا الأمر دعا كلاً من صندوق النقد والبنك الدولي إلى دق نواقيس الخطر حيث حذر رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس من أن تجتاح موجة الغلاء والجوع أماكن كثيرة من العالم، وأن تطيح بديمقراطيات وتدمر اقتصاد العديد من البلدان، واعتبر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد النجاح الذي حققه المجتمع الدولي في السنوات السبع الماضية في مكافحة الجوع، ذلك أن الدول الفقيرة تنفق 75٪ من دخولها على الغذاء، وعندما ترتفع أسعار الغذاء فإن تأثيرها يكون قوياً وطالب المجتمع الدولي بسد الاحتياجات الطارئة لبرنامج الغذاء العالمي التي تصل حالياً إلى 755 مليون دولار في موازنة البرنامج البالغة 2.9مليار دولار.
وحسب الدراسات هناك 100 مليون شخص في العالم لم يكونوا محتاجين للمساعدات الغذائية في السابق، أصبحوا غير قادرين على شراء المواد الغذائية حالياً، الأمر الذي يضر الاستقرار والأمن العالميين، إذا لم يتم التعامل معه بالشكل السليم.
وقد وصل ارتفاع أسعار الغذاء في العالم ما بين عام 2000 و2008 على الشكل التالي ارتفعت مادة السكر إلى 61٪، واللحوم إلى 33٪ والألبان إلى 160٪، والحبوب إلى 266٪، والزيوت إلى 296٪... وعلى الصعيد العربي، فإن العجز الغذائي والزراعي العربي يصل إلى 40 مليارَ دولار.
وقد وصلت أسعار الغذاء العالمية في العام الماضي إلى مستويات قياسية لا سيما القمح والأرز والحبوب الزيتية، حيث ارتفع سعر الأرز الذي يستهلكه ثلثا سكان العالم إلى 75٪ فيما قفزت أسعار الحبوب إلى 42٪ والزيت إلى 50٪ ومشتقات الحليب إلى 80٪، وحسب تقرير صادر عن منظمة الفاو مؤخراً فإن أسعار الغذاء العالمي ارتفعت خلال العام الماضي إلى 23٪ على الأقل - أما القمح الذي يعد محصولاً استراتيجياً، فإن المشهد على الساحة العالمية يشير إلى الآتي.
إن أكبر الدول المنتجة للقمح في عام 2007 هي كالتالي: الاتحاد الاوروبي 122 مليونَ طن - الصين 106 ملايين طن - الهند 75 مليونَ طن - الولايات المتحدة تُنتج 56 مليونَ طن - روسيا 48 مليونَ طن.
وأكبر الدول المصدرة للقمح هي الولايات المتحدة تصدر 32 مليون طن - كندا 15 مليون طن - الاتحاد الاوروبي عشرة مليون طن - الأرجنتين 10 ملايين طن.
أما أكثر الدول المستهلكة القمح في العام ذاته فهي الاتحاد الأوروبي 129.4 ألف طن - الصين 100.5 ألف طن - الهند 72.2 ألف طن - روسيا 38 ألف طن - الولايات المتحدة 31.2 ألف طن - باكستان 21.1 ألف طن.
أما عن الحال في الوطن العربي.. فإن مصر تعد أكبر دولة مستوردة للقمح إذ تستورد 7 ملايين طن وستزيد ربما إلى 8 ملايين طن، أما الجزائر فتستورد 5 ملايين طن، والعراق تستورد 3 ملايين طن والمغرب تستورد 3 ملايين طن، واليمن تستورد 2.9 مليون طن والأردن تستورد 500 ألف طن. وتعد سورية هي البلد العربي الوحيد الذي يصدر القمح ويأتي ذلك في إطار سياسة للاكتفاء الذاتي أعطت سورية ورقةً قوية في صيانة استقلالية قرارها الوطني.
إن البلدان المتقدمة تقدم ثلاثمئة مليار دولار من الدعم لمزارعيها مع العلم أن سكانها العاملين في الزراعة لا يشكلون أكثر من 4٪، أما البلدان النامية فرغم أن هناك حوالي 80٪ من سكانها يعتاشون على الزراعة وهي مصدر العيش الرئيسي.. فإن مزارعيها قلما يتلقون الدعم.
وحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو هناك 37 دولةً متضررة بشكل أساسي من ارتفاع الأسعار في العالم، حيث امتدت المظاهرات والمواجهات بين المواطنين والحكومة في 16 عاصمةً خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي عكس حجم الأزمة الغذائية التي يمر فيها العالم، فمن الأرجنتين إلى الكاميرون ومن القاهرة إلى باكستان ومن هاييتي إلى ماليزيا فالصومال، حيث شلت الإضرابات عدداً من المرافق الحكومية وأقلقت الحالة السياسية، وظهرت أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية واضحة في بعض المدن العربية مثل غزة والقاهرة وبيروت والرباط والرياض.
ويرجع جاك ضيوف، مدير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو، عوامل ارتفاع الأسعار إلى التغيرات المناخية التي اجتاحت العالم من فيضانات وجفاف، والطلب على الطاقة الحيوية والزيادة في عدد سكان العالم إذ سينتقل عدد سكان كرتنا الأرضية في حلول عام 2050 من الستة مليارات نسمة إلى تسعة مليارات نسمة، وهؤلاء كلهم يجب أن يحصلوا على الغذاء، لأن ذلك حقهم الطبيعي، وتحذر منظمة الغذاء العالمي من أن ارتفاع الأسعار سيتواصل حتى عام /2011/.
ويرى بعض المحللين الاقتصاديين أن ارتفاع أسعار النفط ساهم في أزمة الغذاء الحالية بعدما أصبحت أساليب الزراعة الحديثة والمعاصرة أكثر اعتماداً على الطاقة لإنتاج الأسمدة الكيماوية، وتشغيل آلات الحرث والحصاد، فضلاً عن وسائل نقل المحصول ومع تجاوز سعر برميل النفط المئة وستة وعشرين دولاراً تحوّلت تكلفة الطاقة المرتفعة إلى أحد أهم الأسباب التي تدفع أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع.
ويشير بعضهم إلى أن ارتفاع أسعار النفط لها علاقة كبيرة بالنمو الاقتصادي الذي تشهده الصين وباقي الاقتصاديات الناشئة في العالم، فقد دخلت هذه القوى الصاعدة بشكل مباشر أو غير مباشر في منافسة محمومة مع باقي العالم على الموارد الطبيعية النادرة أصلاً بما فيها النفط والأراضي الزراعية، ويقول بعضهم: إن زحف الصينيين الذين باتوا أكثر إقبالاً على أكل اللحوم وإلى جانبهم طبعاً المواطنون في الاقتصاديات الناشئة الذين بدؤوا يأكلون على الطريقة الغربية «!!»، في وقت تتقلص فيه المساحات المزروعة بالمحاصيل التقليدية، التي لا غنى للإنسان عنها، إضافةً إلى الشروط التي يفرضها البنك الدولي على دول العالم الثالث «تحرير» تجارة المواد الغذائية وإطلاق يد الشركات متعددة الجنسيات في السيطرة عليها... الأمر الذي أدى في الهند وفي العديد من الدول الآسيوية والإفريقية إلى طرد الملايين من الفلاحين التقليديين من الحقول التي كان يزرعها أسلافهم منذ آلاف السنين، ناهيك عن النمو المتزايد في الصين والهند اللتين تضمان أكثر من 40٪ من فقراء العالم، إضافةً إلى المضاربات في البورصات على أسعار المواد الغذائية في إطار النظام العالمي المالي والحروب الأهلية التي شردت الملايين من الناس ومنعتهم من زرع محاصيلهم مثلما حصل للفلسطينيين في قطاع غزة... حينما حرثت اسرائيل اراضيهم بالجرافات، وقطعت أشجار الزيتون ومنعتهم من تصدير منتجاتهم الزراعية.
ويرى بعض الخبراء أن أزمة الغذاء هذه وارتفاع الأسعار ما هي إلا مؤامرة من شركات البيوتكنولوجيا متعددة الجنسيات التي تنتج الحبوب المعدّلة جينياً فهي تواجه صعوبات أوعقبات في نقل كوكب الأرض من عصر الغذاء الطبيعي إلى عصر الغذاء المعدّل جينياً.
وهي صعوبات ناجمة عن خوف كثير من الناس من الأمراض المحتملة التي قد يسببها هذا الغذاء من جهة وللكلفة الاجتماعية الباهظة التي سيؤدي إليها التخلي عن عشرات ملايين الفلاحين التقليديين من جهة أخرى، وثورة الطعام الجيني مستحيلة ما لم يكن هناك ثورات جوع عالمي تجبر الحكومات على استجداء «النجدة الجينية» من الشركات.
ولأن ارتفاع الأسعار الجنوني هذا يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاقتصادي للدول، بدأت الحكومات تتخذ عدداً من الاجراءات الوقائية اللازمة، فعمدت إلى دعم مزارعيها وفرضت ضرائب على الصادرات لتخفيف خروج الغذاء من بلدانها.
لكن بوست مدير خدمة الأغذية الأجنبية بالحكومة الأمريكية قال: إن قرارات خاطئة تُتخذ الآن من جانب دول مثل الأرجنتين التي زادت الرسوم الجمركية على صادرات القمح وتايلند التي أوقفت تصدير الأرز كما أن صنّاع القرار شككوا بوجهة نظرهم السائدة القائلة: إن تحرير تجارة الغذاء في الدول النامية يحقق مكاسب أكبر من التكاليف.
وأفاد تقرير عن البنك الدولي بأن مثل هذا التحرير يضر بمحاولات القضاء على الفقر ويضر بالبيئة.
وينصح خبراء الزراعة العرب الدول العربية لتلافي مثل هذه الأزمات بالاستثمار في الزراعة في البلدان العربية ذات الإمكانات الزراعية الكبيرة غير المستغلة، وذلك بمساعدة المزارعين وتقديم البذور الخصبة ونظم السيطرة ومكافحة الأمراض - والاستثمار في الثروة السمكية بإنشاء مزارع للأسماك خاصةً وأن الوطن العربي يمتلك ساحلاً طويلاً وإعداد سياسات زراعية متكاملة تبدأ بقرار سياسي ومحاولة تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي ما أمكن بالتعاون بين الدول العربية.
أخيراً إن حق الحياة والحصول على الغذاء يشكل خطوطاً حمراء غير قابلة للمساومة والدول التي لا تصنع قوتها بنفسها لا تمتلك زمام قرارها السياسي وتبقى تعاني من التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية، وهي بذلك مهددة بأن تضيّع هويتها فهلا يسارع العرب إلى اتخاذ إجراءات وتتناسب مع خطورة ما يجري!!.


ريم سعيد

جريدة البعث السوريه عدد:
العدد: 13408 - تاريخ: 2008-05-12