إنها ليست شنينة

هناك من يضرب اللبن الرائب بالخلاط الكهربائي، ويضيف عليه قليلا من الماء والملح، ويقدمه بعد تبريده كشراب منعش، ويطلق البعض على هذا الشراب (شنينة أو لبن مخيض، أو العيران ). وقد كان هذا الشراب ـ بالأصل ـ ينتج بعد وضع ما يزيد من لبن في (جلد شاة أو عجل) ويطلق على تلك الأداة (شكوة) في حالة جلد الشاة أو (جُف) في حالة جلد العجل. أما اليوم فالمعامل والمطابخ تستخدم أدوات وآلات كهربائية حديثة.

أحيانا، تحتال ربة المنزل على أولادها بخلط كمية كبيرة من الماء مع القليل من اللبن و بعض (ملح الليمون) والملح وأشياء أخرى لتقدم لهم هذا الشراب. وفي بلاد الشام يعملون هذا الشراب مع اللحم والرز ليصنعوا طعامهم المعروف ب(المنسف) . وقد زادت الحيل في الاستعاضة عن اللبن بمحلول يستخرج من السمسم اسمه (الطحينة ) أو (الراشي في العراق). وهذا ما تفعله المطاعم الكبرى أو متعهدو الحفلات التي يقدم فيها هذا الطعام.

ما علينا، إن من يتأمل العمل العام في البلدان العربية، يجد أن هناك وجه شبه بين الحيل التي يستخدمها صانعو (الشنينة) والحيل التي يستخدمها المثقفون. فكما أنه لا يجوز أن نضع كوبا من اللبن في برميل من الماء ونقول للآخرين هذه شنينة، فإنه لا يجوز أن يوزع المثقف جهده على مئات النشاطات ويقول أني ناشط في مجال العمل العام.

إن عقدت ندوة لمناقشة البيئة تجده هناك، وإن كان هناك اعتصام لوقف ختان البنات تجده معتصما مع المعتصمين، وإن تصفحت مواقع الإنترنت تجده مشتركا في مئة موقع، ويرد على هذا وذاك، ويحلف أن الموضوع مهم وجاء في وقته وإن صاحب الموضوع قد وضع إصبعه على الجرح!

متى يتسنى لهذا المثقف أن يقوم بكل تلك الأعمال ويقرأ ويفهم لكل هؤلاء؟ ومتى قرر أن هذا الموضوع مهم جدا؟، وهو الذي يُطلب لأن يكون شاهدا على عقد زواج و يتكفل فلان لإخراجه من قسم الشرطة، ويقوم بأعماله الشخصية (كممتهن) ..

هل هذا مثقف يقوم بدوره بشكل جيد؟ أم هل هذه شنينة؟ إنها ليست بشنينة.