مراحل تطور الترجمة :
من خلال نظرة لعمل المترجمين في الدولة الإسلامية ، يمكن ملاحظة أن الترجمة مرت بمرحلتين ، وذلك وفقا لنوعية المترجمات :
المرحلة الأولى :
اهتم العرب في هذه المرحلة بترجمة الكتب العلمية ، فبدأوا بنقل كتب الطب والفلك والرياضيات ، وربما كان الطب يأخذ مكان الصدارة والأولوية ، ولعل السبب يكمن في صلة أطباء (جنديسابور ) بالخلفاء العباسيين .. علاوة لما روي أن المنصور كان مريضا في معدته .. فكان يهتم بمتابعة أخبار الأطباء و مهاراتهم .. فاستدعى جبريل بن بختيشوع ( عبد المسيح) ليكون طبيبا له ، فظلت أسرة بختيشوع قريبة من القصر الخلافي .. من عهد المنصور الى عهد الرشيد .
ومن خلال قرب تلك الأسرة ، فإن التوجه للاهتمام بالطب ، وتقرب الأطباء من مختلف أنحاء الدولة ، طمعا في المال والشهرة ، أوجد تلك الاستثنائية والاهتمام ، رغم أنه كانت هناك بوادر سابقة في العهد الأموي كما أسلفنا ..
المرحلة الثانية :
يمكن القول أن هذه المرحلة ، التي تتصف بترجمة كتب الفلسفة والمنطق ، قد بدأت في عهد المأمون ، حيث كان ميالا للعلم وإطلاق عمل العقل ، فاصطنع مذهب الاعتزال ، وقرب من يشاطره القبول بهذا المذهب ..
لقد أنشأ المأمون دار الحكمة ، وعهد الى حنين بن اسحق ، للقيام بترجمة كتب الفلسفة اليونانية ، وهي التي أخذت بدل الضريبة من ملك الروم ، فانشغل أتباعه في التبحر بما قال اليونانيون ، ثم أصبحت دار الحكمة أشبه بالجامعة التي يؤمها طلاب هذا الصنف من العلوم ، يجتهدون ويناقشون ويترجمون ويكتبون ، فازدهر هذا العلم ازدهارا هائلا ..
وتطورت الجهود التي رافقت هذا النشاط لتقود الى إنشاء علم الكلام الذي أصبح كأنه علم ( المنطق) لكن بصيغة عربية ، وسنحاول في مجال آخر في الحديث عن العقل العربي ، أن نتطرق للشعرة التي تفصل بين علم المنطق الغربي وعلم (الكلام العربي ) .. عندما نتكلم عن أبي سعيد السيرافي في عهد الخليفة المعتضد ..
لقد تصاعد أداء المعتزلة ، المحاذي لنشاط الترجمة ، وبقي كذلك حتى عهد المتوكل ، ونكبة أهل المعتزلة المعروفة في عهده .. فتراجع نشاط الترجمة في الفلسفة والمنطق ، ليرتكس الى النشاط في الترجمة العلمية ( الطب والرياضيات وغيرها ) .. وان لم يكن أصلا قد توقف ..