علبة بتهوفن
أوLa neuvieme






بكرزة الأنمل تضغطين على الزرالذهبي .. ترتفع قبة العلبة .. يخرج طيف بتهوفن حالما كطاووس في حديقة .. يشتعل حولك عطر الياسمين .. تنفلت من عقد جواهرها النوتات وتتقاطر على مرمرالسولفيج ... دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان .. دون ... دون .. دين .. دان ...
ثم يفتح عاشقك المنجمي أزراربيجامته الزرقاء ..
يأخذ سيجارالهافانا ..
تقاسمينه المجات بانتشاء كطفلة تتلمظ شوكلاطة ( ماكاو). وبينكما تستلقي التاسعة la neuvieme على صدر العلبة السحرية.
سيدتي مازلت لم تصدقي أن التاسعة هبت مع رياح الجنوب في جيب الرجل المنجمي عشية سبت من سنة 1978
كانت مفاجأة لك ، بأن يأتيك بتهوفن أنيقا ، بزي المايسترو الأبيض الأنيق .. والشعرالطويل ، المسدول على الكتفين كما العباقرة ... تأمرينه بفرقعة الإصبعين طق .. طق
ــ افتح قبة العلبة ثم أوقد تاسعتك كما تشاء مقمرة أم مشمسة.. صحوة أم ممطرة .. خافضة أم رافعة.. بنبراتها ونقراتها دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ... دين .. دان .. دون ...
حين بعثت إليه برسالتك معاتبة لم تتوقعي أن يهديك علبة بتهوفن حيث التاسعة أسيرة .. مغلولة بأوتارالكمان
العملاق ...في قفص ذهبي نفيس ما إن تفتحي قبته حتى يندلع عبير la neuvieme كالبخور العبق في المزارات
المقدسة .. كعطر الكولون الفواح في شارع بودلير بكازابلانكا ... أيضا ما كنت تتوقعين سيدتي أن اليد الكادحة
التي صهرت ألواح الحديد بالمطرقة والسندان والنارفي الكراج السفلي .. التي كانت تصفع الهواء فيئن ... ماكنت تتوقعين أن تبعث إليك بعلبة بتهوفن في جيب الرجل المنجمي .. تغفين وتفيقين على نسائمها .. على بروقها .. على هدوئها .. على رعودها .. على حممها ...
لربما تساءلت وأنت تتفرجين بعد عشرين سنة على ( التوب موديل ) كيف يخرج بتهوفن من جيب المنجمي العائد
من دهاليز المعدن العميق .. أنت إلى اليوم مازلت لم تصدقي كيف يرضى بتهوفن أن يأتيك في علبة سحرية ليعزف la neuvieme الفاتنة راكعا على حافة سريرك عند المساء ... و ما زلت أيضا لم تصدقي أخيرا أن في جيب البلوزة الزرقاء المعفرة بتراب السراديب ترقد التاسعة في انتظار إشارة بيتهوفن الملائكية .
يوم لملم حقائبه وودعك في قطارالواحدة بعد منتصف الليل . تذكرين أنه ضمك بقوة وكنت تفتعلين كل شيء
لحظة الوداع حتى القبلات كان يقتلعها من شفاهك الباردة كأنما ينتزعها من التمثال النحاسي البارد . لم تذرفي دمعة واحدة كما العشيقات الوفيات .
... كان سفره وبقاؤه سيان لديك والليلة لما عاد طرق الباب كالمختلس . قبلك وضمك بقوة الشوق وألقى بك على السداري في البهو وأخرج علبة بتهوفن .. قال لك اضغطي على الزرالذهبي ... و ضغطت على الزر الذهبي فصدحت السمفونية التاسعة بتلك النخوة التاريخية الراسخة واشتعلت في البيت حمى الرقصة الأرستقراطية
وحدث مالم يكن في الحسبان ، تحولت الغابة الشرسة في أعماقك إلى أنفاس من زهر الخزامى والقرنفل وفاح شذاها في كل الأركان والحفافي وكان هو يتملاك بكبرياء وزيادة مثل فارس خسر كل الحروب إلا حربك المشتعلة على ساحة صدرك العريض ...
قبل أن يعود كان الصمت .. كان الصقيع .. ورسائل المنجم الجنوبية المعبأة بعيارات الشوق التي يرسلها مع سواق
الشاحنات وكنت كل مساء تترقبينه على الشرفة .. تتسمعين في الهزيع الأخير من الليل إلى هدير التاكسي الأبيض
.. تترقبين رنات السونيت على الباب الحديدي .. وصعود الحقائب الحبلى بتذكارات أكادير وأساور تزنيت الرائعة
وتحنين إلى التماشي معه على حافة الصهريج العتيق .. والتهامس الممهور بكركرات اللقيا .. وفناجين ( نيسكافي على الشرفة .. ورغم كل ذلك لم تصدقي هذا الإنقلاب البديع حين رمى بالحقائب مخذولة في الركن وأخرج علبة بتهوفن من جيبه .. قدمها وقال لك إضغطي على الزرالذهبي .. وضغطت على الزرالذهبي . وكالمطر المداهم تسقاطت الانغام الخالدة وأخذك في انخطاف راقص وهادئ على غرار( التوب موديل ) ... يده اليمنى على خصرك واليسرى متشابكة بيمناك وحذاؤه الأسود الصقيل يتاخم تلافيف قفطانك الطاووسي المجرور على الزليج وعيناكما وسط الطريق تتلاطمان كالخلجان الصافية وبتهوفن بينكما مندسا كطفل مدلل أو مخفورا مثل نبي يزهو بتاسعته la neuvieme ...
دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون .. دين .. دان .. دون ..
و يغلق عليكما الباب عليكما وينصرف.. ينصرف نشوانا بالميثاق السمفوني العتيق بينكما
ـــ تصبحان على خير...




عبده حقي
مايو 2007