السلوك الهستيري في طقوس الزار



حسن غريب

______________________________________

ينعكس السلوك الهستيرى في طقوس الزار في الخوف من الأرواح، الذى يعتري المريضة التى تصاب بحالة من الهياج والانفعال، يصل بها الى درجة الغيبوبة. يمكن تفسير اللجوء للسلوك الهستيري ميكانيزماً دفاعياً، وهو ما يرى فيه جيلفورد (جيلفورد،672:1975) نتاجاً لوجود عدة استجابات تنزع الى تعويض، أو نتاجاً لصراع، ويتم استخدام الميكانيزم الدفاعي لأجل التوافق والتكيف. من المعروف أن الهستيريا تمارس تأثيراً على الحواس والحساسية الحشوية وعلى الجهاز الحركى، وتؤدي أحياناً الى تفكك في نظام الشخصية ويذهب بعض العلماء الى تفسير الأرواح تفسيراً علمياً، حيث يرجعونه الى انشطارات ذهنية جزئية (تعدد شخصيات، وخيالات، وأوهام، وتصورات ذهنية مصاحبة) تسيطر على ذهن المريض المرهق جسدياً بفعل الطقوس، وتؤدي به الى نوع من الهلوسة. فالمريض المنهك الغارق في الصخب الطقوسي تعتريه أوهام من صنع العقل ذاته، تمثل مخرجاً لمحتويات اللاشعور. تصور الهلوسة حاجات المريض النفسية ودوافعه ورغباته، وتحدث في اللحظات التى يضعف فيها الانتباه. وقد صور "سادلر" الهلوسة والتوهم بأنها مرحلة متصلة بالخيال (وإن كانت مستقلة بذاتها) وتعد وسيلة للعقل البشري! ولا شك أن هناك مجموعة من الناس لديهم ملكة فياضة من التوهم؛ حتى أصبحت شخصياتهم منفصلة عن الواقع، وهذا موجود بالفعل بين مختلي الأعصاب والهستيريين وغيرهم من الذين يمارسون الطقوس الروحية (سادلر، 33:1964).



يمكننا تفسير السلوك الصادر في هذه الممارسات بأنه نابع عن دوافع وحاجات نفسية واجتماعية، أو تفسيره وفقاً لمدرسة التحليل النفسى بـ"مبدأ اللذة والألم"، بينما نرى الجشطالتيون يقولون بأن الكائن الحي يميل الى الاحتفاظ بحالة من التوازن في علاقته بالبيئة المادية والاجتماعية، فإذا اختل التوازن بحالة من التوتر سارع الفرد بنوع من السلوك الظاهر لاستعادة التوازن (مثال السلوك الهستيري واستدرار العطف).



ومن النتائج التى توصلت إليها في أطروحة سبق أن تقدمت بها لنيل الماجستير عد الرقص والانفعال في الحركات التعبيرية وسيلتبن دفاعيتين (أو توافق هروبي). ويتم ذلك من خلال عملية التفريغ عبر الحركات والانفعال، اللذين يمكن عدهما بمثابة تطهير لنفسية المريضة. إن الانفعال الناتج عن ممارسة الطقوس يشتمل على جانب معرفى، ذلك أن التغيرات الفسيولوجية لا تتسبب وحدها في الانفعال فإنه يحتاج الى تقييم معرفي لوضعية المثير. تبدأ المعرفة بالادراك والتقييم ونتيجة هذا التقييم يحدث الانفعال، ويكون التعبير في أنماط الانفعال عبر استجابات فسيولوجية، تتبع الميل الذى تشعر به المريضة الممارسة للطقوس، ويمثل هذا الجانب الادراكي والمعرفي والقييمى لدى المريضة الممارسة؛ لاعتقادها في إمكانية استدراج الروح التى تلبستها سعياً لارضائها وعقد أواصر السلام والوئام معها. ومن ثم فإن هذه الطقوس تمثل بالنسبة للمريضة استراتيجية رئيسة لتأمين ذاتها، ودرءاً للخطر الذى يتهددها وابعاداً لخوفها الدائم.



وتحتوي الممارسات التعبيرية أيضاً على علائم النقلة والطرح بمعاناة المريضة التى تتقبلها الشيخة المعالجة، ونعلم أن هذا المصطلح يعني "العملية التى تتجسد بواسطتها الرغبات اللاواعية من خلال انصبابها على بعض الموضوعات، فمن اطار نمط من العلاقة التى تقوم مع هذه الموضوعات وأبرزها العلاقة التحليلية" (جان لابلانش وبونتاليس،574:1979). وقد دعمت هذه الفرضية اليزابيث موسون بقولها: "أما الطقوس الممارسة في المس الشيطاني، مثلاً الزار، فنلاحظ أن لهذه العلاجات مفعولاً تطهيرياً وكذلك نلاحظ علائم النقلة التى يمكن مشاهدتها تحدث في أشرطة الفيديو" (اليزابيث موسون،80-79:1992). خلاصة القول فإن المريضة قد تستعيد توازنها، وذلك من خلال اسقاطها للتشنجات أثناء رقصها الهستيري الطابع في الأجواء الاحتفالية ذات السياق الرمزي.



السياق الرمزي للمارسة الطقسية

الممارسة الاحتفالية الراقصة بوصفها فناً نجدها مفعمة بالرمزية التعبيرية المتنوعة، بكل ما تحويه من فنون سواء في اختلاف المادة المستخدمة أو أسلوب التعبير والموضوعات التى تعبر عنها تلك الطقوس أو في هدفها. ولعل هذا يرجع للتأثير الأفريقي في معظم الطقوس، عبر عن ذلك ني يارتلى بقوله: "تشكل الفنون التقليدية جزءاً من الحياة اليومية للأفريقي فهو يغني ويرقص ويمسرح أفراحه وأحزانه، ويعبر عن مشاعره الدفينة بمهابة في أزيائه وألوانها وأنماطها المختلفة وبكثير من الرمزية. (وبجانب هذا اشباع الحاجة الاجتماعية للدعم الجماعي)" (Nii-Yartley,1989: 57- 58). أو قول فينا شارما: "تكمن روح المرح في الاحتفال الذى يمثل مظهراً خارجياً للعادات أو العبادات، وهو المصدر الأول لحرية الإنسان ومناعته في المجتمع. وفي الاحتفال والوليمة هما انعكاس لتناغم أساسي وجوهري مع العالم، إنهما جزأن ضروريان وأساسيان لوجود الإنسان... في قلب الاحتفال تكمن المعرفة والقبول والغرابة.. فالمجتمعات التقليدية خصصت مساحة معينة للأداء الطقوسي للتضحية والوليمة" ( (Veena Sharma,1988: 67- 74