الحلبي كثير من الطرائف من نسج الخيال
المالح الدخـــــول الى البيـــت الدمشـــقي يشبـــه الدخــــول الى الجنــــة
مراد قصــــاب حســــن أراد ان يحــــــاكي كتّاب السيـــــر الشعبيــــــــة

ما قصة البيت الدمشقي الذي قيل عنه: الداخل اليه كالداخل الى الجنة...؟ وما قصة سور دمشق من كان داخله كان دمشقياً ومن كان خارجه مشكوك في دمشقيته؟ ...وما قصة ذاك الذي اعتذر عن السفر لباريس بسبب الباذنجان الدمشقي ؟...
وللاجابة عن كل ما ورد يكفي ان نقرأ كتاب «حديث دمشقي» لنجاة قصاب حسن الذي يعده الكثيرون من اهم ظرفاء دمشق وقد كان موضوعاً لندوة كاتب وموقف التي يديرها عبد الرحمن الحلبي واستضاف فيها ياسر المالح- مروان مراد- محمد خير عبد ربه.

حديث دمشقي
ويتضمن الكتاب في صفحاته ما استطاع نجاة قصاب حسن ان يجمعه من عادات وتقاليد وطرائف وذلك باسلوب خفيف الظل وهذه احدى سماته كما يقول عبد الرحمن الحلبي كما نتعرف من خلال الكتاب على البيت الدمشقي: عمارته ومطبخه الذي اشتهر به واهم المأكولات الشامية المعروفة ويعتقد الحلبي ان كثيراً من الطرائف التي وردت فيه هي من نسج الخيال اكثر مما هي من العراقة، ويشير ياسر المالح وهو صديق لنجاة قصاب حسن لمدة 40 عاماً الى ان الذي جعل قصاب حسن احد ظرفاء دمشق هو تفاعله الكبير مع الناس وقربه منهم فما ان يتواجد في جلسة ما تأتي الفكاهات منه تباعاً مرتجلة فكان بحق نجم الجلسات الجميلة ، وحول مصطلح «الموروث الشعبي» ابتعد المالح عن الدخول في تفاصيله بشكل اكاديمي مشيراً الى ان هذا المفهوم يتضمن الانسان والمكان والزمان والانسان هنا هو الدمشقي، اما المكان فهو دمشق داخل السور وخارجها وهو هنا يختلف مع بعض الذين يؤمنون ان الدمشقي هو من كان يعيش داخل السور فقط ، وذلك انطلاقاً من قناعته ان دمشق هي دمشق داخل وخارج السور.
وحول الزمان الذي تناوله قصاب حسن في كتابه والمحدد ما بين 1884- 1983 يعتقد المالح ان هذا التاريخ افتراضي موضحاً في الوقت نفسه قصاب حسن كان شخصاً متمرداً.
وبالحديث بشكل موسع عن دمشق كمكان تحدث عن الحارات الضيقة التي اشتهرت بها حيث التواصل قائم بين جميع الجيران فالبيوت تكاد تكون متصلة وقد عزا قصاب حسن ضيق الحارات والشوارع لاسباب امنية ودينية شرحها مفصلاً المالح في حديثه...اما الشكل الخارجي لبيوت دمشق القديمة والتي لا تعبر عما بداخلها فإن سببه هو الرغبة في التمويه والايحاء للغريب الذي يريد شراً بها بما ليس فيها في حين ان احدهم قال عنها : الدخول للبيت الدمشقي يشبه الدخول الى الجنة.
ويصف المالح البيت الدمشقي وصفاً دقيقاً مشيراً الى ان ما يسمى الليوان فيه هو اول خشبة مسرح مبيناً ان الهندسة المعمارية للبيت الدمشقي تأخذ بالألباب وفي جانب اخر من حديثه تطرق الى الالفاظ الشامية التي تسلط عليها المسلسلات الضوء ورأى ان معظم هذه المسلسلات تتناول الألفاظ الصادرة عن الاميين حيث للمثقف لغة مختلفة وبالتالي فإن دمشق كما بين انما كانت تتكون من عدة فئات : الفئة الامية والمتعلمة والمثقفة والاولى هي الغالبة في الاعمال الدرامية التي تتحدث عن البيئة الشامية مؤكداً الى انه هنا لا يتهم هذه الفئة بالتخلف حين يصفها بالامية وانما هو توصيف لها ليس اكثر لانها فئة تتمتع باخلاق وصفات جيدة ذات خصوصية .
أما مروان مراد فيشير في حديثه انه لم يكن قريباً من قصاب حسن وانما كان متابعاً له عبر نشاطاته المتعددة وما لفت انتباهه في كتاب «حديث دمشقي» كان الاهداء الذي قدمه قصاب حسن لابناء شعبه الطيبين الذين يحبون دمشق صاحبة القلب الكبير وهذا يعبر برأيه عن الحب الكبير الذي كان يكنه للمدينة وناسها ويعتقد مراد أن قصاب حسن في هذا الكتاب اراد ان يحاكي من سبقه من كتّاب السير الشعبية.
كما تحدث مراد عن الناحية الوطنية التي ابرزها قصاب حسن في هذا الكتاب، حيث ذكر ان ميزة دمشق ليست في غوطتها وبردها وقاسيونها ، وإنما في رجالاتها وشخصياتها الوطنية التي قاومت الاستعمار وفي جانب آخر ذكر مراد ان قصاب حسن حكى عن المهن الدمشقية الطريفة وأسماء الاحياء وتعاضد اهل الحي وحكى عن احتفالاتهم كماخصص فصلاً كاملاً عن ما يسمى بـ«الذكرتي» وهو الرجل العفيف صاحب المروءة والبيت الدمشقي الذي يقطنه ونداءات الباعة ورأى ان« حديث دمشقي» كتاب حافل بكل ما نود معرفته عن « دمشق واهلها» متضمناً كل فصل من فصوله فكاهات لطيفة ، وهنا استشهد مراد ببعض الطرائف الموجودة في الكتاب، في حين تطرق محمد خير عبد ربه الى احوال الدمشقيين في تلك الفترة موضحاً ان معظمهم كانوا من التجار والحرفيين المهرة وحين اتى تيمورلنك ارسل هؤلاء الحرفيين الى سمرقند فانتشر الباعة الجوالون الذين كانوا يتفننون بنداءاتهم كبائع العرقسوس والتمر هندي وبائع الجزر والخيار وذكر هنا بعض النداءات المتداولة آنذاك والتي ذكرها قصاب حسن في كتابه .
كما خصصت الندوة قسماً مهماً منها للحديث عن الطبخ الشامي ومأكولاته الشهيرة ومكانة الباذنجان فيه والتي دعت احدهم ليعتذر عن السفر لفرنسا بسبب وجوده في دمشق وما يمكن ان يصنع ويصدرمنه من مأكولات طيبة المذاق وقد خصص لها قصاب حسن ركناً مهماً في كتابه واصفاً طريقة اعدادها وصفاً دقيقاً فبدى وكأنه يتغزل بها .


متابعة : امينة عباس



جريدة البعث